التعدين على القمر

تمحور سباق الفضاء في الستينيات حول من ستطأ قدمه القمر أولًا، وعلى الرغم من عدم تغير الفائزين في ذلك السباق، إلّا أن سباق الفضاء يختلف تمامًا في يومنا هذا: فالسباق اليوم يتعلق بمن سيتمكن من البناء على القمر أولًا.

بعد مرور أكثر من 50 عامًا على هبوط الإنسان على سطح القمر، تعمل اليوم الصين والولايات المتحدة على تشييد منشآت سكنية طويلة الأمد.
لكن لماذا نريد البناء على القمر؟

تنطبق هنا قاعدة الأولوية لمن يسبق، فلا أحد يملك القمر – حيث لا يوجد تقسيم حدودي ولا نزاع على ملكية الأراضي ولا يقطن فيه سكان أصليون من الفضائيين لنضطر إلى التفاوض معهم (حسبما نعرفه) – وبالطبع يُمكن أن يتطلع الجميع إلى استغلال الفرص والموارد المتاحة فيه دون الحاجة إلى التفاوض مع كيان آخر.

وعلى الرغم من أن معاهدة الفضاء الخارجي تنص على أنه لا أحد يملك القمر ولا يمكن لأحد أن يمتلك أجزاءً منه، إلا أن قواعد الشركات الخاصة غامضة، ففي عام 2020، أصدرت إدارة ترامب الأمريكية أمرًا تنفيذيًا يسمح للشركات الخاصة بالتعدين على القمر.

IMAGE: داريا كاوا ميرزا
رحلة عبر التاريخ لاكتشاف المياه على سطح القمر

وضع العلماء نظريات حول وجود الماء على القمر لعدة قرون، ابتداءً من المحيطات القمرية الوفيرة وصولًا إلى الحطام الصخري القاحل، لطالما كانت نظريات وجود الماء على سطح القمر متطرفة، إلّا أنه لم يعد هناك حاجة للنظرية، إذ يقدم سطح القمر أجوبة على سؤال: هل يمكنني الحصول على شربة ماء على القمر؟

اتبع العلم لأنه يكشف كيف قادتنا النظريات المبكرة إلى ما نعرفه اليوم Read more›››

1645: رسم عالم الفلك الهولندي مايكل فان لانغرين، أول خريطة للقمر، والتي أشارت إلى أن الثقوب المظلمة الموجودة على القمر والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة هي محيطات.

1892: اقترح عالم الفلك الأمريكي ويليام بيكرينغ أنه نظرًا لعدم وجود غلاف جوي للقمر، فإن أي ماء سوف يتبخر.

1960: افترض العلماء أن البرودة الشديدة لأجزاء من القمر والتي لا ترى الشمس أبدًا يمكن أن تكون موطنًا للمياه المتجمدة.

1969 – 1972: يكتشف العلماء بأن الحطام الصخري الذي جمعته بعثة أبولو خالٍ من الماء.

2008: إعادة فحص عينات التربة القمرية تكشف عن جزيئات ماء.

2018: أكد فريق من العلماء وجود جليد داخل الحفر في قطبَي القمر، حيث لا ترتفع درجة الحرارة هنا عن -250 درجة فهرنهايت أبدًا.

2020: ناسا تؤكد وجود الماء على الأسطح المضاءة بنور الشمس أيضًا.

2023: تكتشف البعثة الصينية خرزات زجاجية صغيرة تحتوي على الماء في التربة القمرية وتحديدًا في المواقع التي تصطدم فيها النيازك بالقمر، حيث توجد مليارات وربما تريليونات منها على السطح، ولا يتجاوز حجم كل واحد منها عرض شعرتين‹‹‹ Read less

والآن بعد أن علمنا أن القمر ليس مصنوعًا من الجبن، يبذل اللاعبون قصارى جهدهم ليحصلوا على عينات منه ويتعرفوا على مكوناته.

ولأنهم يريدون ذلك بشدة، يجب أن تفوق النتيجة توقعاتهم أليس كذلك؟

نأسف لتخييب آمالكم ولكن الأمر لا يختلف كثيرًا عما يوجد هنا على الأرض، باستثناء حفنة من المعادن الجديدة.

يقول إيان كروفورد، أستاذ علوم الكواكب وعلم الأحياء الفلكي في جامعة بيربيك في لندن: “الأرض والقمر مصنوعان من المادة نفسها، لأن النظام الشمسي مصنوع من نفس المادة”.

  مواد من مصادر محلية

المشكلة هي أن الأشياء الموجودة هنا على الأرض لا تساعدنا في بناء المنشآت في الفضاء، وهذه هي الخطة طويلة المدى: البناء على القمر دون نقل المواد من الأرض أو حرمان الأرض من مواردها.

“يجب ألّا ننسَ التكلفة”، كما يقول شون سواي، مدير مركز تكنولوجيا الفضاء والابتكار في جامعة خليفة. “حيث تُقاس التكلفة هنا على الأرجح بمقدار الطاقة اللازمة لإجراء التعدين والتحويل. على سبيل المثال، يكلف إرسال لتر واحد من الماء إلى القمر حوالي 1.2 مليون دولار أمريكي، فإذا تمكنا من التوصل إلى مركبة إطلاق أكثر فعالية، فقد تنخفض التكلفة إلى 10 آلاف دولار أمريكي. وبالتالي، قد يظل نقل حمولة كبيرة إلى القمر أمرًا معقولًا على الرغم من أننا لا نزال نرغب في تمكين استخدام الموارد في الموقع الأصلي من أجل الاستدامة.”

  التقدم جارٍ

أعلنت وكالة ناسا في عام 2022 أنها استأجرت أربع شركات خاصة للتعدين على سطح القمر. أول واحدة هي “لونار أوت بوست” وهي شركة مهمتها توطين البشر على القمر، حيث كلف “لونار أوت بوست” وكالة ناسا دولارًا أمريكيًا واحدًا مقابل قيام المركبة الجوالة التابعة للشركة الخاصة بالحصول على جزء من التربة القمرية والتقاط صورة لها ونقل الملكية إلى وكالة ناسا.

شهد هذا بداية الاستغلال التجاري للمعادن القمرية، كما أنه يمثل الإجراء الأول في خطة ناسا لبناء مسكن طويل الأمد للبشر على سطح القمر بحلول عام 2030، حيث أطلق برنامج “أرتيمس” التابع لناسا مرحلته الأولى لاختبار مركبته الفضائية غير المأهولة بالبشر الضخمة الجديدة في عام 2022، وعادت بنجاح إلى الأرض مع جميع دمى عرض الملابس والألعاب المحشوة على هيئة “شون ذا شيب” دون أن يصاب أي واحد منها بأذى. ستأخذ “أرتميس 2” رواد فضاء في رحلة حول القمر، وستختم “أرتميس 3” المشروع بهدف نهائي ألا وهو تشييد منشآت سكنية.

  طباعة مكان للعيش

لا شك بأن تلك القواعد ستكون بحاجة إلى مواد بناء يتم إنتاجها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وهنا يأتي دور تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.

سبق أن استخدمت وكالة ناسا تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في الماضي على محطة الفضاء الدولية، وذلك باستخدام الحطام الصخري للقمر لأغراض بحثية، ولكنها أعلنت في عام 2022 منحها عقدًا بقيمة 60 مليون دولار أمريكي لشركة أوليمبوس للبناء التكنولوجي لبناء طابعة ليزر ثلاثية الأبعاد على كل من القمر والمريخ.

انضمت الصين أيضًا إلى سباق الطباعة ثلاثية الأبعاد، فوفقًا لتقرير رويترز لعام 2023، تأمل الصين أن تستخدم التكنولوجيا لطباعة محطة قمرية ثلاثية الأبعاد، وتشمل مهمتها لعام 2028 تصميم روبوت تتمثل مهمته في بناء لَبِنة باستخدام معادن القمر.

وفي الوقت نفسه، تعمل جامعة خليفة على التجميع الذاتي/الروبوتي للبنى التحتية الكبيرة للمساكن على القمر.
ويحتدم السباق.

يهدف برنامج الفضاء الصيني أيضًا إلى تعدين القمر لأغراض الاستكشاف، وفي حين أن بناء مأوى آمن ومستدام على القمر يعد أمرًا بالغ الأهمية لجميع اللاعبين، فإن اكتشاف مصادر الطاقة المحتملة لا يقل أهمية.


