الدور الفعال للتمويل البحثي

ساهم انتشار جائحة كوفيد-19 في العام 2020 في زيادة الحاجة إلى دعم المالي

وفقًا لمؤسسة “ديفكس”، المنصة الإعلامية المتخصصة بأعمال التطوير العالمية ومقرها واشنطن العاصمة، تم تحقيق استثمارات بقيمة 291.2 مليار دولار أمريكي عالميًا من خلال 1,489 برنامج و1,204 منحة مالية، حيث لم يتم إنفاق هذه الأموال على بحوث الرعاية الصحية وإنما تخصيص نسبة 86% من برامج التمويل بأهدافها الاقتصادية فيما عدا نسبة 3.1 % المخصصة بشكل واضح لأهداف صحية ونسبة 0.8% التي خُصصت للقاحات والعلاجات.

وقد تم على الرغم من ذلك استكمال بحوث الرعاية الصحية المتعلقة بالفيروس وخلال 9 أشهر تم إنتاج لقاحين، حيث يحتاج البحث والتطوير في مثل هذه الحالات إلى استثمارات كبيرة.

وقال الدكتور بافن سامبات، الأستاذ المشارك في قسم إدارة السياسة الصحية في جامعة كولومبيا: “يعتبر فهم جميع ما تم القيام به والأشخاص الذين قاموا بذلك أمرًا صعبًا نظرًا لعدم وجود قواعد بيانات مكتملة في مجال البحث والتطوير العالمي، فبعض المصادر مسجلة كحقوق ملكية وفي العديد من الحالات لا يتسم تمويلها بالشفافية.

ولكن، تبين البيانات التي جمعناها الصورة المنتظمة لدعم القطاع العام للبحث والتطوير والإنتاج”.

وقد توصل بحث الدكتور بافن إلى أن أكبر نسبة تمويل جاءت كاستجابة للفيروس كانت من الحكومة الأمريكية التي أنفقت ما يقارب 15 مليار دولار أمريكي من أصل 4 تريليون دولار أمريكي مخصصة لمواجهة كوفيد-19 وبالتحديد تم منحها للبحث والتطوير لإيجاد اللقاحات والعلاجات. وبدأت الجهود العالمية بالبحوث لإيجاد اللقاحات والعلاجات وقام الممول الأكبر في العالم للبحوث الطبية الحيوية وهو (المعاهد الوطنية للصحة) باتخاذ الخطوات اللازمة لتنسيق جهود الباحثين المحليين والدوليين بهدف التركيز على البحوث الواعدة والمبشرة وتفادي تكرار البحوث.

وأضاف بافن: “ساهمت بعض الجهات العالمية الأخرى بتقديم الدعم المالي للعلاجات واللقاحات، حيث ساهم الاتحاد الأوروبي بتوفير تمويل مقدم من بنك الاستثمار الأوروبي من خلال مساهمات الدول الأعضاء المتمثلة بكل من فرنسا وألمانيا اللتين قاما بتمويل البحوث، في حين لم ترد أي معلومات من الصين وروسيا اللتين قامتا باستثمارات كبيرة في البحث والتطوير نجم عنها إنتاج 7 لقاحات من أصل 14 لقاح في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية”

ساهم انتشار جائحة كوفيد-19 في دور الأعمال الخيرية

ولعبت مؤسسات الأعمال الخيرية دورًا بارزًا في الاستجابة لفيروس كوفيد-19 الذي قاموا بالتبرع لتطوير اللقاحات والعلاجات، كما ساهموا في عملية تنسيق وتسهيل التوسع في ذلك على نطاق عالمي. قال الدكتور بافن: “ساهمت مؤسسة كارلوس سليم في أمريكا اللاتينية بدعم تصنيع لقاحات أوكسفورد وأسترا زينيكا اللازمة في حالات الخطر في الأرجنتين والمكسيك”.

يمكن تعريف عقود حالات الخطر بأنها الالتزامات السوقية المسبقة، أي الوعود التي تم الاتفاق عليها لشراء المنتج والتي تتيح للمصنعين رفع نسبة التمويل بهدف بناء المنشآت اللازمة وتوظيف القوى العاملة الضرورية لحالات الإنتاج الطارئة. يتضمن تصنيع اللقاحات جانبًا تنظيميًا، حيث لاتزال لقاحات أسترازينيكا وأكسفورد تنتظر الموافقة، بمعنى أن المصنعين يقومون بتصنيع كميات كبيرة من الجرعات دون أن يتأكدوا من اجتيازهم الرقابة التنظيمية، وذلك يشكل مجازفة كبيرة.

استجابة سريعة؟

قال الدكتور تنغلونغ داي، أستاذ إدارة العمليات وتحليل الأعمال في جامعة جون هوبكنز: “تمكنت جائحة كوفيد-19 من اختبار قدرة المعاهد الوطنية للصحة في تمويل البحوث الحيوية لإيجاد الإجابات عن الأسئلة البحثية التي تؤثر بشكل ملحوظ على الصحة العامة وتتطلب وضوحًا علميًا طارئًا. ويركز بحث الدكتور تنغلونغ على منظومة الرعاية الصحية وإدارة عمليات الرعاية الصحية، كما تناول مسألة التمويل المقدم من المعاهد الوطنية للصحة لصالح البحوث المتمحورة حول كوفيد-19 ولاحظ أن ما نسبته 2% من المشاريع التي مولتها تلك المعاهد لا تمت بصلة ببحوث كوفيد-19 في العام 2020.

وأضاف تنغلونغ: “شكّلت بحوث كوفيد-19 في العام 2020 نسبة 5.3% من الميزانية السنوية للمعاهد الوطنية الصحية والتي بلغت 41.7 مليار دولار.

وفي الشهور الثلاثة الأولى للجائحة العالمية، تم منح بحوث كوفيد-19 ما مجموعه ست منح مالية، إضافة لإنفاق المعاهد الوطنية للصحة على بحوث كوفيد-19 بنسبة 0.1% من ميزانيتها السنوية، حيث ارتفعت هذه النسبة في نهاية العام 2020 لتصبح 5.3%”.

ولاحظ الدكتور تنغلونغ وزملاؤه الباحثون أن التعليم والبنية التحتية حظيا بدعم مالي بلغ نسبة 55.9% من الدعم المالي المقدم من المعاهد الوطنية للصحة لفيروس كوفيد-19، ولكن لاتزال العديد من الأسئلة التي تدور حول انتقال العدوى غير واضحة، مما أدى إلى ظهور مجموعة من التحديات التي تتطلب وضع القرارات القائمة على الأدلة والتي أثرت بطبيعة استجابة الأفراد لكوفيد-19 من خلال اتباع بعض الإجراءات كفرض ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي.

وأشار الباحثون كذلك إلى أن نقص التمويل السريع للبحوث السريرية الرامية لفهم انتشار الفيروس قد ساهم في تسييسه.

قال الدكتور تنغلونغ: “تشمل بعض أهم الأسئلة الأساسية التي سئل عنها المتخصصون الطبيون في بداية العام 2020 السؤال عن آلية انتشار الفيروس ومدى الحماية التي توفرها الكمامات للأفراد، ولكن لم تتم الإجابة عنها.

وبذلك، تمكنت الآراء السياسية من ملء ذلك الفراغ في غياب الإجابات التي تستند على أدلة واضحة.

وتتمتع المعاهد الوطنية للصحة، ذراع الحكومة الاتحادية الأكبر في مجال تمويل البحوث، بروح المسؤولية تجاه تمويل البحوث التي تعالج التضليل بالمعلومات من خلال الأدلة، حيث يتعين على منظومة الرعاية الصحية المرنة التركيز على تقديم المنح المالية التي تساهم في سد الثغرات الأساسية في المعرفة في أوقات الأزمات”.

