إياك أن تأكل عملًا فنيًا!

هل سبق وأن كنت في مخبز وشعرت أن المخبوزات المعروضة تبدو كأنها ألعاب بلاستيكية لامعة؟ مرحبًا بك في عالم الطعام المزيف والمشكلة التي تقوم أجهزة تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد على حلها باستخدام نماذج طبق الأصل تشبه إلى حد كبير النماذج الأصلية لدرجة أنك لن تتمكن من ملاحظة الفرق.

تطورت هذه النماذج المقلدة التي بدأت كتطبيقات في قطاع الفضاء لتصل إلى المجال الطبي، واستخدُمت في إنتاج أدوات جراحية وأطراف صناعية وقواعد للسكن على سطح القمر وطعامًا يمكننا تناوله، فقد أصبح الفنانون يستغلون هذه التكنولوجيا لطباعة طعام مزيف بغرض عرضه في المحلات واستخدامه في تصوير الأفلام وجلسات التصوير وغير ذلك المزيد.

على أنها تبدو بالفعل شهية!

يُعتبر الطعام المزيف المصنوع بتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، قطاعًا صناعيًا كاملًا مخصصًا لمحاكاة الطعام الذي نأكله يوميًا، وتعمل منصة “فود آرت كونسبت” في دبي، مع المطاعم وصُنّاع الشوكولاتة والمتاحف ومجال الترفيه لضمان أن يكون العرض مطابقًا تمامًا للواقع قدر الإمكان، رغم أن عملية إنتاجها ليست ببساطة أن تطلب شيئًا من الطابعة ليخرج منها على الفور.

تشمل هذه العملية الكثير من التفاصيل، وهذا ما يحدث خلالها بشكل تقريبي:

يقدم العملاء عادة صورًا عالية الدقة للنتائج المطلوبة للمنتج والانطباع العام الذي يرغبون في الحصول عليه من خلال ذلك العمل الفني، فيقوم البرنامج بإنشاء عرض أو نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد، لما سيبدو عليه المنتج النهائي بواسطة تلك الصور.

يتم إدخال المواد الخام المستخدمة للطباعة، والتي تتكون عادةً من أسلاك بيضاء أو ملونة، في الجهاز الذي يستخدم تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتستخدم منصة “فود آرت كونسِبت”، تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام تقنية المعالجة الرقمية للضوء.

تُعتبر تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام تقنية المعالجة الرقمية للضوء، أحد أنواع تكنولوجيا الطباعة المجسمة التي تستخدم الضوء لتحويل بوليمر حساس للضوء (أو بلاستيك يذوب بدلًا من أن يحترق عند تسخينه)، يسمى البوليمر الضوئي إلى الحالة الصلبة

العنوان: طعام بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد الصورة: فود آرت كونسبت

لتتفاعل من خلاله البوليمرات الضوئية مع ضوء الأشعة فوق البنفسجية من خلال تفاعل كيميائي يسمى البلمرة الضوئية، حيث تنعكس أشعة فوق بنفسجية من جهاز عرض ضوئي رقمي على كل طبقة من الجسم ثلاثي الأبعاد على المادة الصمغية البوليمرية الضوئية، ما يتسبب في تصلب هذه المادة في تلك المناطق، وتتكرر هذه العملية في كل طبقة حتى يكتمل الجسم.

تتميز هذه العملية التي طُوِّرت عام 1987، بسرعتها العالية في الطباعة، حيث تقوم هذه الطابعات بإنشاء أجسام تفصيلية ودقيقة، كما أنها تُعتبر خيارًا أسرع، نظرًا لقدرتها على تحويل عدة طبقات في آنٍ واحد، الأمر الذي يجعلها الخيار الأنسب للتطبيقات التجارية.

الصورة: كارولين إسماعيل,استشارية الطعام ومؤسِسة منصة “فود آرت كونسبت”

قالت كارولين إسماعيل، استشارية الطعام ومؤسِسة منصة “فود آرت كونسبت”: “نحصل في نهاية العملية على طعام بلاستيكي الشكل أبيض أو ملون، بناءً على الأسلاك المستخدمة، حيث يتم تلوينه إذا كان أبيض اللون، ليُطابق لون الطعام قدر المستطاع”.

أسست كارولين هذه المنصة قبل تسع سنوات خدمت خلالها العديد من العملاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما أنها باحثة دكتوراه في كلية أسينسيا-باريس لإدارة الأعمال في الإمارات، وتركز بحوثها على السمنة وعلاقتها بالآثار الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والفدرالية والمتعلقة بالمستهلك.

