سبعة أنواع من التقنيات ظهرت مع جائحة كوفيد-19

تبين خلال فترة جائحة كوفيد-19، أن بعض التكنولوجيات المصممة خصيصاً للأفراد في الحجر الصحي حظيت بمكانة بارزة وأهمية كبيرة.

وقد حقق تطبيق “زوم” شهرة واسعة، وكذلك تطبيق “بيلاتون” الرياضي وتطبيق “نتفلكس” الذي برز في مجال الترفيه.

تحولت الأيام الأولى الواعدة لهذه التطبيقات في النهاية إلى خيبة أمل في سوق الأسهم عندما عانت تلك الشركات من التراجع والانتكاس بعد أن انتهاء فترة الحجر في المنازل.

ولكن أدت الجائحة بالفعل إلى تنشيط بعض أشكال التكنولوجيا التي يبدو أنها ظهرت لتبقى وانتشرت على نطاق أوسع وبشكل منطقي أكثر من التكنولوجيات الاستهلاكية التي ذكرناها سابقًا، والتي يبدو أنها ستؤثر لفترة طويلة على الطريقة التي نعيش بها بدءًا من أسلوب التغذية، وصولًا إلى كيفية التحدث مع أطبائنا.

لنلقي نظرةً على التكنولوجيات الفائزة في هذا السباق التكنولوجي.

 Unsplash

التعلم عن بُعد
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، خرج أكثر من 1.2 مليار طفل من الفصول الدراسية أثناء الوباء.

وكما هو الحال مع التقنيات الأخرى المدرجة هنا، كانت تكنولوجيا التعليم في مرحلة ازدهار قبل وقت طويل من ظهور الفيروس، حيث ذكر موقع (ماركت إنسايدر) وجود استثمارات بقيمة 18.66 مليار دولار في عام 2019 و16.34 مليار دولار في العام السابق في تكنولوجيا التعليم، لكن أزمة فيروس كورونا أدت إلى زيادة الحاجة إلى هذه التكنولوجيا خاصةً مع إغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم، ومكافحة الأُسر من أجل التكيف مع التعلم في المنزل على نطاق غير مسبوق.

ويحاول الباحثون الآن الحصول على صورة كاملة لعواقب ذلك الخلل. ففي إحدى الدراسات المنشورة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم، وجد بير إنجزيل وفريقه من جامعة أكسفورد أن الطلبة بشكل عام أحرزوا تقدماً ضئيلاً ويكاد أن يكون معدوماً نتيجة الدراسة من المنزل، وأن الطلبة في المنازل التي تفتقر إلى الخدمات تراجعت مستوياتهم بشكل كبير.

ومن جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن التعلم الإلكتروني سيواصل طريقه في اكتساب القوة داخل وخارج الفصول الدراسية.

وفي تعليقها لمجلة “نيتشر”،تقول باربرا ب. لوكي، من كلية فيرجينيا للتكنولوجيا التعليمية، إن المستقبل سيكون هجينًا يختار من خلاله المعلمون الأساليب التربوية المناسبة من ضمن مجموعة الأساليب. أما التغييرات الأخرى التي تراها مستمرة فتشمل: وجود مواعيد نهائية مرنة للواجبات والمزيد من خيارات الطلبة بشأن طرق التعلم والخبرات التي تتضمن التعرف إلى تطبيقات ذات فعالية لاكتساب مهارات جديدة، مثل المشاريع التعاونية التي تتطلب أدوات إبداعية ووسائل التواصل الاجتماعي.

تشارلوت كولز

وقد أعربت تشارلوت كولز، رئيسة محتوى سلسلة الجامعات الرقمية في مؤسسة التايمز والتي تجري العديد من المؤتمرات في جميع أنحاء العالم في هذا الموضوع، عن تفاؤلها بشأن مستقبل التعليم الإلكتروني في الجامعات مستقبلًا.

وقالت تشارلوت لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “أصبح التعليم الإلكتروني في ظل مواصلة التقدم التكنولوجي جزءًا أساسيًا في منهاج التعليم العالي يجمع ما بين الاتصال المباشر وغير المباشر ويساهم في دعم نقل المعرفة على نطاق واسع”.