CAPTION: قد تبدو هذه الصورة غريبة بعض الشيء ولكن هذه هي الألوان الحقيقية لسطح القمر (مع بعض التعديلات البسيطة لتمييزها وجعلها أكثر وضوحًا). تتسبب المعادن الموجودة هناك بظهور هذه الألوان، حيث تتلون المناطق الغنية بالحديد باللون البرتقالي، بينما تتلون المناطق الغنية بالتيتانيوم باللون الأزرق.IMAGE: ريتش بسواس

وفي هذا الصدد، فقد اكتشفت الولايات المتحدة وروسيا خمسة معادن جديدة على القمر، إلّا أن بعثة الصين إلى القمر في عام 2020 أسفرت عن اكتشاف معدن سادس، ألا وهو معدن فوسفوري يحمل اسم: “تشانغ سايت-واي”. وعلى الأرض، حيث يلعب الفوسفات دورًا أساسيًا في نمو النبات، وعلى الرغم من أننا لا نعرف بعد ما سيكشفه الفوسفات عن بلورات القمر أسطوانية الشكل، إلا أنه يمكن أن يكون مصدرًا محتملًا للطاقة في تلك الزيارات طويلة المدى إلى القمر.

يحلل العلماء في الصين بلورة “تشانغ سايت-واي” على أنها تحتوي على نظير الهيليوم 3، الذي يُعرف بندرته على الأرض.

  مادة نووية أفضل؟

يقول جيرالد كولسينسكي، المدير الفخري لمعهد تكنولوجيا الاندماج بجامعة ويسكونسن ماديسون، يمكن أن يغير هذا الاكتشاف قواعد اللعبة في مجال الطاقة.

ويضيف: “يمكن أن تنتج كمية الطاقة الموجودة في الهيليوم 3 على القمر، كل الكهرباء اللازمة على الأرض لمدة 1000 عام تقريبًا”.

يقول كولسينسكي بأن رواد الفضاء من برنامج أبولو الأمريكي اكتشفوا في عام 1970 أن الهيليوم 3 موجود في كل عينة تقريبًا تؤخذ من القمر.

ينفث الهيليوم-3 بواسطة الشمس وينتقل عبر النظام الشمسي بواسطة الرياح الشمسية. إلّا أن المجال المغناطيسي للأرض يصد الهيليوم-3، فلا يخترق غلافها الجوي إلّا كمية صغيرة منه.

ومع ذلك، يحتوي القمر على حوالي مليون طن متري من المادة، كما يقول كولسينسكي لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا.

يمكن أن تكون موارد القمر بمثابة منجم ذهب للطاقة النووية، ويقول الخبراء أن 40 غرامًا (ثماني ملاعق صغيرة) من الهيليوم-3 يمكن أن توفر طاقة تعادل 5000 طن من الفحم.
ونظرًا لأن الهيليوم-3 ليس مشعًا في حد ذاته، فيمكنه نتيجة لذلك أن يوفر طاقة نووية أكثر أمانًا ونظافة.

يقول كولسينسكي: “يُعد الهيليوم-3 أحد أنواع الوقود الاندماجي المتقدم الذي يمكنه إطلاق كميات هائلة من الطاقة مع تفادي عيوب الغازات الدفيئة الناتجة عن الوقود الأحفوري أو الكميات الكبيرة من النفايات المشعة الناتجة عن مفاعلات الانشطار”.

  ماذا بقي في جعبة القمر؟

نظرًا لوفرة موارد الطاقة على القمر، لابد وأنك تعتقد أن القمر يحتوي على المزيد من الأصول الأخرى التي لم تُستغل بعد.
يقول كروفورد من جامعة بيربيك: للأسف، قد تكون مخطئًا.

يعتقد كروفورد بأنه على الرغم من أننا لم نستكشف بعد جزءًا كبيرًا من القمر، إلّا أنه لن يكون هناك أي اكتشافات مستقبلية مهمة تفيدنا على الأرض، كما يؤكد أن هذا السباق يدور حول ما يمكننا استخدامه أثناء وجودنا في الفضاء – سواء كان ذلك محطة قمرية أو فندق جيف بيزوس في المدار الأرضي المنخفض – وما يدفع الصخب الإعلامي حول الموضوع هو عامل السياسة الجغرافية.

“إنه لأمر مثير للاهتمام ومهم من وجهة نظر علمية، وعلى الرغم من أن عدد المواقع التي جمعنا وحللنا عينات منها لا يتجاوز 10 على سطح القمر، إلا أنني أشك في أن نشهد أية مفاجآت كبيرة ذات أهمية”، كما يقول في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا”.

الحدود النهائية لقوانين الفضاء

لا يخضع الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، للتملك الوطني بدعوى السيادة أو عن طريق استخدامها أو احتلالها أو بأي وسيلة أخرى، وذلك وفقاً معاهدة الفضاء الخارجي

في عام 2122،اكتشفت قاطرة فضائية مملوكة لشركة “ويلاند يوتاني” والتي تم تحويل مسارها بواسطة إشارة استغاثة، أصولًا يُحتمل أن تكون قيّمة على كوكب بعيد، إلا أن الشركة المنافسة “بلو سن” تقول إنها سجلت مطالبة بالملكية الفكرية على الموارد الحيوية للكوكب على الرغم من أنها لم ترسل فرقًا إليه مطلقًا.

من الأحق بالفوز في المحكمة؟ تدور أحداث هذا السيناريو في المستقبل البعيد، إلّا أن القانون الذي قد يستند إليه القرار متجذر في ماضينا.

|  الأفراد في الفضاء

لدى جميع البلدان قوانين وقواعد وهيئات إدارية تحدد ما هو قانوني وما هو غير قانوني، والمهاجر إلى بلد جديد يتبع نظامًا قانونيًا جديدًا. ولكن ماذا عن الانتقال إلى كوكب أو محطة فضائية جديدة؟ لأي سلطة قضائية سيخضع منزلك الجديد؟ وهل سيخضع لأي سلطة يا تُرى؟

يمكن أن يكون القانون البحري أحد النماذج التي يمكن اتباعها، فعندما تكون السفينة في المياه الدولية، تنطبق عليها قوانين دولة التسجيل، فتتبع سفينة سياحية أمريكية في وسط المحيط الهادئ النظام القانوني الأمريكي، وفي حالة انجراف تلك السفينة إلى المياه الإقليمية لدولة أخرى، فإنها ستقع ضمن السلطة القضائية للدولة التي تتواجد فعليًا في إقليمها.

حاليًا، تُعتبر المركبة الفضائية امتدادًا لبلدها الأصلي. لذلك، ينطبق نموذج المياه البحرية الدولية أثناء ركوبك حافلة النقل الفضائية متوجهًا إلى منزلك الجديد على القمر، ولكن الأمور تصبح معقدة .عند الهبوط

وفقًا لمعاهدة عام 1967 بشأن المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى (المعروفة أكثر باسم معاهدة الفضاء الخارجي)، فإن “الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى لا تخضع للتملك الوطني بدعوى السيادة أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال أو بأي وسيلة أخرى.”
وبما أن الفضاء ليس ملكًا لأحد – لا يوجد قانون ينطبق بشكل عام على الجميع.

وفقًا لمبدأ “الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية”، يخضع الإنسان لقوانين وطنه حتى إذا كان خارج أراضيه. فعندما يتواجد شخص ما في بلد آخر، تحل قوانين ذلك البلد محل قوانين بلده الأصلي – ولكن عندما لا يكون في أي بلد، كما هو الحال على القمر، فإن قوانين بلده الأصلي تنطبق عليه، فيمكن أن يخضع شخصان على القمر لقوانين مختلفة.

وتنص اتفاقية المحطة الفضائية لعام 1998 على أنه “يجوز لكندا والدول الشريكة الأوروبية واليابان وروسيا والولايات المتحدة ممارسة الولاية القضائية الجنائية على الأفراد الموجودين في أي جسم طائر أو على متنه والذين هم من مواطنيهم”. تنطبق الولاية القضائية خارج كوكب الأرض.

