تنظيف فضائنا

تتصاعد مشكلة المخلفات الفضائية في ظل تزايد سباق استكشاف الفضاء، حيث تدور ملايين القطع من المخلفات الفضائية حول الأرض. لذلك، سارع العلماء إلى دق ناقوس الخطر للإنذار بأهمية هذه المشكلة التي تشكل خطرًا كبيرًا على مهمات استكشاف الفضاء مستقبلًا.

يعتبر مدار الأرض المنخفض، والذي يقع على بعد 2،000 كيلومتر أو أقل من سطح الأرض، موطنًا لمجموعة كبيرة من المخلفات الفضائية التي تتكون من الأقمار الصناعية المعطلة ومراحل الإطلاق الصاروخية العلوية وأجزاء من انفجارات فضائية وبقايا قطع ناتجة عن إطلاق صواريخ لإسقاط أقمارها الصناعية. ويصل حجم قطع حطام الفضاء إلى أكبر من كرة التنس ولا يمكن الاستفادة منها في أي أغراض وظيفية، لا سيما أن هناك كمية كبيرة من تلك المخلفات المتطايرة في الفضاء.

وتسير هذه المخلفات بسرعات هائلة.

لك أن تتخيل أنك تقود السيارة عائدًا إلى منزلك من العمل بسرعة 80 كيلومتر في الساعة، فيطير حجر صغير ضاربًا الزجاج الأمامي في سيارتك ليصدر عن ذلك صوت مرتفع وتلاحظ فيما بعد حدوث شق في الزجاج الأمامي. وفي هذا السياق، تساهم سرعة كل من الجسمين، السيارة والحجر، في تحديد مستوى الضرر.

الآن، تخيل أنك تسير بسرعة 25,000 كيلو متر في الساعة ويسير الحجر كذلك بنفس السرعة، سيكون التصادم مع الحجر في هذه الحالة كارثيًا، على الرغم من أن الجسم قد يكون دقيقًا جدًا إلا أنه بالإمكان أن يتسبب في حدوث خطر جسيم.

لاحظ رائد الفضاء (تم بيك) من وكالة الفضاء الأوروبية، في العام 2016 وجود تصدعات في نافذة المراقبة في محطة الفضاء الدولية. وورد في خبر صحفي أن رائد الفضاء تم بيك التقط صورة لشقوق النافذة وعلق على ذلك قائلًا: “أتعرض في معظم الأحيان للسؤال عما إذا كانت محطة الفضاء الدولية قد اصطدمت بالمخلفات الفضائية. نعم، وُجد هذا الشرخ في أحد نوافذ المحطة وأنا سعيد لأنها مزودة بأربع طبقات زجاجية”.

يعود سبب تلك التصدعات إلى قطع الطلاء العابرة في الفضاء.

الجدير بالذكر أنه يوجد حوالي 27,000 قطعة من الحطام التي يزيد حجمها عن 10 سنتيمتر يتم رصدها من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، كما يوجد أكثر من 100 مليون قطعة أصغر حجمًا تحوم في الفضاء من غير تتبع. لذلك، قد يؤدي اصطدام أي منها بالمركبات الفضائية أو الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية إلى حدوث نتائج مدمرة وبالتالي التسبب بالمزيد من الحطام الفضائي، وهكذا.

تُعرف هذه السلسلة التفاعلية باسم (متلازمة كيسلر)، حيث اقترح عالم الفيزياء الفلكية وعالم سابق في وكالة ناسا، دونالد جيه كيسلر، أنه في مرحلة ما سيكون هناك الكثير من الحطام في مدار الأرض المنخفض الذي سيواصل في الاصطدام وإنتاج المزيد من الحطام، لتصبح العملية بعد ذلك ظاهرة يصعب إيقافها وتصبح رحلات استكشاف الفضاء غير ممكنة مستقبلًا.

وعلى الرغم من أن كيسلر بالغ في نظريته، إلا أنها غير مستحيلة. وفي هذا الصدد، يرى الدكتور جون كراسيدس، الأستاذ في جامعة ولاية نيويورك وجامعة بافالو، أننا سنصل إلى هذه المرحلة في هذا الجيل.

قال جون في حواره مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “أرى أننا سنواجه مأزقًا كبيرًا خلال فترة الخمسين عامًا المقبلة أو أقل إذا واصلنا وضع الأجسام في الفضاء كما نقوم به في الوقت الحاضر”.

ويوجد المزيد من المخاطر وشيكة الحدوث والتي تهدد الأقمار الصناعية وغيرها من المركبات الفضائية في مدار كوكب الأرض المنخفض، خاصة أن الخمسين عامًا ليست بعيدة.

وأضاف جون، الذي يعمل في وكالة ناسا وسلاح الجو الأمريكي بهدف رصد الحطام الفضائي: “يعتبر الخطر الأكبر هنا الذي يهدد حياة الإنسان خاصة الأفراد الموكلين بالمهمات خارج المركبات، حيث يسير الحطام بسرعة 17,000 ميل في الساعة، ما يتيح له اختراق بدلة رواد الفضاء حتى وإن كانت قطعًا في غاية الدقة”.


CAPTION: Japanese company Astroscale is hoping to inspire a movement of space cleanup IMAGE: NASA

ومن الأخطار الأخرى الناتجة عن الحطام تلك التي تؤثر في الأقمار الصناعية الفعالة في مدار كوكب الأرض المنخفض. قد لا يبدو ذلك مثيرًا للقلق، لكن تساهم هذه الأقمار الصناعية في تمكين سكان كوكب الأرض من إجراء المكالمات على أجهزة الآيفون ومشاهدة الفيديوهات على تطبيق تيك توك والمشاركة في الاجتماعات على تطبيق زوم وكسب الملايين كمدونين على منصة يوتيوب. وإذا ضُربت هذه الأقمار بقطع الحطام الفضائي الذي يسير بسرعة تزيد عن 25,000 كيلومتر في الساعة، قد يذهب جيل إكس وجيل الألفية وجميع سكان الأرض في رحلة، لا إلى الفضاء، بل إلى الماضي.