ولعل التكلفة الباهظة للمنتج هي العقبة الرئيسة التي تواجهها كارولين، حيث تقول أن الشركات يمكنها إنشاء مجسمات شهية لزيادة المبيعات، كما يمكن لمواقع تصوير الأفلام توفير المال وتقليل الطعام المهدور أثناء عملها.

الصورة: متحف الواجهة في قصر الحصن في أبوظبي.المصدر: فود آرت كونسبت

وفي النهاية، يمكن أن يحقق هذا الاستثمار مع مرور الوقت عائدًا يستحق العناء، خاصة بعد أن أصبح بإمكاننا تلوين النماذج المقلدة وتشكيلها بحيث تطابق النماذج الأصلية.

قالت كارولين، وهي أيضًا منسقة طعام تحرص على استمرارية العلامة التجارية ليس مع بعض الأطعمة فحسب ولكن مع عملية العرض بأكملها: “أطلب دائمًا من عملائي الأخذ بعين الاعتبار الربح والخسارة عند عرض كرواسون طازج أو آيس كريم بشكل يومي”.

وأضافت كارولين: “تتم المرحلة الأخيرة يدويًا، لنأخذ على سبيل المثال سلة تمر أو وعاءً من المكسرات. تحتاج عملية تصميم الطعام لأغراض التصوير ضمان قدرة المستهلك على تمييز كل طبقة.”


أما في عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد، يُعتبر العنصر الإضافي هو الغراء، ما يضمن عرض كل قطعة بشكل واقعي وزيادة العمر الافتراضي

تشمل قائمة عملاء “فود آرت كونسبت”، “صب واي” و”جوديفا” و”هاجن داز” وقصر الحصن في أبوظبي.

لذلك احذر قبل أن تتناول قطعة من الكعك أو الفاكهة لشكلها الشهي فقط، فليس كل ما يبدو شهيًا، قابلٌ للأكل.

الإبل قادمة بقوة لتحل محل الأبقار في إنتاج الحليب

“الحليب مفيد للجسم”، هو شعار إعلاني قديم يعود إلى الثمانينات، استُخدم للتأكيد على الفوائد الصحية لحليب البقر على جسم الإنسان، ولا يزال الحليب مليئًا بالكثير من القيم الغذائية المطلوبة للحصول على صحة جيدة، ولكن في المرة القادمة التي تشعر فيها بالرغبة في شرب كوب بارد من الحليب المنعش، ننصحك باستبدال مصدر حصولك على الحليب، القادم من المراعي الخضراء، بتلك التي تتجول بين الكثبان الرملية.

وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يقدم الحليب 48% من كمية البروتين و9% من كمية السعرات الحرارية التي يحتاجها الطفل البالغ من العمر من 5 إلى 6 سنوات يتمتع بنشاط بدني خفيف، كما يُعتبر حليب البقر مليئًا بـ13 نوعٍ من الفيتامينات والعناصر الغذائية الأساسية مثل الكالسيوم وفيتامينات أ و د والتي تساهم في توفير نظام غذائي صحي، ولكن تأثير صناعة الألبان على البيئة والتأثير اللاحق للبيئة على مزارع الألبان، جعل المزارعين يلجؤون إلى قطاع إنتاج حليب الإبل لتلبية الطلب والوفاء بالتزاماتهم البيئية.

يبدو أن حليب الإبل يحتوي على الفوائد الصحية لحليب البقر، إضافة لميزة أخرى تتمثل في بصمة كربونية حيوانية أقل بكثير.

البيئة هي الضحية

تنتج 270 مليون بقرة الحليب، الأمر الذي يتسبب في انبعاث 2.1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يجعل القطاع الصناعي للألبان مسؤولًا عن 30% من جميع الانبعاثات البشرية، ويُعتبر الأثر البيئي لهذه الأرقام كبيرًا، ومع توقع أن يتضاعف الطلب على منتجات الألبان ثلاث مرات بحلول عام 2050 بسبب النمو السكاني وزيادة الاستهلاك، يُتوقع أن يزداد الأمر سوءًا.

تُمثّل انبعاثات الميثان أسوأ خطر مرتبطٍ بالبقر وغيرها من الحيوانات المجترة، فهي تنتج الميثان في عملية الهضم وتطلقه إلى الغلاف الجوي من خلال عملية التجشؤ، وهو ما يمثل 20% من إجمالي الانبعاثات العالمية، والأسوأ من هذا هو أنه أقوى 20 مرة من ثاني أكسيد الكربون.

IMAGE: Unsplash

وفي الحقيقة، تساهم جميع المواشي بنصيبها الخاص من الميثان، ولكن الإبل هي الخيار الأكثر أمنًا على البيئة.