ويرى تنغلونغ أنه يجب على المعاهد الوطنية للصحة أن تطور الآليات التي توفر التمويل السريع للقضايا العلمية المجهولة والمرتبطة بحالات الطوارئ الصحية المفاجئة واسعة النطاق، حيث قال: “تعتبر البحوث الطبية الرامية إلى تطوير التوصيات القائمة على الأدلة أمرًا في غاية الأهمية للسياسة العامة وتساهم في تعزيز ثقة الأفراد في الجانب الطبي خلال الجائحة”.

الاستعداد ووضع الأهداف للمنح المالية

تشير النصائح الرسمية التي تقترحها المعاهد الوطنية للصحة إلى أنه يجب البدء بالتخطيط للمنحة المالية قبل 9 أشهر من نهاية الموعد الموعد للمنحة، الأمر الذي يعتبر في أفضل الظروف أمرًا غير فعال، لكن قد يساهم عدم استباق الأمور في وقت الأزمات في حدوث العديد من التحديات في مجال توفير المنح.

أسس كل من باتريك كولينسن، الرئيس التنفيذي لشركة سترايب وتيلر كوين، الخبير الاقتصادي في جامعة جورج ميسون شركة “فاست غرانتس” كاستجابة للأزمات من خلال تمويل البحوث. أصدرت شركة فاست غرانتس دعوة في 7 أبريل 2020 لتقديم طلبات المنح المالية وجاء هذا القرار خلال مدة 48 ساعة لتتمكن الشركة بشكل سريع بتوفير منح مالية وصلت لـ 12 مليون دولار أمريكي في أقل من أسبوع، حيث كان معيار الأهلية لتقديم الطلبات بسيطًا وهو أن يكون مقدمو الطلبات باحثين بارزين في أي مؤسسة أكاديمية ويعملون في الوقت الراهن على مشروع بحثي في مجال جائحة كوفيد-19 خلال الستة أشهر القادمة وبحاجة لتمويل إضافي لاستكمال مشاريعهم.

ساهمت شركة فاست غرانتس في الأسبوع الأول بتقديم أكثر من 130 منحة مالية بشكل سريع جدًا، ذلك لأن عملية تقديم طلب المنح تتم في أقل من 30 دقيقة واتخاذ القرار يستغرق يومين فقط، حيث أن تيلر كوين هو من يصدر قراراته الأخيرة بشأن توزيع الأموال. ساهمت جميع تلك العوامل في وجود آلاف المشاريع التي تنتظر المال، لا سيما وأن أصحاب رؤوس الأموال الذي يدعمون فاست غرانتس لم يتوانوا عن زيادة ضخ المال في الشركة عند سماعهم لدعوتها الثانية في 12 يوليو 2020.

أوقفت الشركة بعد ذلك تقديم الطلبات نظرًا لاستقبال عدد كبير جدًا من الطلبات المؤهلة، وذلك وفقًا للموقع الإلكتروني لشركة فاست غرانتس، ولكن بدءًا من العام 2022 ساهمت الشركة بتقديم أكثر من 40 مليون دولار أمريكي لبحوث كوفيد-19 التي يمكن إكمالها خلال ستة أشهر.

نتائج سريعة

قد يكون تلقي الأموال سريع جدًا مقارنة بمؤسسات التمويل التقليدية، لكن ما طمحت إليه فاست غرانتس في المقابل هو الحصول على نتائج بأسرع وقت ممكن. ووفقًا لما ورد في موقع الشركة الإلكتروني: “تركز أكثر جهات التمويل على دعم المشاريع التي تستغرق وقتًا طويلًا. وفي ضوء الخسائر التي سببتها جائحة كوفيد-19 للإنسان، تعتبر السرعة معيارًا بالغ الأهمية”.

تم إكمال العديد من المشاريع التي ساهمت بشكل ملحوظ في التصدي للجائحة العالمية. وفي هذا الصدد، تعاون كل من واتارو أكاتا من جامعة كيوتو وإريك ستيبنس من مركز البحوث الألماني للسرطان في تطوير اللقاحات وقامت كارولين بيرتوزي من جامعة ستانفورد بتحديد العلامات الحيوية التنبؤية للإصابة بفيروس كوفيد-19 وقام ستيفين مارك فريدمان من جامعة تورنتو بدراسة اللعاب لفحص سارس-كوف-2، كما قام ألين تاونسند من جامعة أكسفورد ببحث الأجسام المضادة لبروتين الفيروس.

IMAGE:مكتبة الكونغرس الامريكي
لجنة بحوث الدفاع الوطني

تأسست: 27 يونيو 1940 Read more›››

حُلّت في: 28 يونيو 1941

الدور: تنسيق، إشراف، إجراء بحوث علمية.

إنجازات: وفرت 6.5 مليون دولار للبحوث العلمية.
‹‹‹ Read less

وفي السياق، استمد كل من باتريك كولينسن وتيلر كوين آلية التمويل هذه من آلية سابقة تم اعتمادها أيام الحرب العالمية الثانية.

وتعد لجنة بحوث الدفاع الوطني مؤسسة تم تأسيسها في العام 1940 بهدف إجراء البحوث العلمية وتنسيقها والإشراف عليها في مجال المشكلات التي يقوم علاجها على إنتاج آليات الحرب وأجهزتها وتطويرها والاستفادة منها في الولايات المتحدة. ساهمت هذه اللجنة خلال 12 شهرًا بتمويل البحوث في بعض أهم التكنولوجيات المستخدمة في الحرب العالمية الثانية والتي تشمل الرادارات والقنابل الذرية وأصبحت في العام 1941 مكتبًا للبحوث العلمية والتطوير، حيث ساهمت خلال السنة الأولى من تأسيسها بتمويل البحوث العلمية بقيمة وصلت لـ 6.5 مليون دولار أمريكي، إلى أن تم وقف عملها في العام 1947.

وذكر فانيفار بوش في مذكراته، قائد المشروع في العام 1940: “تمكنت لجنة بحوث الدفاع الوطني، خلال أسبوع، من مراجعة المشروع. وفي اليوم التالي، تمكن المدير من تفويض المهام وقام مكتب العمل بإرسال رسالة النية للبدء في العمل الفعلي”.

ووضعت اللجنة جُلّ اهتمامها في تمويل البحوث المتعلقة بالرادارات وأجهزة الاستشعار، ولكن من أهم المشاريع التي أيضًا التي ركزت عليها هو “مشروع مانهاتن” الذي تطلب جهودًا كبيرة لإنتاج الأسلحة النووية دون الحاجة لدعم مالي من الجيش الأمريكي وإنما حظي بكل الدعم من لجنة بحوث الدفاع الوطني.

يتضح من ذلك أن الوقت كان عنصرًا جوهريًا في الصراع العالمي، وفي حالة جائحة كوفيد-19العالمية التي لعب الوقت في بداياتها دورًا محوريًا، كما شكل الوقت عنصرًا هامًا في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية .

الحاجة إلى السرعة

يعتبر عنصر الوقت عاملًا هامًا في المرحلة الأولى من انتشار الجائحة، حيث يمكن الاستفادة منه من خلال جمع الأموال للباحثين لإنقاذ حياة الملايين من سكان العالم. وفي هذا الإطار، يشير الباحثون من جامعة كولومبيا إلى أن الولايات المتحدة قامت بتطبيق التباعد الاجتماعي مبكرًا، الأمر الذي أنقذ حياة 36,000 فردًا في مايو 2020.

وكتب الدكتور جيفري شامان، خبير الأوبئة في جامعة كولمبيا في ورقته البحثية التي تم نشرها في العام 2020: “لاحظنا في المناطق الحضرية الرئيسة انخفاض ملحوظ في انتشار عدوى الفيروس عندما تم تطبيق التباعد الاجتماعي وغيره من الإجراءات الاحترازية. وتدل تجارب المحاكاة التي أجريناها على أن هذه الإجراءات الاحترازية نفسها تم فرضها في مرحلة مبكرة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين قبل انتشار الفيروس بشكل كبير، وهو ما ساهم في تفادي زيادة عدد الحالات والوفيات. ويسلط انخفاض معدلات حالات الإصابة والوفيات، الناجم عن تنفيذ الإجراءات الاحترازية في الوقت المناسب، الضوء على الاستجابة المبكرة لجائحة كوفيد-19”.