وأضافت: “تعتبر فوائد التعلم الإلكتروني عديدة، مما سيتيح للمؤسسات بناء بيئات تعليمية تُمكّن أنماط التعلم الفردية من الازدهار بطريقة منخفضة التكلفة. ومع ذلك، هناك بعض المخاوف المتعلقة بانخفاض مستوى المهارات الرقمية عند الطلبة وأعضاء الهيئة الأكاديمية والتي تشكل عائقًا لا بد من معالجتها لضمان اعتماد هذا النمط بشكل واسع النطاق”.

Unsplash

توصيل المواد الغذائية
كان توصيل الطعام متاحاً قبل انتشار الوباء، ولكن أصبح اليوم من الصعب العثور على مطاعم غير مدرجة في تطبيقات التوصيل لأن عددًا كبيرًا من الأفراد بدأوا ينظرون إلى توصيل الوجبات على أنه ضرورة من ضرورات الحياة أكثر من كونه رفاهية. ووفقًا لموقع Newfoodmagazine.com إن التطبيقات قد تعيد تعريف معنى “المطعم”، لا سيما مع انتشار عربات الطعام ومطاعم الوجبات الجاهزة للتوصيل فقط.

وفي ورقة بحثية نشرتها المجلة الأوروبية للإدارة واقتصاديات الأعمال، يرى الباحثون أن الزيادة في الأجهزة الذكية منخفضة التكلفة والتحسين السريع في البنية التحتية للاتصالات اللاسلكية وضيق الوقت بالنسبة للأفراد وارتفاع القوة الشرائية، ساهمت في إيجاد الظروف المناسبة للتقدم في مجال توصيل المواد الغذائية.

وتقول شركة التسويق الألمانية “ستاتيستا” إن دولة الإمارات هي ثاني أكبر سوق لتوصيل الطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يبلغ حجم السوق السنوي 834 مليون دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، تستعين شركة “نتوورك إنترناشيونال” لإدارة خدمات تكنولوجيا المعلومات بتقارير تفيد بأن مطاعم دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في استخدام المطابخ السحابية، وهي مطابخ تجارية تساهم في إعداد الطعام لأغراض التوصيل وتحضير الوجبات الجاهزة، – ومنصات الإلكترونية لإطلاق علامات تجارية جديدة.

لكن يعتبر توصيل الطعام من المطاعم جزءًا من الصورة الأكبر، فقد ارتفع كذلك توصيل منتجات البقالة بشكل كبير خلال الجائحة؛ وشهدت أرباح أمازون وحدها نمواً بنسبة 200% تقريباً، ويرجع ذلك في الغالب إلى شراء المواد الغذائية.

وتشمل ورقة بحثية نُشرت عام 2021 في مجلة (كرنت ديفيلوبمنتس إن نيوترشن) دراسة استقصائية تؤكد أن نسبة 60% من الذين اعتمدوا على توصيل مواد البقالة أثناء الوباء يسعون لمواصلة التسوق بهذه الطريقة.

Unsplash

التسوق عبر الإنترنت
يريد الناس أن يتم توصيل العشاء وكل شيء آخر بمجرد بضع ضغطات على المفاتيح.

وقد نظرت دراسة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بعنوان “كوفيد-19 والتجارة الإلكترونية” في عادات الشراء لتسع دول أثناء الوباء، وخلصت إلى أنه من المرجح أن تستمر التغيرات لبعض الوقت.

شملت الدراسة البرازيل والصين وألمانيا وإيطاليا وجمهورية كوريا والاتحاد الروسي وجنوب إفريقيا وسويسرا وتركيا، ووجدت أن أكثر من نصف المشاركين يتسوقون بشكل أكبر عبر الإنترنت، وأنهم يبحثون في كثير من الأحيان على الإنترنت عن الأخبار والترفيه والمعلومات الصحية التي يتطلعون إليه

يقول موخيسا كيتوي، الأمين العام للأونكتاد، “لقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تسريع التحول نحو عالم يتميز بأنه أكثر رقمية، وسيكون للتغييرات التي نجريها آثار دائمة مع بدء تعافي الاقتصاد العالمي”.

وفي دولة الإمارات، أفاد استطلاع أجرته شركة ستاتستا في عام 2022 أن 48% من المشاركين حافظوا على عادات التسوق عبر الإنترنت قبل انتشار فيروس كورونا، بينما قال 32% إنهم تسوقوا بصورة أكبر عبر الإنترنت بعد الجائحة.