ومن الجدير بالذكر، أن الانبعاثات لا تُعتبر القضية البيئية الوحيدة المتعلقة بمزارع إنتاج الألبان، حيث يمثّل كلٌّ من استخدام الأراضي لزراعة الأعلاف والمبيدات الحشرية لتلك المحاصيل وكمية المياه اللازمة للحصول على الحليب من الأبقار إلى أرفف المحلات، تحدياتٍ أيضًا.

مياه

يبلغ متوسط كمية المياه المستخدمة لإنتاج لتر واحد من الحليب، والذي يشمل زراعة علف الماشية، 911 لترًا، ويختلف هذا من مزرعة لأخرى ولكنه يُعتبر نسبة كبيرة، وعندما تتعرض إمدادات المياه للتهديد أيضًا، يمكن أن تتزايد التكلفة بنسبة كبيرة.

يمكن أن يؤثر تلوث المياه الناتج عن سوء إدارة السماد أيضًا، على إمدادات المياه المحيطة، كما تتسبب أحواض السماد الفائضة والمتشققة أحيانًا في حدوث تسرب، وبالتالي تلوث المياه الجوفية، ويشق هذا بدوره طريقه بمرور الوقت إلى جميع أنواع المسطحات المائية التي تشمل الأنهار والمحيطات.

IMAGE: Unsplash

ومع ذلك، تتطلب الإبل كمية أقل من الماء ويمكنها أن تصمد لأسبوعين دون الحصول عليه، مقارنة بيومين فقط للبقرة، ما يثبت أن الإبل خيار أكثر مرونة بلا أدنى شك، بفضل قدرتها على تحمّل الظروف القاسية وفقدان 30% من وزن جسمها والبقاء رغم ذلك على قيد الحياة، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتحول الأمن الغذائي إلى مصدر قلق ملح.

يتأثر الأمن الغذائي أيضًا بمساحة الأراضي الخصبة اللازمة لتلبية الاحتياجات الغذائية للحيوانات آكلة العشب والمراعي المخصصة لرعي الماشية، وهذا لا يؤدي إلى إزالة الغابات على نطاق واسع فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى آثار غير مباشرة لمزيد من الانبعاثات والتأثيرات على التنوع الحيوي والنظم البيئية، في حين يمكن أن تتناول الإبل أي نبات ينمو في المكان الذي تعيش فيه، كما تشير أعناقها الطويلة إلى قدرتها على الوصول إلى أعالي الأشجار وتناول وجبة خفيفة بسعادة سواءً كان مصدرها شجيرة أو عشبًا أو حتى نباتات شائكة.

يبدو أن حليب الإبل هو الفائز بجدارة، عندما يتعلق الأمر بالتغذية والاستدامة، ولكن ليس من السهل إحداث نقلة نوعية في قطاع صناعي ضخم، فقد وُجدت مزارع الألبان منذ عدة أجيال كما أنها لا تزال تتمثّل في شركات عائلية في كثير من الحالات، إضافة لذلك، لا يزال وجود مزارع الأبقار منطقيًا في الأماكن الغنية بالأراضي العشبية والطقس الأكثر اعتدالًا، ولكن عندما يصبح الأمر متعلقًا بالبقاء أكثر من كونه متعلقًا بالرأي العام، يجد الناس الحل المناسب.

الإبل تسافر إلى أمريكا

فقد كانت الأبقار جزءًا لا يتجزأ من العديد من الأنظمة الاقتصادية والغذائية والتقاليد الأفريقية على مدى التاريخ، ولكنّها تتجه الآن إلى ما يمكن أن يكون عامًا آخر من الجفاف، حيث تُعتبر منطقة القرن الأفريقي أو شبه الجزيرة الصومالية، والمناطق المحيطة بها في حالة طوارئ، فقد أدى الجفاف الذي استمر ثلاث سنوات والذي بدأ عام 2020، إلى تدمير المحاصيل وفقدان المراعي ونضوب كلٍّ من الثروة الحيوانية ومصادر المياه.

يقدم حليب الإبل الكثير من الفوائد، ولكن يكمن الحل في استقرار السوق

جيمس سالفر، أحد المعلمين المتخصصين في مجال الألبان في توسعة جامعة مينيسوتا

ففي سامبورو، المقاطعة كينية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 310.000 نسمة، عانى الناس من سوء التغذية بعد أن نفقت معظم مواشيهم. ومن جهة أخرى، لاحظ مزارعو الماشية أن القرى المجاورة مع مزارع الإبل لم تعاني لهذه الدرجة.