وهناك أيضًا بعض المخاوف الأخرى التي تتمثل بوجود 10 أفراد في محطات فضائية فعالة، كما توجد محطتين فضائيتين في مدار كوكب الأرض المنخفض مأهولتين وهما، محطة الفضاء الدولية ومحطة الفضاء تيانغونغ الصينية. وتتم حماية محطات الفضاء من قطع الحطام التي يصل قطرها إلى 1.5 سنتيمتر من خلال هياكلها الخارجية، وبخلاف ذلك يجب مغادرتها وإخلائها. وقد أثبت الحلان نجاحهما إلى الآن.

وفي هذا الصدد، فقد أطلقت روسيا في العام 2021 صاروخًا إلى أقمارها الصناعية كاختبار نتج عنه أكثر من 3,500 قطعة من الحطام شكلت خطرًا يهدد جميع القاطنين في محطة الفضاء الدولية واضطر رواد الفضاء للانتقال إلى الكبسولات الفضائية التي ترسو في المحطة لحاجتهم للهروب السريع. وقد تم في أكتوبر من العام 2022 نقل محطة الفضاء الدولية إلى أعلى بمقدار 0.2 ميل لتفادي المزيد من قطع الحطام الناتج عن هذا الاختبار.

تعد هذه الخطوة الوقائية التي وصلت تكلفتها إلى مليون دولار أمريكي في غاية الفعالية، خاصة أنه قد ينجم عن تصادم قطعة من الحطام يتراوح قطرها ما بين 1 و 10 سنتيمتر أضرار بقيمة مليوني دولار أمريكي لإصلاحها. ووفقًا لما قاله جون، أن هذه الخطوة هي واحدة فقط من أكثر من 20 خطوة دفاعية تم تنفيذها لتجنب قطع الحطام في الفضاء.

وعلى الرغم من التكاليف الباهظة لنقل محطة الفضاء، إلا أنه يعتبر حلًا فعالًا في الوقت الراهن، حيث يشير الخبراء إلى أن زيادة حجم الحطام الفضائي في كل عام ستحد من وجود بيئة فضائية آمنة.

إضافة لذلك، اكتشف الباحثون أن الاصطدامات ليست العامل الوحيد الذي يشكل خطرًا على البيئة.

توصلت دراسة، أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في العام 2023، إلى وجود جسيمات معدنية مصاحبة للمواد المستخدمة في بناء المركبات الفضائية في طبقات الغلاف الجوي العليا، ويحدث ذلك نتيجة تبخر فتات الصواريخ والأقمار الصناعية المتعطلة حال عودتها إلى الغلاف الجوي في الكرة الأرضية.

ولكن، ما الحل؟

وضعت منظمة الأمم المتحدة بعض المبادئ الإرشادية للحد من حطام الفضاء، لكن لا يوجد هناك أي تشريعات تُحمل مستكشفي الفضاء مسؤولية الفوضى التي يتسببون بها. لذلك، يعود الموضوع في هذا الإطار إلى الابتكار واتباع السلوكيات الصحيحة.

وقال جون: “لا يمكننا أن نفرض على الدول اتباع مبدأ الأمم المتحدة رقم (4) والذي ينص على تجنب التخريب العمد وغيرها من الأنشطة المسببة للضرر، ويجب على قادة الدول التشاور بينهم في هذا الشأن وهذه هي الخطوة الأولى، في الوقت الذي لا تقوم جميع الدول بذلك. من جهة أخرى، يتبع كل من الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم من الدول عددًا من التعليمات الإرشادية”.

وتقوم بعض الحكومات في العديد من الدول بما يمكن فعله لتنظيف مخلفاتهم الفضائية، حيث ظهرت شركات تجارية ناشئة تساهم في التقاط قطع الحطام المتطاير في الفضاء كالشركة اليابانية “آستروسكيل” على سبيل المثال.

CAPTION: تشكل المخلفات الفضائية التي تدور حول كوكب الأرض خطرًا كبيرًا على الأقمار الصناعية ورواد الفضاء ومستقبل مهمات استكشاف الفضاء IMAGE: Shutterstock

توفر شركة آستروسكيل خدمات إزالة حطام الفضاء، حيث يمكن لبرامج الفضاء والشركات الخاصة في جميع أنحاء العالم توظيفها لجمع الحطام وسحبه إلى الغلاف الجوي في كوكب الأرض ليحترق. وتخطط أستروسكيل لأول مهمة إزالة حطام لها في العام 2025، حيث تسعى الشركة لأن تلهم الحراك العالمي لإزالة حطام الفضاء.

وفي نفس الوقت، تعاونت وكالة الفضاء الأوروبية مع شركة ناشئة تدعى “كليرسبيس” بهدف إطلاق قابض يساهم في التقاط مخلفات الفضاء ونقله إلى الغلاف الجوي ليحترق. ويتوقع أن يقوم هذا القابض بإزالة القطعة الأولى من الحطام الفضائي في 2025.

وقد يتسبب ذلك بالعديد من المشكلات، حيث توصلت الدراسة التي أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في العام 2023 أن ذلك الحل سيساهم في استنزاف طبقة الأوزون.

وركز بحث جون بشكل رئيس على إجراءات الوقاية حيث قال: “يمكن أن نحقق الوقاية من التصادمات الفضائية من خلال تحديد خصائص الحطام باستخدام الصور، حيث يمكن الاستفادة من هذه النماذج لتحديد أماكن الحطام بشكل أفضل، وبالتالي يمكننا تحديد مدى إمكانية حدوث الاصطدام بالأقمار الصناعية الفعالة”.