لم تكن استجابة الولايات المتحدة ملائمة بشكل كلي، لذلك تم تأسيس برنامج أُطلق عليه اسم “العمليات فائقة السرعة” ويهدف إلى تسريع عمليات تطوير لقاحات كوفيد-19 والعلاجات وأدوات التشخيص وتصنيعها وتوزيعها، حيث تمكن البرنامج من تعزيز إنتاج كميات كبيرة من اللقاحات المتنوعة والعديد من أنواع تكنولوجيات اللقاح، مما يتيح عمليات التوزيع بشكل أسرع في حال أثبتت التجارب السريرية فعالية أحد اللقاحات ودرجة سلامتها.

وأخذت الخطة بعين الاعتبار عدم فعالية بعض اللقاحات وعدم سلامتها، الأمر الذي ساهم في ارتفاع تكاليف عمليات البرنامج بشكل أكبر من عمليات تطوير اللقاحات التقليدية للخروج فيما بعد بلقاح فعال قبل أشهر من الجداول الزمنية التقليدية.

وضع برنامج العمليات فائقة السرعة في يناير 2021 ميزانية بقيمة 18 مليار دولار أمريكي للاستفادة منها في تمويل 5 من أصل 16 لقاح لفيروس سارس-كوف-2 في جميع أنحاء العالم في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد استثمرت مبالغ كبيرة من الأموال في المشكلة لتقوم بالمقابل بإنتاج لقاحي موديرنا وفايزر/بيونتك.

الجدير بالذكر أن الكونغرس الأمريكي هو من أصدر قرار بتكليف المعاهد الوطنية للصحة بإنفاق أموالها على بحوث كوفيد-19 خلال إطار زمني يمتد لحوالي 5 سنوات، مما يعزز المزيد من التخطيط وتوفير البحوث طويلة الأمد ويلغي الحاجة لإحداث تغيير كبير في عمليات التمويل.

وبوجود مبادرات أخرى كبرنامج “العمليات فائقة السرعة”، لم تحتج المعاهد الوطنية للصحة إلى تغيير طريقتها في التمويل لا سيما بعد ضخ مليارات الدولارات في التعاونات مع القطاعات الحكومية والخاصة.

عندما يتعاون القطاعان الحكومي والخاص مع بعضهما

عانت حكومات الدول في جميع أنحاء العالم خلال استجابتها لكوفيد-19، إلا أن العلماء والباحثين تمكنوا من الاستفادة من معظم المصادر للتصدي للجائحة.

تم عقد الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص خلال أسابيع قليلة، وتشمل هذه الشراكات التعاونية جهات حكومية ومؤسسات حكومية دولية كمنظمة الصحة العالمية التي تمثل جميعها القطاع الحكومي وضم القطاع الخاص الجامعات والمعاهد البحثية وشركات الأدوية التجارية والمتخصصين، حيث ساهمت هذه الشراكات في تكامل الخبرات وجمعها.

من جانبه، قال الدكتور فيجاي بيريرا، الأستاذ المشارك في العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة: ” لقد شهدنا التشكيل السريع للشراكات الحكومية الخاصة بهدف تطوير اللقاحات الجديدة لفيروس كورونا المستجد، حيث قدم القطاع الخاص الدعم المالي واستفاد من قاعدة المعرفة لدى الشركاء من المؤسسات الأكاديمية والحكومية ومؤسسات القطاع الخاص بهدف حشد جهودهم تجاه تحقيق الهدف المشترك”.

وتتمتع الشراكات ما بين القطاع الأكاديمي والقطاع الصناعي بتميزها، حيث تحتاج العديد من المشكلات الاجتماعية إلى الحلول التكنولوجية ويسعى القطاع الصناعي إلى تقديم الأموال للحصول على هذه الحلول. ويمكن للباحثين الذين تتماشى تخصصاتهم مع توجهات القطاع الحكومي أن يساهموا في حل المشكلات ليقوم القطاع الصناعي بنشر هذه الحلول بين الأفراد.

وتهدف مؤسسات القطاع الصناعي إلى إنفاق الأموال للحصول على المزيد من الأموال، لذلك تسعى مؤسسات القطاع إلى الإنفاق على البحوث التي تعود عليها بالمزيد من الأموال.

ويمكن الاستفادة من ذلك في وقت الأزمات كجائحة كوفيد-19 ومشكلة تغير المناخ المتزايدة اللتان تعتبران خطرًا مركزيًا يهدد ازدهار الإنسان وصحته.ودعا ذلك الباحثين إلى اعتبار أن جميع العلوم التي لا تتوافق مع متطلبات القطاع الصناعي تشكل خسارة، خاصة أنه من الصعب الحصول على تمويل من جهة حكومية ولا يمكن الحصول على المال بمجرد البحث في التساؤلات العلمية الخفية.

تقوم مؤسسات القطاع الصناعي بتمويل العلوم التطبيقية القائمة على تطوير الحلول فقط وليس غيرها من أنواع العلوم التي لا تتطلب التطبيق.

فيجاي بيريرا أستاذ مشارك في العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة

وعلى صعيد آخر، تقوم مؤسسات القطاع الصناعي بتمويل العلوم التطبيقية القائمة على تطوير الحلول فقط وليس غيرها من أنواع العلوم التي لا تتطلب التطبيق. فهل يمكن الاستفادة من البحث والتعمق في التساؤلات العلمية الخفية للحصول على لقاح (إم آر إن إيه)؟ يعتبر تحويل البحوث العلمية النظرية إلى أموال مشكلة أساسية في هذا السياق.

فإذا لم تكن عالمًا بحثيًا من أصحاب المليارات ستحتاج إلى تمويل خارجي للعمل في المشروع، وهذا يتطلب منك ومن أعضاء فريقك البحثي تقديم العروض للحصول على تمويل تشمل كتابة وثائق مطولة حول مشروعك وأفكارك والذي سيأخذ شهورًا عديدة للمراجعة والعمليات الإدارية، وفي حال الحصول على التمويل اللازم ستُمنح المشاريع مدة زمنية محددة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات.

ويعتمد منح التمويل للمشروع البحثي المقترح على مدى تقارب أهداف الباحث وانسجامها مع أولويات الشركات المانحة. وقد جسدت جائحة كوفيد-19 أفضل الأمثلة على أولوية التطبيق الفوري للعلوم والتحول الجذري في طريقة تمويل البحوث.

التعافي من جائحة كوفيد-19

تم توظيف جميع الأموال في بحوث كوفيد-19 خلال السنوات القليلة الماضية، وفي العديد من الحالات تم تجاهل المشاريع الأخرى بهدف التركيز على مشاريع الأزمات الطارئة.

وفي السياق، ساهم المعهد الوطني لبحوث الرعاية الصحية في المملكة المتحدة بدعم البحوث المتعلقة بكوفيد-19 إلى جانب مؤسسة البحث والابتكار في المملكة المتحدة، وهي هيئة حكومية غير إدارية تحظى برعاية وزارة التجارة والطاقة والاستراتيجية الصناعية، وعلى الرغم من أنها هيئة حكومية إلا أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوزارة التي تشرف على الأعمال التجارية والصناعية في المملكة المتحدة.

وفي نفس الوقت، يقع المعهد الوطني لبحوث الرعاية الصحية تحت مظلة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، ما يعني أن نتائج البحوث التي تمولها تذهب لصالح الأطباء والممرضين في الخدمات الصحية الوطنية للحد من انتشار كوفيد-19 وعلاجه.