كتب يون تشاو، رئيس قسم القانون في جامعة هونغ كونغ في مقال لمجلة سياسة الفضاء: “لا تدخل الأجسام والأفراد الموجودة داخل الأجسام الفضائية، والتي تُنقل من الأرض إلى الفضاء الخارجي، في فراغ قانوني أثناء إقامتهم، حيث يبقون على علاقة قانونية مؤكدة مع الأرض. ويتم الحفاظ على هذه العلاقة القانونية وربطها عن طريق التسجيل”.

تتطلب اتفاقية تسجيل الأجسام المُرسلة في الفضاء الخارجي من الكيانات تسجيل الأجسام الفضائية والحفاظ على ذلك التسجيل. تمامًا كما ينص القانون البحري، ولكنه هذه المرة في الفضاء الواسع بدلًا من أن يكون بين أمواج البحر. وفقًا لتشاو، سواء كان الجسم الفضائي حكوميًا أو غير حكومي فلا أهمية لذلك: فإذا أطلقت شركة أمريكية مركبة فضائية، فهي مركبة فضائية أمريكية وأي شخص على متنها يخضع للقانون الأمريكي.

ذهب حتى الآن أقل من 700 شخص إلى الفضاء، وخطط الجميع للعودة، ولكن ما الذي سيحكم أولئك الذين يختارون البقاء هناك؟

المستوطنات البشرية خارج كوكب الأرض

تعمل إدارة الفضاء الوطنية الصينية على تطوير برنامجها الفضائي بسرعة، بما في ذلك الهبوط الناجح لمركبة متجولة على الجانب البعيد من القمر في عام 2019، وعلى المريخ في عام 2021. وقد أعربت عن اهتمامها بإنشاء قاعدة قمرية مأهولة وخطط لإرسال بعثات مأهولة بحلول عام .2030


لا يخضع الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، للتملك الوطني بدعوى السيادة


تتمتع وكالة الفضاء الاتحادية الروسية بتاريخ طويل في استكشاف الفضاء، وقد أعربت عن اهتمامها بإنشاء قاعدة قمرية بالتعاون مع دول أخرى.وتخطط ناسا لإرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول عام 2024 في إطار برنامج “أرتيمس”، مع خطط لاستكشاف الفضاء واستيطانه على المدى الطويل. وتهدف دولة الإمارات خلال الأعوام المائة المقبلة إلى إقامة مستوطنة بشرية على المريخ.علمتنا الاستكشافات التاريخية على الأرض أن من يصل أولًا يحق له المطالبة بالأرض.

ولكن هل يمكن أو يجب أن ينطبق هذا على الفضاء الخارجي؟

في الغالب، يُعد استكشاف الفضاء الحالي جهدًا تعاونيًا دوليًا، ذلك لأن تحديات استكشاف الفضاء واستخدامه هائلة ولا يمكن لأي دولة أن تحققها بمفردها، ولكن من خلال العمل معًا، تستطيع البلدان تجميع مواردها وتبادل الخبرات ونشر مخاطر وتكاليف استكشاف الفضاء. تُعتبر محطة الفضاء الدولية، مثالًا رئيسًا للتعاون الدولي الناجح في مجال الفضاء، وهو أمر يصعب تحقيقه إن لم يكن مستحيلًا، إذا لم تتم إدارته من خلال شراكة بين خمس وكالات فضائية: ناسا ومؤسسة روسكوزموس الحكومية للأنشطة الفضائية ووكالة الفضاء الأوروبية وكالة استكشاف الفضاء اليابانية ووكالة الفضاء الكندية.

يعد استكشاف الفضاء جهدًا عالميًا بطبيعته، وإن استمرت روح التعاون هذه، فإن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 قد تكون كافية لحماية مصالح البشرية في الفضاء. وبما أنه لا يجوز لأحد أن يدعي ملكية أي جرم سماوي، فإن كل شيء في الفضاء يصبح تراثًا مشتركًا للبشرية.

يؤمن كاي أوي شروغل، رئيس المعهد الدولي لقانون الفضاء والمستشار الخاص للشؤون السياسية لوكالة الفضاء الأوروبية، بأن ذلك قد يكون كافيًا، ويقول لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا:
“التراث المشترك هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا، حيث يمكننا أن نتعلم من تجاربنا هنا على الأرض كتجربة القارة القطبية الجنوبية أو التعدين في أعماق البحار، ونطور مبادئ التراث المشترك للفضاء.”


GRAPHICS: آنيا لامبرت وأنس البنّي

اقترح الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في عام 1960، تطبيق مبادئ معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959 على الفضاء الخارجي. ويدرك المُوقعون على معاهدة أنتاركتيكا (الذين كانوا 12 دولة فقط في عام 1959، ثم وقعت 17 دولة أخرى بحلول عام 2010) أنه “من مصلحة البشرية جمعاء أن يستمر استخدام القارة القطبية الجنوبية للأغراض السلمية بشكل حصري، ويجب ألا تصبح ميدانًا أو موضوعًا للخلاف الدولي.”

ليس من الغريب أن نلاحظ العديد من التداخلات بين معاهدة أنتاركتيكا ومعاهدة الفضاء الخارجي: فكلتاهما بيئتان نائيتان ومتطرفتان تحتويان على موارد يُحتمل أن تكون قيّمة، ويرغب الكثير من الناس في استكشافها واستغلالها وربما تقديم مطالبات إقليمية فيها.

في حين أن عدد الدول التي وقعت على معاهدة أنتاركتيكا 50 دولة فقط، يبلغ عدد الأطراف في معاهدة الفضاء الخارجي 112 دولة، بالإضافة إلى 23 دولة أخرى وقعتها ولكن لم تصدق عليها. قد يكون هذا أمرًا مشجعًا لأولئك الذين يتبنون نظرة شروغل العالمية للتفاؤل والتراث المشترك، إلّا أنه من الممكن أن يكون هناك سبب أكثر ارتباطًا بالأرض: فقد بدأت معاهدة الفضاء الخارجي كمعاهدة حظر التجارب النووية المحدودة عام 1963، والتي حظرت تجارب الأسلحة النووية أو التفجيرات تحت الماء وفي الغلاف الجوي أو في الفضاء الخارجي. ووقعت على تلك الاتفاقية مائة وستة وعشرون دولة.

وبالرغم من ذلك، وكما أشار شروغل لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “لم نر أي شخص يخرق معاهدة القارة القطبية الجنوبية، ولم نر أي شخص يخرق قانون الفضاء”.


تهدف دولة الإمارات خلال الأعوام المائة المقبلة إلى إقامة مستوطنة بشرية على المريخ


أما بالنسبة للمطالبة بالأرض، فإن مثال القارة القطبية الجنوبية يرجع علينا بالفائدة مرة أخرى، فأثناء مناقشات معاهدة أنتاركتيكا، أرادت العديد من الدول المطالبة بجزء من القارة بحكم وصول مواطنيها إلى هناك أولًا، مع تداخل بعض المطالبات. قد يوفر القمر والمريخ مساحة أكبر للتقسيم، إلّا أنّه ومثلما تقرر، لا يمكن لأي دولة المطالبة بالسيادة على أي جزء من القارة القطبية الجنوبية، كما يجب أن تصمد معاهدة الفضاء الخارجي.

ويوافق تشاو على ذلك قائلًا: “بعد مرور أكثر من خمسين عامٍ منذ دخول معاهدة الفضاء الخارجي حيز التنفيذ، يمكننا الآن أن نعتبر أن مبدأ عدم التخصيص قد نجح في ضمان التطوير الآمن والمنظم للأنشطة الفضائية”.

الأنشطة الفضائية التجارية

يؤدي الاستخدام التجاري المتزايد للفضاء إلى تحديات قانونية جديدة، لا سيما في مجالات الملكية الفكرية واستخدام الموارد الفضائية، حيث تلعب الشركات الخاصة مثل “سبيس إكس” و”بلو أوريجين” دورًا متزايد الأهمية في استكشاف الفضاء، مما يستدعي الحاجة المتزايدة لتنظيم أنشطتها، ويشمل ذلك القضايا المتعلقة بالمسؤولية والملكية الفكرية واستخدام الموارد الفضائية. ومع بدء الشركات الخاصة في استغلال موارد مثل المياه والمعادن الموجودة على القمر والأجرام السماوية الأخرى، فسوف يتطلب الأمر وضع أطر قانونية واضحة لتنظيم هذه الأنشطة.