ويعمل كل من جون وزملائه على مشروع يهدف إلى إعادة تدوير حطام الفضاء، ولكن يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا عمليًا خلال فترة تتراوح من 15 و20 عامًا.
وأكد جون على أنه عملي يومًا سيكون هناك حل عملي بكلفة اقتصادية معقولة للتصدي لمشكلة حطام الفضاء.

وفي تصريحاته لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، أشار جون إلى أن: “الخيال العلمي اليوم هو حقائق المستقبل، ومن أهم الأمور التي يمكن أن نفعلها هي اتباع مبادئ الأمم المتحدة والحد من إنتاج حطام الفضاء، ومن ثم تطوير التكنولوجيات التي تساهم في التقاط الحطام لتنظيف الفضاء من المخلفات”.

إعادة تدوير مخلفات القهوة

يستهلك الأفراد في جميع أنحاء العالم 2.25 مليار كوب من القهوة يوميًا. لذلك، اتجهت أنظار الشركات والمقاهي والمستهلكين إلى استخدام أكواب وأغطية قابلة للتدوير ولإعادة الاستخدام للتقليل من حجم النفايات، لكن بقيت هناك مشكلة مخلفات القهوة التي تؤثر على البيئة أيضًا. وفي هذا الإطار، يسعى الباحثون إلى الابتكار ودراسة آلية إعادة تدوير تلك المخلفات.

تعتبر مخلفات القهوة قابلة للتحلل الحيوي بشكل كامل، حيث يتم تحويل 75% منها إلى مكبات النفايات لتبدأ بالتحلل بعد مدة زمنية تصل إلى ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من أن القهوة قابلة للتحلل إلا أن عملية التحلل نفسها تطلق غاز الميثان الذي يؤثر في الاحتباس الحراري بمقدار 28 ضعف الأثر الذي يتسبب به غاز ثاني أكسيد الكربون.

ولكن، ماذا لو ساهمت مخلفات قهوتك في تأمين أساسات المبنى الذي تحتسي قهوتك فيه؟ قد يكون ذلك ممكنًا بفضل فريق الباحثين من معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا في أستراليا، الذين تمكنوا من إيجاد طريقة للاستفادة من مخلفات القهوة المعالجة في خرسانات البناء ولاحظوا بأنها تساهم في تعزيز متانتها بنسبة تصل إلى 30%.

الحل: تحويلها إلى فحم حيوي.


يعد الفحم الحيوي شبيهًا للفحم التقليدي من ناحية أن كليهما ناتج عن مصادر طبيعية كالنباتات والأشجار، إلا أن الفحم الحيوي يتكون عند حرق الكتلة الحيوية بغياب الأكسجين في درجات حرارة مرتفعة تتراوح ما بين 500 إلى 800 درجة سلسيوسية، وتُعرف هذه العملية باسم الانحلال الحراري.

العنوان: عينات من حبوب القهوة غير المحمصة والقهوة المحمصة والقهوة التي تم استهلاكها وعينة من الفحم الحيوي الناتج عن القهوة والذي طوره الفريق الصورة:كاريل مولاوا ريتشاردز_ جامعة معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا

وتتطلب العملية التي استعان بها الباحثون درجات حرارة أقل من المعتاد ليتم الاحتراق بطريقة معتدلة في استهلاك الطاقة عند درجة حرارة 350 سلسيوسية.

استخدمنا في هذه الدراسة معدات صغيرة الحجم وعملية الانحلال الحراري التي استمرت لساعتين، وقد تختلف مدتها وفقًا لحجم وحدتها”.

– الدكتور شانون كيلمارتن لينش، مشرف مشارك على هذه الدراسة

تحول عملية تحويل المادة النباتية إلى فحم حيوي دون إطلاق ثاني أكسيد الكربون وتحوله إلى مادة مسامية مستقرة وغنية بالكربون يُستفاد منها في الزراعة لزيادة نمو المحاصيل.

الجدير بالذكر أن المحاولات السابقة بإضافة الفحم الحيوي لتعزيز متانة الخرسانة لم تكن ناجحة، فقد تم إضافة 3% فقط من الفحم الحيوي إلى الخرسانة ونتج عن ذلك الحصول على خرسانة ضعيفة. وعلى صعيد آخر، أثبتت طريقة فريق معهد ملبورن الملكي القائمة على مخلفات القهوة أثرها الفعال على الصناعات الإنشائية.


وقال الدكتور شانون لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يوجد هناك العديد من المواد المتوفرة في الأسواق يمكن أن تساهم في تحسين فعالية الخرسانة، ولكن تكمن الفكرة الرئيسة في هذا البحث في تحويل مخلفات مادة، كان يتم إلقاؤها في مكبات النفايات مسببة انبعاثات مرتفعة لغازات الاحتباس الحراري، إلى منتج عالي القيمة يعزز فعالية الخرسانة”.

وساهم البحث من خلال ذلك بتقليل النفايات ودرجات الحرارة اللازمة للاحتراق، وقد تكون هذه العملية أقل تكلفة مقارنة بالخرسانة التقليدية.

وأضاف شانون: “لا نرى كفريق بحثي أي آثار تعيق الاستفادة من هذه الطريقة في التطبيقات العملية والتجارية، حيث تغني نسبة الزيادة في متانة الخرسانة التي تقارب 30% عن استخدام الإسمنت الذي يتم إنتاجه عند درجة حرارة 1,450 سلسيوس”.

CAPTION: أعضاء فريق معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا، من اليسار إلى اليمين: الأستاذ الدكتور كيفين زانغ والأستاذ الدكتور جي لي والدكتور راجيف رويتشاند والدكتور شانون كلمارتن لنتش والدكتور محمد صابريان، مجتمعين في غرفة الفحص المجهري والتحليل المجهري بعد أن قاموا بتحليل تركيب خرسانة القهوة التي طوروها. الصورة ويل رايت من جامعة معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا.

