الرياح … ثروة هامة

قد تساهم محطات الرياح البحرية بإنتاج كميات كبيرة من الطاقة يفوق حجم الاستهلاك العالمي، لكن هناك مجموعة من التحديات المتمثلة ببعض الإجراءات والتنظيمات الإدارية. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها للعام 2019 إلى أن قدرة الرياح البحرية تعادل ما يقارب 18 ضعف الإنفاق العالمي على الطاقة.

وتشهد هذه الصناعة تطورًا متزايدًا، حيث تقوم العديد من الدول حول العالم بتعزيز دور محطات الرياح البحرية والاستثمار في هذا القطاع، كما ستحظى 35 دولة تقريبًا بتوربينات للرياح البحرية بحلول العام 2030، وهو ما يقارب ضعف عدد الدول المشاركة اليوم.

وذكر تقرير صادر عن شركة جلوبال ماركت إنسايتس “أن سوق طاقة الرياح البحرية قد بلغ 47.5 مليار دولار أمريكي في العام 2022” ويُتوقع أن يتجاوز معدل النمو السنوي المركب نسبة 16.2% ما بين العام 2023 و2032.

وتؤكد ريبيكا ويليامز، الرئيسة العالمية للرياح البحرية في مجلس طاقة الرياح العالمي، على أهمية الرياح البحرية وأنها ستكون محور نظام الطاقة في العالم بحلول العام 2050.

وتتميز الطاقة الناتجة عن الرياح البحرية بأنها خالية من الانبعاثات ولا تؤثر على الحياة البرية لأنها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة من اليابسة ولا يحيطها السكان، وبما أنها رياح بحرية فمن غير الممكن أن تشكل رياحًا مدمرة تؤثر على عمل التوربينات على اليابسة. ومن جهة أخرى، كلما زادت قوة الرياح وحركتها المنتظمة، زادت كميات الكهرباء الناتجة.

وتشمل فوائد محطات الرياح البحرية، إضافة للمزايا البيئية، إمكانية النمو الاقتصادي في هذا القطاع وتوفير ملايين الوظائف في العالم، كما يرى الخبراء.

العنوان: بلغ عدد الدول التي اعتمدت اتفاقية باريس في ديسمبر 2015 مئة وست وتسعين دولة الصورة أرناود بويسو

ولتحقيق الهدف الذي نص عليه اتفاق باريس للمناخ 2015 والمتمثل في وضع حد لارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة، يجب أن تصل الزيادة في إنتاج توربينات الرياح البحرية إلى أربعة أضعاف وفقًا لمجلس طاقة الرياح العالمي.

وفي هذا الصدد، قالت ريبيكا: “تحظى الرياح البحرية بمكانة مركزية في إطار الطموحات العالمية لتحقيق مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري، ويساهم في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمي بنسبة 1.5 درجة، ويتطلب ذلك إمكانات عالمية تتجاوز الـ (365) غيغا واط بحلول العام 2030”.

وقد وافقت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة على ذلك، مطالبة بالمزيد من النمو، للوصول إلى 2 تيرا واط بحلول العام 2050 لتحقيق هدف 1.5 درجة سيليزية. ومن ناحية ثانية، يشير حجم التطور في الوقت الحاضر إلى أن الإنتاج العالمي سيتمكن من تحقيق 66% فقط من هذا الهدف في العام 2030.

الجدير بالذكر أن الدول الغنية بالمصادر أيضًا تركز على إمكانات الرياح البحرية. ففي دولة الإمارات مثلًا، دخلت كل من شركة الطاقة المتجددة مصدر وشركة الإنشاءات البترولية الوطنية في العام 2022 للبحث في هذه التكنولوجيا.

وصرح محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي في مصدر، في الموقع الإلكتروني offshorewin.biz: “قد تلعب جهودنا المشتركة مع الاستفادة من الخبرات العالمية كل وفقًا لاختصاصه، دورًا محوريًا في تحقيق أهداف الطاقة النظيفة التي وضعتها دولة الإمارات ودعم مساعي الدولة في مجال الحياد الكربوني”.