وورد في الموقع الإلكتروني للمعهد الوطني لبحوث الرعاية الصحية: “في ظل استئناف إطار عمل المعهد الوطني لبحوث الرعاية الصحية، لا تزال بحوث الصحة العامة الطارئة والمتعلقة بكوفيد19 أولويتنا الأولى. ومن جهة أخرى، أدركنا أهمية الاستثمار في البحوث طويلة الأمد”.ويعد استكشاف الدروس المستفادة خلال فترة الجائحة جزءًا من البحوث طويلة الأمد، ويشمل ذلك آلية إدارة استعادة البحوث في حالات أخرى.

وذكر الموقع أيضًا: “ساهمت الجائحة في انخفاض معدل إنتاج البحوث المتمحورة حول الظروف الأخرى، لكن على الرغم من ذلك تمكنا من المحافظة على تنوع ملفنا وفعاليته”.تأثرت البحوث بشكل كبير بانخفاض القدرات والخدمات الصحية المصاحبة، إلا أنها في نفس الوقت واصلت مساراتها في العديد من الحالات الأخرى.

وفي ديسمبر من العام 2020، أعلن مركز بحوث السرطان في المملكة المتحدة عن انخفاض في ميزانية البحوث بقيمة بغلت 45 مليون باوند، علمًا بأن المركز مسؤول عمّا يقارب نصف البحوث الممولة في السرطان في المملكة المتحدة. ومن ناحية أخرى، تنبأت جمعية السرطان الكندية بأن الجائحة ستكلف 100 مليون دولار كندي، في حين لاحظت جمعية السرطان الأمريكية انخفاض في قيمة العائدات وصل إلى حوالي 200 مليون دولار أمريكي.

وتنبأت جمعية البحوث الطبية الخيرية بأن ضخ الأموال في قطاع البحوث يحتاج لأكثر من 4 سنوات ليعود إلى المستويات التي كان عليها قبل بدء الجائحة، كما يحتاج لعشر سنوات لإعادة بناء إمكاناته وفعاليته التي فقدها.

وعلى صعيد آخر، انخفضت نسبة تركيز المعاهد الوطنية للصحة على تمويل المشاريع المتعلقة بفيروس كوفيد-19، إلا أنها على من ذلك لم تقطع دعمها المالي لبحوث السرطان. وبمعنى آخر، واصلت تلك المعاهد تمويل بحوث الرعاية الصحية الأخرى التي لا تقل أهمية عن الوباء خلال فترة الجائحة، كما لم يتم تجاهل الأمراض الأخرى وغيرها من مشاكل الرعاية الصحية مع ظهور كوفيد-19.

الجدير بالذكر أنه تم إيقاف مجموعة كبيرة من بحوث الرعاية الصحية ليس بسبب نقص التمويل بل لأسباب تتعلق بالسلامة، وقال نائب مستشار جامعة كامبريدج: “سيتم إيقاف جميع البحوث التي يتم إجراؤها في الجامعة باستثناء المتعلق منها بفيروس كوفيد-19”. وتم أيضًا الإيعاز بإيقاف جميع التجارب السريرية في جميع أنحاء العالم وعدم السماح للمرضى بزيارة المستشفيات إلا للضرورة القصوى بهدف الحفاظ على سلامتهم، كما استدعت الحاجة وجود الكوادر الطبية في مناطق مختلفة لتقديم الدعم في الرعاية الصحية للمصابين بفيروس كوفيد-19، الأمر الذي ترتب عليه تأخر في إيجاد العلاجات المناسبة للأمراض الخطيرة الأخرى. ولايزال الهدف في استعادة هذه المشاريع لحالتها الطبيعية قبل الجائحة أمرًا لابد من دراسته والتركيز عليه.

وتؤكد المقاييس قصيرة الأمد على أثرها طويل الأمد، حيث ساهم انخفاض معدل تمويل مشاريع البحوث التي لا ترتبط بكوفيد-19 بوقف عمل الباحثين من أصحاب الكفاءة الذين أصبحوا بلا وظيفة، كما ساهم إغلاق المختبرات بعدم إكمال المشاريع في مواعيدها النهائية ونفاذ المنح المالية وعدم التمكن من دفع أجور أعضاء المختبرات، إضافة للتدهور الاقتصادي طويل الأمد كنتيجة للجائحة وانخفاض مستوى التبرعات التي شهدتها جمعيات السرطان الخيرية، والذي ساهم جميعه في إضعاف الاقتصاد.

وقام العديد من أكبر ممولي البحوث في العالم بالتعديل على سياسات التمويل لديهم كاستجابة للجائحة، لكن هذه التغييرات لم تعد تتمكن من المحافظة على جميع المشاريع.

مستقبل التمويل

سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على بحوث الرعاية الصحية ومسارات التمويل الخاصة بها، ويمكن لبحوث القطاع الأكاديمي أن تستفيد من إعادة الهيكلة للتمكن من التعامل مع التحديات العالمية التي تتطلب حلولًا سريعة.

وقال الدكتور تنغلونغ، الأستاذ في جامعة جون هوبكنز والخبير في قضايا تمويل بحوث كوفيد-19: “كشفت نتائجنا عن أخطاء أساسية في عمليات تمويل البحوث المتعلقة ببحوث الصحة العامة في الولايات المتحدة. وتعتبر الاستجابة البحثية بنية تحتية تتيح التعلم السريع العاجل في الوقت الفعلي فيما يخص الممارسة السريرية ومقاييس الصحة العامة وإدارة المفاهيم، وهي بعد في غاية الأهمية لتحقيق المرونة في مجال الرعاية الصحية”.

وأضاف: “تتطلب البنية التحتية البحثية مستقبلًا أن تكون مرنة وقابلة للتوسع بشكل سريع خلال وقت الأزمات لتحقيق الفهم الشامل للآثار والحلول. ومن جهة أخرى، يجب على البحوث الأخرى التي لا ترتبط بالأزمات أن لا تتوقف بل يتم استكمالها ببحوث الأزمات للحد من حدوث أي اختلالات في أولويات الرعاية الصحية والصحة العامة الأخرى، كما يجب تمويل البحوث المتعلقة بانتشار أي فيروسات جديدة أخرى قبل ظهورها لنكون على استعداد أفضل لأزمة جديدة”.

وتعتبر الاستجابة البحثية بنية تحتية تتيح التعلم السريع العاجل في الوقت الفعلي فيما يخص الممارسة السريرية ومقاييس الصحة العامة وإدارة المفاهيم.

تنغلونغ داي

وقال الدكتور بافن من جامعة كولمبيا: “يمثل نظام ابتكار كوفيد-19 انتقالة نوعية من العمل المعتاد. وفي ضوء التقدم المحرز اليوم والمتعلق بتطوير اللقاح، يتبادر السؤال بمدى فعالية هذا النموذج في أوقات الأزمات الأخرى ومدى إمكانية دمج سياسة الابتكار الطبي الحيوي ببعض عناصر نموذج كوفيد-19”.

يمكننا جميعًا، في أعقاب الجائحة، أن نمعن التفكير في الجوانب الصحيحة وجوانب الخلل، حيث ساهم تمويل العلماء الباحثين في تعزيز آلية التعامل مع الأخطار الصحية العالمية بشكل ملحوظ، إلا أن الحجم الكبير لطلبات المنح المالية أثبت أهمية دور العلوم الفعال في أوقات الحاجة.

وفي سياق متصل، لعبت الحاجة إلى إجابات سريعة للأسئلة الملحة دورًا محوريًا في إلقاء الضوء على ثقل العبء الذي فرضته عمليات التقديم للمنح المالية للحصول على تمويل، حيث أن الجائحة أوقفت المشاريع البحثية وأثرت بشكل كبير على وظائف الباحثين، لاسيما من هم في مراحل مبتدئة.