ويمضي الدكتور شانون وقتًا كبيرًا في إيجاد الحلول من الفضلات والنفايات والاستفادة منها كمواد للخرسانة بدلًا من إلقائها في مكبات النفايات، حيث تمكن حتى اليوم من اختبار الكمامات والمعاطف الطبية والقفازات وإطارات السيارات ومخلفات الطعام. وساهم النجاح في هذه الدراسة في تشجيع الفريق البحثي للبحث عن المزيد من النفايات والاستفادة منها في تصنيع مادة الخرسانة لتحقيق الاقتصاد الدائري في قطاع صناعة الخرسانة”.

يذكر أن الفريق البحثي يرى نجاح هذا المشروع من ناحيتين، تحقيق حل فعال لمشكلة النفايات الناتجة عن القهوة وعدم اللجوء لمكبات النفايات والحصول على مصدر مستدام في مجال صناعة الإنشاءات.

لنناقش ذلك أثناء شرب القهوة دون شعور بالذنب.

رؤية الفضاء بشكل ثنائي الأبعاد

وفقًا لكارلو يوريو، مدير مركز الأبحاث والهندسة في تقنيات الفضاء بجامعة بروكسل: “يُعتبر استكشاف الفضاء المختص بدراسة علم المواد، ذلك أنه علم مستقل عن الإلكترونيات وتوابعها، فالمواد هي التكنولوجيا التمكينية للتحديات الموجودة في الفضاء”.

وأكثر ما يثير اهتمامه فيما يتعلق بذلك هو: الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد الأخرى. يقول يوريو في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يمكن استخدام المواد ثنائية الأبعاد ودمجها لحل (العديد) من المشاكل المختلفة”.

الصورة: أنس البنّي/ مجلة جامعة خليفة

قد يُعتبر الغرافين أساس المواد ثنائية الأبعاد، إلّا أنه جديد نسبيًا، فقد اكتُشف في عام 2004، عندما فاز أندريه غيم وكونستانتين نوفوسيلوف بجائزة نوبل في عام 2010 لعزله.. تتكون المادة من طبقة واحدة من ذرات الكربون مرتبة في نمط سداسي، وهي قوية ومرنة وخفيفة الوزن كما توفر مقاومة عالية

وفي هذا الصدد، يقول يارجان عبد الصمد، الذي حصل على شهادة دكتوراه من جامعة خليفة ودرس خصائص المواد ثنائية الأبعاد في جامعة كامبريدج كباحث دكتوراه وعاد مؤخرًا إلى جامعة خليفة كدكتور مساعد في هندسة الفضاء: “تُعتبر خصائص الغرافين استثنائية من عدة نواح”.

ويؤكد بأن اكتشاف الغرافين قد أحدث ثورة في أبحاث المواد ثنائية الأبعاد: “يجري الآن البحث في آلاف المواد ثنائية الأبعاد الجديدة بسبب اكتشاف الغرافين، كما لو أنّه قد اكتُشف جدول دوري جديد.”

“يمكن استخدام كل خاصية من أجل أغراض لا يمكن تحقيقها باستخدام المواد التقليدية، وهذا ما يثير اهتمامي خاصة عندما أنظر إلى التحديات المتعلقة بالفضاء، سواء كانت الإدارة الحرارية أو الحماية من الإشعاع أو الرحلات الطويلة، فهناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى حلول غير تقليدية، ونظرًا لتعدد استخدامات المواد ثنائية الأبعاد فهذا يجعلها قادرة على حل العديد من المشاكل.”

فيما يلي بعض القضايا المتعلقة بالسفر إلى الفضاء واستيطانه، والتي قد تكون المواد ثنائية الأبعاد قادرة على معالجتها:


الحماية من الإشعاع

غالبًا ما يُعتبر الإشعاع الفضائي العامل المقيِّد الأكثر أهمية عند السفر إلى الفضاء لفترات طويلة، فمن المحتمل أن يواجه رواد الفضاء مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنكسية والسرطان.

وفي هذا الصدد، يتساءل عبد الصمد: “قد أكون متحيزًا في هذا الشأن، إلّا أن الحماية من الإشعاع تقع على رأس قائمة تطبيقات المواد ثنائية الأبعاد، حيث يشعر الجميع بالقلق حيال الإشعاع، كما سبق وأن وقعت العديد من الحوادث المرتبطة به، فكيف يمكننا توفير حماية منه؟”

“إنها ظاهرة معقدة للغاية، ولن تقف المواد التقليدية في وجه الإشعاع الكوني المجري، فنحن بحاجة إلى التوصل إلى نهج يمكننا من خلاله الحصول على حماية انتقائية.”

يشير عبد الصمد إلى أن الإجابة قد تكمن في حلول الغرافين والحلول الهجينة.

ويتفق يوريو مع عبد الصمد في أن الإشعاع الفضائي يأتي على رأس قائمة تطبيقات الفضاء ثنائية الأبعاد” أولًا وقبل كل شيء”.

ويقول أن الدروع الفضائية ستسمح بالاستكشاف البشري لمسافات طويلة. “إلّا أنه من الصعب جدًا الاستقرار على المريخ في الوقت الحاضر.”

عمل عبد الصمد مع مركز محمد بن راشد للفضاء في دولة الإمارات على مشروع “راشد روفر” والذي فقد عندما تحطمت مركبة الهبوط على ما يبدو في شهر أبريل من عام 2023، إلّا أن الخطط جارية لـلعمل على مشروع “راشد 2”، ويقول عبد الصمد أن دراسة تأثيرات الإشعاع على المواد ثنائية الأبعاد قيد المناقشة. ويُعتبر (هذا) أحد التحديات الأكثر إلحاحًا من وجهة نظري”.