وفي هذا الصدد، بدأت الحكومة قبل ثماني سنوات، برنامجًا للإبل، تُقدّم من خلاله رأسًا واحدًا من الإبل لكل شخص، وقد تم إهداء 4000 رأسًا حتى الآن، كما تشهد دول أفريقية أخرى نمو أعداد الإبل فيها.

الإبل تسافر إلى أمريكا

لا تقتصر مزارع الإبل على الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، فهي تكتسب أيضًا شعبية في الولايات المتحدة.

تقدم مزرعة عائلية مساحتها 35 فدانًا في نبراسكا تسمى كاميلوت لألبان الإبل، حليب الإبل للمستهلكين الذين يعانون من حساسية الحليب أو الذين قد يُعتبرون فضوليين ومغامرين إلى حد ما، وهي واحدة من الجهتين المرخص لهما بالتزويد بحليب الإبل في البلاد، كما أنهم يأملون أن يصبح سعر لتر الحليب الذي يبلغ حاليًا 16 دولارًا أمريكيًا، في نهاية المطاف مع ازدياد الطلب، ميسور التكلفة ويسهل الوصول إليه.

وفي السياق، قال جيمس سالفر، أحد المعلمين المتخصصين في مجال الألبان في توسعة جامعة مينيسوتا: “يقدم حليب الإبل الكثير من الفوائد، ولكن يكمن الحل في استقرار السوق، حيث يحتاج المزارعون إلى ضمان الطلب، كما يجب أن يكون المستهلكون على استعداد لدفع ثمن تكلفة تربية الإبل وحليبها”.

وقد تتجاوز تجارة حليب الإبل العالمية 13 مليار دولار بحلول نهاية العقد، مقارنة بـ 1.3 مليار دولار في عام 2022.

​​أيّها الباحثون، أسّسوا شركاتكم

تم تأسيس Google.com في 15 سبتمبر 1997، حيث كان مؤسساه قبل ذلك وهم، لاري بيج وسيرجي برين، طالبَين في برنامج دكتوراه علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد.

تطلب تأسيس شركة جوجل، الشركة التكنولوجية التي وصلت عائداتها لمليار دولار، من مؤسسيها أطروحتين وخوارزمية ونموذج أولي قائم على نصف نطاق عرض شبكة جامعة ستانفورد وبراءة اختراع تستشهد ببراءة اختراع أخرى تحولت فيما بعد إلى المحرك الصيني البحثي “بايدو”.

وبذلك، بدأت شركة جوجل بمشروع بحثي جامعي.

شهدت بحوث جامعة ستانفورد العديد من الضغوطات الخارجية التي تضمنت ضغوطًا سياسية واقتصادية ومؤسسية ساهمت جميعها بالتأثير على طبيعة البحوث وتوجهاتها بشكل سلبي. وفي السنوات الأخيرة، ظهر نوع جديد من الضغوط أثرت على البحوث الجامعة والتي تتمثل بالتركيز المتزايد على التسويق التجاري للبحوث.

يُعرف التسويق التجاري بأنه العملية التي يتم من خلالها تقديم المنتج أو الخدمة إلى السوق، فهي المحفز الريادي الذي ينتقل بالاستكشافات البحثية والتكنولوجيات الحديثة من المختبر إلى السوق، حيث توفر الجامعات في جميع أنحاء العالم حاضنات وبرامج مسرعة للأعمال ومساعدات أخرى لتسويق البحوث التي يتم إجراؤها في مرافقها.

ووفقًا لذلك، يمكن الاعتماد على البحوث في إيجاد الحلول للمشكلات الملحة وتحسين جودة الحياة عندما يتولى تلك البحوث أفراد قادرون على الاستفادة منها. ولنصل لهذه الفئة من الأفراد لابد من وصول البحوث إلى السوق من خلال الرخص التجارية التكنولوجية وتطوير المشاريع الناشئة والذي يساهم بدوره في إيجاد مسارات أخرى جديدة لتحقيق الأرباح وبالتالي تعزيز الاقتصاد.

دور حاسم

من جانبه، قال الدكتور باريمال باتيل من جامعة ساسكس: “تلعب الجامعات دورًا هامًا في المجتمع كمنتجات وناقلات للمعرفة، حيث جرت في السنوات الأخيرة بعض النقاشات حول ما إذا كان بمقدور الجامعات أن تضم مهمة ثالثة تتمثل بالتطوير الاقتصادي تضاف لمهامها الأخرى التي تشمل البحوث والتعليم، حيث أكد البعض على أهمية التعاونات البحثية بين الجامعات على اعتبارها آليات ضرورية لإنتاج الحلول التكنولوجية، كما قامت العديد من الحكومات بتوفير مجموعة واسعة من السياسات التي تشجع على انخراط الجامعات في نقل التكنولوجيا”.

