في طريقنا نحو البناء المستدام

تُعد دولة الإمارات وجهة سياحية بارزة بسبب معالمها الهندسية المتميزة كبرج خليفة ومتحف المستقبل في دبي وقصر الإمارات في أبوظبي وقصر الوطن ومتحف اللوفر وجامع الشيخ زايد واستثماراتها التي تتجاوز 710 مليار دولار أمريكي في مشاريع البناء التي تهدف إلى تعزيز التطوّر الاقتصادي. وفي نفس الوقت، تتم هذه الإنجازات المعمارية والتوسّع الحضري السريع على حساب الإضرار بالاستدامة البيئية.

قامت شديدها سارادارا، طالبة دكتوراه في جامعة خليفة، مع الدكتور مالك خلفان، بدراسة مبادرات الاستدامة المتعلّقة بجهود البناء في دولة الإمارات وتقييم فعاليتها وإجراء مقارنات مع المعايير الإقليمية والدولية وأكدت على أن المساحات والمنشآت البنائية تُساهم بشكل كبير في تفاقم التحديات البيئية العالمية، حيث تعتبر السبب الرئيس لأكثر من 50% من عمليات الاستخراج العالمي السنوي للمواد وجزء كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة.

تسير دولة الإمارات في الاتجاه الصحيح، حيث تلتزم حكومتها التزامًا تامًا بتحقيق أهداف التنمية المستدامة

شديدها سارادارا، جامعة خليفة

وقالت: “قُدِّرت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن قطاع البناء في عام 2015، وهو أيضًا العام الذي وقّع فيه أعضاء الأمم المتحدة على اتفاق باريس الذي يتضمّن التزامات من جميع الدول لخفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة كبيرة، بـ 38% من إجمالي الانبعاثات في العالم،

وتقول شديدها في هذا الصدد: “من الضروري أن نقوم بتخفيض كمية هذه الانبعاثات بسرعة وإلى حدٍّ كبير في قطاع البناء على نطاق عالمي إذا أردنا تحقيق الأهداف المحددة في اتفاقية باريس”.

تشهد عملية التحول إلى البناء المستدام العديد من التحديات. وتُمثل دولة الإمارات، وهي الدولة التي يرتبط اسمها بالتطور العمراني الدائم والسريع، دراسة لحالة تلك التحديات.

تقول شديدها: “تحولّت دولة الإمارات من دولة ذات اقتصاد محدود نسبيًا إلى مركز اقتصادي عالمي بسرعة كبيرة،


صورة: Unsplash

لكن صاحَب هذا التحول كمية هائلة من الانبعاثات الكربونية، ويجب على قطاع البناء الآن أن ينتهج نهجًا مبنيًا على الاستدامة ويركز على إعادة الاستخدام ويقلل من النفايات، حيث تُعتبر هذه الخطوة ضرورة بيئية لأنها تعود بفوائد اقتصادية عديدة، ما يقلل التكاليف طويلة المدى والمرتبطة باستهلاك المواد وإدارة النفايات”.

أشارت شديدها إلى أن التزام دولة الإمارات بالتنمية المستدامة واضح في سياساتها وممارساتها، فهي تسعى جاهدة للحد من انبعاثات الكربون وتعزيز اعتمادها على الاستدامة، على الرغم من اعتمادها على الوقود الأحفوري والضغوط البيئية الناتجة عن تكييف الهواء وتحلية المياه.

وأضافت قائلة: “يمثل قطاع البناء الركن الأساسي في اقتصاد دولة الإمارات، لكن تصاحب هذه العلاقة مجموعة من المسؤوليات البيئية. ويجري في الوقت الحالي إدراج معايير وضوابط جديدة خاصة بالمباني المستدامة من خلال الضوابط والشهادات العالمية الحالية، إضافةً إلى دعم الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات الناتجة عن قطاع البناء والنفايات التي تُخلّفها عمليات الهدم، ببرامج وسياسات على مستوى الإمارة.”

لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التشريعات والمبادرات لمواجهة التحدي المتمثل في البناء المستدام، ولكن تقول شديدها في هذا السياق: “تسير دولة الإمارات في الاتجاه الصحيح، حيث تلتزم حكومتها التزامًا تامًا بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وإظهار تفانيها في ضمان مستقبل مستدام لسكانها ومواردها الطبيعية.”

حيوان برمائي يساعدنا في القضاء على العطش

يفرض التغير المناخي مزيدًا من الضغط على إمدادات الماء النظيفة المتوفرة في العالم، إلا أن حيوانًا برمائيًّا قد يتصدى لهذا التحدي.

طوّر فريق من الباحثين في جامعة نيفادا بولاية لاس فيغاس الأميركية مادة لاستخلاص الماء من الجو على نحو أكثر كفاءة من التكنولوجيات الحالي، ويرجع الفضل في كل ذلك إلى ضفدع.

لا تستهلك الضفادع الطعام والماء على نفس النحو الذي نستهلكهما به نحن البشر، فهي تتناول طعامها عن طريق الفم، في حين تهبط مقلات أعينها إلى الداخل كي تدفع الطعام إلى الحلق، وأما الماء، فهي تمتصه عبر الجلد.

وقد ألهمت هذه العملية فريق الباحثين لتطوير مادة جديدة فائقة الامتصاص، وذلك بعد دراسة المحاليل المتأيّنة الهلامية المائية بصفة حصرية، ذلك أن هذه المحاليل تصنع حواجز لصد الشوائب والملوثات وتمرير الماء.

الوصف: جيريمي تشو، بروفيسورمساعد، قسم الهندسة الميكانيكية
الصورة: جامعة نيفادا، بولاية لاس فيغاس

وقال جيريمي تشو، أحد أعضاء الفريق البحثي: “يُقصَد بالمحلول المتأين الهلامي المائي مادة بوليمرية يمكنها الامتلاء بالماء، ما يعني أن الماء قابل للنفاذ بسهولة من خلالها مثل جلود الكائنات”.

وتكونت هذه المادة من غشاء هيدروجيني وسائل مُجفِّف لامتصاص الرطوبة كمزيج مثالي يتيح الاحتفاظ بالمياه من الجو على نحو متسارع وتخزينه بكميات كبيرة لغرض تنقيته.

قال جيريمي في هذا الصدد: “لاحظنا أن هذه المادة قادرة على احتجاز الماء من الجو بسرعة مذهلة، فقد استطعنا احتجاز كمية من المياه تتراوح بين لترين وستة لترات يوميًا لكل متر مربع من مساحة سطح الغشاء في لاس فيغاس، علمًا بأنها المدينة ذات الهواء الأشد جفافًا بين مدن الولايات المتحدة”.

يقوم السائل المُجفِّف باستقطاب الماء وامتصاص بخاره من الجو، حتى عند انخفاض معدلات الرطوبة النسبية لتصل إلى 10%، كما تمثلت العقبة الأصعب في ترشيح الجسيمات والملوِّثات في الهواء الخارجي، فأُضيف غشاء من محلول متأين هلامي مائي بين السائل المُجفِّف والهواء.

يبدو الأمر كحل سهل، ولكن استغرق إيجاد المحلول المتأين الهلامي المائي المناسب عامين من التجارب ونُشرت عنه ورقتان بحثيتان، وأضاف جيريمي في مقابلة أجراها معه فريق مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “استغرق الأمر محاولات عديدة لتركيب المحلول المتأين الهلامي المائي والكثير من التجارب للتحقق من صحة نظريتنا”.

| ما الجديد؟

وُجدت عمليات استخلاص الماء من الجو منذ زمن طويل، إلا إنها كانت تعتمد غالبًا على تصورات جديدة للتكنولوجيات القديمة، في حين اعتمدت الطريقة التي توصل إليها الفريق على تكنولوجيا جديدة.

وفي السياق، قال جيريمي: “تختلف طريقتنا في عدم تخليق مادة ماصة جديدة لإعادة تطويرها، وعدم الاعتماد على تطوير تكنولوجيا جديدة لغرض استخدامها في تطبيق مختلف، حيث نقدم طريقة جديدة تعتمد على الغشاء بحيث يصبح من الممكن احتجاز الماء باستمرار في سائل مُجفِّف وإطلاقه (تنقيته) في موقع آخر، ويُعَد الفصل بين العمليات ميزة رئيسة في طريقتنا، ذلك أنه يتيح لنا أكبر قدرٍ من الاستفادة من كل عملية والتحكم فيها بصفة مستقلة للوصول إلى مستويات أفضل من الأداء والكفاءة، كما تتيح لنا هذه الميزة المرونة في كيفية تصميم منظومة كاملة لاستخلاص الماء من الجو، وإذا أردنا تزويد هذه المنظومة بالطاقة من الشمس أو الحرارة المُهدَرَة أو الكهرباء، يمكننا بناء أنظمة مختلفة تعتمد على نفس طريقة استخلاص الماء باستخدام الغشاء والتي يرجع الفضل في تطويرها إلى هذه المرونة”.