الصورة: أنس البنّي/مجلة جامعة خليفة

البدلات والمساكن

ويقول يوريو “أننا بحاجة إلى المواد المتقدمة لصنع بدلات وهياكل مقاومة للحرارة لاستخدامها على المريخ أو القمر، ويضيف أن مادة ثاني كبريتيد الموليبدينوم ثنائية الأبعاد ستلعب دورًا في هذا التحدي بالتحديد”. كما يمكن أن تفيد المواد ثنائية الأبعاد في تطبيقات البناء الأخرى.

يشير يوريو إلى أن جامعة خليفة تستكشف مكونات ذات أساس مطاطي مع الغرافين ليس فقط لتحمل درجات الحرارة القصوى، بل لمساعدة البنية التحتية على تحمل الزلازل القمرية. “فإذا كان الهيكل جامدًا فسوف ينكسر، فلك أن تتخيل احتمالية سماح الشقوق للأكسجين بالخروج.”

ومع أنه صحيحٌ أن نقل المواد من الأرض إلى الفضاء يعد أمرًا مكلفًا، إلّا أن المواد ثنائية الأبعاد خفيفة، ويرى عبد الصمد إمكانية تحويل المواد الموجودة على القمر أو العوالم الأخرى إلى وحدات بناء للمستوطنات. وفي هذا الصدد يقول: “قد تكون هناك مواد مركبة أو هجينة. هناك العديد من الأساليب التي يمكن اتباعها”

وبمجرد بناء المسكن الفضائي، يُمكن أن تلعب المواد ثنائية الأبعاد دورًا أساسيًا في الحفاظ على بيئة صحية للبشر .

يقول يوريو: “يمكن أن يلعب كل من الغرافين وأكسيد الغرافين دورًا في المواد التي يمكن أن تمنع انتشار البكتيريا والعناصر الحيوية الغريبة. تخيل انتشار وباء في قاعدة بشرية مغلقة، يبدو ذلك أحد سيناريوهات أفلام الخيال العلمي.”

الصورة أنس البني/مجلة جامعة خليفة

التنظيم الحراري

يتساءل عبد الصمد: “كيف يمكننا تحمل الليالي القمرية وما هي أنواع المواد التي يمكن أن تساعد في ذلك؟”

تبدو المواد ثنائية الأبعاد واعدة: فهي لا تستطيع مقاومة درجات الحرارة القصوى في الفضاء فحسب، بل هي مرشحة ممتازة لنقل الحرارة، من الجانب المواجه للشمس في المركبة إلى الجانب الذي لا يواجهها على سبيل المثال، حيث يمكن أن تختلف درجات الحرارة بمقدار 200 درجة مئوية، ولأن هذه المواد ثنائية الأبعاد بطبعها، فهي تتطلب مساحة صغيرة مما يوفر مساحة لمساكن أكبر

يقول يوريو: تُفقد الكثير من الحرارة في الفضاء، لذلك تُستخدم مواد (ثنائية الأبعاد) مثل “المكسين” لأنها تحتوي على بصمة حرارية تحت الحمراء منخفضة.”


أنظمة الدفع

ويُعبتر نظام الدفع الصاروخي تطبيقًا آخر، حيث يقول يوريو: “يمكن توظيف المواد ثنائية الأبعاد بسهولة.”

أحد الاحتمالات: أشرعة مصنوعة من أغشية الغرافين تعمل بضوء الشمس أو أشعة الليزر، مما يمكّن المركبة الفضائية من السفر لمسافات أبعد وأطول دون الحاجة إلى حمل وقود على متنها، كما ستكون المركبة أخف وزنًا وأكثر سرعة وسهولة في الإطلاق.

تقول وكالة الفضاء الأوروبية أن الغرافين قد اجتاز الاختبارات الأولية التي أظهرت أنه مرشح صالح للاستخدام.

الصورة أنس البنّي/مجلة جامعة خليفة

التطبيقات على كوكب الأرض

يمكن أن نستفيد مما نتعلمه من محاولاتنا لاستكشاف الفضاء في موطننا أيضًا، هنا على كوكب الأرض. يقول يوريو أن المشكلات التي يحلها الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد الأخرى في الفضاء يمكن بسهولة أن تنتقل إلى المشكلات المرتبطة بالأرض.

ويقول: “ستُستخدم حلول مشكلة الندرة التي نسعى لحلها في الفضاء لمحاربة مشكلة الندرة في أي مكان”. فعلى سبيل المثال، يمكن للمرشحات والأغشية التي طُوّرت لإعادة تدوير المياه في قاعدة على سطح القمر أن تساعد في الحفاظ على الموارد على سطح الأرض.

ويضيف يوريو: “إن التكنولوجيا التي نطورها للفضاء قادرة على استغلال كل قطرة ماء، وهو الهدف نفسه المتمثل في الاقتصاد المستدام، كما أن هناك ندرة في الطاقة، مما يستدعي الحاجة إلى استخدام المفاهيم التي نطورها للفضاء قدرًا أقل من الطاقة. وبغض النظر عن مستوى التقدم الذي وصلنا إليه في الفضاء، فمن المحتمل أن يُستخدم كل ذلك على الأرض لتقليل استهلاك الطاقة.

ويرى عبد الصمد أن التقدم في مجال الحماية من الإشعاع يؤدي في نهاية المطاف إلى حماية مراكز البيانات على الأرض التي تتعرض أنظمتها للإشعاع الكوني، بالإضافة إلى أنه يمكن للإدارة الحرارية في المركبات الفضائية في نهاية المطاف أن تحسّن تكنولوجيا القطارات والنقل بشكل عام.

يقول يوريو: “تولي دولة الإمارات اهتمامًا متزايدًا بالاستدامة والحد من انبعاثات الكربون وما إلى ذلك، على الرغم من نمط الحياة المترف. لقد عشت في بلدان نامية ولكن أحد الأشياء التي تربط استكشاف الفضاء بشكل صارم بالتنمية المستدامة هو أن كلاهما يشتركان في الحاجة إلى معالجة قضية ندرة الموارد.