وأضاف الدكتور بافن: “يتطلب تطبيق نموذج كوفيد-19 خارج نطاق الجائحة المزيد من التمويل للبحوث وللتجارب السريرية والتطوير والتصنيع. وأكدت الجائحة على أن فعالية سياسة البحوث الطبية الحيوية لا تنتهي عند إنتاج الأدوية واللقاحات وحدها”.

لتكن هذه آخر جائحة

سمعنا الكثير من الأفراد في بداية جائحة كوفيد-19، من بينهم بيل غيتس، يقولون “ألم أقل لكم؟”. ففي العام 2015، حذر بيل غيتس من حدوث جائحة وأن العالم غير مستعد لذلك.

يقول بيل غيتس في كتابه الذي يحمل اسم “كيف نمنع الجائحة المقبلة”، والذي أصدره بعد مرور سبع سنين من تنبؤاته وبعد عامين على ظهور الجائحة: “تعتبر الأمراض المعدية أمرًا حتميًا لكن انتشار الجوائح اختياري”. ويدعو ذلك للوهلة الأولى إلى التفاؤل، ولكن كيف يمكن أن نحتوي تفشي الأمراض المعدية في عالم متداخل ومترابط بشكل منطقي وأخلاقي؟

يوافق الخبراء بيل غيتس في آرائه.


وفقًا للجنة المستقلة المعنية بالتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها في منظمة الصحة العالمية، تعتبر جائحة كوفيد-19 دليلًا على مدى الضعف الذي يشهده عالمنا، حيث صرحت اللجنة في تقرير لها صدر في 2021:

“كشف تفحصنا الدقيق في الأدلة عن وجود إخفاقات وفجوات في الاستجابة للجائحة على المستويين المحلي والدولي يجب تصحيحها، حيث لم تنجح مؤسسات القطاعين العام والخاص في حماية السكان من الجائحة المدمرة. وإذا لم يحدث أي تغيير، لن يتمكنوا من منع انتشار جائحة أخرى مستقبلًا. لذلك، توصي اللجنة بإجراء تحول جذري لنظام جديد يتمتع بكامل الجاهزية للجائحة وإن لم ننجح بالعمل على هذا الهدف بشكل جاد، سنحكم على العالم بحدوث كوارث متتالية”.

لم تنجح مؤسسات القطاعين العام والخاص في حماية السكان من الجائحة المدمرة.

الجنة المستقلة المعنية بالتأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها في منظمة الصحة العالمية


قال بيل غيتس في كتابه: “لا أحد يريد أن يمر في هذه التجربة مرة أخرى ولا ينبغي علينا ذلك. وسيكون فيروس كوفيد-19 الجائحة الأخيرة في العالم، إذا قمنا باستثمارات هامة تحقق الفائدة للجميع”.

وتشمل الاستثمارات الهامة توفير أدوات أفضل كاللقاحات وتحسين رصد الأمراض وتقوية الأنظمة الصحية. ودعا بيل غيتس إلى تأسيس فريق استجابة عالمي للأوبئة والتعبئة والذي يمكنه السيطرة على انتشار الأمراض المعدية بسرعة فائقة وكفاءة عالية.

يعتبر البعض أن هذه الاستثمارات في طور التحضير، فمثلًا، يساهم رصد مياه الصرف في تتبع انتشار الأوبئة في المجتمع وأثبتت تكنولوجيا لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (إم آر إن إيه) فعاليتها بنجاح، كما ساهمت الأدوات الصحية الممكن ارتداؤها وخدمات الرعاية الصحية عن بعد في تغيير طريقة التفاعل مع أنظمة الرعاية الصحية.

تحتاج الاستثمارات الأخرى إلى مزيد من الجهود. وفي هذا السياق، يدعو بيل غيتس إلى توفير البيانات في الوقت الفعلي وعدم تجاهل قوانين حماية البيانات وتردّي الأنظمة والاعتبارات الأخلاقية. إضافة لذلك، ينبغي تنفيذ مجموعة التغييرات في جميع أنحاء العالم ولا يقتصر ذلك على الدول القادرة اقتصاديًا.

تستحق مطالب بيل غيتس المتمثلة برصد الأمراض والاستجابة لها الإشادة والتقدير، لكن تنسيق الجهود العالمية في الوقت الحالي هو أمر غير واقعي. وبما أن الجوائح تتخطى حدود الدول، تحتاج الدول للعمل والتعاون مع بعضها في الاستثمارات الجماعية ووضع استراتيجيات اتصال فعالة، حيث أثبتت جائحة كوفيد-19 أن بعض الأماكن تفتقد للجاهزية في التصدي للجوائح نتيجة العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.


وأشار الدكتور إيشاني كاندبال، خبير اقتصادي أول في فريق البحث والتطوير التابع للبنك الدولي، إلى ضرورة حشد الجهود للاستعداد للجائحة وتركيزها على العلاقة التي تربط ما بين التفاوتات الصحية والضعف الاقتصادي والاجتماعي واسع النطاق.

وكتب إيشاني في مقالته الدورية التي نشرها في العام 2022 في المجلة الطبية البريطانية: “أكدت جائحة كوفيد-19 على أن التخطيط للتأهب للجائحة لا يمكن فصله عن مسألة تحقيق المساواة. ويتطلب التصدي لهذين التحديين المزدوجين الاستثمار والإرادة السياسية، وكانت الفجوات في قدرات الدول على تمويل الخدمات الصحية كبيرة للغاية قبل الجائحة واتسعت وازداد حجمها عند ظهور الجائحة، الأمر الذي شكل بعض التصدعات التي تهدد الأمن الصحي للجميع. وفي هذا الصدد، يعتبر وضع المساواة الصحية على رأس خطط التأهب للجوائح هو الأمر الأمثل والقرار الأذكى على الإطلاق”.

قصة لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال

يتم تنفيذ كل وظيفة تقريباً في جسم الإنسان بواسطة البروتينات التي تقوم الخلايا بتصنيعها باستمرار باستخدام الحمض النووي الريبوزي المرسال. يحمل كل شريط في الحمض النووي الريبوزي المرسال المعلومات حول كيفية صنع نوع واحد من البروتين. وتقوم الخلية بقراءة الحمض النووي الريبوزي المرسال واتباع التعليمات وتصنيع البروتين.

ويعتبر الحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه) المرسال وصفة تعليمات لخلايا الجسم. ما هي الفكرة؟ قم بإجراء تعديلات دقيقة على تلك التعليمات واحقن الأشخاص بها، واجلس وشاهد الجسم يصنع جميع البروتينات التي تحتاجها.

 IMAGE: أنس البنّي 

تأتي الفيروسات بأشكال وأحجام مختلفة، بعضها عبارة عن فيروسات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه) التي تحتوي على حمض نووي يندمج مع حمض نووي مضيف في خلايا معينة باستخدام آلية النسخ المتماثل لتلك الخلية من أجل التكاثر. ويمكن لهذه الفيروسات تنشيط جينات السرطان في المضيف، فعلى سبيل المثال، يؤدي فيروس الورم الحليمي البشري إلى تشكل السرطان في عنق الرحم.

تحمل فيروسات (آر إن إيه) الحمض النووي الريبوزي ولا تدمج هذا الحمض في الحمض (دي إن إيه) في المضيف، حيث يتم بدلًا من ذلك توجيه الحمض النووي الريبوزي إلى الريبوسومات المضيفة في الخلايا لتساهم هذه الريبوسومات في تكاثر الفيروس، ولا تتفاعل هذه الفيروسات مع الحمض النووي للمضيف.

عندما يدخل لقاح (آر إن إيه) المرسال إلى الجسم، تقوم الخلية بقراءته وتبدأ في صنع بروتينات شوكية غير ضارة من تلقاء نفسها، ثم يتعرف الجسم عليها كجسم غريب يشكل خطرًا ويطلق استجابة مناعية ويعلم نفسه الاستجابة للبروتينات الشوكية. ففي حال الإصابة بفيروس كورونا، فإن خلايا تعرف الآن ما يجب القيام به.