يرى تشاو من جامعة هونج كونج أن حماية الملكية الفكرية تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التنمية المستدامة للاستغلال التجاري للفضاء.

يقول تشاو: ” شهد قطاع الفضاء على مدى العقود القليلة الماضية، سرعة متزايدة في الاستخدام التجاري، ونظرًا لتقدم تكنولوجيا الفضاء والانخفاض التدريجي في تكلفة استكشافه، تبحث المؤسسات الخاصة عن فرص جديدة للمشاركة في تطوير الاستخدام التجاري للفضاء، إلّا أن السياسات والمعاهدات الحالية لا تأخذ بعين الاعتبار الملكية الفكرية الدولية.”

GRAPHICS: آنيا لامبرت وأنس البنّي

“ونظرًا لاعتماد استكشاف الفضاء على التكنولوجيا بشكل كبير، الأمر الذي يتطلب بالتأكيد حماية حقوق الملكية الفكرية، فإن التوسع في الاستخدام التجاري للفضاء يعزز هذا الطلب بشكل أكبر.

وقد تتراجع المؤسسات الخاصة عن الاستثمار وبالتالي المشاركة بنشاط في الأنشطة الفضائية التجارية نظرًا لغياب أساس قانوني واضح ودائم يحمي الملكية الفكرية في قانون الفضاء.”

ويضيف تشاو: “لا يمكن فصل الاستخدام التجاري للفضاء عن حماية الملكية الفكرية على الرغم من أن الطابع العمومي لقانون الفضاء الخارجي يبدو وكأنه يتعارض مع الطابع الخاص لقانون الملكية الفكرية.”

ويتعلق قانون الملكية الفكرية في جوهره بإنشاء وحماية الإبداعات الفكرية، مثل الاختراعات والتصاميم وبراءات الاختراع والعلامات التجارية، حيث يقدم قانون الملكية الفكرية حوافز اقتصادية لأنه يسمح للناس بالاستفادة من المعلومات والسلع الفكرية التي ينشئونها، وحماية أفكارهم ومنع النسخ.

أما بالنسبة للشركات التي تتقدم في إطار غير واضح، فإن معاهدة الفضاء الخارجي تقف لها بالمرصاد.

يقول تشاو: “تنص المادة الثانية من معاهدة الفضاء الخارجي أيضًا على أنه لا يمكن الاستيلاء على الفضاء الخارجي عن طريق الاستخدام، لذلك من وجهة نظر قانونية، لن يكون الاستخدام العلمي أو الاستخدام التجاري للفضاء الخارجي كافيًا على الإطلاق لإقرار المطالبة بالسيادة الإقليمية، فمثلًا، يشكل الهبوط على القمر “استخدامًا” للفضاء الخارجي، لكنه لا يشكل ولا يمكن أبدًا أن يشكل “استيلاءً وطنيًا” يؤدي إلى السيادة الإقليمية، حيث كان الغرض الرئيس من المادة الثانية هو حماية الفضاء الخارجي من الصراع المحتمل الذي قد يكون ناجمًا عن طموحات إقليمية أو استعمارية.”

ورغم بحث تشاو عن المزيد من التوضيح بشأن المستقبل، فإنه ليس قلقًا للغاية بشأن تلك المؤسسات الخاصة التي تتقدم الآن: “عمومًا، ينبغي لنظام الملكية الفكرية الموجود بين أيدينا الآن أن يكون كافيًا”.

مخلفات فضائية

تتزايد كمية المخلفات الفضائية بشكل سريع مع استمرار إرسال الأجسام إلى الفضاء، وعلى الرغم من أن هذه المخلفات تشكل خطرًا كبيرًا على البعثات الفضائية المأهولة وغير المأهولة، إلّا أنّه لا يوجد حاليًا إطار قانوني دولي شامل لتنظيم إزالتها.

يشير تشاو من جامعة هونغ كونغ إلى معاهدة الفضاء الخارجي:

“تجعل المادة السادسة الدول مسؤولة دوليًا عن أنشطتها الوطنية في الفضاء، بينما تجعل المادة السابعة الدول مسؤولة دوليًا عن إطلاقها للأجسام الفضائية في الفضاء الخارجي والأضرار الناجمة عنها.

يبدو الأمر بسيطًا على حد وصف كايتلين جونسون، مؤلفة تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حول قضايا الإدارة الرئيسة في الفضاء، حيث تعتبر أن الحد من المخلفات الفضائية أحد أفضل المجالات تطورًا في قانون الفضاء.

وكتبت: “تمثل المخلفات الفضائية مشكلة متنامية في كل عملية إطلاق تقريبًا، ويعترف العديد من خبراء الفضاء بأن البيئة الفضائية قد تتضرر بشكل دائم مع غياب قواعد سلوك أو مهمات لإزالة المخلفات. هناك العديد من الآليات الدولية والسياسات الوطنية والجهود من طرف القطاع الصناعي للحد من إنشاء وانتشار المخلفات الفضائية، إلّا أنه على الرغم من هذا التقدم، لا يوجد سوى القليل من القواعد الدولية.”


لم نر أي شخص يخرق معاهدة القارة القطبية الجنوبية، ولم نر أي شخص يخرق قانون الفضاء

– كاي أوي شروغل


ويضيف جونسون أن العدد القليل الموجود بالفعل قد عفا عليه الزمن بالنسبة للتكنولوجيا الحديثة وانتشار الأقمار الصناعية التجارية، ويشير إلى الحادث الوشيك الذي حدث مؤخرًا بين قمر صناعي لمراقبة الأرض تابع لوكالة الفضاء الأوروبية وأحد الأقمار الصناعية الأولى لشركة “سبيس إكس” في خطتها لتوفير الإنترنت واسع النطاق، حيث تتبعت القوات الجوية الأمريكية القمرين الصناعيين، مشيرة إلى احتمال اصطدام نسبته 1 في 1000، وفي النهاية، اختارت وكالة الفضاء الأوروبية مناورة قمرها الصناعي بعيدًا عن المسار المداري لشركة “سبيس إكس”.”

وفي هذا الصدد، يكتب جونسون: “من الواضح أن الافتقار إلى القواعد والعمليات الدولية المتفق عليها لتنظيم الحركة في الفضاء الخارجي كان من الممكن أن يتسبب في حادث مدمر في البيئة الفضائية، حيث يعني الافتقار إلى لوائح دولية محددة ترك كيفية التعامل مع هذا الموضوع لمشغلي الأقمار الصناعية، ولكن في الحالات التي لا تعمل فيها الأقمار الصناعية ولا يمكن مناورتها لإبعادها عن الطريق، كل ما يمكن للمجتمع الدولي فعله هو الانتظار والمراقبة.”

ويوافق ب. ج. بلاونت، السكرتير التنفيذي للمعهد الدولي لقانون الفضاء ومحاضر القانون في جامعة كارديف، بشدة على أن أشد الشواغل إلحاحًا بالنسبة لصانعي السياسات هو سلامة العمليات في مدار الأرض.

وقال بلاونت لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “هناك علاقة وطيدة بين الازدحام المتزايد في أجزاء من الفضاء المداري للأرض في الوقت الحالي، وانتشار المخلفات الفضائية، حيث تُنسَّق العمليات الفضائية من خلال مجموعة متنوعة من الأطر المخصصة، إلّا أن زيادة المشغلين والأجسام تُحاصر هذه الأطر، وفي حين أن فهم كيفية عمل أنشطة الموارد في المستقبل يُعد أمرًا مهمًا، إلا أن الازدحام في المدار والحاجة إلى حركة المرور الفضائية يمثل مشكلة يواجهها قطاع الفضاء في يومنا هذا.”