الحل يبدأ هنا

نجح مسبار الأمل الإماراتي في الوصول إلى المريخ في العام 2021، حيث تعتبر هذه المهمة إحدى مهمات استكشاف الفضاء التي أطلقتها حكومات الدول والشركات الخاصة في السنوات الأخيرة بهدف زيادة فهمنا للنظام الشمسي وما وراءه. وفي هذا الصدد، طرحنا على مجموعة من الخبراء السؤال التالي: ماذا يجب أن تكون أولويتنا في مجال استكشاف الفضاء؟ وفيما يلي ما قالوه.

التعاون يعود بالفائدة على جميع سكان الأرض

حمد المرزوقي

الدكتور حمد المرزوقي هو مدير مشروع الإمارات لاستكشاف القمر وأشرف على أنظمة الكمبيوتر والتصوير للمستكشف راشد.

كان الإنسان ولا يزال المحور الرئيس في استكشافات الفضاء، فقد ساهم الإنسان في الماضي بدور ريادي في مجال الفضاء وأصبحت هذه الجهود هي المحفز لبرامج استكشاف الفضاء في الوقت الحاضر وستواصل دورها في المستقبل.

يوجد مجموعة من الدوافع المختلفة لبرامج استكشاف الفضاء تشمل الدوافع السياسية والاقتصادية والأمن الوطني، والتي ستبقى موجودة.

وقد تتغير الدوافع ولا تبقى ثابتة، والذي يبقى ثابتًا هو الفضول فينا جميعًا لاستكشاف المجهول وتوسيع نطاق المعرفة.

ما يميزنا نحن البشر هو إصرارنا على طرح الأسئلة منذ طفولتنا إلى مرحلة الشباب، وتشكل مثل هذه الأسئلة مجموعة الدوافع التي تحفز برامج استكشاف الفضاء العلمية.

نظر أسلافنا إلى القمر والكواكب والنجوم فاستثارت فيهم الغموض ومنحهم الإلهام. واليوم ومن خلال إصرارنا على طرح الأسئلة، فقد أصبحنا نسكتشف الفضاء عبر إرسال المركبات الفضائية إلى القمر والمريخ وغيرها من الكواكب، وصولًا إلى حافة النظام الشمسي.

وسنشهد قريبًا إنشاء حضارة في الفضاء ونرسخ وجودنا على كوكب القمر وكوكب المريخ.

ولا يقتصر استخدامنا لضمير المتكلم (نحن) في الجمل السابقة على شعوب معينة أو دولة أو عرق أو دين معين، وإنما القصد جميع سكان كوكب الأرض، وهذا ما يجب أن يكون على رأس أولويات استكشاف الفضاء.

الصورة: رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي يشاهد توم مارشبيرن وهو يسجل حضوره اليوم الأول من الامتحانات في مدينة ستار سيتي في روسياالصورة: ناسا

يعتبر استكشاف الفضاء تحد صعب ولا يمكن تحقيق الإنجازات فيه إلا من خلال التعاون المشترك بين سكان الأرض وذلك عبر العمل الدولي المشترك.

وتعد محطة الفضاء الدولية نموذجًا حيًا على ما يمكن تحقيقه حين ننبذ الفوارق بيننا ونتعاون مع بعضنا.

لذلك، يجب أن تتجاوز جهودنا حدود محطة الفضاء الدولية وأن نوسع أطر التعاون الدولي في برامج استكشاف الفضاء في المستقبل.


ينبغي علينا الاستفادة من التطورات الكبيرة التي يتم تحقيقها في مختلف برامج الفضاء وإيجاد الحلول المتمحورة حول الإنسان بهدف تحسين معيشة الأفراد على هذا الكوكب من خلال التكنولوجيا والمعرفة والتعليم وتمكين الدول الفقيرة والنامية.

ويجب على البرنامج الدولي الذي سنطوره في مجال استكشاف الفضاء أن يركز على تحسين مستوى المعرفة لدى الإنسان وإيجاد الحلول للمشكلات الراهنة والتي تتضمن الاحتباس الحراري وانعدام المساواة والفقر ونظام الصحة العالمي وتوفير مستقبل زاهر للأجيال القادمة على كوكب الأرض والكواكب الأخرى.

تفادي مصير الديناصورات

إتوري بيروتزي

إتوري بيروتزي هو عالم بحثي أول في وكالة الفضاء الإيطالية، يحظى بخبرات طويلة الأمد في مجال ميكانيكا الأجرام السماوية وعلوم الكواكب وديناميكيات الطيران في الفضاء والتعليم والتدريب. ويحمل الكويكب (10027) اسمه. Read more›››

تعتبر الطرق التي تربط ما بين كوكب الأرض بالمناطق الخارجية في النظام الشمسي حقائق معروفة في مجال الميكانيكا الفلكية، كما أنه من المثبت علميًا أن الكويكبات والمذنبات التي تسير غالبًا في مدارات عشوائية هي المفتاح الأساسي لفهم المراحل المبكرة لتشكل الكواكب.

وتعتبر الحركات الديناميكية للكويكبات والمذنبات، التي تؤثر في الكواكب من خلال سقوطها في الشمس أو هروبها إلى الفضاء بين النجوم، وتنوعها في الخصائص الفيزيائية، موضوعًا هامًا في علوم الكواكب وقد تشكل أجسامًا خطرة في حالة التصادم، كما تمثل فرصة للتعدين الفضائي.

ويتيح لنا استكشاف الكويكبات والمذنبات معالجة ثلاث قضايا أساسية في آنٍ واحد وهي، الكشف عن أصل النظام الشمسي وتطوره وفتح سوق جديد التطبيقات الفضاء التجارية وتوفير معلومات هامة للحماية المدنية.