من جهة أخرى، انتشر مفهوم حصول الأكاديميين على تراخيص لابتكاراتهم في بداية القرن الـ 20، حيث حصل فريدريك كوتريل في العام 1908 على براءة اختراع في مجال الحد من التلوث الصناعي وفي العام 1925 أسست جامعة ويسكينسون ماديسون مكتبًا متخصصًا بنقل التكنولوجيا ليقوم بنقل تكنولوجية هاري ستينبوك المتمثلة بتعريض الغذاء للإشعاع بهدف زيادة فيتامين “د” وبالتالي علاج مرض الكساح. يذكر أن كويكر أوتس لحبوب الشوفان استفادت أيضًا من تلك التكنولوجيا وأسست مكتبًا خاصًا بها في العام 1927.


الصورة: أبجد

أنشأت المملكة المتحدة في العام 1948 المؤسسة الوطنية لتطوير البحوث التي نتج عنها أول مركبة طوافة في خمسينيات القرن العشرين، والتي شهدت ريادة أكاديمية كبيرة أدت لبروزها في العام 1985.

وقد شهدت أيضًا الولايات المتحدة العديد من التغييرات في ضوء مرسوم “باي-دول” الذي صدر في العام 1980، حيث ساهم في إيجاد سياسة موحدة لبراءات الاختراع في الهيئات الاتحادية التي تمول البحوث وتحفز المزيد من الجامعات للاشتراك في نقل التكنولوجيا من المختبر إلى السوق. وفي العام 2018، ساهم نقل التكنولوجيا في تحقيق عائدات ربحية وصلت لما 2.94 مليار دولار أمريكي

واليوم، يوجد حافز آخر في هذا المجال.

العالم العربي يدخل على الخط

يشير الدكتور سامي بشير، مدير مكتب إدارة التكنولوجيا والابتكار في جامعة خليفة إلى دور الجامعات في منطقة الشرق الأوسط في السعي لوضع بصمتها في عالم البحث والتطوير من خلال تعزيز البحوث ونقل التكنولوجيا.

وقال: “ركزت الجامعات في الدول العربية على دمج مهمة التطوير الاقتصادي في رؤيتها الاستراتيجية للمساهمة في تعزيز الاقتصادات المحلية والإقليمية، كما أصبح الابتكار وريادة الأعمال ركائز أساسية للاقتصادات الحديثة في المنطقة، حيث تعتبر الجامعات مراكز واعدة تقدم الاكتشافات العلمية وتوفر الفرص التجارية عن طريق المشاريع التجارية الناشئة”

تضاؤل الموارد

ويقول الدكتور سامي أن أسباب التركيز على تعزيز الاقتصاد بالاعتماد على البحوث العلمية هي الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط، ويشير إلى اعتماد معظم دول المنطقة العربية على المصادر الطبيعية كالنفط والمعادن بهدف دعم اقتصاداتها، إلا أن هذه المصادر معرضة للنقص وتحظى بالعديد من التحديات البيئية التي تحول دون تطور اقتصادات تلك الدول على المدى القريب والبعيد. ووفقًا للدكتور سامي، ارتفعت في الآونة الأخيرة نسبة تمويل البحوث والتعليم في معظم الدول العربية.

وأضاف: “أدت عمليات التسويق التجاري للتكنولوجيا والحصول على براءات الاختراع إلى تحقيق التقدم في مجال البحوث المتطورة التي تركز على الابتكارات في علوم الحياة وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات وإدارة البيانات. وعلى صعيد آخر، يعد إطار العمل التنظيمي المتوفر في الوقت الحالي غير مناسب للتكنولوجيات الحديثة ولا لإقامة المشاريع التكنولوجية الناشئة، إلا أن ذلك قابل للتغيير على اعتبار أن الجامعات ترتبط بشكل وثيق بسوق العمل التكنولوجي ومن السهل تنظيم الشراكات التجارية معها. وقد بدأت بعض الجامعات بتشكيل إدارات بحثية رسمية ومكاتب تكنولوجية لدعم تحويل الأفكار التجارية إلى منتجات تكنولوجية”.

لا تحظى بتأييد الجميع

أكد الدكتور أوباكا أوغبوغو، الأستاذ المشارك في كلية الحقوق في جامعة ألبيرتا في كندا، على أن زيادة دعم التسويق التجاري للبحوث الجامعية يشكل تحديًا علميًا سياسيًا كبيرًا يتمتع بمزايا اقتصادية اجتماعية عديدة ولكن في نفس الوقت يحظى بمخاطر محتملة لا تؤخذ بعين الاعتبار.