وتقول جونسون أن عام 2019 شهد البداية الحقيقية للجهود الموحدة لتحسين تنسيق إدارة المخلفات الفضائية وتدابير إدارة حركة المرور الفضائية، وأضافت أن الأمر بدأ بالمؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في عام 2019، حيث دعا مجتمع الفضاء الدولي بشكل جماعي إلى التعرف على الفضاء بشكل أفضل والحاجة إلى الحد من الحوادث التي تولد المخلفات في الفضاء، وفي وقت لاحق من ذلك العام، وافقت الدول الأعضاء الـ 92 في لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية على 21 مبدأً توجيهيًا جديدًا لاستدامة الفضاء، وتُعتبر هذه المبادئ التوجيهية طوعية وغير ملزمة قانونيًا، إلّا أن جونسون تقول بأنها تمثل جهدًا موحدًا لتتبع جميع الأجسام الموجودة في الفضاء والحد من المخلفات. يشجع جزء من هذا المبدأ التوجيهي على زيادة التواصل بين البلدان والمؤسسات غير الحكومية، ومنصة معلومات الأمم المتحدة لإدارة حركة المرور الفضائية.

للمزيد حول المخلفات الفضائية، اطلع على مقالة “تنظيف فضائنا

وقد شهد عام 2019 أيضًا تحديث المنظمة الدولية للمعايير وثيقتها الأساسية بشأن المبادئ التوجيهية للحد من المخلفات الفضائية، مما يجعل متطلبات الامتثال الخاصة بها أكثر صرامة. تعمل المنظمة على صياغة وتعزيز توحيد المعايير الدولية لمجالات السياسات بما في ذلك سلامة الأغذية والرعاية الصحية والزراعة والتكنولوجيا التجارية والفضاء.

ويتم قبول الامتثال لمعايير المنظمة الدولية للمعايير بشكل عام كأفضل الممارسات الصناعية، كما تشير جونسون إلى أن العديد من الدول تتبع الإرشادات وتقوم إما بكتابة المعايير مباشرة في سياساتها الوطنية أو استخدامها كأساس لصياغة سياسة خاصة.

GRAPHICS: آنيا لامبررت وأنس البنّي

يستغرق تطوير المبادئ التوجيهية والسياسات الدولية بعض الوقت، وفي هذا الإطار، تشعر جونسون بالقلق من احتمالية عدم بذل جهود حقيقية لحماية المجال الفضائي إلا بعد وقوع حادثة كبيرة تتسبب في وجود مخلفات. ولكنها على الرغم من ذلك تسلط الضوء على الإجماع القوي بين القطاع والمؤسسات متعددة الجنسيات على أن حماية البيئة الفضائية والتركيز على الجهود المبذولة للتخفيف من تكون المخلفات يجب أن يكون أولوية دولية.

ما الذي ينتظرنا في المستقبل؟

قال تشاو لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “أُنشِئت معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 قبل عصر الاستخدام التجاري الفضاء، وهي تحتوي على مبادئ عامة فحسب، مما يستدعي الحاجة إلى مزيد من التوضيح حول تطبيق هذه المبادئ في حياتنا الحديثة مع نشأة الكثير من التطورات، كما أن هناك ثغرات في النظام القانوني الحالي وحاجة ملحة لأن يتفاوض المجتمع الدولي للتوصل إلى بعض الوثائق التي توجه الأنشطة الفضائية الجديدة.”

وسلط شروغل الضوء على الحاجة إلى تحديث وتطوير قانون الفضاء لسباق الفضاء الحديث، لكنه يظل متفائلًا بشأن المستقبل:

وقال في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “على الرغم من رغبة العديد من الدول الأعضاء (في معاهدة الفضاء الخارجي) في إكمال مسيرتها بشكل فردي، إلّا أننا شهدنا أيضًا على مدار الخمسين عامًا الماضية أو نحو ذلك احترامًا متزايدًا للقانون الدولي وسيادته. عادةً ما تسعى الدول لاغتنام فرصة أن تصبح الأولى في أي مجال متاح، فتحاول إيجاد ثغرات أو حتى استخدام القوة الغاشمة لتبلغ مبتغاها، ويتعين علينا أن نكون واقعيين في هذا الصدد. ولكن إذا نظرت إلى الأمر من الجانب التاريخي، فتجربة تطبيق قانون الفضاء واحترامه على وجه الخصوص، لم تكن سيئةً لهذه الدرجة.

إذًا كيف يبدو قانون الفضاء في القرن الحادي والعشرين؟

بالنسبة إلى تشاو، الخبير في قانون الملكية الفكرية، فإن الملكية الفكرية هي الشغل الشاغل للأوساط المعنية، ويسلط الضوء على التجارب العلمية التي تُجرى في الفضاء حيث لا يمكن لأي دولة أن تطالب بالسيادة، ويقول أننا سنحتاج إلى تحديد قواعد مطالبات الملكية الفكرية لحالات كهذه، وبالنسبة إليه، فإن السؤال المهم هو ما إذا كان النظام القانوني الوطني سينطبق في هذه المواقف.

لا يعرف شروغل ما يخبئه المستقبل لقانون الفضاء، لكنه يدرك العدد الهائل من القضايا التي يتعين حلها:

ويقول: “لقد توسع قانون الفضاء. وكان يهدف منذ البداية إلى توفير فهم لحالة الفضاء الخارجي وحالة الجهات المؤثرة في الفضاء الخارجي، الأمر الذي نجح في القيام به: فهي مساحة للاستخدام الحر وعدم التملك كما أن الدول مسؤولة ولا يمكن للجهات المؤثرة الخاصة أن تتصرف إلا إذا حصلت على إذن من تلك الدول. وعلى الرغم من أن هذا صحيح حتى يومنا هذا، إلّا أن توسيع قانون الفضاء يجب أن ينظم سلوك هذه الجهات المؤثرة الخاصة، فنحن بحاجة إلى أحكام لإدارة حركة المرور الفضائية لتجنب الحوادث والاصطدامات وتنظيف المخلفات الفضائية وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.

و لا يقف قانون الفضاء ساكنًا: فهناك لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية تعمل على وضع مبادئ توجيهية وقواعد لاستكشاف واستخدام الموارد الفضائية. ويساعد المعهد الدولي لقانون الفضاء المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية على التعاون لتطوير قانون الفضاء، كما يقود الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية جهود التوعية بمسائل الفضاء في 75 دولة، وهناك 11 مجلة أكاديمية مخصصة لقانون وسياسة الفضاء.

وبينما يعترف شروغل بأن التقدم بطيء، يضيف بأنهم يضيفون بعدًا جديدًا لقانون الفضاء.

المقاييس الحيوية بحلة جديدة: كلنا آذان صاغية

يقترح الباحثون طريقة يُمكن الاعتماد عليها في تحديد الهوية تضاهي في نتائجها بصمات الأصابع.

لا يُعد استخدام الأذنين للتعرف على البشر أمرًا جديدًا، إلّا أن برامج الجرائم المفضلة لدينا لا تزال تعتمد على الأساليب القديمة – مثل رفع بصمات الأصابع أو جمع الحمض النووي – للقبض على المشتبه به، إذ من المرجح أن يلمس المجرمون أدوات مسرح الجريمة بأيديهم أكثر من قيامهم بفرك أذانهم.

ومع ذلك، فقد استُخدمت في محاكمة جريمة قتل عام 1997 بعد أن حصل التحقيق على بصمة الأذن من النافذة التي دخل القاتل من خلالها. وكانت الإدانة اللاحقة هي الأولى التي تستخدم بصمات الأذن كمحدد للهوية. إلّا أن الحكم أُلغي في عام 2004 عند الاستئناف، لأن الحمض النووي المأخوذ من بصمة الأذن أشار إلى مشتبه به مختلف. وكان رأي الخبير الذي تمت الاستعانة به في المحاكمة، هو الذي عزز حكم الإدانة.

على الرغم من أن بصمة الأذن في هذه الحالة لم تثبت فعاليتها، إلّا أن الدراسات الحديثة أظهرت بأنّه يمكن الاعتماد على الأذنين كأداة موثوقة لتحديد الهوية مثل بصمات الأصابع


طوّر فريق من الباحثين من جامعة جورجيا في عام 2022 برنامجًا يمسح الأذنين، وكان الهدف منه خدمة العالم بعد كوفيد-19، حيث يرتدي الناس الكمامات – التي تحول دون التعرف على أصواتهم- على الصوت – ليكونوا أكثر إدراكاً لما يلمسونه.

لم تعد الكمامات تُسبب مشكلة كما في السابق، ولكن لاتزال هناك حالات أمنية أخرى يمكن أن يكون تحديد بصمة الأذن فيها مفيدًا.