وتتيح معرفة الهيكل الداخلي والتركيب الكيميائي لجرم سماوي صغير، في طريقه للتصادم مع الأرض، تطوير استراتيجية فعالة ومعتمدة للتحييد، مما يساهم في تعزيز دور الإنسان لتجنب مصير الديناصورات.

CAPTION: قد تساهم معرفة المزيد حول الأجرام السماوية الصغيرة في تحويل مسارها وتجنب اصطدامها بالأرض. الصورة NASA, Freepik, Shutterstock

وتوفر التركيبة الأصلية للجرم السماوي الذي لا يشكل خطرًا احتياطي عالي القيمة من المصادر الفضائية التي تعوض النقص المحتمل في العناصر الهامة والأساسية في كوكب الأرض.

وصل حتى الآن عدد كبير من مهمات استكشاف الفضاء الناجحة إلى الكويكبات والمذنبات، منها على سبيل المثال جيوتو ونير ودون وروزيتا وهايابوسا 2 ودارت (ليكياكيوب)، وهناك المزيد في طريقه للتحقيق.

إضافة لما سبق، تمثل هذه الأجرام السماوية مواقع مثالية لإنتاج الوقود والمواد الاستهلاكية الأساسية في الموقع، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام رحلات استكشاف الفضاء بعيدة المدى بشكل منتظم والمحافظة على توسع الإنسان في النظام الشمسي بشكل مستدام.

استكشاف المدارات القريبة من كوكب الأرض قد تؤثر على الحياة فيه

أنطون إيفانوف

أنطون إيفانوف هو مدير تنفيذي لاستكشافات ما بعد كوكب الأرض في معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي، دولة الإمارات.

يمكننا تحديد أولويتين هامتين مستقبلًا في مجال استكشاف الفضاء هما، المدارات القريبة من الأرض والتي تشمل مدارات (ليو وميو وجيو) وأولوية دراسة النظام الشمسي.

يعتبر الاكتشاف الآمن لمدارات (نيو) القريبة من كوكب الأرض أمرًا هامًا لسببين هما، أن هذه المدارات تعتبر موطنًا للاتصالات المتعلقة برصد الأرض والأقمار الصناعية العالمية (جي إن إس إس). ويتمثل السبب الثاني في أن هذه الأصول تلعب دورًا محوريًا في حياتنا اليومية على الرغم من أننا لا نلحظ مدى تأثيرها علينا.

لاحظنا في السنوات العشر الأخيرة تحركًا واسعًا تجاه إنشاء مجموعات كبيرة من الأقمار الصناعية التي ستتيح تطوير تطبيقات جديدة وستصبح المدارات المألوفة مكتظة.

ويشهد عدد من الأقمار الصناعية النشطة والحطام في مدار (ليو) زيادة كبيرة، وهو ما يشكل خطرًا يهدد سلامة كل من الإنسان ومهمات الاستكشاف الروبوتية في المدار نفسه حيث يتوجب اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تلك المخاطر.

ويعتبر استكشاف النظام الشمسي، خاصة المريخ والقمر، أمرًا في غاية الأهمية للعديد من الأسباب.

CAPTION: NASA IMAGE: التقطت مركبة الفضاء “جونو” هذه الصورة للسحب التي تدور في حركة دوامية حول كوكب المشتري، وسيواصل هذا النوع من الاكتشافات تعزيز فهم البشر للمزيد من الحقائق عن الكون.

تستثمر بعض مؤسسات القطاع الحكومي والشركات الخاصة في مهام استكشاف القمر والمريخ وحزام الكويكبات، إضافة للتقدم التكنولوجي الذي يمكننا من تعلم المزيد حول تاريخ النظام الشمسي.

ويمكننا أيضًا أن نفهم وبشكل شامل حقيقة وجود حياة أخرى خارج نطاق النظام الشمسي، وذلك بالتزامن مع اكتشاف عدد كبير من الكواكب الخارجية الموجودة خارج المجموعة الشمسية.

إضافة لذلك، يشكل استكشاف المريخ والقمر نقطة انطلاقة لاستكشافات الإنسان المعمقة للفضاء والتي تساهم بدورها في تحفيز التكنولوجيات المتعلقة بذلك على كوكب الأرض.

تتميز طبيعة الإنسان بالفضول لاستكشاف أماكن جديدة، وحظي كل من المريخ والقمر باهتمام كبير في مجال إنشاء أماكن للعيش فيها بشكل دائم مستقبلًا.

يذكر أنه من غير المرجح أن تساهم هذه الأماكن في حل مشكلات زيادة عدد السكان العالمي وتغير المناخ، إلا أنها ستؤثر بشكل إيجابي على ثقافة الإنسان والمجتمع وتساهم في تعزيز الشعور بالفخر بالإنجازات في مجال الفضاء ودعم فرص التعاون الدولي وتحفيز عمليات الابتكار.

عينٌ على السماء

تتولى معالي سارة الأميري رئاسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء وهي أيضًا وزيرة الدولة للتعليم العام وتكنولوجيا المستقبل. وقد أجابت معالي سارة الأميري مؤخرًا على أسئلة مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا حول دور التنوع في تعزيز فريقها والفائدة التي يعود بها برنامج الفضاء المتطور على الدولة والمواطنين.

سؤال: تُعتبر وكالة الفضاء الإماراتية وكالة فريدة من نوعها في قطاع التكنولوجيا حيث تبلغ نسبة الموظفات فيها 50% وتُعتبر هذه نسبة عالية، حيث بلغت نسبة النساء اللواتي كُنّ جزءًا من فريق مشروع مسبار الأمل، الذي ترأستيه، 80%. كيف شجعتِ مشاركة المرأة وأشكال التنوع الأخرى في القوى العاملة؟ وهل رأيت أي آثار إيجابية على العمل؟

الإجابة:أفخر بالعمل الذي قمنا به كوكالة للفضاء في إزالة العوائق التي تحول دون انضمام أعضاءٍ إلى الفريق بغض النظر عن أعمارهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو معتقداتهم.