الصورة تصميم أبجد

وقال: “تشير الدراسات المتمحورة حول اتجاهات السياسات البحثية إلى أنه من غير المرجح تراجع ثقافة عمليات التسويق التجاري والضغوطات المصاحبة لها، بل قد تصبح مهمة أساسية ومحددة للبحوث الجامعية. إضافة لذلك، تبين تلك الدراسات أنه غالبًا ما يتم تقديم التسويق التجاري للبحوث الجامعية على أنه خدمة اجتماعية غير مكتملة تستدعي الدعم الحكومي والمؤسسي، كما تم تغييب المخاطر والتحديات المترتبة على عمليات التسويق عن الخطابات والنقاشات السياسية”.

وفي دراسة استقصائية لمركز “بيو” للأبحاث عام 2014 ضمت أعضاء الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، لاحظ الباحثون أن 47% من الأعضاء يرون عدم وجود مبرر للضغوطات التي تؤثر على اتجاهاتهم البحثية عند تطوير المنتجات وطرحها في الأسواق. وعلى صعيد آخر، وجد 69% من الأعضاء أنه قد يساهم التركيز على المشاريع في الحصول على نتائج سريعة.

ودرس كل من هيون جو جونغ وجيونغسك من معهد جورجيا للتكنولوجيا براءات اختراع في تكنولوجيا النانو التي سُجلت ما بين عام 1996 وعام 2007 في دراسة تم إجراؤها عام 2014، حيث وجدا أن الدعم الحكومي لتسويق بحوث الجامعات الأمريكية قد يعيق الطريق أمام التكنولوجيات الحديثة واستكشاف مجالات جديدة”.

تقليل النطاق البحثي

تَمثل الدعم الحكومي في هذه الحالة بمبادرة تكنولوجيا النانو الوطنية، وهي برنامج حكومي أمريكي متخصص بالعلوم والتكنولوجيا تم إطلاقه في العام 2000. ويرى كل من هيون وجيونغسك أن هذه المبادرة هي تدخل سياسي يستهدف عمليات تسويق التكنولوجيا مع التركيز على الاتجاه البحثي لتعزيز النمو الاقتصادي الوطني، كما توصلا إلى أنه بمجرد تنفيذ تلك المبادرة ستستفيد الجامعات الأمريكية من زيادة الأرباح في القطاع الصناعي ولكنها في نفس الوقت ستساهم في حصر نطاق بحوثها، مما يحد بدوره من اكتشاف التكنولوجيات الحديثة وإنتاج الابتكارات التكنولوجية المتقدمة، وهو ما يتنافى مع أهداف مبادرة تكنولوجيا النانو الوطنية.

تعتبر تكنولوجيا النانو منطقة محدودة النطاق في حال التركيز عليها، وتشير نتائج الدراسة إلى أن التركيز على عمليات التسويق التجاري تفرض التركيز محدود النطاق على البحوث.
وعلق أوباكا قائلًا: “توصلت العديد من الدراسات إلى وجود روابط مشتركة ما بين نشاط التسويق التجاري وحجب البيانات وتقليص الشراكات البحثية والعزوف عن الانخراط في بعض التوجهات البحثية، كمبادرات العلوم المفتوحة، التي تتعارض مع الاعتبارات المالية التي يرتكز عليها السعي وراء التسويق التجاري”.

التأثير الإيجابي من خلال المعرفة

تعتبر القدرة على تحويل النتائج البحثية من المختبر إلى منتجات محسنة وخدمات جديدة من أهم جوانب مشاركة المعرفة، حيث يعد تسويق البحوث جزءًا هامًا من آلية إيصال العلوم للمجتمع. قال أوباكا: “يعد التسويق وسيلة أساسية تتيح إيصال المنتجات الطبية والخدمات إلى السوق وإلى المستهلكين، الأمر الذي يعزز منظومة الصحة العامة”.

يعتبر كلام أوباكا منطقيًا وصحيحًا، حيث توصلت دراسة من جامعة بوسطن إلى أنه تم تطوير 153 دواء ولقاح في معاهد بحثية عامة في الفترة ما بين 1981 و2011، إضافة إلى أن لقاح “إم آر إن إيه” المتخصص بعلاج كوفيد-19 تم تطويره في خلال البحث الذي أجري في جامعة بنسلفانيا.

وتساهم كذلك مشاركة المعرفة من قبل الجامعات بأسلوب مفتوح المصدر للجميع في تحقيق الربح لشركات أخرى من خلال الاستفادة من ذلك المصدر. ففي حال استفادت الشركة من تلك المعرفة، لِم لا تستفيد الجامعة منها بشكل مباشر؟

وهنا يكمن الجدال ما بين النشر وبراءة الاختراع.