تتشكل الأذنين بشكل كامل وتتطور عند الولادة، ولا تتغير بمرور الوقت، باستثناء التغيرات المرتبطة بالعمر. حيث تُعتبر كل أذن فريدة من نوعها، حتى أذني الشخص الواحد، مما يجعلها مصدرًا موثوقًا لتحديد الهوية – حتى من مسافة بعيدة.

وعلى الرغم من عدم إمكانية الوصول إلى بصمات الأصابع أو الحمض النووي لشخص ما من خلال صورة، إلّا أن صورة أذنك يمكنها أن تخبرنا من أنت، وعن طريق عدد من الجرائم المسجلة بالفيديو، يمكن أن تساعد المقاييس الحيوية للأذن في تحديد الجناة.

حدث تطور أحدث فيما يتعلق بتحديد الهوية عن طريق الأذن، عندما اعتمد فريق من علماء الطب الشرعي وعلماء الأسنان من جميع أنحاء العالم على دراسة أجراها روبرتو كاميرير عام 2011 والتي قاست المناطق التشريحية الأربع للأذن وجمعت تلك القياسات لإنتاج رمز فريد من نوعه يختلف من شخص لآخر

حيث استعانوا بمجموعة عينات أكبر وقسموها إلى مجموعات عرقية متعددة لتوسيع نطاق العمل وضمان مستوى أعلى من الدقة، فوجدوا أنه عندما أضافوا الرموز الخاصة بأذني كل شخص معًا، لم يكن هناك أي تكرار للرموز. وهذا يعني 814 محددًا فريدًا للهوية بالأذن. وخلص الفريق إلى أن “احتمالية وجود شخصين مختلفين لهما نفس الرمز (تعريف إيجابي كاذب) أقل من 0.07 بالمائة”.

لذا، إذا كنت تخطط للقيام بفعل إجرامي، تأكد من ارتداء أغطية الأذن. سوف يحمونك من البرد ومن أن يُقبض عليك أيضًا.


يقترح فريق من الباحثين من جامعة خليفة أنه يمكن التغلب على العوامل التي قد تمنع التعرف الدقيق لبصمة الأذن في الصور ثنائية وثلاثية الأبعاد – مثل الوضعية والضوء والقياس – من خلال الجمع بين هذه العناصر للتحقق من صحة النتائج .

“على حد علمنا، تُعتبر هذه هي المرة الأولى التي تُدمج فيها سمات الأذن ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد لبناء كاشف وواصف لمطابقة زوج من الأذنين ثلاثية الأبعاد، حيث أدى الجمع بين ميزات المجالين ثنائي وثلاثي الأبعاد، إلى زيادة كفاءة التعرف بشكل كبير.

يرى الفريق بأنه يمكن لكل من كشف النقاط الرئيسة والواصف، المبنيين من السمات الزاوية للأذنين ثنائية الأبعاد وتراكيب الأذن ثلاثية الأبعاد، أن يساعدا على تحديد الأذن بشكل أكثر دقة، حيث يعزز كلا التركيب والشكل معًا صحة النتائج.

من جهته يقول إياكوتي إيابّان غاناباثيا، المؤلف الرئيسي للدراسة وزميل ما بعد الدكتوراه في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في جامعة خليفة: “يبلغ هذا النهج الشامل ذروته في تحقيق أحدث النتائج مع ضمان الفاعلية للإضاءة وتغييرات الوضعية في الوقت نفسه”.

ومع ذلك، فهو متفائل بتحقيق تقدم في هذا المجال.

“بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يزيد اهتمام الباحثين بالمقاييس الحيوية للأذن كوسيلة فعالة للتعرف على الإنسان، لاسيما مع توفر المزيد من البيانات المتعلقة بالأذن، كما يضيف قائلًا: “يحمل هذا الطريق الناشئ أملًا كبيرًا لمستقبل تحديد الهوية البيومترية.”

غزاة الفضاء

كان الفضاء يومًا ما مجالًا مرتبطًا إلى حد كبير بالإجراءات الحكومية، فكانت الدول ذات السيادة وحدها المسؤولة عن إرسال المسابر والأقمار الصناعية والبعثات المأهولة إلى مدار الأرض والقمر وما وراءهما، وكانت التكنولوجيا منفصلة على نحو مماثل: فقد كانت الأنظمة الأرضية والفضائية معزولة عن بعضها البعض، الأمر الذي أدى إلى خلق نوع من”الأمن الذي يكتنفه الغموض”.

ولكن في السنوات الأخيرة، انطلق القطاع الخاص إلى الفضاء، فقدم للأرض خدمات الأقمار الصناعية للاتصالات السلكية واللاسلكية والتي من المتوقع أن تصبح سوقًا تبلع قيمته 1.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030. تتحد هذه الأنظمة الموجودة في الفضاء مع الأنظمة الموجودة على الأرض، ويستمر هذا القطاع في النمو، فقد يتمكن مستخدمو الهواتف المحمولة في المستقبل من الاستفادة من الأقمار الصناعية لإرسال الرسائل بسلاسة عند فقد الاتصال الأرضي، ويعد “ستارلينك” الخاص بإيلون ماسك مثالًا حيًا على ذلك.

يشير المنتدى الاقتصادي العالمي أيضًا إلى أن الأنظمة الحديثة تنشئ واجهات عبر “حدود الثقة التقليدية”، مثل الشركاء والعملاء. كما أن الأنظمة الأكثر تعقيدًا تُعرف بأسطح هجوم تمتلك قابلية أكبر للاستغلال.

مع هذا النمو والترابط بين شبكات الأرض والفضاء وسط قطاعات أخرى كالجيش والطيران وخدمات الطوارئ والمرافق العامة، تأتي المخاطر من أولئك الذين قد يستخدمون تلك الاتصالات للسرقة أو الابتزاز أو زرع الفوضى أو شن الحرب.

أمثلة من الواقع

على سبيل المثال، استهدفت سلسلة من الهجمات الإلكترونية في عام 2022 ثلاث مزارع لتوليد الطاقة بالرياح تديرها شركات ألمانية، حيث صرحت عصابة برامج الفدية الداعمة للحكومة الروسية أنها مسؤولة عن إحدى تلك الهجمات.

ويرى كريستوف زيف، المتحدث باسم “ويند يوروب” وهي مجموعة صناعية تتخذ من بروكسل مقرًا لها، أن هناك علاقة بين تلك الهجمات والغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول ماتياس براندت، مدير شركة “دويتشه ويند تكنيك” التي تقوم بصيانة توربينات الرياح وكانت واحدة من الشركات التي اختُرِقت، في حديثه مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن قطاع الطاقة المتجددة سيصبح هدفًا أكثر جاذبية، ويقول في هذا الصدد: “نحن بحاجة إلى معايير عالية لأمن تكنولوجيا المعلومات”.

وفي وقت سابق من العام نفسه الذي بدأ فيه الصراع، استهدف هجوم آخر مرتبط بالاعتداءات في المنطقة أجهزة مودم الأقمار الصناعية، مما أدى إلى انقطاع خدمة الإنترنت لعشرات الآلاف من المستخدمين في أوكرانيا وأجزاء أخرى من أوروبا.

ووصف المسؤول السيبراني الأوكراني فيكتور زورا الاختراق بأنه “خسارة فادحة في الاتصالات مع بداية الحرب”، كما ذكرت شبكة “سي إن إن”.

وردًا على ذلك، شحنت شركة “سبيس أكس” التي أنشأت شبكة “ستارلينك” المكونة من 3335 قمرًا صناعيًا نشطًا شاحنات محملة بمحطات “ستارلينك” إلى أوكرانيا في أبريل 2022، مما مكّن المستشفيات والبنوك والأسر من الوصول إلى الإنترنت، كما استخدم الجيش الشبكة مما دفع “ستارلينك” إلى الحد من استخدام أوكرانيا للأقمار الصناعية للطائرات بدون طيار العدائية.

نشرت صحيفة واشنطن بوست بحلول أبريل 2023، تقارير عن معلومات استخباراتية أمريكية سرية خلصت إلى أن روسيا كانت أكثر تقدمًا في خططها لاستهداف شبكة “ستارلينك” مما كان يُعتقد سابقًا.