ما هو الخلل الرئيس في لقاح (آر إن إيه) المرسال ؟ يتفكك لقاح (آر إن إيه) المرسال بسهولة بالغة، ولهذا يجب وضعه في وسط دهني وقائي مع الحفاظ عليه في درجات حرارة منخفضة..

تعتبر لقاحات (آر إن إيه) المرسال طريقة فعالة لتحقيق الاستجابة المناعية، ويمكن الاستفادة من هذه اللقاحات في مجالات أخرى عديدة ولا يتوقف استخدامها عند فيروس كورونا؛ فقد نجد من خلاله لقاحات لعلاج مرض السرطان أو لقاح مضاد لفيروس الإيدز.

تاريخ لقاح (آر إن إيه)

1961 – تم اكتشاف (آر إن إيه) المرسال

1963 -تم اكتشاف محفزات المضادات المناعية عبر (آر إن إيه) المرسال. (الإنترفيرونات هي بروتينات تلعب أدوارًا رئيسة في المناعة الطبيعية، ويمكن تنشيطها بواسطة البروتينات التي ينتجها(آر إن إيه)المرسال.

1965 – إنتاج الليبوزومات لأول مرة.

1969 -إنتاج أول بروتينات من (آر إن إيه) المرسال المعزول في المختبر.

1971 -استخدمت الليبوزومات لأول مرة لإيصال الدواء.

1974 -استخدمت الليبوزومات لأول مرة في إيصال اللقاح.

1978 -توصيل (آر إن إيه) المرسال المغلف بالليبوزومات إلى الخلايا لأول مرة.

1984 -تصنيع (آر إن إيه) المرسال في المختبر.

1989 -توصيل (آر إن إيه) المرسال الاصطناعي في الليبوزومات إلى الخلايا البشرية لأول مرة.

1992 -تم اختبار (آر إن إيه) المرسال كعلاج للفئران.

1993 -تم اختبار لقاحات (آر إن إيه) المرسال للكشف عن الانفلونزا في الفئران للمرة الأولى.

1995 -تم اختبار (آر إن إيه) المرسال كلقاح للسرطان في الفئران.

2005 -اكتشاف أن الحمض النووي الريبوزي المعدل يتجنب الجهاز المناعي.

2013 -إجراء أول تجربة سريرية للقاح (آر إن إيه) المرسال على الأمراض المعدية (داء الكلب).

2020 -تم اعتماده كأول لقاح لفيروس كوفيد-19 قائم على الحمض النووي الريبوزي المرسال للاستخدام في حالات الطوارئ.

الآلية التي اتبعتها دولة الإمارات لإدارة جائحة كوفيد‑19

سارعت دولة الإمارات في التوجه إلى رصد مياه الصرف الصحي عندما ضربت جائحة كوفيد-19 جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد، قالت حبيبة الصفار، مديرة مركز التكنولوجيا الحيوية في جامعة خليفة، ومدير مركز الإمارات للأبحاث الحيوية في وزارة الداخلية في حديثها مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “كانت دولة الإمارات الأولى على مستوى المنطقة  والخامسة عالميًا في هذا المجال”.

وضعت حبيبة وزملاؤها في الفريق البحثي وهم، شادي حسن وأحمد يوسف والفارو لوبز، بالتعاون مع وزارة الداخلية ودائرة الطاقة في أبوظبي، خطة استراتيجية لمراقبة شبكات الصرف الصحي بهدف التصدي للجائحة في وقت مبكر.

عمل الفريق على مدار الساعة لتحضير المواد الكاشفة داخل الدولة وحصلنا على الدعم الكامل من الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في دولة الإمارات.

حبيبة الصفار

وتقول حبيبة بأنها لم تكن مهمة سهلة.

“قمنا بتأسيس لجنة علمية لمناقشة أفضل الطرق لإيجاد حلول للجائحة من خلال إنشاء برنامج الترصد البيئي لمدى انتشار الفيروس في دولة الإمارات من خلال عينات الصرف الصحي. وفي ضوء الإغلاقات ونقص سلسلة التوريد من المواد الكيميائية والمعدات والمواد الكاشفة، أوجدنا خطة تتمثل بالاستفادة من المعدات والمرافق المختبرية المتاحة في الدولة، كما أسسنا مختبرًا متخصصًا لهذا البرنامج وحققنا نجاحًا في أقل من أربعة أشهر.”

أدت مشكلات سلسلة التوريد إلى تصعيب عمليات استيراد المواد الكيميائية وغيرها من المواد الاستهلاكية من الخارج.

وفي هذا السياق، علقت حبيبة: “عمل الفريق على مدار الساعة لتحضير المواد الكاشفة داخل الدولة وحصلنا على الدعم الكامل من الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في دولة الإمارات والذي عزز دور البرنامج في مواصلة مسيره”.

ساهمت جامعة خليفة بالتعاون مع باقي أعضاء الفريق في أبوظبي في تشكيل سياسة استجابة دولة الإمارات وعقد الاجتماعات الأسبوعية مع ممثلين رسميين من القطاع الحكومي وتقديم إشعارات بظهور موجات ومتحورات جديدة.

ووفقًا حبيبة، فقد ساهم المشروع أيضًا في انتشار العديد من برامج المراقبة التي تم تأسيسها في مختلف أنحاء العالم بالاعتماد على برتوكولات المشروع.

إضافة لذلك، تمكنت بيانات رصد مياه الصرف الصحي، والتي تم تسليمها إلى الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، من تزويد حكومة الدولة من المعلومات اللازمة للكشف المبكر عن الموجات القادمة، الأمر الذي سهل تشكيل الإجراءات الاحترازية وإدارة الإغلاقات.

وقالت حبيبة: “تمكنت دولة الإمارات من إدارة الجائحة بشكل فعال، حيث كانت جميع الإجراءات والتدابير التي اتخذها صناع القرار بالإضافة إلى توفير مراكز فحص (بي سي آر) المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة تصب في مصلحة مجتمعنا وصحة أفراده العزيزين علينا.

ومن أشكال الاستجابة الأخرى التي اتبعتها جامعة خليفة في مواجهة الجائحة إطلاق برنامج بحث وتطوير في العام 2020 يهدف إلى التسريع في تطوير المعرفة والحلول في مجالات الأوبئة والأدوات الرقمية الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس وأجهزة التشخيص الطبية.

وقد تم تمويل 16 مشروعًا بقيمة كلية تجاوزت 10 ملايين درهم إماراتي، حيث شملت المشاريع تطوير الأغشية لإنتاج الكمامات المضادة للفيروسات والحصول على المعرفة الدقيقة والمعلومات المفصلة فيما يخص آلية انتقال فيروس كوفيد-19 بين الحيوانات والإنسان، إضافة لتطوير تطبيق يساهم في التقاط البيانات الصحية والكشف عن أعراض الإصابة بالفيروس بشكل مبكر.

تحذير مبكر مصدره شبكات الصرف الصحي

انتشر الفيروس في جميع أنحاء العالم وأصاب العديد من السكان بالخوف والهلع بسبب تفشيه الكبير بشكل عشوائي.

لم تظهر على معظم الضحايا أية علامات للمرض أو كانت لديهم شكاوى خفيفة مثل الشعور بالحمى أو التعب، بينما عانى آخرون من أعراض أكثر خطورة، وأصبح البعض غير قادر على التنفس بشكل طبيعي، وأصيب عدد لا يستهان به من المرضى بمشاكل صحية طويلة الأمد، هذا فضلاً عن حالات الوفاة التي تسبب بها الفيروس.

وفي الوقت الذي كان العالم فيه ينتظر ظهور لقاحات لمواجهة هذا الوباء، استجابت الحكومات بفرض قواعد التباعد الاجتماعي في ظل انتشار المرض مراراً وتكراراً في موجات موسمية وتم إلغاء الفعاليات والمسابح وإيقاف دخول الأسر إلى الحدائق العامة.