وتمتلك مصدر حصة في محطة الرياح البحرية (هايويند سكوتلاند)، كما وقعت في العام 2022 اتفاقية مع شركة كوزمو إنيرجي تهدف من خلالها إلى البحث في المشاريع المتعلقة بالرياح البحرية في اليابان. وتعتبر هايويند أول محطة عائمة لطاقة الرياح البحرية في العالم.

وعلى الرغم من ذلك، توجد بعض المشكلات التي تواجه طاقة الرياح البحرية.

الصورة: شترستوك

يصعب بناء المحطات في المياه العميقة، حيث تتميز بارتفاع تكاليفها وصعوبة المحافظة عليها مع وجود بعض المخاطر التي تؤدي إلى تلفها نتيجة تعرضها للأمواج العالية والرياح القوية أثناء العواصف، كما يعني الوصول للهدف 2 تيرا واط إنفاق حوالي 500 مليار دولار أمريكي خلال هذا العقد و3 تريليون دولار أمريكي بحلول العام 2050، وذلك وفقًا لريبيكا ويليامز.

وتتميز الطاقة الناتجة عن الرياح البحرية بأنها خالية من الانبعاثات ولا تؤثر على الحياة البرية لأنها لا تحتاج إلى مساحات كبيرة من اليابسة ولا يحيطها السكان، وبما أنها رياح بحرية فمن غير الممكن أن تشكل رياحًا مدمرة تؤثر على عمل التوربينات على اليابسة. ومن جهة أخرى، كلما زادت قوة الرياح وحركتها المنتظمة، زادت كميات الكهرباء الناتجة.

ويجري في الوقت الحالي استخدام نوعين من التوربينات البحرية، المثبتة في قاع المحيط والعائمة كما هو الحال في محطة هايويند.

وتصل أعمق التوربينات المثبتة في قاع المحيط إلى عمق 57.4 مترًا، ويعني ذلك أنها يجب أن تكون أقرب إلى الشاطئ في المياه قليلة العمق.

ويمكن بناء التوربينات العائمة في مياه أكثر عمقًا، حيث تساهم تلك التوربينات الموجودة في المياه الأكثر عمقًا والشواطئ البعيدة بإنتاج كميات كبيرة من الطاقة لأنها تستفيد من الرياح العالية والمتواصلة، إضافة لعدم وجود حواجز بالقرب منها تعيق حركتها.

تستهلك التوربينات في المياه العميقة، والتي يبلغ طولها أكثر من 490 قدم، وقتًا كبيرًا للتخفيف من أثر التحديات التي تواجهها، كالأعاصير.

لذلك، قام فريق من الباحثين في جامعة كولورادو مؤخرًا ببحث الطرق الممكنة التي تساهم في الحد من تلك المشكلات، حيث تعاون الفريق في تصميم شفرة جديدة تقوم فكرتها على شجرة النخيل التي تتمتع بقدرة متميزة في التحكم بالعواصف القوية.

يستعين التصميم بمواد خفيفة والذي يمكن أن يخفض من التكلفة ويجعل الهيكل أقل عرضة للتلف في حالات الرياح القوية، كما تتيح إمكانية الحصول على توربين واحد كبير الحجم بدلًا من العديد من التوربينات الصغيرة، الأمر الذي سيقلل من تكاليف التركيب والمواد.

وتمكن الباحثون من أن يدوم تصميمهم لوقت أطول مقارنة بالتوربينات المتوفرة في الوقت الحاضر، حيث تستمر مدة فعالية تصميمهم إلى ما يقارب 20 عامًا.

تولي بعض الدول حماية التوربينات أهمية كبيرة، في حين تعاني دول أخرى من صعوبات كثيرة في تنفيذ المشاريع نتيجة للقوانين التي تضعها تلك الدول.


مثلًا دولة فيتنام، والتي تمتلك خط ساحلي طويل يزيد على 3,000 كيلو متر ورياح يمكن أن تصل إلى 10 أمتار في الثانية، تحظى بإمكانية أن تصبح رائدة في الرياح البحرية في منطقة جنوب شرق آسيا. ومن جهة أخرى، تشير التقديرات الواردة في دراسة للعام 2020 صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن عملية الانتقال من المرحلة الابتدائية من المشروع إلى العمليات الفعلية تحتاج إلى سبع سنوات، حيث تمثل الأعوام الخمسة الأولى مرحلة تطوير المشروع.

أضافت ريبيكا: “تحتاج العديد من الأسواق إلى بناء القطاع من البداية”.

