CREDIT: NASA/JPL Caltech

حدثت قفزة كبيرة في العقود القليلة الماضية فيما يتعلق بفهمنا لكيفية تشكل نظامنا الشمسي وكيف وصلت الكواكب إلى المواقع التي نراها اليوم.

تكشف النظرة العامة لنظامنا الشمسي عن عدد من الخصائص المميزة التي تثير اهتمام العلماء، حيث تهيمن الكواكب “الصخرية” الصغيرة بما في ذلك الأرض على الجزء الداخلي من نظامنا الشمسي، وعندما ننتقل إلى الجزء الخارجي، نواجه عمالقة الغاز والجليد، فيتكون كل من كوكب المشتري وزحل بشكل رئيس من الهيدروجين والهيليوم (على غرار متوسط تركيب الشمس)، في حين يُظهر العملاقان الجليديان أورانوس ونبتون تركيزًا عاليًا من الجليد، أو ما يميل العلماء إلى تسميته “المواد المتطايرة”.

منذ ما يقارب الـ 4.6 مليار سنة، بدأ سديم دوار في الانهيار على نفسه بفعل الجاذبية، فازداد تركيز المواد في المركز

وعند النظر إليها من الأعلى، فإن جميع الكواكب تدور حول الشمس في اتجاه معاكس لدوران عقارب الساعة وفي مدارات دائرية تقريبًا. علاوة على ذلك، تدور جميع الكواكب تقريبًا حول نفسها من الغرب إلى الشرق، فيما نسميه الدوران “التقدمي”. تحتاج أي نظرية علمية صالحة أو نموذج لتشكّل نظامنا الشمسي إلى التطرق إلى هذه الخصائص الجماعية لنظامنا الشمسي، كما تستضيف الكواكب أيضًا مجموعة كبيرة من الأقمار: إلّا أن الكواكب الصغيرة تمتلك إما أقمارًا قليلة أو لا تحتوي على أقمار على الإطلاق، بينما تمتلك الكواكب الأكبر عشرات الأقمار في المتوسط. ومع ذلك، يبقى هنالك المزيد من القطع الناقصة من أحجية نظامنا الشمسي.

وعندما ننتقل إلى المشتري الذي يلي المريخ، نواجه أجسامًا صغيرة تدور بشكل مشابه حول الشمس تسمى حزام الكويكبات، وإذا أكملنا الطريق لمسافة أبعد من نبتون، فسنواجه مجموعة أكبر من الأجسام الصغيرة فيما يسمى بحزام كايبر.

بنى العلماء نموذجًا متينًا لكيفية تشكل نظامنا الشمسي من سحابة من الغاز والغبار الكوني تسمى السديم، فمنذ ما يقارب الـ 4.6 مليار سنة، بدأ سديم دوار في الانهيار على نفسه بفعل الجاذبية، فازداد تركيز المواد في المركز واصطدمت المزيد من الحبيبات والمواد الصلبة في تلك المنطقة وارتفعت درجات الحرارة في مركز السديم.

أطلق الاتحاد الفلكي الدولي اسم محمد رامي المعري، مدير مركز علوم الفضاء والكواكب بجامعة خليفة، على كويكب كان يُعرف سابقًا باسم “سي زد” 2002 فبات يُعرف الآن باسم (357148) المعري.


يُمثل المركز الساخن المكان الذي ولدت فيه شمسنا. ومن ثم، ومع تركز الكتلة في المركز، بدأ السديم الدوار بالدوران بشكل أسرع بكثير، مما أدى إلى تحوله من سحابة كروية إلى حد ما، إلى هيكل سيصبح في النهاية “القرص الكوكبي البدائي”.

وفي هذا القرص، استمرت المواد في الاندماج مع بعضها البعض، لتشكل كتلًا أكبر. يُذكر أن التغيرات في درجات الحرارة داخل القرص الدوار، هي السبب الرئيس وراء اختلاف تركيب الكواكب، فقد كان الجزء الداخلي من القرص على وجه الخصوص، ساخنًا جدًا بحيث لا يمكن للجليد والمواد المتطايرة الأخرى أن تتكثف من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة، لذا فإن الكواكب الموجودة في النظام الداخلي خالية نسبيًا من مواد متطايرة كهذه، ونعلم الآن أيضًا أن الكواكب تدور حول الشمس في الاتجاه نفسه، وذلك لأنه اتجاه دوران السديم الأصلي.