وفي الولايات المتحدة، راقب علماء الأوبئة تفشي المرض من خلال مراقبة مياه الصرف الصحي، بما في ذلك النفايات غير المعالجة من المصارف والمراحيض المنزلية، بهدف الكشف عن دليل على المرض بشكل عام.

حفظ العينات للأجيال القادمة

يمكن أن يساعد أخذ عينات من مياه الصرف الصحي سلطات الصحة العامة في تتبع المرض ومراقبته عمليًا بشكل مباشر، لكن باحثين من جامعة بازل في سويسرا وجامعة روكفلر في الولايات المتحدة يقترحون استخدامًا آخر لهذه التقنية وهو صنع كبسولات زمنية بيولوجية. Read more›››

ففي ورقة بحثية نُشرت في مجلة “بي إم سي إنفيكشاس ديزيزس”، يقترح كل من ديفيد س. ثيلر و توماس ب. ساكمار عملية التخزين المنهجي للمواد البيولوجية المأخوذة من مياه الصرف الصحي لإنشاء أرشيف من نوع ما في حال أصبحت فيروسات اليوم مهمة في المستقبل.

وقد لاحظ الباحثون أن العينات المحفوظة “قبل” و “بعد” يمكن أن تساعد العلماء أيضًا في دراسة وصول العوامل التي تسبب الأمراض إلى مدينة ما أو على متن سفينة سياحية ما.

وفي حديثه إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، يقول ديفيد: “هناك الكثير من الجهود الكبيرة في جميع أنحاء العالم تتعلق برصد مياه الصرف الصحي للحصول على معلومات فورية. ولو كان بالإمكان العودة بالزمن إلى الوراء، لكان بإمكاننا معرفة المزيد حول أصل العدوى وانتشارها المبكر. إضافة لذلك، يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز دور دور الباحثين في فهم مدى فعالية التدابير التي تحد من انتشار المرض. وتتمثل الخطوات الحالية في إيجاد طرق بسيطة وغير مكلفة للحصول على العديد من العينات وتخزينها؛ حيث تساعد السجلات التاريخية في فهم الكثير من الأشياء”.

تشمل المستودعات والسجلات البيولوجية الأخرى مجموعات من الخلايا والأنسجة الحية والـ (دي إن إيه) البيئي والمواد المأخوذة من المتاحف والمنشآت الطبية.‹‹‹ Read less

نحن هنا لا نتحدث عن فيروس كوفيد-19، نحن نتحدث عن فيروس شلل الأطفال، المرض الذي تسبب في شلل حوالي نصف مليون شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم خلال ذروته في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. لكن نفس التقنيات الأساسية المتعلقة بمراقبة مياه الصرف الصحي التي استخدمها علماء الأوبئة في منتصف القرن في الولايات المتحدة لتتبع تفشي شلل الأطفال ستثبت أنها مفيدة مرة أخرى بعد حوالي 70 عاماً؛ عندما أدت جائحة فيروس كورونا إلى إغلاق عالم غير مستعد لهذا الإغلاق.

وبطبيعة الحال، فقد أصبحت التقنيات أكثر تعقيداً منذ الأربعينيات، لكن الأساسيات لا تزال كما هي والتي تتضمن أخذ عينات صغيرة من المواد البرازية من أنظمة الصرف الصحي وفحص المادة في المختبر وتحديد أنواع مسببات الأمراض التي ضربت بجذورها في المجتمع ، سواءً كان هذا المجتمع مدينة أو حي سكني أو حتى سجن.

عينات مباشرة

ساهم التطور الذي حصل وخاصة مع ظهور تفاعل البوليميرات المتسلسل (بي سي آر) في التسعينيات لتضخيم أجزاء من الحمض النووي المأخوذ من عينة صغيرة، في تحسين عمليات الفحص الطبي، مما مكّن هيئات الصحة العامة من تتبع المرض بطريقة قد تكون صعبة باستخدام وسائل أخرى بسبب الفاصل الزمني بين الاختبارات والنتائج أو بسبب عدم الإبلاغ عن المرض بشكل متكرر، وقد يكون هذا بسبب أن المرض غالبًا ما يكون بدون أعراض أو يكون ذا أعراض غير محددة والتي من غير المرجح أن يبلغ عنها المرضى إلى أن تصبح أعراضاً جدية، مثل الأنفلونزا أو التهاب المعدة والأمعاء أو شلل الأطفال، أو قد يختار المريض أو الطبيب ببساطة عدم إجراء الاختبار.

في هذه الحالات، يساهم اختبار مياه الصرف الصحي في إزالة تلك الحواجز من المعادلة؛ مع إمكانيات الحصول على عينة مجهولة تدل على صحة المجتمع بشكل عام ومباشر تقريبًا وبطريقة يصعب تحقيقها من خلال اختبار أفراده.

يقول سمروثي كارثكيان، الباحث الدكتور والمؤلف الرئيس لدراسة حديثة حول استخدام المراقبة الجينية للكشف عن عدوى فيروس كورونا-سارس-2 خلال 10 أشهر من الجائحة، جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في مقابلة مع مجلة الجمعية الطبية الأمريكية “جيرنال أوف ذا أميريكان ميديكال أسوسيياشن“: “يتعين عليك أخذ عدد كبير من المسحات السريرية أو المسحات الأنفية للحصول على هذا المستوى من الدقة”.

بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الطريقة في تزويد الهيئات الصحية بإنذار مبكر قبل أن يسيطر المرض على المجتمع، وربما ينذر بالحاجة الأولية إلى توفير المزيد من الأسرة في المستشفيات واتخاذ تدابير أخرى.

وفي الواقع، هذا ما حدث عندما تعاون مجموعة من الباحثين من جامعة ستانفورد وجامعة إيموري وشركة ألفابيت وفيريلي بتحليل مياه الصرف الصحي من 41 مجتمعاً في 10 ولايات أمريكية لتتبع جدري القردة الناشئ حديثًا في عام 2022.

ففي حديثه إلى مجلة تايم، قال برادلي وايت، عالم بحثي أول في فيريلي:  “لقد اكتشفنا الآن الحمض النووي لجدري القردة في مجاري الصرف الصحي قبل الإبلاغ عن أي حالات في تلك المقاطعات”.

بيانات دون تحيزات

من المزايا الأخرى التي تختص بها هذه الطريقة أنها ليس لديها مشكلة التحيزات التي تؤثر في كثير من الأحيان على بيانات الصحة العامة التقليدية.

تقول أبارنا كيشافيا، الخبيرة في علم أوبئة مياه الصرف الصحي والباحثة الرئيسة في شركة “ماثماتيكا”، وهي مؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعتمد على البيانات والتحليلات والتكنولوجيا لمواجهة التحديات الاجتماعية: “من الفوائد الرئيسية لمراقبة مياه الصرف الصحي هي قدرتها على التقاط المؤشرات الصحية لأي شخص يعيش أو يعمل في مبنى متصل بنظام الصرف الصحي المركزي”.

وأضافت في حديثها إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يعني ذلك أن هذه الطريقة لا تتطلب الإرادة وأدوات معينة من الأفراد لحساب عدد زيارات الرعاية الصحية، وبالتالي فهي أقل تحيزاً من بيانات الصحة العامة التقليدية”.

بل ويمكن لمراقبة مياه الصرف الصحي أيضاً أن تخبر السلطات الصحية نفسها بموعد مرور العاصفة، ومتى يحين الوقت لإنهاء قيود مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والحجر الصحي.

لقد نجحت هذه الطريقة؛ حيث أظهرت العديد من الدراسات أن مراقبة مياه الصرف الصحي توفر رؤية دقيقة للأمراض في المجتمع، بل وأكدت دراسات حقبة فيروس كورونا أيضاً أن هذه التقنية كانت انعكاساً دقيقاً لدورة فيروس كورونا في المجتمع.