وتتمثل أحد المعوقات الرئيسة التي تحول دون الحصول على الموافقات في عدم الإلمام بتأثيراتها على الحياة البحرية، فقد يساهم تطوير طاقة الرياح البحرية في توفير مورد غير محدود من الطاقة لكن تعتبر حماية المنظومات البيئية في المحيطات أمرًا في غاية الأهمية أيضًا.

تتضارب المعلومات في الوقت الراهن حول آثار محطات الرياح البحرية على الحياة البحرية. وتؤكد الدراسة التي قام بها فريق من تحالف الباسك للبحوث والتكنولوجيا عام 2022 على ضرورة توفر المزيد من المعلومات حول ذلك وأنه من الممكن فهم تلك الآثار جميعها في حال إجراء عدد كبير من الدراسات تشمل مناطق ذات مساحات كبيرة، لا سيما أن معظم المنشورات الحالية تغطي مساحات صغيرة وقريبة من الشاطئ ومحطات ذات عدد قليل من التوربينات. وتشير الدراسة أيضًا إلى أهمية مراقبة المنظومات البيئية وحمايتها.

الصورة: شترستوك

وتمثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة واحدة من المؤسسات التي تعمل لضمان حماية الحياة البحرية من التطور في مجال الرياح البحرية، حيث تساهم في تزويد مطوري الرياح البحرية ببحوث تركز على أثر الحياة البحرية والذي يمكن أن يعزز القرارات المتمحورة حول موقع بناء المحطة وعملية الإنشاء والتشغيل حال بدئها بالعمل.

يذكر أن ريبيكا ويليامز متفائلة حول مستقبل محطات الرياح البحرية العائمة والثابتة، حيث قالت: “يوجد مجموعة من التحديات اللازمة لتطوير هذا القطاع الضخم الذي يعتبر منارة أمل بالنسبة للتعاونات الدولية في مجال العمل المناخي. وتساهم المبادرات كمبادرة التحالف العالمي لطاقة رياح البحر التي أسسها كل من مجلس طاقة الرياح العالمي والوكالة الدولية للطاقة المتجددة وحكومة الدنمارك بهدف جمع الدول من كافة أنحاء العالم، لمشاركة الخبرات والمعارف التي تجعل من احتمالية توفير الطاقة النظيفة واقعًا فعليًا”.

تحفز الرياح القوية والمنتظمة، في المياه العميقة، التوربينات على إنتاج كميات كبيرة من الطاقة تفوق الكمية الناتجة عن رياح اليابسة والمناطق القريبة من الشواطئ.

ضيوف استثنائيون يزورون جامعة خليفة

استضافت جامعة خليفة مؤخرًا رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي وثلاثة أعضاء من طاقم المهمة العلمية “البعثة 69″، حيث شاركوا الحديث عن تجاربهم على متن محطة الفضاء الدولية مع مجموعة من المهندسين والباحثين العلماء والطلبة.

وأجاب روُّاد الفضاء الأربعة على العديد من الأسئلة واستمعوا إلى تعليقات وإشادات بالتجارب التي يتجاوز عددها 200 تجربة أجراها الفريق في جاذبية شديدة الضعف بتوجيه من مجموعة من العلماء الذين تولوا مهمات الإشراف بدءًا من كوكب الأرض.

أكد سلطان النيادي، والذي يُعَد أول رائد فضاء عربي وإماراتي تمكن من إكمال مهمة فضائية طويلة، أن التجربة كانت صعبة. وأوضح المهندس سلطان النيادي، الذي أصبح الآن بطلًا وطنيَّا، أنه تعرض للعديد من الضغوطات عند إجرائه البحوث للعلماء في الفضاء، مؤكدًا على أهمية مهامه التي قام بها.

لكن يتعين على رائد الفضاء في البداية أن يعتاد تحديات العمل في بيئة تكاد تنعدم فيها الجاذبية.

كان الأمر صعبًا في بدايته، حيث كنا نُثبِّت الأشياء على الطاولة باستخدام شريط فيلكرو اللاصق، لكن أحيانًا كنا ننسى بعض الأشياء على الطاولة دون تثبيت بحكم عدم اعتيادنا الأمر لتتطاير بعيدًا على نحو مفاجئ.