تُعتبر الأجسام الصغيرة بقايا هذه العملية المعقدة، وهي القطع الاحتياطية لنظامنا الشمسي، وعندما ندرس الكويكبات، نحصل على مزيد من المعلومات حول الظروف الفيزيائية والكيميائية للنظام الشمسي الداخلي، بما في ذلك الأرض. وعلى نحو مماثل، عندما ندرس الأجسام الصغيرة الغنية بالجليد في حزام كايبر وخارجه، نحصل على مزيد من المعلومات حول الظروف عند الحواف الخارجية للسديم المبكر. أكثر ما يميز الأجسام الصغيرة هو أنه بدلًا من السفر لمسافات طويلة لدراستها، يمكننا الاعتماد على اقترابها من الأرض، ولكن كيف يحدث هذا؟

تتمتع الكواكب الكبيرة، وخاصة المشتري، بجاذبية هائلة تدفع أحيانًا الأجسام الصغيرة في حزام الكويكبات نحو النظام الشمسي الداخلي، الأمر الذي يؤدي لوجود عائلة من الكويكبات القريبة من الأرض زارتها العديد من البعثات الفضائية. وقد تخترق مثل هذه الأجسام غلافنا الجوي وتهبط على الأرض على شكل نيازك.

يمتلك نبتون تأثيرًا مشابهًا ولكنه أضعف، ويمكنه جذب الأجسام من حزام كايبر وتحويل مداراتها إلى الداخل حتى تلتقطها الكواكب الخارجية كأقمار، أو يمكنها أن تتعرض لتغيير في مدارها عندما تواجه المشتري في رحلتها إلى الداخل، مما يمكّنها من زيارة النظام الشمسي الداخلي كمذنبات. تسمح لنا هذه الأجسام الغنية بالجليد بدراسة النظام الشمسي الخارجي دون الحاجة للذهاب إلى هناك

تلعب الأجسام الصغيرة دورًا رئيسًا في مساعدتنا على فهم نظامنا الشمسي بشكل أفضل، كما يمكنها أن تفتح آفاقًا اقتصادية قابلة للتطبيق في المستقبل القريب نظرًا للثروة الهائلة من المعادن الثمينة والخامات التي تحتوي عليها.

وقد يتحول الجليد القريب من السطح من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية عندما تدخل هذه المذنبات النظام الشمسي الداخلي، مما يؤدي إلى رفع الغبار السطحي على طول الطريق وتشكيل غشاء ضبابي مشرق حول الجسم يمكن أن يساعد في رؤيته. يمكن للعلماء استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لقياس تكوين الجليد.

تلعب الأجسام الصغيرة دورًا رئيسًا في مساعدتنا على فهم نظامنا الشمسي بشكل أفضل، كما يمكنها أن تفتح آفاقًا اقتصادية قابلة للتطبيق في المستقبل القريب نظرًا للثروة الهائلة من المعادن الثمينة والخامات التي تحتوي عليها. قد تشكل الأجسام القريبة من الأرض تهديدًا للحضارة الإنسانية إذا كانت كبيرة بما يكفي ووضعتها مداراتها في مسار تصادمي مع الأرض، حيث تُعتبر هدفًا لبرامج الدفاع عن الكوكب والمراقبة المستمرة بواسطة التلسكوبات الأرضية. لذلك ليس من المتوقع أن يتضاءل اهتمامنا بالأجسام الصغيرة في القريب العاجل.

حصل محمد رامي المعري على شهادة الدكتوراه من جامعة غوتينغن الألمانية، وهو دكتور مشارك في جيولوجيا الكواكب في قسم علوم الأرض بجامعة خليفة ومدير مركز علوم الفضاء والكواكب بجامعة خليفة

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا