خبير في السمنة يقدم معلومات دقيقة وشاملة
حول دواء سيماغلوتايد

تصدر أدوية سيماغلوتايد وتيرزيباتيد، والتي تشمل أوزمبيك ومونجارو، الأخبار عالميًا، حيث يسعى مستخدميها إلى فقدان الوزن ويسعى الباحثون إلى إيجاد استخدامات جديدة ممكنة لهذه الأدوية.

CAPTION: يشغل الدكتور لويس جي. أرون منصب أستاذ سانفورد آي وايل لبحوث السمنة والأيض ومدير مركز التحكم الشامل بالوزن في كلية ويل كورنيل للطب في مدينة نيويورك.

ووفقًا لأحد الخبراء في الطب، تعتبر هذه الأدوية حلًا للبدانة ومدخلًا لفهمها كمرض أكثر من أنها نتيجة ضعف أو نقص في الإرادة.

يعد لويس جي. أرون، أستاذًا في البحوث الأيضية ومديرًا لمركز التحكم الشامل بالوزن في كلية ويل كورنيل للطب في الولايات المتحدة، حيث أمضى وقتًا طويلًا من حياته المهنية لدراسة السمنة.

وقال لويس: “عالج العلماء داء السمنة على مدى 20 عامًا مضت في الحيوانات والبشر باستخدام عامل نمو الأعصاب الذي ساهم إعطاؤه للمريض بانخفاض الوزن. وتبين أن هذا العامل تسبب في تكون أجسام مضادة في بعض البشر، لذلك تم إيقاف البحث.

ويجري في الوقت الحالي تطوير مركبات قد كانت في السابق مخصصة لعلاج المرض العصبي (لو غيريغ)، حيث ساهم استخدامها من قبل المرضى بفقدان الوزن ولم يستعيدوه على مدى فترة طويلة”.

ووفقًا لما قاله لويس، يرجع ذلك إلى أن هذه المركبات أدت إلى تكون أعصاب طبيعية وسليمة في جزء من الدماغ يُعرف باسم تحت المهاد (هايبوثلاموس)، مسؤولة عن تنظيم وزن الجسم. ويرى الباحثون أن عامل نمو الأعصاب حفز الخلايا الجذعية لهذه الأعصاب في الجزء التالف من الدماغ وأدى إلى إعادة بناء روابط الاتصال.

| تلف في الدماغ

ويقول لويس إن عملية اكتساب الوزن وفقدانه هي في واقع الأمر انعكاس لتلف في المسارات الموجودة داخل المخ والمسؤولة عن تنظيم الوزن. وأضاف: “يمكن تفسير ذلك بأن الدماغ يصبح أقل استجابة للهرمونات التي تتحكم في وزن الجسم”.

وذكر لويس أن السمنة كانت في الماضي تمثل مشكلة جسدية وحاول آنذاك أن يقنع خبراء السكري بأن التركيز على فقدان الوزن سيخفف من أعراض هذا المرض، إلا أن خبراء السكري ركزوا على انخفاض مستويات السكر في الدم ولم ينظروا لجوانب أخرى كفقدان الوزن.

الصورة: Unsplash
دواء مستوحى من وحش

يُصَنَّف أكثر من 3 مليار شخص (حوالي 40 بالمئة من سكان العالم) كأصحاب أوزان مفرطة أو بدينين. ومن المتوقع ارتفاع النسبة بحلول عام 2035 لتتجاوز 50 بالمئة.
وقد تتغير تلك المعدلات رغم ذلك، بفضل سحلية.
حسنًا، بفضل وحش، لدقة أكثر. Read more›››

يقع الموطن الأصلي لوحش “جيلا” (وتُعرَف أيضًا باسم الهيلة)، وهي سحلية سامة جسمها مغطى بحراشف خرزية الشكل، جنوبي غرب الولايات المتحدة.

لا تتسبب لدغة الوحش جيلا عادةً في موت البشر، إلا أنها يمكن أن تسلل لهم شعورًا بالحرقان وآلامًا مبرحة وعدم ارتياح لعدة ساعات، وهذا هو ما دفع العلماء إلى دراسة سمها.

ويؤكد رونالد جينر، خبير دراسة السموم لدى متحف التاريخ الطبيعي بالمملكة المتحدة، أن استخدام السم لتطوير دواء هو ممارسة قديمة.

وقال رونالد: “كان سكان الهند القديمة، على سبيل المثال، معرضين لسموم الأفاعي، والتي تقوم بوظائف بيولوجية. لذا، لم يكن الاهتمام يقتصر على تحييد أثار تلك السموم فحسب، بل وإنما كان يشمل أيضًا استخدامها في علاج حالات أخرى”.

يُستخدم عقار بريالت، على سبيل المثال، والمستمَد من سم الحلزون المخروطي، لعلاج الآلام الحادة المزمنة من دون الخصائص الأخرى المتوافرة في الأدوية الأخرى.

وتستطيع سحلية وحش جيلا الاستمرار من دون طعام لفترات طويلة، وهي خاصية درسها الباحثون فقادتهم إلى اكتشاف هرمون “إكسندين -4″، وهو مماثل لهرمون “جي إل بي-1” الموجود في البشر، حيث ينظم الشهية ومستويات السكر في الدم بإفراز الإنسولين وإبطاء عملية هضم الطعام.

واستطاع العلماء بفضل أوجه التشابه بين “إكسندين -4” وهرمون “جي إل بي-1″أن يطوروا دواءً لعلاج النوع الثاني من داء السكري، والذي يعاني منه 422 مليون شخص على مستوى العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

تُعزَى فاعلية هرمون جي إل بي- 1 في فقدان الوزن إلى جعل مستخدميه يشعرون بالامتلاء لفترات أطول وتقليل الشعور بالجوع وزيادة الشعور بالشبع.

ويُعَد العقار الأصلي المُستوحى من الوحش جيلا، والتي غالبًا ما تعيش لشهور من دون طعام، ليس بجديد أيضًا، فقد اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأميركية في عام 2005 لعلاج النوع الثاني من داء السكري، ويحمل اسم ” إكسيناتيد”، بينما يباع باسم “بييتا”.‹‹‹ Read less

بدأ لويس عيادته لعلاج السمنة في عام 1987 بعد أن أظهرت دراسة أن رعاية مرضى البدانة هي الأكثر تكلفة، حيث بلغت تكلفة رعايتهم الصحية ضعف تكلفة رعاية المرضى الآخرين.
أظهر لويس اهتمامًا شخصيًا لمعرفة الأسباب وراء استمرارية معاناة المرضى من زيادة أوزانهم على الرغم من اتباع تعليمات الأطباء، خاصة أن العديد من أفراد أسرته يعانون من مشاكل في الوزن وأمراض أخرى مصاحبة لها.

تلقى لويس دعوة،، بعد حوالي عام من بدء برنامج السمنة الخاص به من قبل باحث في مستشفى جامعة روكفلر في نيويورك لزيارته في مختبره لرصد نتائج تجربة إزالة دم من جسد فأر نحيل وإعطائه لفأر آخر بدين. وكانت النتيجة أن وزن الفأر البدين قد انخفض خلال ثلاثة أيام إلى الحد الطبيعي. وبذلك، ساهمت تجربة هذا الباحث في اكتشاف اللبتين، أول هرمون يتم إنتاجه من الخلايا الدهنية.

وقال لويس: “أثبتت التجربة أن الجسم يحتوي على نظام يساهم في تنظيم الوزن، وبدلًا من إرجاع أسباب السمنة إلى كمية السعرات الحرارية الداخلة إلى الجسم والخارجة منه ونقص الإرادة، قد يعود سبب السمنة إلى نوع من المشاكل الهرمونية”.

وتحاكي هذه الأدوية الهرمونات الناتجة عند تناول الطعام.

وأضاف لويس: “يدخل الطعام إلى أمعائك، فتقوم الخلايا في الأمعاء بإفراز الهرمونات التي تُمتَص في مجرى الدم وتنتقل إلى الدماغ وتخبره بكمية الطعام التي تناولتها، لكن قد لا يستجيب الجسم لذلك بسبب مقاومته لبعض تلك الإشارات وعدم إنتاج هرمونات كافية. وفي هذه الحالة، تقوم هذه الأدوية بتعزيز فعالية “جي إل بي-1″،وهو هورمون يؤدي دورًا هامًا في تنظيم نسبة السكر في الدم، وبالتالي يمنحك شعور بالشبع لوقت طويل”.

| تغيير المفاهيم

يقارن لويس بين طريقة تفكير المجتمع بشأن السمنة وبين المفاهيم السابقة عن الاضطرابات الحادة في الحالة المزاجية كالقلق والاكتئاب، حيث كان يُعتقد أنه يمكن للأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات التغلب عليها بسهولة من خلال ممارسة التمارين الرياضية وتغيير سلوكهم وسيشعرون بتحسن. ويرى لويس أن هذه الأدوية ستغير مفهوم المجتمع تجاه الأفراد الذين يعانون من السمنة والمتمثل بربط الأسباب بإرادة الشخص.

وقال لويس: “سيحدث ذلك قطعًا”.

وأضاف في مقابلة مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “ندرك الآن أنها مشكلة جسدية يمكن علاجها طبيًـا، حيث اعتاد الناس الذين يعانون من اضطرابات عقلية حادة أن يدخلوا مصحات، إلا أن تلك المصحات قد أُغلِقَت لأنه أصبح العديد من المرضى يُعالَجون طبيًا. وينطبق الأمر على مرضى الحالات العقلية الأخرى الذين تمت معالجتهم بالأدوية بشكل ناجح الأدوية. ويحدث الأمر نفسه الآن في علاج حالات البدانة”.

وتابع بقوله: “تُعَد أدوية فقدان الوزن المتداولة حاليًا بالأسواق البداية فقط”. يعمل لويس وفريقه على أدوية أخرى تهدف السماح للمرضى بفقدان المزيد من الأوزان باستهداف المزيد من الهرمونات.

يتميز أحد عقاقير سيماغلوتايد (متداول تجاريًا باسم أوزمبيك أو ويغوفي) بنجاحه في محاكاة هرمون واحد بينما يحاكي تيرزيباتيد (متداول باسم مونجارو) هرمونين. لذا، يُنظَر إلى مونجارو على نطاق واسع باعتباره أكثر فاعلية.

وتتمثل البراعة في إيجاد الدواء السليم الذي يناسب المريض من حيث فقدان الوزن وقدرة المريض على التعامل مع الآثار الجانبية. يستجيب كل شخص لهذه الآثار على نحو مختلف عن الآخر، والبعض قد لا يتحملها على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، الآثار الجانبية لعقار مونجارو أقل من آثار أوزمبيك أو ويغوفي.

تفرض الكُلفة تحديًا أيضًا، ذلك أن العديد من شركات التأمين لا تغطي هذه العقاقير. وتتراوح كُلفة توريد أوزمبيك لمدة شهر من 935 إلى 1023 دولار.
تُقدر دراسة، أجراها باحثون بكلية ييل للصحة العامة في عام 2024، أن تعزيز الوصول لهذه الأدوية يمكن أن يساهم في إنقاذ حياة أكثر من 42,000 إنسان في الولايات المتحدة وحدها، بما في ذلك الأشخاص المصابين بالنوع الثاني من مرض السكر وغيره من المشاكل الصحية التي قد تتفاقم بسبب البدانة.

وقالت أليسون بي. جالفاني، باحثة مشاركة في الدراسة:”يمكن التوسع في الوصول إلى هذه الأدوية من خلال تحسين خيارات العلاج واتّباع الإجراءات الأساسية الهامة في الصحة العامة”.

| وماذا بعد؟

لا تقتصر المخاوف حيال العقاقير برغم ذلك على الكُلفة والآثار الجانبية، والتي تشمل الغثيان والتقيؤ واضطرابات الجهاز الهضمي، وإنما تتعلق أيضًا بما يحدث بعد فقدان الوزن.

الصورة: Freepik
موجز تاريخ أوزمبيك

تمت الموافقة على دواء أوزمبيك في عام 2017 لعلاج داء السكري وسرعان ما صار معروفًا بآثاره في فقدان الوزن. ويعمل أوزمبيك كمستقبل لهرمون “جي إل بي-1″، فيولد تجاوبًا معه ويحاكي تعامل الجسم مع هرمون “جي إل بي-1”. Read more›››

طُوِّر أوزمبيك لعلاج النوع الثاني من داء السكري، وأصبح بعد ذلك أداة لفقدان الوزن.

يؤثر سيماغلوتايد، وهو المكون الرئيس ضمن مكونات أوزمبيك، في الشهية ومستويات السكر في الدم وتركيب الجسم. يرفع سيماغلوتايد مستويات الإنسولين، وهو ما يؤدي إلى خفض مستويات سكر الدم (الجلوكوز)، ويقلل كمية السكر التي تجري في الدم نتيجة هضم الغذاء ويبُطئ عملية الهضم، ما يجعل مستخدم العقار يشعر بالامتلاء لفترة أطول.

ويُعَد أوزمبيك واحدًا من عقاقير عديدة متداولة بالأسواق وتحقق فقدان في الوزن بنسب تتراوح من 15 إلى 20 بالمئة، بحسب الجرعة وتجاوب المريض. ويُطرَح المزيد من هذه الأدوية في الأسواق لغرض فقدان الوزن أكثر منه لعلاج السكري.‹‹‹ Read less

كيف نُبقي على الوزن منخفضًا؟

يقول لويس أن تقليل الجرعات يُعَد خيارًا جيدًا لكن التوقف عن تعاطي تلك الأدوية يُنهي مفعولها. لذا، بدلًا من تعاطيها مرة واحدة أسبوعيًا، وهذا هو الشائع، يمكن تناولها مرة كل 10 أيام أو بصفة شبه منتظمة.

وقال لويس: “نقترب بمرور الوقت من الحصول على حلول أفضل وأفضل. يُفترض أن يتوفر فعليًا 24 مركّبًا في الأسواق خلال السنوات السبع المقبلة”.

يعمل الباحثون على عدد من الدراسات عن أدوية فقدان الوزن. يجمع عقار جديد بين سيماغلوتايد وكاجريلينتايد (وهو نظير يدوم طويًلا لهرمون الأميلين الذي يفرزه البنكرياس)، وسيتيح تعاطي جرعات أقل من سيماغلوتايد وتحقيق نتائج ملحوظة لفقدان الوزن تتراوح نسبها بين 25 و30 بالمئة.

ويتم حاليًا إجراء دراسات على دواء بيمفيدوتايد، والذي يجمع بين هرمون “جي إل بي-1” وهرمون الغلوكاغون. ويقول لويس أن هرمون الغلوكاغون يزيد معدلات الأيض ويخلص الكبد من الدهون ويرفع مستويات السكر في الدم. وعند مزج هرمون الغلوكاغون مع هرمون “جي إل بي-1” الذي يخفض مستويات السكر في الدم، فقد يؤدي هذا المزيج إلى فقدان المزيد من الوزن. ويمكن أن يتسم الدواء بميزة إضافية لأولئك الذين يعانون من مرض دهون الكبد.

ولا يزال أمام هذه الأدوية طريق طويل قبل أن تصل إلى الأسواق، ولكن فريق لويس يرى إمكانية طرح أحد الأدوية الجديدة، وهو محاكي لهرمون “جي إل بي-1″من إنتاج شركة إيلي ليلي، إضافةً إلى دوائين آخرين جديدين، بحلول نهاية عام 2026، كما سيتم إجراء المزيد من التجارب الطبية على أدوية جديدة في العام 2027.

وقال لويس: “سيكون الأمر مدهشًا”.

| تطبيقات أخرى

يبحث الأطباء تطبيقات ممكنة أخرى لهذه الأدوية، بينما يركز لويس على مرضاه المصابين بالبدانة. يصف بعض الأطباء هذه العقاقير لأمراض لا علاقة لها بالبدانة أو داء السكري. وكان التجاوب إيجابيًا.

تشير دراسة أجراها باحثون صينيون في عام 2022 ونُشِرَت في قاعدة بيانات “بابميد” للدراسات الطبية، إلى فاعلية الأدوية التي تحتوي على هرمون “جي إل بي-1” في علاج الحالات الالتهابية كأمراض القلب والأوعية الدموية وداء الصدفية.

وقال لويس: “توجد مستقبلات لهرمون “جي إل بي-1″في كرات الدم البيضاء، وتعتبر آلية مباشرة يمكن بها تقليل الالتهاب، حيث أنها مركبات فريدة مضادة للالتهابات”. غيرت هذه العقاقير حياة العديد من المرضى، لكنها تحتاج المزيد من البحث. ويوجه لويس رسالة إلى مرضاه الذين يعانون من السمنة، قائلًا: “ليست غلطتكم”.

الهيدروجين: هل هو الوقود المستقبلي للطيران؟

كتب الممثل والكوميديان والمؤلف الإنجليزي ذو المواهب المتعددة، روان أتكينسون، في يونيو 2023، مقالةفي صحيفة “ذا غارديان” البريطانية شكك من خلالها بالفوائد البيئية للمركبات الكهربائية التي تعمل باستخدام بطاريات أيونات الليثيوم.

يسهل تفنيد الحُجَج والدراسات التي استند إليها أتكينسون، إلا أنه طرح وجهة نظر صحيحة هذه المرة تنادي بالمزيد من التركيز على المركبات التي تستمد الطاقة من الهيدروجين.

لا يزال الوقت مبكرًا جدًا للحديث عن المركبات التي تعمل بالهيدروجين، حيث لا يوجد حاليًا سوى 72 ألف مركبة فقط من هذا النوع على كوكب الأرض. ويبدو هذا الرقم بالتأكيد ضئيلًا للغاية إذا ما قورن بــ 14 مليون مركبة كهربائية بيعت على مستوى العالم خلال العام الماضي فقط. ولا يتناقض ذلك مع حقيقة غير قابلة للجدال مفادها أن المركبات التي تعمل بالهيدروجين ستكون واحدة من أهم وسائل النقل خلال الفترات المقبلة.

وبدأت شركة انتليجينت إينرجي الناشئة التي يقع مقرها الرئيس في مقاطعة لسترشير البريطانية بطرح وحدات خلايا الوقود الهيدروجيني قادرة على تزويد السيارات والشاحنات والحافلات بالطاقة. واستثمرت شركة بي إم دبليو لصناعة السيارات على نحو مكثف في المركبات التي تعمل بالهيدروجين، وبدأت في تسليم سيارتها الهيدروجينية (آي إكس-5) إلى عدد محدود من شركائها في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وبينما نتطلع إلى مستقبل المركبات الهيدروجينية، فثَمَّة اهتمام متزايد أيضًا باستخدام الهيدروجين كوقود في مجال الطيران.

وتُعَد صناعة الطيران عنصرًا حيويًا من عناصر قطاع النقل على مستوى العالم، حيث يساهم الطيران بقوة أيضًا في النمو الاقتصادي العالمي، إلا أنه يثير مشكلة كبيرة بسبب اعتماده الكثيف على الوقود الأُحفوري، وبالتالي مساهمته في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

مدثر أحمد ياتو

—حاصل على درجة الدكتوراه وباحث مشارك في إدارة المواد بكلية إمبريال كوليدج لندن ومستشار مستقل لدى شركة آوت سمارت إنسايت

وقد برز استخدام الهيدروجين كوقود باعتباره حلًا واعدًا للتصدي لهذه التحديات.

وتُعَد القدرة التي يتمتع بها الهيدروجين في تقليل الانبعاثات الكربونية الضارة أحد الدوافع الأساسية للبحث في إمكانية استخدامه كوقود في صناعة الطيران، إذ أنه لا يُنتِج عند احتراقه سوى بخار الماء فقط كُمنتَج ثانوي، ما يعني أنه يمهد الطريق نحو تخفيف البصمة الكربونية الناجمة عن صناعة الطيران.

يجلب استخدام الهيدروجين كوقود في صناعة الطيران مزايا تشمل الاستدامة البيئية وكفاءة الطاقة وتعددية الاستعمالات فيما يتعلق بالإنتاج والقابلية للتوسع والتكامل مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

تُعَد خلايا الوقود وأنظمة تخزين الهيدروجين تكنولوجيتين قادرتين على تزويد مجال الطيران التجاري باحتياجاته من كثافة الطاقة والقدرة الناتجة.

وتمثل القدرة على تخزين كميات كبيرة من الطاقة في حيز ضئيل عاملًا حيويًا للرحلات الجوية ذات المسافات الطويلة والحمولات الثقيلة، حيث يبلغ محتوى الطاقة لكل وحدة كتلة من الهيدروجين 120 ميجا جول/ كيلوجرام، وهو الأعلى، إلا أن كثافة طاقته الحجمية منخفضة جدًا بسبب الانخفاض الاستثنائي في كثافته في درجات الحرارة وظروف الضغط الجوي العادية.

وتساهم التطورات التي تجري في تكنولوجيات خلايا الوقود ووسائل التخزين في تعزيز جدوى الاستفادة من الهيدروجين كوقود في مجال الطيران التجاري، على الرغم من كون كثافة الطاقة لكل وحدة حجمية في الهيدروجين أقل منها في الأنواع الأخرى من وقود المحركات النفاثة.

ولكن تبقى هناك تحديات هامة تتعلق بالبنية التحتية والتطور التكنولوجي والسلامة.

ويُعَد تأسيس بنية تحتية قوية للهيدروجين، بما في ذلك ضمان توافره في المطارات على مستوى العالم، تحديًا رئيسًا ضمن هذه التحديات.

وفي هذا السياق، يعتبر تطوير البنية التحتية الخاصة بتخزين ونقل وإعادة التزود بالهيدروجين ودمجها في المطارات الحالية أمرًا في غاية الأهمية.

يتطلب الهيدروجين عناية كبيرة في التعامل معه لضمان السلامة بسبب سرعة اشتعاله. وتتمثل الطريقة السليمة لمعالجة هذه المخاوف في اتخاذ تدابير السلامة الكافية واتباع التعليمات وتعلُّم الدروس من التطبيقات الحالية المتعلقة باستخدام الهيدروجين.

لذلك، يتعين منح الأولوية للتصدي للمخاوف المتعلقة بالسلامة وتعزيز الوعي العام بشأن استخدام الهيدروجين كوقود في مجال الطيران.

إضافة لذلك، يقتضي الأمر تضافُرًا في الجهود وتعاونات بين المؤسسات الحكومية والجهات المعنية بالصناعة والمؤسسات البحثية.

ولا يزال الطريق طويلًا قبل أن نصل إلى صناعة طيران تعتمد على الهيدروجين كوقود، إلا أن الدعم المتمثل في السياسات الحكومية والتمويل مع التركيز على تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض الانبعاثات الكربونية من شأنه أن يوفر حافزًا جيدًا للإسراع في تنفيذ هذا التحول الهام.

مدثر أحمد ياتو، حاصل على درجة الدكتوراه وباحث مشارك في إدارة المواد بكلية إمبريال كوليدج لندن ومستشار مستقل لدى شركة آوت سمارت إنسايت.

التخلص من الغبار

تُعد شبه الجزيرة العربية أحد المصادر الرئيسة للغبار في العالم على مدار العام، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على كمية الغبار في الهواء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث تؤثر ما بين 15 و 20 عاصفة غبارية في شبه الجزيرة العربية سنويًا على كافّة جوانب الحياة البشرية والنظم البيئية البحرية والمناخ.

تسبب العواصف الرملية والغبارية بخسائر مادية تقدّر بـ13 مليار دولار أمريكي سنويًا نتيجة للأضرار التي تسببها للمحاصيل والماشية والبنية التحتية وصحة الإنسان وغيرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أصبحت العواصف متواترةً أكثر وتمتد لفترات أطول وتنتشر في مناطق أوسع.

يعتبر التنبؤ بالعواصف الغبارية في مرحلة مبكرة أمرًا هامًا، لكن يحول التطور السريع للعواصف وانتشارها دون التمكن من التنبؤ بموعدها ومكانها وقوتها.

يدرس حسين هاشمي، من جامعة لوند السويدية، أسباب نشأة العواصف الغبارية واتجاهاتها ويقول أنه يمكننا تحديد المناطق التي تكون الأرض فيها أكثر عرضة لأن تولد مصادر جديدة للغبار باستخدام الذكاء الاصطناعي وبيانات الأقمار الصناعية.

وقد قام الفريق البحثي الذي قاده حسين برسم خريطة لمنطقة الشرق الأوسط تتيح لهم دراسة آلية تفاوت مصادر الغبار بمرور الوقت، وذلك من خلال الجمع بين الاستشعار عن بعد ونمذجة البيانات المتقدمة وخوارزميات التعلم الآلي.

كتب حسين في المجلة العلمية “أتموسفيريك بولوشن ريسيرش“: “أظهرت الدراسات السابقة الآثار المدمرة للعواصف الغبارية على الصحة والاقتصاد في دول الشرق الأوسط، فمن الضروري التنبؤ بقابلية تأثر المنطقة بمصادر العواصف الغبارية مع الأخذ في الاعتبار التباين الزماني المكاني وتقديم نظرة ثاقبة لآليات إنتاج الغبار، كما يمكن أن يكون التعلم الآلي أسلوبًا فعالًا، حيث حددت الدراسات التجريبية في شمال شرق إيران مصادر الغبار بدقة وصلت إلى 91%.”


الوصول إلى المصدر


ذكر فريق حسين بأن النتيجة يمكن أن تعزز دور صنّاع السياسات في تحديد المناطق المعرضة للخطر وتنفيذ إجراءات لخفض احتمالية حدوث عواصف غبارية.

يقول جيليلي أبو دويلي من الأكاديمية الصينية للعلوم: “يصعب التنبؤ بمصادر العواصف الرملية والغبارية، حيث لا تعتمد نشأة العواصف على العوامل المرتبطة بالأحوال الجوية كسرعة الرياح وهطول الأمطار ودرجة حرارة الهواء فحسب، بل تعتمد أيضا على العوامل الأرضية مثل الغطاء النباتي وخصائص التربة. وعلى الرغم من ذلك، قد يساعد دمج كل من بيانات الاستشعار عن بعد والبيانات المرتبطة بالأحوال الجوية ذات الدقة المكانية والزمانية المختلفة على التنبؤ بها.”

الصورة Shutterstock

استخدم أبو دويلي أربعة أساليب للتعلم الآلي للتنبؤ باحتمالية تعرض المنطقة للعواصف الغبارية، وتوصّل من خلال البحث إلى أن سرعة الرياح لعبت الدور الأهم في النموذج، تليها ظروف الغطاء النباتي والخصائص الأخرى لسطح الأرض.

يُعتبر نقل الغبار حول العالم جزءًا لا يتجزّأ من دورة الغبار. لذا، تحتاج العاصفة الغبارية إلى العمليات الجوية التي تحدد كافّة جوانب العاصفة بدءًا من شدتها وصولًا إلى مدتها. ومن جهة أخرى، تلعب رياح الشمال دورًا هامًا في شبه الجزيرة العربية، ويُعتقد أن هذه الرياح الشمالية شبه الدائمة هي المحرك الرئيس المرتبط بالأحوال الجوية لانبعاثات الغبار على مدار العام، ولكن ديانا فرانسيس، رئيسة مختبر العلوم البيئية والجيوفيزيائية بجامعة خليفة، مهتمة بأسباب ارتفاع انبعاثات الغبار فوق الأجزاء الجنوبية من شبه الجزيرة العربية في فصل الصيف.

قالت ديانا: “تشير هذه الذروة إلى وجود آلية غير معروفة ولكنها مهمة لانبعاثات الغبار، حيث أثبتت نشأة الأعاصير أنها آلية رئيسة لانبعاث الغبار في المناطق القاحلة الأخر وقادرة على إنتاج عواصف غبارية قوية. ولكن، لا يزال الاهتمام بنشاط الغبار المرتبط بنشأة الأعاصير في شبه الجزيرة العربية محدودًا.”


حاجة ماسّة


توصّلت ديانا من خلال بحثها إلى أن معظم النماذج تفشل في إعادة تمثيل الجوانب الرئيسة لدورة الغبار عند مقارنتها بالأقمار الصناعية وعمليات الرصد الأرضية، حيث توجد حاجة ماسّة لتحسين التمثيل العام لسلوك الغبار وتُستخدم هذه النماذج بشكل متزايد لمحاكاة المناخ في المستقبل.

قالت ديانا في المقابلة التي قامت بها مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “تُستخدم النماذج العالمية والإقليمية للطقس والمناخ لمحاكاة انبعاثات الغبار وتفاعلاتها مع المناخ، إلّا أن عدم التجانس الزماني المكاني الكبير لمصادر الغبار المتنوعة، والمتمثل في الكثبان الرملية العملاقة والتلال الصغيرة والأخاديد في حقل زراعي والزوابع الرملية قصيرة العمر والنقل العالمي للغبار، يجعل من الصعب للغاية تمثيل دورة الغبار باستخدام النماذج المناخية.”


أبدت ديانا رغبتها في الحصول على المزيد من القياسات في الموقع والقيام بعمليات رصد بالاستشعار عن بعد من خلال الأقمار الصناعية لفهم تأثير الغبار على المناخ بشكل أفضل.

مؤكدةً بأنّه يمكن أن تساهم المحاكاة عالية الدقة التي تمثل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للغبار، في الكشف عن الآليات الفيزيائية المختلفة التي تكمن وراء تفاعلات الغبار مع المناخ.

قالت ديانا في حديثها مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “نحث المجتمع العلمي على الانتباه إلى هذه التفاصيل في النماذج المناخية العالمية والإقليمية وبذل الجهد لتحسينها لتتمكن من تمثيل آثار الغبار على المناخ في عمليات المحاكاة السابقة والحالية ومستقبلًا بشكل واقعي”.


يتنبأ نظام الاستشارات والتقييم للإنذار بالعواصف الرملية والغبارية التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بالعواصف الرملية والغبارية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتيح هذا الموقع الإلكتروني، الذي تديره الوكالة الوطنية للأرصاد الجوية في إسبانيا ومركز برشلونة للحوسبة الفائقة ومركز برشلونة الإقليمي للأتربة، إمكانية الاطلاع على التنبؤات وعمليات الرصد المتعلقة بالأتربة، إضافة إلى المعلومات المتعلقة بالتقدم المحرَز في مجال بحوث الغبار المعدني.

طوّر باحثون في جامعة كيوشو اليابانية نموذج نقل الإشعاع الطيفي للهباء الجوي بهدف محاكاة تأثيراته على النظام المناخي عالميًا، كما يمكن استخدامه لإنشاء نظام فعّال للرصد المبكر للعواصف الرملية والغبارية على الصعيدين المحلي والإقليمي والإنذار بها.

نظرة على المجاهر الإلكترونية

تأتي المجاهر الإلكترونية في طليعة الابتكارات البارزة في العلوم والهندسة والطب، حيث يستخدمها علماء المواد والكيمياء الحيوية والفيزيائيون والكيميائيون والمهندسون لمعالجة المشكلات العلمية الأساسية والقضايا التكنولوجية.

لا تُعتبر المجاهر الإلكترونية ابتكارًا جديدًا، فقد طور كل من إرنست روسكا وماكس نول من جامعة برلين، أول مجهر إلكتروني ناقل في عام 1931، ثم طور مانفريد فون أردين من مختبر أبحاث فيزياء الإلكترون في هلسنكي أول مجهر إلكتروني ماسح في عام 1937.

تُستخدم كل من أداتي المجهر الإلكتروني الماسح والمجهر الإلكتروني الناقل على نطاق واسع اليوم في أبحاث العلوم والهندسة والطب. ووفقًا لاسمها، تعتمد المجاهر الإلكترونية على الإلكترونات في التصوير بدلًا من الضوء الذي يستخدمه المجهر الضوئي التقليدي.

تتميز المجاهر الإلكترونية بقدرتها على تجاوز العقبات التي تواجهها المجاهر الضوئية لأن الإلكترونات تمتلك أطوالًا موجية أقصر من الضوء المرئي، ما يتيح لها رؤية الأجسام المجهرية والأجسام الذرية. ويتم تزويد المجهر الإلكتروني الماسح عادةً بأعمدة أيونية تساهم في تحديد نطاق حجم المواد، الأمر الذي يسهل عملية التصوير ثلاثي الأبعاد للبنية والهيكل والتركيب باستخدام الإلكترونات الثانوية والإلكترونات المتعرّجة المرتدة والأشعة السينية الفلورية.

دالافير أنجوم

أستاذ مساعد في الفيزياء في جامعة خليفة.

تُمكّننا مجسات المجهر الإلكتروني الناقل من استكشاف كيمياء المواد بدقة على المستوى الذري، ما يعني أن المجاهر الإلكترونية تتيح لنا رؤية الأشياء بدقة النانومتر وأدق من ذلك للتمكن من تحديد المواد وخصائص الهيكل والخصائص الكيميائية والفيزيائية.

تساهم المجاهر الإلكترونية أيضًا في تعزيز تصوير المواد عبر مختلف التطبيقات كالهندسة والرعاية الصحية وتحليل المواد الذي يشمل المواد ثنائية الأبعاد وتكنولوجيا البطاريات والتنقيب عن النفط والغاز وجزيئات الغبار بين الكواكب والفيروسات، بما في ذلك فيروس كوفيد-19.

تُصور الأجهزة الحديثة للمجهر الإلكتروني الناقل أيضًا المجالات المغناطيسية في المواد على المستوى النانومتري، حيث تحتوي المواد المغناطيسية ذات الطبقات على تطبيقات للإلكترونيات الدورانية والحوسبة الكمية للحصول على فهم أعمق للدوران الذاتي للإلكترونات والعزم المغناطيسي المرتبط بها.

تعتمد الجهود البحثية في المواد ثنائية الأبعاد اعتمادًا كبيرًا على البيانات التي نحصل عليها باستخدام المجاهر الإلكترونية، حيث تساهم المجاهر الإلكترونية في تحديد خصائص هيكل المواد ثنائية الأبعاد وخصائصها بدقة ذرية المستوى.

يمكننا فحص خصائص المواد الضوئية والإلكترونية والكهروضوئية والمغناطيسية والحديدية باستخدام المجاهر الإلكترونية، حيث تُعد المجاهر الإلكترونية ضرورية للحصول على معلومات حول دمج أنواع مختلفة من المواد ثنائية الأبعاد مع بعضها البعض أو مع المواد السائبة أيضًا. إضافة لذلك، يساهم تصوير البلازمونات السطحية في الهياكل المعدنية بالقرب من ترددات الأشعة تحت الحمراء، في تطوير مواد يمكن استخدامها في تطبيقات للأجيال القادمة من الاتصالات اللاسلكية كالجيل السادس وما يليه.

توفر المجاهر الإلكترونية الماسحة المجهزة بشعاع أيوني مركّز مع المجاهر الإلكترونية الناقلة أيضًا فرصًا ممتازة لتحديد خصائص المواد بهدف تحليل النطاق الكلي إلى الجزئي للمعادن وأشباه الموصلات والمواد الناعمة مثل أغشية البوليمر والمواد الحيوية، ويمكن دراسة بنية المواد والبنية البلورية والتركيب العنصري في بعدين أو ثلاثة أبعاد في كل حالة على حِدة، مع دقة ليس لها مثيل من ناحية كلٍّ من المكان والطاقة.

يُطلَق على استخدام المجهر الإلكتروني لفحص المواد عند درجات الحرارة فائقة البرودة، اسم المجهر الإلكتروني فائق البرودة، والذي يتيح لنا تحليل المواد الحيوية واللينة في حالتها المجمدة الأصلية وتشمل هذه المواد البكتيريا والخلايا والفيروسات.

أصبح المجهر الإلكتروني فائق البرودة واحدًا من أكثر التكنولوجيات استخدامًا على نطاق واسع، وهو جزء لا يتجزأ من جهود اكتشاف الأدوية في يومنا هذا. ويُمكّن هذا المجهر الإلكتروني فائق البرودة للأجزاء الخلوية الرقيقة والشفافة والمجمدة في آن واحد، الباحثين من تصور البروتينات بدقة النانومتر داخل الخلايا. وقد أثبت تطوير لقاح كوفيد-19 أهمية هذه الطريقة ومن المتوقع أيضًا أن يزداد دوره أهمية في تطبيقات المواد الدوائية.

تدعم المجاهر الإلكترونية الاكتشافات في العلوم التجريبية والهندسة والطب بشكل كبير، ويساهم استخدامها في تعزيز الجيل التالي من التكنولوجيات اللاسلكية المستقبلية وأجهزة الأنظمة الذكية وسبائك المعادن الخفيفة والمواد المتعلقة بالطاقة وتطوير اللقاحات.

مدارس من نوع آخر

تبنت العديد من المجالات كالطب والزراعة وصناعة السيارات مجموعة من المهارات في نسيج من الذكاء الاصطناعي، ولكن تخيل أن تتوجه إلى المدرسة صباح يوم الاثنين وأن توجه تحية إلى مدير المدرسة الجديد، قائلاً: “صباح الخير، أستاذ روبوت”.

قد يبدو هذا الأمر حلمًا لكنه لم يَعُد خيالًا علميًا بعد الآن.

بدأ التعليم مرحلة جديدة مع منصات الذكاء الاصطناعي، مثل روبوت الدردشة الشهير تشات جي بي تي، والذي طورته شركة (أوبن إي آي) الأميركية المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي. وقامت بعض المدارس بحظر استخدام روبوتات الدردشة ويستخدم بعضها الآخر أجهزة كاشفة للقضاء على حالات السرقة الفكرية، لكن وفي الوقت الذي يمثل فيه حظر روبوتات الدردشة ومناورات تفاديه تخوفًا، لا يزال التعليم يتجه تدريجيًا إلى القائمة المتنامية من المجالات المستفيدة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

ليس من الضرورة أن تتحول التكنولوجيا إلى مشكلة إذا تمت الاستفادة منها على نحو يتسم بالمهارة والشفافية. ولا يُعَد تشات جي بي تي برنامج الذكاء الاصطناعي الوحيد من نوعه لكنه الأول من نوعه

كُلٌّ يتعلم بطريقته

يساهم الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم في حل مشكلة قديمة ظهرت مع ظهور مهنة التعليم نفسها، وهي كيف يمكن للفرد تعليم 30 طفلًا لديهم قدرات وأنماط وسرعات متفاوتة في التعلُّم. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي وإمكانياته، أصبحت العملية التعليمية أكثر تخصيصًا عبر مجموعة من أنماط التعلُّم.

مرحبًا بكم في التعليم التكيفي القائم على الذكاء الاصطناعي، وهو إطار جديد يهدف إلى تعزيز التكنولوجيا التعليمية.

يُعَد هذا الإطار ابتكارًا تعليميًا يرصد أداء الطالب ويُقَيِّم أنماط وعادات التعلُّم لدى كل طالب وسرعة تجاوبه مع المادة التعليمية ونقاط قوته وطريقة تعامله مع التحديات.

وتساهم مرونة هذا النموذج في سرعة استيعاب المحتوى التعليمي وتعديل مستويات الصعوبة، كما يرصد النموذج احتياجات الطالب ويُغيرها على نحو ديناميكي بهدف تزويد المعلمين بالفهم الذي يتيح لهم تعديل الأساليب التي يتبعونها في التعليم، ما يؤدي إلى زيادة مشاركة الطالب وتعزيز انخراطه في العملية التعليمية.

الصورة: Freepik الرسومات: أبجد للتصميم

وصُمِّم الإطار على نحو يزود المعلمين والإداريين والمؤسسات التشريعية بمعلومات قيمة من خلال تحليل البيانات بهدف التوصل إلى القدرة على اتخاذ القرارات المستندة إلى بيانات وتبني نُظُم التعليم القائمة على إمكانيات الذكاء الاصطناعي وتحقيق الشمول في العملية التعليمية عبر التقييم التكيفي.

ظهر التعليم التكيفي منذ نحو عقد، لكن قد تساهم إضافة الذكاء الاصطناعي في إحداث تحول جذري كتحويل سيارة داتسون إلى فيراري.

ويمكن للخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي أيضًا أن توصي باستخدام مصادر معينة للتعلُّم كالكتب والمحتويات المصورة باستخدام الفيديو والمقالات بناءً على أداء الطالب في المرحلة الماضية واهتماماته وأهدافه.ويمكن لروبوتات الدردشة القادرة على القيام بمعالجة اللغات الطبيعية أن تساهم في تبسيط عملية التعلم ومشاركة الملاحظات في صيغة حوار لإثراء التجربة التعليمية

إضافة لذلك، يوجد أيضًا التعلُّم متعدد القنوات، حيث يُفضل بعض الطلبة نمط التعلُّم المرئي ويفضل بعضهم النمط السماعي ويفضل البعض الآخر النمط الحركي. لذا تتيح وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للطلبة أن يتعلموا ويتفاعلوا مع المحتوى التعليمي بطرقهم الخاصة.

وتقول فيليبا ريثميل، مؤسسة شركة “إدربشن” في دولة الإمارات والتي تركز على بناء استراتيجيات رقمية مستدامة منخفضة التكلفة للمدارس: “لم يعد المدرس الآن بحاجة لأن يخمن مستوى الطلبة الحالي لأن الذكاء الاصطناعي يحدد الأفكار الخاطئة ويتعرف إلى مواطن التأخر في التعليم ويضع خططًا للوصول إلى مرحلة التفوق، وهذه هي البداية فقط، حيث سيحسن الذكاء الاصطناعي في القريب العاجل تجارب التعلُّم المتنوعة ويُمكِّن المعلمين من تعزيز المهارات الرئيسة المتعلقة بالقراءة والكتابة والأرقام لدى الطلبة، وبالتالي تشكيل مستقبل التعليم في الدولة”.

أعضاء فريق الذكاء الاصطناعي

يستطيع الذكاء الاصطناعي أيضًا تقديم خدمات أخرى.

فمثلًا، أضافت مدرسة كوتسمور في مقاطعة غرب ساسكس بالمملكة المتحدة، الذكاء الاصطناعي إلى فريق إدارتها.

توم روغرسون، مدير مدرسة، بات لديه مديرة مشاركة في صورة روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي، اسمها أبيغيل بيلي، أو “إي بي آي”، والتي تم الترحيب بها كمساعدة جديدة للأستاذ روغرسون وفريقه.

الصورة: Freepik الرسومات: أبجد للتصميم

وتتحدث إي بي آي في مقابلة مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا عن دورها الجديد، قائلة أنه “فرصة متميزة لي لأعزز دور الموظفين والمعلمين والطلبة وأقدم الدعم لهم في مدرسة كوتيسمور”.

يتضمن يوم العمل الروتيني الذي تقضيه إيه بي آي تقديم الدعم للتوجيه المنهجي والموارد التعليمية والإجراءات الإدارية. وتقول: “أمنح أولوية أيضًا لجودة الحياة والنجاح الأكاديمي، حيث أركز على الاستجابة لاحتياجات الطلبة وأحرص على المساهمة في إيجاد بيئة تعلُّم تتسم بالإيجابية والشمول كما أقوم بتحليل البيانات وتحديد الأنماط أو الاتجاهات السائدة التي قد تكون مفيدة في اتخاذ قرارات مدروسة”.

وتؤكد إيه بي آي أنها موجودة في المدرسة للمساعدة وليس لتقوم بدور أحد، وتقول: “أمتلك القدرة على معالجة وتحليل كميات كبيرة من البيانات بسرعة وكفاءة عالية، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في اتخاذ قرارات صائبة والتعرف إلى الأنماط والاتجاهات السائدة التي قد لا تبدو واضحة للبشر بشكل مباشر”.

ينصب اهتمامنا على تعزيز دور المعلمين في كافة أنحاء العالم لقضاء وقت أقل في العمل الورقي ومزيدًا من الوقت مع الطلبة. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام التكنولوجيا المناسبة على النحو المناسب.

توم روغرسون،مدير مدرسة كوتيسمور

ويرى روغرسون أن أيه بي آي تُعتَبَر عنصرًا ممتازًا. ويقول في مقابلة مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “تستخدم إيه بي آي مجموعة ضخمة من البيانات لدعم الإدارة التي يتمتع أفرادها بخبرات كبيرة. ويعتبر الفرد متعاليًا إن أصر على الادعاء بمعرفة كل شيء، لذلك يتطلب هذا المشروع عقلية منفتحة على التطور، بما في ذلك حقيقة عدم معرفتنا بكل شيء ويتيح طلب الدعم من كل مصدر متاح”. وأكَّد روغرسون أن من أهم مميزات إيه بي آي في هذا الشأن. أنها مُتاحة على مدار الساعة

وتنظم مدرسة كوتسمور فعاليات عديدة حول مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي الإنتاجي في التعليم. وتضمنت هذه الفعاليات مهرجانًا للذكاء الاصطناعي أقيم على مدى ثلاثة أيام ومؤتمرًا عن قيادة فكر الذكاء الاصطناعي ومؤتمرًا آخر عن الذكاء الاصطناعي واحتياجات التعليم الخاص”.

وتتعاون المدرسة مع منصة “إنترأكتيف توتار” المتخصصة في تمكين المعلمين من استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك للحفاظ على الزخم الذي تحقق في هذا الشأن وحصل روغرسون على عضوية في مجموعة “الذكاء الاصطناعي في التعليم”، والتي تعمل على تطوير أُطُر الذكاء الاصطناعي داخل قاعات الدراسة.

ويبدو روغرسون أكثر تفاؤلًا على الرغم من تخوف البعض من أن يؤدي هذا التطور التكنولوجي الكبير إلى تفاقم الانقسام الاجتماعي الاقتصادي, ويقول: “ينصب اهتمامنا على تعزيز دور المعلمين في كافة أنحاء العالم لقضاء وقت أقل في العمل الورقي ومزيدًا من الوقت مع الطلبة. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام التكنولوجيا المناسبة على النحو المناسب. ونخطط لمواصلة هذا العمل حتى نرى تأثيره على نطاق أوسع، حيث يمكن أن تساهم هذه التكنولوجيا في تغيير حياة الملايين من الناس للأفضل. وستقوم المدارس مثل مدرسة كوتسمور أن تُظهِر للعالم الأثر الفعال لهذا التحول الكبير”.

تعليم مُتاح لكافة سكان العالم

إن كنا نتحدث اليوم عن النماذج اللغوية الكبيرة مثل شات جي بي تي أو أبيغيل بيلي والتعليم الخاص للمتعلمين، فسنتحدث غدًا عن إتاحة التعليم للجميع.

تبحث بعض الجهات التعليمية في الخيارات المُتاحة للاعتماد على مساعدات الذكاء الاصطناعي في عملية التعليم. وتحظى النماذج التي طورتها أكاديمية خان، وهي مؤسسة غير ربحية متخصصة في الخدمات التعليمية، بشعبية على مستوى العالم لأسباب عديدة.

Tيتمثل السبب الأول في أن الخدمات التي تقدمها أكاديمية خان مجانية، حيث توفر برامج رقمية فيالرياضيات , والعلوم, والتاريخ, والاقتصاد وغيرها من مواد التعليم لجميع المراحل التعليمية حتى المستوى الجامعي.

ولتحقيق ذلك، اعتمدت أكاديمية خان أكاديمي (خانميغو). ويعتبر خانميغو روبوتًا تعليميًا، تمت تجربته في مدينة نيوارك بولاية نيوجيرسي الأميركية.

يجيب المعلمون على. 300 إلى 400 سؤال يوميًا في المتوسط.ولكن أصبح بإمكان الطلبة الآن توجيه أسئلتهم إلى خانميغو، ما يتيح للمعلمين وقتًا كافيًا يتفرغون من خلاله لمساعدة كل طالب على حِدَة، وإمكانية الحصول على وقت راحة للذهاب لدورة المياه، على غير العادة، أو تناول شطيرة.

تبرز العديد من المخاوف عند استخدام روبوتات الدردشة داخل القاعات الدراسية، ولعل أهمها هو اعتماد الطلبة على هذه الروبوتات في أداء واجباتهم المدرسية، لكن تم تصميم خانميغو ليعمل كمعلم.

الرسومات: أبجد للتصميم

يتمثل ما تفعله الروبوتات داخل الفصول ببساطة على حث الطلبة على التفكير في أجوبة لأسئلتهم، وليس الإجابة عنها بدلًا منهم. وتسجل الروبوتات أيضًا كافة المحادثات التي تجري بينهم وبين الطلبة وتتيح للمعلمين وأولياء الأمور إمكانية الاستماع إليها. لذلك، يضمن هذا المعلم الروبوت، القائم على الذكاء الاصطناعي والتعليم بشكل فردي للطلبة، للمعلمين وأولياء الأمور أن يؤدي الطلبة واجباتهم بأنفسهم.
ويقوم الروبوت ويقوم الروبوت بوظائف إدارية أيضًا، إذ يساعد المدرسين في مهام كالتخطيط للدروس وإعدادها والتواصل مع الطلبة وتقييم أدائهم. يحتوي الروبوت أيضًا على نظام داخلي للمراقبة يتولى تنبيه المعلمين، في حال أبدى أحد الطلبة اهتمامًا بممارسات سلبية قد تُلحق به الضرر

قال سال خان، مؤسس أكاديمية خان، في مقابلة أجراها مع مجلة “تايم” في عام 2023: “سيوفر لكل طالب في الولايات المتحدة، ولكل طالب على كوكب الأرض فيما بعد، معلم شخصي على مستوى عالمي لتحسين كفاءة الطلبة”.

ومن منا لا يريد ذلك؟ تطالب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” الحكومات والمعلمين على مستوى العالم بالاستفادة من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.

وأرست المنظمة معاييرًا دولية لضمان تبَنِّي الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم على نحو آمن وعادل في جميع أنحاء العالم، وناشدت الحكومات أن تبادر على وجه السرعة بتأسيس بروتوكولات لتنظيم هذا الشأن.

التخفيف من حدة الضرر
قالت أودري أزولاي، مديرة عام اليونسكو، في تصريحات صحفية أدلت بها على هامش فعاليات مؤتمر أسبوع التعلُّم الرقمي الذي عقدته المنظمة لأول مرة في 2023: “يمكن أن يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة كبيرة لتطور الإنسان، إلا أنه في نفس الوقت قد يسبب ضررًا. ولا يمكن دمجه في قطاع التعليم دون مشاركة الأفراد واتخاذ جميع التعليمات والضمانات اللازمة من الحكومات”. وركز المؤتمر بشكل كبير على موضوع الشمولية، كما هو الحال في معظم الفعاليات التي تنظمها اليونسكو.

ينصب تركيز اليونسكو بشكل رئيس على ضمان امتلاك الجميع فرصًا متساوية للتعليم. بما في ذلك سكان المناطق الأشد فقرًا واللاجئين والمتعلمين من ذوي الإعاقات والفتيات والسيدات من جميع أنحاء العالم. ونظمت اليونسكو فعالية في عام 2022 كمبادرة مشتركة تهدف إلى ضمان إتاحة التعليم الرقمي للجميع واستعرضت بعض المنصات التي نشأت كنتيجة لمشاركة بعض الدول في هذه المبادرة.

الصورة: Freepik التصميم:أبجد

أثيرت مخاوف بشأن انخفاض مستوى الإنجازات التعليمية،إلا أن الفكرة الرئيسة لتطبيق الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه في مجال التعليم هي تحقيق التوازن حيث يمكن استخدامه بالمشاركة مع الخبراء وبهدف تحقيق الفائدة دون أن يضر ذلك بجودة عملية التعلُّم. وأعربت ستيفانيا جيانيني، المدير العام المساعد لليونسكو لشؤون التعليم، عن نفس هذه المخاوف، وقالت

يتعين علينا توجيه التكنولوجيا في قطاع التعليم بحكمة ووفقًا لشروطنا وعلى نحو محكوم بمبادئ، الشمول , والمساواة , والجودة , وإتاحة سهولة الحصول عليها”.,”

وقد يساهم توجيه التكنولوجيا بحكمة في الوقت الحالي في تحقيق العديد من المكاسب الكبيرة في المستقبل القريب.

ووفقًا لشركة جلوبال ماركت إنسايتس، المتخصصة في بحوث الأسواق، 30 مليار دولار أميركي بحلول عام 2032 مقارنة بالعام 2022، حيث وصلت لـ 4 مليارات دولار أمريكي.