مشكلة النشر

لا يمكن الحصول على براءة الاختراع في معظم السلطات القضائية إذا كان الاختراع معروفًا مسبقًا أو مستخدمًا من قبل بعض الأفراد في الولايات المتحدة. لذلك، لا يمكن أخذ نتائج المنشور بعين الاعتبار إلا إذا كان الاختراع غير معروف، وللحصول على براءة اختراع يجب تقديم الطلب قبل النشر والإعلان عنه واستعراضه.
وفي عالم المنشورات، قلما يقوم الباحثون بعدم نشر أوراقهم البحثية واستعراضها في الاجتماعات ومناقشتها.

تعمل غانغوتري دي في مكتب نقل التكنولوجيا في جامعة كورنيل، حيث تركز على العلوم الفيزيائية وتدرك أن الهدف الرئيس لمعظم المبتكرين في الجامعة هو نشر مشاريعهم البحثية في مجلات علمية دولية، كما تسلط الضوء على التفاوت في ذلك ما بين مختلف الكليات قائلة: “يحظى الأستاذ المساعد الذي تم تعيينه حديثًا في قسم الكيمياء بشغف أكبر تجاه نشر بحوثه، في حين قد يفكر شخص من كلية الهندسة في الحصول على براءة اختراع لابتكاره قبل أن نشره”.

الصورة تصميم أبجد

ووفقًا للخبرات التي تتمتع بها غانغوتري، تشكل نسبة الأكاديميين الحاصلين على براءات اختراع أقل من 10%، تشمل مجالَي علوم الحياة والطب اللذين يساهمان بأكبر حصة من التمويل. ويصل مجموع نسبة التمويل الناتج عن قسم العلوم الفيزيائية إلى أقل من 10% من إجمالي العائدات، ما يعني أن نجاح السوق يعتمد على نوع المجال وأهداف الجامعة. المسألة الأخرى هي مشكلة الجدول الزمني.

وأضافت غانغوتري: “بشكل عام، قد يستغرق إصدار براءة الاختراع حوالي أربع سنوات، حيث تشهد بعض المجالات تراكمًا كبيرًا في براءات الاختراع التي يمكن أن تستمر لمدة عشر سنوات لحين صدورها، بينما لا تستهلك المنشورات البحثية في المجلات العلمية الدولية كل ذلك الوقت. ومن جانب آخر، نحن نقوم بمقارنة غير عادلة في هذا السيناريو، فالمقالات التي يتم نشرها في المجلات العلمية يجب أن تكون تحت مظلة العلوم الأساسية التي يجب أن تصل إلى أفراد المجتمع الذين يبحثون عن هذه البحوث، في حين تساهم براءة الاختراع المسجلة في خدمة المجتمع من خلال المنتجات الجاهزة، كما يمكن أن تحصل على جائزة نوبل عن اختراع متميز لكن لا يمكنك التقديم لبراءة اختراع عن الاختراع نفسه. لذلك، برأيي لا يمكننا المقارنة بين هذين المفهومين”.

الأفضل بين الخيارين

بناءً على ما تقدم، هل يمكن الحصول على الأفضل بين الخيارين؟ وفي هذا الصدد، علق الدكتور سامي بشير، من مكتب نقل التكنولوجيا في جامعة خليفة، قائلًا: “وهنا يأتي دورنا”.
حان وقت زيارة مكتب نقل التكنولوجيا.

الانتقال إلى المشاريع الناشئة

شهدت السنوات الأخيرة تحولًا نموذجيًا تجاه تسويق التكنولوجيا من خلال المشاريع الصغيرة أكثر من براءات الاختراع، حيث تحتاج اختراعات الجامعات إلى تطوير كبير قبل إرسالها إلى السوق. لذلك، تتجه الجامعات اليوم إلى تمويل المشاريع الناشئة ودليل ذلك جامعة ستانفورد التي شهدت وحدها ولادة كل من جوجل وإتش بي.

وفي هذا الصدد، يشير توماس آستيبرو، وهو أستاذ دكتور في ريادة الأعمال في جامعة “إتش إي سي باريس”، إلى أن أسباب الزيادة الهائلة في معدلات إنتاج الجامعة ترجع إلى تعزيز دور البحوث الطبية الحيوية في فترة السبعينات وإصدار مرسوم (بايه-دول) عام 1980 وزيادة تمويل البحوث من قبل القطاع الصناعي والتغيرات التي طرأت على توجهات الجامعة وسلوكياتها، إضافة للتغيرات التي طرأت على الثقافة العلمية لدى أعضاء الهيئة الأكاديمية والباحثين.