 

| ليست لغرض الشرب فقط

تركز الأسواق غالبًا على مياه الشرب، والتي لا تمثل سوى جزءًا من الاستهلاك الإجمالي للمياه، لذا، أطلق الفريق شركة ناشئة آملًا أن تُحدِث هذه التكنولوجيا تأثيرًا هائلًا فيما يتعلق بالاستدامة ومصادر الحصول على الماء.

وأضاف جيريمي: “ابتكرنا هذه الطريقة واضعين في اعتبارنا المناطق القاحلة التي تعاني ضغطًا على مواردها المائية، ولطالما شكلت الاستدامة جزءًا من رؤيتنا منذ البداية”.

ويشمل ذلك مراعاة المستوى الراهن من الفقر المائي وكيف يمكن لهذه التكنولوجيا الجديدة أن تؤثر في استخدام الماء والحفاظ عليه وتنظيم التعامل معه، ويتطلع المسؤولون بالجهات التنظيمية إلى التمكّن من خفض نسبة استهلاك الماء واستعادته بعد استخدامه، كما تسعى الشركات التي تراعي العوامل البيئية والاجتماعية والعوامل المتعلقة بالحوكمة في توجهاتها الاستثمارية إلى تحقيق الحياد المائي أو الإيجابية المائية والتي تعني استعادة كميات أكبر من المياه الذي يُستهلَك.

يحاول المسؤولون بالجهات التنظيمية في ولاية نيفادا إثناء الشركات عن تأسيس أعمالها في الولاية، استنادًا إلى توقعاتهم بشأن استهلاك المياه، ويأمل جيريمي وفريقه في التخلّص من هذا المعوّق التجاري وتحسين الاقتصاد المحلي.

 

| كم تبلغ التكلفة؟

تكمن المشكلة في ارتفاع كلفة هذه الحلول المائية مقارنة بكلفة صنبور المياه، ولكن يقول جيريمي أن فريقه يهدف إلى ضمان تركيز شركتهم الناشئة، دبليو إي في آر تكنولوجيز، على تطوير حلول لتوفير الماء لتعويض هذه الخسائر الاستهلاكية.

 

| من ذا الذي قد يرغب بدفع الثمن؟

يقول جيريمي أن ثمة قطاعات عديدة في لاس فيغاس تبحث عن حلول، بما في ذلك قطاعات العقارات والضيافة والبناء وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة، وأضاف بقوله: “نحن في خضم محادثات معهم، وهم يبحثون عن حل كما أنّهم مستعدون لسداد ثمنه. ويمكننا القول، بأنالمبلغ الذين هم مستعدّون لدفعه يُعتبر معقولًا من الناحية الاقتصادية التكنولوجية عندما نوسع نطاق التكنولوجيا الخاصة بنا”.

اختتم جيريمي تصريحاته لـ مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا قائلًا: “يُعتبر التغير المناخي واقعًا، وسواء قبلت رأي العلم القائل بأننا السبب في هذا التغير أم لم تقبل، سوف تدفع ثمنه، حيث يبدو هذا التغير واضحًا للغاية في المناطق القاحلة من خلال مواردنا المائية وفواتير المرافق التي نسددها وقدراتنا على أداء الأعمال التجارية والعيش في مجتمعاتنا، ويجب علينا أن نكون أكثر مسؤولية في كيفية استخدامنا للماء وأن نبذل قصارى جهودنا لاستعادته، وإذا لم نتمكن من استعادة الماء، فلنبحث في كيفية استخلاصه من الهواء الذي يُعَد مصدرًا خفيًا يحيط بنا جميعًا”.

يتوقع الفريق في شركة “دبليو إي في آر تكنولوجيز” أن يكون النموذج الأولي للتكنولوجيا الخاصة بهم جاهزًا بحلول نهاية عام 2025.