قبل أن يتوفر لقاح جدري الماء، كانت تُقام ما يُعرف بـ “حفلات جدري الماء”، وهي تجمعات يقوم الأهالي فيها بتعريض أطفالهم بشكل متعمد لطفل مصاب بهذا المرض ليُصابوا به، وبالتالي يكتسب مناعة مدى الحياة.
وبشكل مشابه، ركز تيم فريد، وهو عالم متخصص في الزواحف وجمع الأفاعي تعلم بنفسه من خلال ممارساته وتجاربه الذاتية، على هدف واحد وهو اكتساب مناعة ضد لدغات الأفاعي السامة بتعريض نفسه بشكل متكرر لجرعات صغيرة من سم الأفاعي من أكثر من 12 نوعًا من الأفاعي الأشد سمية في العالم. ولكن على العكس من جدري الماء، تعتبر المخاطر في هذه الحالة أعلى بكثير لأن اللدغات التي يتعرض لها قد تكون قاتلة.
بدأ تيم بتناول جرعات مخففة من السم وواصل هذه الممارسة على مدى ما يزيد عن 20 عامًا وأعطى نفسه أكثر من 700 جرعة وعزز فعالية الجرعات بمرور الوقت، حيث نتج عن ذلك قدرته على النجاة من لدغات أفاعي الكوبرا والتايبان التي تُعتَبَر واحدة من أكثر الأفاعي سُمِّيَّة على مستوى العالم، والمامبا السوداء والأفاعي الجرسية وغيرها، لاسيما أنه تعرض للدغ أكثر من 200 مرة.
وتمثل هدفه المبدئي، كخبير أفاعي، في تطوير مناعته الذاتية في حال تعرضه للدغة من ثعبان، ولكن بعد أن بلغ مستوى مناعته النهائي، تطور هدفه لتعزيز دور العلماء في الاستفادة من دمه في مجال إنتاج مضادات السموم.
IMAGE: Shutterstock
وتسببت تجاربه هذه في تعريضه لمواقف شديدة الخطورة، خاصةً في البداية عندما تعرض للدغتين من أفعتي كوبرا وأصيب بغيبوبة، ولكن على الرغم من ذلك لم يتوقف عن مواصلة محاولاته.
وقال تيم في مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“: “تحول الأمر إلى أسلوب حياة بالنسبة لي، وواصلت السعي والمضي قدُمًا بكل ما أملك من قوة من أجل الأشخاص الذين يبعدون عني مسافة 8.000 ميل والذين يموتون بسبب لدغات الثعابين”.
يُقدَّر عدد الأشخاص الذين يتعرضون للدغات الأفاعي سنويًا نحو 5.4 مليون شخص، يتراوح منها مابين 80,000 إلى 140,000 حالة تنتهي بالوفاة. ويُعاني ما يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا العدد من إعاقات غيرت مجرى حياتهم، مثل اضطرابات النزيف والفشل الكلوي والبتر. ويُعتَقَد على الرغم من ذلك أن هذه الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أقل كثيرًا من الأرقام الفعلية.
تُعَد التقارير الإحصائية الصادرة عن العديد من الدول بشأن لدغات الأفاعي غير كافية.
ويشير ذلك إلى أن العالم يحتاج إلى مضاد سموم شامل أكثر مما يُقدَّر.
بادر تيم، في عام 2017، بتقديم نفسه للاختبار أمام المجتمع العلمي، مما أدى إلى تعاون مع جيكوب غلانفيل، وهو عالم متخصص في أنظمة المناعة الحوسبية ورائد أعمال.
“أشعر بالفخر حقًا لأني أستطيع أن أفعل شيئًا في حياتي من أجل البشرية”
– تيم فريد25 مايو 2025 اقتباس اليوم – نيويورك تايمز
تأسست شركة “سينتيفاكس” في عام 2019 وشغل فيها تيم منصب مدير علم الزواحف (فرع من علم الحيوان يبحث في البرمائيات والزواحف) وتتخصص في التكنولوجيا الحيوية مع التركيز على تطوير اللقاحات.
يُعد تطوير مضاد عالمي للسموم أمرًا صعبًا، لأن السموم تختلف باختلاف أنواع الكائنات. لذلك، يجب أن يكون كل مضاد متوافقًا مع نوع السم المعالَج بدرجة كبيرة.
وفقًا لذلك، ركز الباحثون في “سينتيفاكس” و”مركز بحوث اللقاحات، التابع للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية” في الولايات المتحدة، جهودهم على الأجزاء المشتركة في السموم ضمن فئات مختلفة بهدف تطوير مضاد سموم شامل.
قام الباحثون بفحص دم تيم لتطوير دفاعات مقاومة ضد 19 نوعًا من أفاعي العرابيد (وهي عائلة من الأفاعي شديدة السُّمِّيَّة تضم أخطر الأفاعي على الكوكب)، حيث وجدوا اثنين من الأجسام المضادة القوية التي تعمل ضد نوعين من السموم العصبية، ثم أضافوا إلى ذلك دواءًا يستهدف سمًا ثالثًا ليكوّنوا مزيجًا من مضاد السموم الفعال.
ونجت الفئران في المختبر بعد أن تلقت جرعات قاتلة من سموم 13 نوعًا من أفاعي العرابيد الـ19، حيث حققت دفاعًا جزئيًا ضد الأنواع الستة المتبقية.
لا يزال البحث، الذي نُشر في مجلة “سيل“، يتواصل، حيث يسعى الفريق البحثي إلى تحسين مضاد السموم ليشمل جميع أنواع الأفاعي الزاحفة والعمل على تطوير هذا الإنجاز لخدمة الآخرين في المستقبل.
إقرأ المزيد حول هذا الموضوع: البحث في الطبيعة عن أدوية أفضل