بالإضافة إلى ذلك: تقول كريستينا بوبر، دكتورة علوم الكمبيوتر في جامعة نيويورك-أبوظبي والتي تركز على أمن المعلومات والاتصالات: “لقد ارتبط استخدام “ستارلينك” في أوكرانيا بحقيقة أن عمليات إرسال الوصلات الصاعدة لمستخدمي ستارلينك أصبحت مؤشرًا على الغارات الجوية”.

ويبدو أن الفضاء قد أصبح لاعبًا مؤثرًا على صراعات الأرض، حيث يمكن أن تكون الهجمات السيبرانية في هذا الصراع نذيرًا للعديد من الهجمات المشابهة في المستقبل.

وحتى الدول غير المشاركة في الحرب تملك سببًا للقلق من الهجمات السيبرانية في الفضاء، كما تقول بوبر لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا. “يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى، كأن تؤثر على جوانب مختلفة من حياة الناس اليومية بدءًا من الاتصالات والملاحة وصولًا إلى خصوصية الأفراد والسلامة والاستقرار الاقتصادي والأمن القومي”.

3 أنواع من الهجمات

يمكن للحكومات أو العناصر المتمردة استهداف أنظمة الأقمار الصناعية بعدة طرق.

يمكنهم استهداف الخدمات وليس الأقمار الصناعية نفسها عن طريق قرصنة وانتحال نظام تحديد المواقع العالمي، كما رأينا في الصراع الأوكراني، مما يحرم الملايين من الوصول إلى الخدمات الأساسية.

يمكنهم أيضًا استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لاستهداف الأقمار الصناعية في المدار.

يمكنهم أيضًا استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لاستهداف الأقمار الصناعية في المدار.
وفي هذا الصدد، قالت جوليانا سوس، محللة أبحاث ورئيسة سياسات أمن الفضاء في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في مجال الدفاع والأمن يقع مقره الرئيس في لندن لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا:
تتراوح عواقب هجوم الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من مؤقتة وقابلة للعكس إلى دائمة وغير قابلة للعكس.

كما أن العواقب المحتملة عديدة، فيجب أخذ حقيقة أن النظام الفضائي يتكون من ثلاثة عناصر أساسية – القمر الصناعي في الفضاء والمحطة الأرضية على الأرض والروابط بينهما، في عين الاعتبار، فمن المحتمل أن يكون كل واحد منها عرضة للهجوم

تضيف سوس: “قد يسيطر الخصم على سبيل المثال، (بشكل دائم أو مؤقت) على قمر صناعي من خلال القرصنة وقد يقوم أيضًا بتعطيل (تشويش) أو تزييف الإشارة التي يبعثها القمر الصناعي بشكل مؤقت. قد يكون الإجراء الفضائي المضاد أيضًا هو منع القمر الصناعي من جمع المعلومات – على سبيل المثال عن طريق إعاقة رؤية أجهزة الاستشعار الموجودة على متن القمر الصناعي لمراقبة الأرض.

تعرضت الصين والهند وروسيا لانتقادات بسبب اختبارها أسلحة مضادة للأقمار الصناعية مدمرة على أقمارها الصناعية، فتكتيكات كهذه تُعتبر باهظة الثمن ولا تضمن النجاح، كما يمكن أن تزيد من مشكلة المخلفات الفضائية المتنامية.

وقد وافقت الأمم المتحدة على قرار غير ملزم يدعو إلى وقف اختبار نوع واحد من هذه الأسلحة، وهو الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي تولد المخلفات والتي تعمل على الصعود المباشر. وأشار إلى القضايا البيئية والرغبة في منع سباق التسلح في الفضاء، وبحلول شهر أبريل من عام 2023، تعهدت 13 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وألمانيا بحظر الاختبارات.

“الفضاء معقد”، كما يقول باحثون من جامعة أكسفورد في بحث نُشر في المجلة الأكاديمية لجمعية مهندسي الكمبيوتر والإلكترونيات . “إن برنامج الإطلاق وحده لا يضمن الموارد والدقة المطلوبة لتشغيل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على أكمل وجه.”

ثم هناك الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية.

ويقول باحثو أكسفورد أن هذه الأسلحة “تهدد أسس الاستقرار طويل الأمد للفضاء بسبب سهولة الوصول إليها وصعوبة تحميل المسؤولية عند حدوث خطأ يتعلق بها وانخفاض مخاطر الأضرار الجانبية”.

بمعنى آخر: إنها سهلة الاستخدام ومن الصعب تحديد الجاني عندما يتعلق الأمر بها ولربما لن تلحق الضرر بالأقمار الصناعية القريبة.

ويقول الباحثون أنه يمكن للأطراف المتحاربة تغيير توقعات اصطدام الحطام لإحداث ضرر مباشر للأنظمة الفضائية بدون إطلاق صاروخ.
“إن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية ليست مجرد تهديد نظري بعيد، ولكنها خطر حقيقي على توازن القوى في الفضاء.”

محاور التهديد المتعددة

ومع كل ما سبق، فإنه من الممكن أن تكون التهديدات مختلطة، كما تحذر بوبر من جامعة نيويورك. وقالت في حديثها مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “في الواقع، غالبًا ما تُجمع نواقل التهديد المتعددة. تُعتبر القرصنة والانتحال جزءًا من الأسلحة السيبرانية المضادة للأقمار الصناعية، ونظرًا لأننا نتعامل مع بنى تحتية كاملة، في حين أن الإشارات المزيفة للأقمار الصناعية (نظام تحديد المواقع العالمي أو غيره) تحدث عادةً أثناء الاتصال، فإن القرصنة تستهدف الأقمار الصناعية وبرامج تشغيلها، كما تشمل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية أيضًا هجمات (كاستغلال نقاط الضعف على سبيل المثال) على أنظمة التحكم الأرضية.”

وتضيف: “يمكن أن تؤدي الهجمات الناجحة إلى تعطيل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأنظمة التحكم والتلاعب بالبيانات وحتى تعطيل الأقمار الصناعية، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة والانتقاص من كفاءة البعثات وأعطال كبيرة في مختلف القطاعات التي تعتمد على خدمات الأقمار الصناعية.”

دفاع جيد

ما الذي تفعله الحكومات والشركات بشأن هذا التهديد إذن؟

تقول خبيرة أمن الفضاء سوس: “هناك عدد قليل من الدفاعات التي يمكنها حماية الأقمار الصناعية – بدءًا من الأقمار الصناعية الحارسة (حاليًا في مرحلة التخطيط) التي يمكن أن تصاحب الأصول الحساسة، وصولًا إلى تدابير أبسط كالدفاعات السيبرانية ضد القرصنة”.

وفي الوقت الحالي، تشير بوبر إلى ثلاثة مسارات مثيرة للاهتمام:

تطوير ونشر أنظمة فضائية آمنة: تقول بوبر: “من المهم إدراك أن أمن الفضاء يمثل مشكلة حقيقية، وبالتالي دعم تطوير ونشر البنية التحتية الفضائية الآمنة وقنوات الاتصال الآمنة وسلامة البرامج الثابتة والبرمجيات الخاصة بالأقمار الصناعية، وتعزيز أنظمة الأقمار الصناعية، حيث ما تزال العديد من الأسئلة البحثية مفتوحة في هذا المجال”.

التعاون وتبادل المعلومات: “مشاركة المعلومات المتعلقة بالتهديدات وأفضل الممارسات والدروس المستفادة من الحوادث السيبرانية السابقة لتعزيز الأمن العام لأنظمة الأقمار الصناعية.”

التعاون الدولي واللوائح التنظيمية: “ينبغي للحكومات أن تتعاون على المستوى الدولي لوضع معايير ولوائح مشتركة للأمن السيبراني لأنظمة الفضاء، وتعزيز الممارسات الأمنية المستمرة وتمكين الاستجابة المنسقة للتهديدات السيبرانية. وأنا أدرك أن هذا قد يكون طلبًا صعبًا يتجاوز الحدود الوطنية، إلّا أن قطاع الفضاء بشكل عام يمتلك تاريخًا عريقًا في التعاون متعدد الجنسيات.