لم أركز اهتمامي بالتحديات المتعلقة بالجنس ولا يزال هذا الحال على نفسه منذ طفولتي حتى اليوم، حيث أن الأمر لا يتعلق بالجنس بالنسبة لي وإنما يتعلق بالتنوع.

تعتبر الأسئلة المحفزة للفضول مفتاح الإنجازات العلمية ويكمن الدافع وراء هذه الأسئلة في التباين الحقيقي في الأفكار ووجهات النظر والخبرات من قبل أشخاص مختلفين بطرق التفكير والتجارب المتنوعة وذلك جزء لا يتجزأ من إنجازاتنا في السنوات الأخيرة.

الصورة: سارة الأميري

س: كيف ساهمت مساعي دولة الإمارات في مجال الفضاء في تعزيز اقتصاد الدولة

ج: تعتبر الأسئلة المحفزة للفضول مفتاح الإنجازات العلمية ويكمن الدافع وراء هذه الأسئلة في التباين الحقيقي في الأفكار ووجهات النظر والخبرات من قبل أشخاص مختلفين بطرق التفكير والتجارب المتنوعة وذلك جزء لا يتجزأ من إنجازاتنا في السنوات الأخيرة.

تمكنا من دمج قطاع الفضاء بصورة مباشرة في اقتصاد بلادنا وخططها للنمو المستقبلي، حيث يمكننا إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذا القطاع من خلال تعزيز بيئة تتجاوز حدود التكنولوجيا والعلوم في الفضاء.

أصبحت دولة الإمارات موطنًا للعديد من الشركات متعددة الجنسيات والشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال الفضاء لأنها المكان المثالي لشركات الفضاء الخاصة، لما تتمتع به من تكنولوجيا وخبرات وقدرات. ويعتبر من الضروري بالنسبة لنا كوكالة للفضاء أن نحافظ على علاقة وثيقة ومثمرة مع القطاع الخاص ومجتمع الفضاء الأوسع، لمواصلة الابتكار والتقدم.

وكمثال ملموس على ذلك، أعلنّا مؤخرًا عن مهمة الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات، والتي ستقسم بين مساهمة القطاعين العام والخاص في المهمة بنسبة 50/50.

س: سيتم إرسال مهمة استكشاف حزام الكويكبات في عام 2028 إلى كوكب الزهرة للكشف عن سبعة كويكبات، ما الذي قد تضيفه هذه التجربة وما هي أكبر العوائق التي تحول دون نجاحها؟

ج:يوجد الكثير مما يمكن تعلمه من الفحص الدقيق لحزام الكويكبات، حيث ستساهم هذه المهمة في الحصول على فهم أوسع لأصل هذه الكويكبات، وبالتالي الحصول على الكثير من المعلومات حول تاريخ الكون والحياة نفسها.

يمكننا أن نفهم آلية تشكل المياه وظهور االحياة على كوكب الأرض من خلال دراسة المركبات العضوية في الكويكبات.

تمثل المهمة تحديًا كبيرًا من الناحية الهندسية، لا سيما أنها ستمتد لمسافة تزيد عن 10 أضعاف المسافة التي قطعناها في رحلتنا الأخيرة إلى المريخ.

س: من الواضح أن دولة الإمارات تسعى لأن تكون رائدة في مجال الفضاء. فكيف تشجع الدولة الجيل القادم من العلماء؟

نفخر بتعاوننا مع الدول الأخرى ووكالات الفضاء والشركات الدولية، وندرك أن مستقبل الفضاء يمثل فرصة عالمية إلى حد كبير

سارة الأميري

ج: يعتبر تحفيز الجيل القادم من العلماء والباحثين في مجالات التكنولوجيا هنا في دولة الإمارات من أهم أولوياتي، كما يمثل رابطًا طبيعيًا بين دوري في وكالة الفضاء وكوزيرة لشؤون التعليم العام.

وننظم في وكالة الفضاء مجلسًا للشباب يهدف إلى تمكين ودعم الشباب الإماراتي المتميز والمهتم بالفضاء، وكذلك ضمان مشاركة وجهات نظرهم معنا.

كما نتعاون بشكل وثيق مع المدارس والجامعات في جميع أنحاء الإمارات لضمان توفير مسارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للجميع.

جدير بالذكر أنه لا تتجاوز أعمار أغلب أعضاء فريق مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ الـ 35 عامًا، وهو ما يؤكد أن العمر لا يمثل عائقًا هنا.

س: مثّل التعاون الدولي جزءًا مهمًا من المساعي الفضائية لدولة الإمارات، ويتدرب رواد الفضاء التابعين لها مع وكالة ناسا في الولايات المتحدة، كما عمِلَت الإمارات مع شركاء دوليين آخرين في مهام مثل إطلاق المُستكشف الفضائي راشد إلى القمر. هل تخططون لمواصلة شراكات كهذه أم أن دولة الإمارات مهتمة ببناء المرافق اللازمة للقيام بالمزيد من هذه المهام في داخل الدولة؟

ج: نحن نفخر بتعاوننا مع الدول الأخرى ووكالات الفضاء والشركات الدولية، وندرك أن مستقبل الفضاء يمثل فرصة عالمية إلى حد كبير.

تُمثل الشراكات الدولية عنصرًا أساسيًا في إمكانية تبادل القدرات والتكنولوجيات والخبرات وتشكيل النظام الإداري من منظور تنظيمي وسياسي، الأمر الذي يعتبر مهمًا للاستدامة والنشاط التجاري وتجنب الصراع أيضًا.

وفي هذا الإطار، نتطلع إلى إقامة شراكات جديدة وجمع الدول ذات التأثير الفعال في مجال الفضاء لدفع عجلة التعاون.