من جهة أخرى، يتطلب إنشاء الشركات العديد من الجهود والعمل الجاد والخبرات والتركيز، ولكن لم يتم تصميم المؤسسات الأكاديمية وإعدادها بشكل يوائم تلك المتطلبات، في حين أن الجامعات التي تتحول بشكل سريع للتركيز على إنشاء الشركات الناشئة ودعمها لتطوير ابتكاراتها التي صُممت داخلها قد تساهم في تعزيز الأثر الفعال لتلك الابتكارات. وبمعنى آخر، بما أن البحوث الجامعية قادرة على تطوير العديد من الابتكارات، يمكن للجامعات أيضًا أن تشارك في عملية تأسيس الشركات الناشئة بالعديد من الطرق.

التحديات المحلية

وقال الدكتور سامي: “يجب علينا أن نتعلم من خبرات الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يتطلب منا تأسيس النماذج الفعالة لنقل التكنولوجيا في المنطقة العربية من خلال الاستفادة من جميع خبراتنا في مختلف بيئات العمل دائمة التغير”. وذكر الدكتور سامي كذلك أن الجامعات في المنطقة تعاني من بعض التحديات التي يمكن تقسيمها إلى تحديات داخلية وتحديات خارجية، وأكثر تلك التحديات إلحاحًا هو اعتماد سياسات الملكية الفكرية.

ومن أبرز التحديات الداخلية افتقار الجامعات للسياسات والمبادئ التوجيهية التي توضح حقوق الباحثين أصحاب الاكتشافات التي يتم تسويقها، حيث يؤدي عدم وجود تلك السياسات إلى تخوف الباحثين من الكشف عن اختراعاتهم للجامعات ومكاتب نقل التكنولوجيا التي يعملون لديها، والذي يحد بالمقابل من فرص التسويق للبحوث، وفقًا لما يراه الدكتور سامي.

إضافة لذلك، تعتبر الجامعات في منطقة الشرق الأوسط بيوتًا للحكمة، أي جهات تساهم في توفير الأنشطة الأكاديمية والعلمية وليس البحوث التطبيقية المتعلقة بالقطاعات الصناعية.

وفي هذا الإطار، يعد تأسيس الشراكات مع قطاعات صناعية خارجية أمرًا ضروريًا لاستقطاب التمويل الصناعي الذي من شأنه أن يعزز الأنشطة البحثية ويدعم إيصال النتائج البحثية إلى السوق.


IMAGE: أبجد

وقالت غانغوتري: “يكمن التحدي الأكبر في جاهزية التكنولوجيا للمستوى الأول أو للمستوى الثاني كحد أدني”. وتتم الاستفادة من مستويات جاهزية التكنولوجيا في تقييم مدى اكتمال التكنولوجيا، حيث أن المستوى الأول هو الأقل اكتمال والمستوى التاسع هو الأعلى. فعندما تكون التكنولوجيا في المستوى الأول، يكون البحث العلمي حينها في بداية تحويله إلى بحث، وينشأ المستوى الثاني عند إجراء التطبيقات الأساسية العملية على النتائج البحثية. ومن ناحية أخرى، يعد المستوى الثاني مستوى افتراضيًا نظرًا لعدم وجود أدلة تجريبية للتكنولوجيا.

وأضافت غانغوتري: “ليس من السهل تحويل البحوث الجامعية إلى براءة اختراع أو منتج أو شركة في مرحلة مبكرة، لكن يمكن الحد من هذه المشكلة من خلال عقد التعاونات البحثية والشراكات ما بين القطاع الصناعي والجامعة لرعاية المشاريع البحثية”.

الجدير بالذكر، تأتي مسألة براءة الاختراع وقانون الملكية الفكرية على رأس القائمة فيما يتعلق بالتحديات الخارجية.

قال الدكتور سامي: “صدر قانون براءة الاختراع بشكل عام مؤخرًا في المنطقة العربية، ففي السعودية على سبيل المثال صدر القانون عام 1985. وقد تم وضع نظام براءة الاختراع بهدف حماية التكنولوجيات والمشاريع التجارية القادمة من الخارج وليس التكنولوجيات والاختراعات التي تم تطويرها محليًا. لذلك، يحتاج إطار العمل القانوني لبراءة الاختراع إلى تحديث وإصلاح ليتمكن من مواكبة تسجيل الاكتشافات البحثية الصادرة عن الجامعات وحمايتها”.

وأَضاف: “يعتبر نقل التكنولوجيا نموذجًا غير ثابت، وإنما هو نموذج ديناميكي متقدم ويتطلب التقييم والتحديث بشكل متواصل ليتناسب مع الأهداف ويخدم الغرض المراد”.