كما يرى معالي الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات أنه من الضروري أن تعمل الحكومات مع الشركات والجهات المعنية الأخرى، وقال في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يُعتبر الأمن السيبراني عملًا جماعيًا، وعلينا إشراك الجميع بما في ذلك الهيئات الحكومية والشركاء الصناعيين والأوساط الأكاديمية والمجتمع على المستويين الوطني والدولي”.

نشأة النظام الشمسي

حدثت قفزة كبيرة في العقود القليلة الماضية فيما يتعلق بفهمنا لكيفية تشكل نظامنا الشمسي وكيف وصلت الكواكب إلى المواقع التي نراها اليوم.

تكشف النظرة العامة لنظامنا الشمسي عن عدد من الخصائص المميزة التي تثير اهتمام العلماء، حيث تهيمن الكواكب “الصخرية” الصغيرة بما في ذلك الأرض على الجزء الداخلي من نظامنا الشمسي، وعندما ننتقل إلى الجزء الخارجي، نواجه عمالقة الغاز والجليد، فيتكون كل من كوكب المشتري وزحل بشكل رئيس من الهيدروجين والهيليوم (على غرار متوسط تركيب الشمس)، في حين يُظهر العملاقان الجليديان أورانوس ونبتون تركيزًا عاليًا من الجليد، أو ما يميل العلماء إلى تسميته “المواد المتطايرة”.

منذ ما يقارب الـ 4.6 مليار سنة، بدأ سديم دوار في الانهيار على نفسه بفعل الجاذبية، فازداد تركيز المواد في المركز

وعند النظر إليها من الأعلى، فإن جميع الكواكب تدور حول الشمس في اتجاه معاكس لدوران عقارب الساعة وفي مدارات دائرية تقريبًا. علاوة على ذلك، تدور جميع الكواكب تقريبًا حول نفسها من الغرب إلى الشرق، فيما نسميه الدوران “التقدمي”. تحتاج أي نظرية علمية صالحة أو نموذج لتشكّل نظامنا الشمسي إلى التطرق إلى هذه الخصائص الجماعية لنظامنا الشمسي، كما تستضيف الكواكب أيضًا مجموعة كبيرة من الأقمار: إلّا أن الكواكب الصغيرة تمتلك إما أقمارًا قليلة أو لا تحتوي على أقمار على الإطلاق، بينما تمتلك الكواكب الأكبر عشرات الأقمار في المتوسط. ومع ذلك، يبقى هنالك المزيد من القطع الناقصة من أحجية نظامنا الشمسي.

وعندما ننتقل إلى المشتري الذي يلي المريخ، نواجه أجسامًا صغيرة تدور بشكل مشابه حول الشمس تسمى حزام الكويكبات، وإذا أكملنا الطريق لمسافة أبعد من نبتون، فسنواجه مجموعة أكبر من الأجسام الصغيرة فيما يسمى بحزام كايبر.

بنى العلماء نموذجًا متينًا لكيفية تشكل نظامنا الشمسي من سحابة من الغاز والغبار الكوني تسمى السديم، فمنذ ما يقارب الـ 4.6 مليار سنة، بدأ سديم دوار في الانهيار على نفسه بفعل الجاذبية، فازداد تركيز المواد في المركز واصطدمت المزيد من الحبيبات والمواد الصلبة في تلك المنطقة وارتفعت درجات الحرارة في مركز السديم.

أطلق الاتحاد الفلكي الدولي اسم محمد رامي المعري، مدير مركز علوم الفضاء والكواكب بجامعة خليفة، على كويكب كان يُعرف سابقًا باسم “سي زد” 2002 فبات يُعرف الآن باسم (357148) المعري.


يُمثل المركز الساخن المكان الذي ولدت فيه شمسنا. ومن ثم، ومع تركز الكتلة في المركز، بدأ السديم الدوار بالدوران بشكل أسرع بكثير، مما أدى إلى تحوله من سحابة كروية إلى حد ما، إلى هيكل سيصبح في النهاية “القرص الكوكبي البدائي”.

وفي هذا القرص، استمرت المواد في الاندماج مع بعضها البعض، لتشكل كتلًا أكبر. يُذكر أن التغيرات في درجات الحرارة داخل القرص الدوار، هي السبب الرئيس وراء اختلاف تركيب الكواكب، فقد كان الجزء الداخلي من القرص على وجه الخصوص، ساخنًا جدًا بحيث لا يمكن للجليد والمواد المتطايرة الأخرى أن تتكثف من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة، لذا فإن الكواكب الموجودة في النظام الداخلي خالية نسبيًا من مواد متطايرة كهذه، ونعلم الآن أيضًا أن الكواكب تدور حول الشمس في الاتجاه نفسه، وذلك لأنه اتجاه دوران السديم الأصلي.

تُعتبر الأجسام الصغيرة بقايا هذه العملية المعقدة، وهي القطع الاحتياطية لنظامنا الشمسي، وعندما ندرس الكويكبات، نحصل على مزيد من المعلومات حول الظروف الفيزيائية والكيميائية للنظام الشمسي الداخلي، بما في ذلك الأرض. وعلى نحو مماثل، عندما ندرس الأجسام الصغيرة الغنية بالجليد في حزام كايبر وخارجه، نحصل على مزيد من المعلومات حول الظروف عند الحواف الخارجية للسديم المبكر. أكثر ما يميز الأجسام الصغيرة هو أنه بدلًا من السفر لمسافات طويلة لدراستها، يمكننا الاعتماد على اقترابها من الأرض، ولكن كيف يحدث هذا؟

تتمتع الكواكب الكبيرة، وخاصة المشتري، بجاذبية هائلة تدفع أحيانًا الأجسام الصغيرة في حزام الكويكبات نحو النظام الشمسي الداخلي، الأمر الذي يؤدي لوجود عائلة من الكويكبات القريبة من الأرض زارتها العديد من البعثات الفضائية. وقد تخترق مثل هذه الأجسام غلافنا الجوي وتهبط على الأرض على شكل نيازك.

يمتلك نبتون تأثيرًا مشابهًا ولكنه أضعف، ويمكنه جذب الأجسام من حزام كايبر وتحويل مداراتها إلى الداخل حتى تلتقطها الكواكب الخارجية كأقمار، أو يمكنها أن تتعرض لتغيير في مدارها عندما تواجه المشتري في رحلتها إلى الداخل، مما يمكّنها من زيارة النظام الشمسي الداخلي كمذنبات. تسمح لنا هذه الأجسام الغنية بالجليد بدراسة النظام الشمسي الخارجي دون الحاجة للذهاب إلى هناك

تلعب الأجسام الصغيرة دورًا رئيسًا في مساعدتنا على فهم نظامنا الشمسي بشكل أفضل، كما يمكنها أن تفتح آفاقًا اقتصادية قابلة للتطبيق في المستقبل القريب نظرًا للثروة الهائلة من المعادن الثمينة والخامات التي تحتوي عليها.

وقد يتحول الجليد القريب من السطح من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية عندما تدخل هذه المذنبات النظام الشمسي الداخلي، مما يؤدي إلى رفع الغبار السطحي على طول الطريق وتشكيل غشاء ضبابي مشرق حول الجسم يمكن أن يساعد في رؤيته. يمكن للعلماء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لقياس تكوين الجليد.

تلعب الأجسام الصغيرة دورًا رئيسًا في مساعدتنا على فهم نظامنا الشمسي بشكل أفضل، كما يمكنها أن تفتح آفاقًا اقتصادية قابلة للتطبيق في المستقبل القريب نظرًا للثروة الهائلة من المعادن الثمينة والخامات التي تحتوي عليها. قد تشكل الأجسام القريبة من الأرض تهديدًا للحضارة الإنسانية إذا كانت كبيرة بما يكفي ووضعتها مداراتها في مسار تصادمي مع الأرض، حيث تُعتبر هدفًا لبرامج الدفاع عن الكوكب والمراقبة المستمرة بواسطة التلسكوبات الأرضية. لذلك ليس من المتوقع أن يتضاءل اهتمامنا بالأجسام الصغيرة في القريب العاجل.

حصل محمد رامي المعري على شهادة الدكتوراه من جامعة غوتينغن الألمانية، وهو دكتور مشارك في جيولوجيا الكواكب في قسم علوم الأرض بجامعة خليفة ومدير مركز علوم الفضاء والكواكب بجامعة خليفة