وذكر سلطان أيضًا أن أداء مهام معقدة كإدخال إبرة في قماش أثناء التحدث إلى العلماء على الأرض عبر سماعة كان أمرًا صعبًا. وقال: “كان من الممكن أن تتعرض التجربة للإخفاق ولكن لم أرغب بذلك، حيث تعاملت معها بالتدريج وبطريقة ممنهجة حتى أتقنتها في النهاية من دون مشاكل”.

وبحسب مركز محمد راشد للفضاء، فقد تضمنت التجارب علم الموائع ودراسة سلوكياتها في البيئة ذات الجاذبية الضعيفة والتقنيات التي قد تساهم في الاكتشافات المستقبلية لأعماق الفضاء.

ورافق سلطان النيادي في زيارته إلى جامعة خليفة زملاؤه في وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” وهم، رائد الفضاء وارين “وودي” هوبرغ والقائد سيرغي بروكوبييف ومهندس الطيران ديمتري بيتيلين. وقد بقي رائدا الفضاء بروكوبييف وبيتيلين على متن محطة الفضاء لمدة تجاوزت عامًا، حيث يشتبه بوجود قطعة من المخلفات الفضائية أدت إلى تعطيل كبسولة عودتهم لمدة 3 أشهر ليقضوا وقتًا أطول على متن محطة الفضاء الدولية بعد أن كان من المقرر أن تنتهي مهمتهم بعد ستة أشهر. وفي السياق، تعتبر جولتهم في الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية لمدة 371 يومًا مع الأميركي فرانك روبيو كان ثالث أطول مهمة فضائية في التاريخ.

إضافة لمشاركة رواد الفضاء تجاربهم وخبراتهم، قاموا أيضًا بزيارة مختبرات جامعة خليفة.

تحدث روُّاد الفضاء بشكل طريف عن رؤية الوجوه الجديدة التي وصلت إلى محطة الفضاء لإتمام النصف الثاني من العام، بينما تحدثوا بجدية عما تمثله محطة الفضاء الدولية بالنسبة لهم. وقال بروكوبييف: “تُعد محطة الفضاء الدولية مشروعًا للجنس البشري بأكمله ومثالًا فريدًا للتعاون الدولي”.

الصورة: التعريف بأعضاء هيئة كلمة الضيوف خلال زيارتهم جامعة خليفة الصورة: جامعة خليفة

وجرى عرض فيلم فيديو للأنشطة اليومية التي مارسها الضيوف الأربعة على متن محطة الفضاء الدولية. وتضمن الفيديو صورًا لما يبدو نظامًا مكثفًا للياقة البدنية لأن البقاء لفترة طويلة في بيئة ذات جاذبية ضعيفة قد يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية، وبالتالي ضعف كثافة العظام. لذا، فإن ممارسة التمارين الرياضية تخفف من حدة هذه المشاكل الصحية.

وقال النيادي أن طاقم المهمة كانوا يمارسون التمارين الرياضية لمدة ساعتين ونصف يوميًا. وتضمنت هذه التمارين تدريبًا للقلب والأوعية الدموية (للمحافظة على ضخ الدم في حدوده الدنيا) وتدريبًا للمقاومة. وأضاف: “عندما عُدنا، تبين لنا أننا لا نزال نحتفظ بالكتلة العضلية ولكن افتقدنا الاتزان اللازم للمارسة التمارين البدنية مجدَّدًا على الأرض والذي ساهم بدوره في تحقيق التعافي بعد الهبوط بشكل سريع”.


وتمكنا، بعد مشاريع البحث العلمي والحفاظ على اللياقة البدنية، من إيجاد وقت للتسلية والتواصل بيننا.

وذكر النيادي في مقابلة مع جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا أن هوبرغ وبروكوبييف كانا يستمتعان بممارسة لعبة الشطرنج وقاما بطباعة إحدى قطع اللعبة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك بعد أن عامت القطعة الأصلية في الفضاء ولم يتمكنوا من العثور عليها مُجدّدًا.

يذكر أن أفراد الطاقم أجمعوا على أن الدرس الأهم في هذه الرحلة هو الصداقة الدائمة، حيث قال هوبرغ: “نعتبر سلطان النيادي أخًا وصديقًا مدى الحياة”.