وعلى سبيل المثال، بدأت مجموعة هولندية فيمراقبة مياه الصرف الصحي في سبع مدن وفي أحد المطارات في فبراير 2020، لتكتشف انتشار فيروس كورونا في خمسة مواقع بعد حوالي أسبوع من الإبلاغ عن الحالة الأولى في البلاد. وتوصلت دراسة كارثيكيان في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إلى متغيرات مثيرة للقلق، وهي متغيرات تم اكتشافها قبل أسبوعين من ظهورها في الاختبارات السريرية.

طريقة مستخدمة في مختلف أنحاء العالم

تستخدم 55 دولة على الأقل في جميع أنحاء العالم مراقبة مياه الصرف الصحي لتتبع فيروس كورونا. ففي عام 2020، أطلقت الولايات المتحدة نظامها الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي، وأعلنت عن العمل مع الأنظمة الصحية في جميع أنحاء البلاد لتتبع الأمراض والاتجاهات. وفي عام 2021، طلب الاتحاد الأوروبي من جميع الدول الأعضاء مراقبة لمياه الصرف الصحي لتتبع فيروس كورونا ومتغيراته؛ حيث أخبر مفوض البيئة في الاتحاد الأوروبي فيرجينيوس سينكيفيوس موقع EURACTIV.com أن العملية “منخفضة التكلفة وسريعة وأداة تكميلية موثوق بها”.

ومن الفوائد الأخرى لاختبار مياه الصرف الصحي أنها لن تساعد فقط الباحثين الذين يتطلعون إلى تتبع المرض، ولكنها سترسل أيضاً تحذيرات فورية إلى أفراد المجتمع.

وضحت أبارنا قائلة: “في المجتمعات التي يتم فيها نشر بيانات مياه الصرف الصحي في الوقت المناسب (على سبيل المثال، عندما يتم تحديث لوحات معلومات مياه الصرف الصحي العامة أسبوعياً بمعلومات جديدة حول مستويات فيروسات مياه الصرف الصحي)، يمكن للأفراد مراقبة البيانات لقياس مخاطر تعرضهم لفيروس كورونا، واتخاذ قرارات أكثر فعالية بشأن المخاطر التي يرغبون في تحملها”.

ومع ذلك، فإن الاختبار يعتمد على وجود أنظمة قوية لمعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص منها، ولهذا تحدث معظم عمليات مراقبة مياه الصرف الصحي في الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً.

وهذا يجعل البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى غير قادرة على الاستفادة الكاملة من تلك المزايا على منظومة الصحة العامة فيها، فوفقًا لإدوارد آر. جونز من جامعة أوتريخت وفريقه في بحث نُشر في مجلة إيرث سيستم ساينس داتا، فإن معظم مياه الصرف الصحي لا يتم حتى جمعها في تلك البلدان.

التواصل هو الحل

من المشكلات الأخرى في هذا الصدد ضرورة وجود شبكة اتصال جيدة ويمكن الاعتماد عليها للاستفادة من المعلومات المتوفرة.

وأَضافت أبارنا في حديثها إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا قائل: “قامت العديد من المجتمعات المحلية أو الإقليمية خلال هذه الجائحة بمراقبة مياه الصرف الصحي من أجل رصد فيروس كورونا-سارس-2 الذي يسبب كوفيد-19. ولكن استنادًا إلى نتائج المسح العالمي لمياه الصرف الصحي الذي أجريناه مؤخرًا بالشراكة مع مؤسسة روكفلر ووكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، فإنه لم تتم في جميع الحالات مشاركة البيانات التي تم الحصول عليها في الوقت المناسب مع المجتمعات المجاورة، ناهيك عن البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم”

وقالت: “أصبح السفر الدولي اليوم، في ظل هذا العالم المترابط، أكثر شيوعاً بمقدار 56 ضعفًا عما كان عليه الحال في عام 1950، وبالتالي يمكن أن يتحول تفشي الأمراض المعدية المحلية في بلد ما إلى جائحة عالمية بسرعة.

وفي حالة ما إذا كان لدينا أية فرصة للحصول على إنذار مبكر للتهديد الصحي الجديد التالي قبل أن يتحول إلى جائحة أخرى، فنحن بحاجة إلى قيادة عالمية لدمج العديد من مبادرات الصرف الصحي الفردية الموجودة الآن في شبكة موحدة ومتعددة المراحل لمراقبة الأمراض، على أن تكون هذه الشبكة متاحة دائماً”.

الصورة: جامعة خليفة

وفي الحقيقة، يمكن استخدام مراقبة مياه الصرف الصحي لما هو أكثر من مجرد اكتشاف المرض؛ حيث تم استخدامها للكشف عن تعاطي المواد غير المشروعة في المجتمع.

فقد استخدم المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان بيانات من دراسات أجريت منذ عام 2011 لرسم معدلات انتشار مواد مثل الكوكايين والميثامفيتامين والقنب في 80 مدينة وبلدة أوروبية، وكشف ما أُطلق عليه الأنماط الجغرافية والزمنية المتميزة.

مخاوف تتعلق بالخصوصية

يمكن للمراقبة أن تلعب المزيد من الأدوار الفعالة؛ وهذا يثير المخاوف بشأن الخصوصية والحريات المدنية.

تشير ورقة بحثية من الأكاديميين المتخصصين في القانون والبرامج الطبية في جامعة واين ستيت وجامعة ميريلاند والتي نُشرت في مجلة جيرنال أوف لو آند ذا بايوساينس إلى أن هناك آثارًا قانونية وأخلاقية يجب مراعاتها كاستعانة الحكومات بالأدلة على وجود عنصر يسبب المرض في مياه الصرف الصحي  لتبرير إجراء عمليات فحص إضافية لبعض الأحياء أو لفرض عقوبات على من يرفضون التعاون.

وترى أبارنا أن هناك احتمالية لوجود بعض المخاوف المتعلقة بالتعرف إلى المجتمعات الصغيرة والأفراد من خلال رصد مياه الصرف الصحي، وعليه، فإن الحل أيضاً يكمن فيما يلي:

“عندما يتم جمع بيانات مياه الصرف الصحي في محطات معالجة مياه الصرف الصحي المركزية التي تخدم مئات أو آلاف أو ملايين الأشخاص، وهي الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لاكتشاف الأخطار الجديدة، تتضاءل فرصة إمكانية التعرف إلى البيانات. ومن جهة أخرى، يمكن أن يزداد خطر التعرف إلى الأفراد في حال حدوث الرصد على مستوى الحي السكني أو المنشأة أو أن الخطر الذي تتم مراقبته نادرا جداً، أو عندما يتم دمج بيانات مياه الصرف الصحي مع مصادر البيانات الأخرى”.

وأضافت: “وكما هو الحال مع البيانات الطبية، يمكن إخفاء بيانات مياه الصرف الصحي قبل مشاركتها، بحيث لا يتم إخبار الأفراد أو المجتمعات بالنتائج. وإذا كان الهدف من البيانات التي تم جمعها على مستوى محلي المساهمة في عملية صنع القرار، فإن مشاركتها ينبغي أن تجري بطريقة تخفي المجتمعات التي تمثلها من أجل الحفاظ على الخصوصية”.

وتواصل، في نفس الوقت، عملية رصد مياه الصرف الصحي دورها في تعزيز دور هيئات الصحة العامة على تعقب الأمراض من خلال شبكات الصرف.

في أكتوبر 2022، نشر باحثون من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها والعديد من برامج الصحة العامة مقالاً حول التحقيق في تهديد فيروسي ناشئ محتمل في مدينة نيويورك.

وقد وجدوا أن هذا التهديد الفيروسي هو شلل الأطفال.