Unsplash

خدمة العملاء
مع تحول العالم إلى التسوق عبر الإنترنت، تحول المستهلكون أيضاً إلى قنوات الإنترنت لإجراء أعمالهم اليومية.

وتقول شركة الاستشارات الإدارية العالمية ماكنزي آند كو إن أزمة كوفيد-19 قد ساهمت في تسريع رقمنة خدمات العملاء لعدة سنوات: ثلاث سنوات في أمريكا الشمالية وأوروبا، وأربع سنوات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتستشهد ماكنزي أيضاً باستطلاع يرى أنه من المرجح الآن أن يقول المشاركون الذين تضاعف عددهم ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال قبل الوباء أن 80% من تفاعلات العملاء تحدث في الفضاء الرقمي.

وتقول شركة الأبحاث والاستشارات “فوريستر” إن مواقف المستهلكين تجاه القنوات الرقمية تتغير، حيث يفضل بعض العملاء التواصل مع فرق الدعم عبر الرسائل النصية.

وفي سياق متصل، تقول شركة “كلابريو” التي تنتج برمجيات لأماكن العمل، إن المكالمات الصوتية زادت أيضاً أثناء الوباء، حيث يتلقى وكلاء خدمة العملاء 7.2 مكالمة صوتية يومياً، الأمر الذي يؤثر سلباً عليهم. وتشير دراسة كورنيل أن 87% من العاملين في مراكز الاتصال أكدوا تعرضهم لمستويات عالية جداً من الضغوط أثناء العمل.

ولكن، قد يساهم تقدم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الأشخاص الذين يشهدون الكثير من التحديات والصعوبات في أعمالهم.

تقول شركة البرمجيات الهندية (مانترا لابس) إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً للغاية في تقديم خدمات مثل الإجابة على الأسئلة الشائعة وتقديم دعم العملاء الأساسي. وعلى عكس أنظمة الاستجابة الصوتية التفاعلية القديمة، فإنك سوف تشعر عند الحديث مع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة وكأنك تتحدث إلى إنسان.

وتتضمن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدخل حلقة خدمة العملاء روبوتات الدردشة؛ حيث يساعد الوكيل في تفسير ما يريده العميل ويقوم بالبحث في المقالات ذات الصلة وعرض المعلومات على شاشة الوكيل البشري؛ كما تتضمن وظائف الخدمة الذاتية التي تمنح العملاء الأدوات اللازمة لحل مشكلاتهم، بالإضافة إلى أتمتة العمليات الروبوتية من أجل أتمتة المهام البسيطة للموظفين؛ فضلاً عن التعلم الآلي لدعم الموظفين بالتحليلات التنبؤية.

Unsplash

المدفوعات الرقمية
يتزايد عدد الأشخاص الذين يقومون بالشراء عبر الإنترنت والذين يبحثون عن خيارات لا تتطلب التلامس كما في المتاجر التقليدية، لذلك من المنطقي أن يحظى الدفع الرقمي بوضع متميز أيضاً.

من جهته، يقول البنك الدولي أن جائحة كوفيد-19 ساهمت بتحفيز ظهور موجة من الإدماج المالي، ومن الأسباب المؤدية لذلك  أن  40% من الأفراد الذين قاموا بعمليات الشراء سواء من داخل المحل التجاري أو إلكترونيًا عبر بطاقة دفع أو من خلال الهاتف  أو الإنترنت في الدول ذات الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل (باستثناء الصين)، لم يقوموا بذلك قبل الجائحة.

ويضيف البنك الدولي أن ثلثي سكان العالم اليوم يقومون بالاعتماد على المدفوعات الرقمية.

وينبغي أن نشير إلى أن التحول الرقمي كان قادماً قبل وقت طويل من الإغلاق الذي تسبب به الفيروس في مختلف أنحاء العالم، لكن عمليات الإغلاق سرّعت هذه العملية.

وقد لجأ العملاء لاستخدام هذه الخدمة من أجل الحماية الصحية، ولكن يبدو أنهم سيواصلون الاعتماد عليها من أجل راحتهم.

من ناحيته، قال راجات تانيجا، رئيس التكنولوجيا في شركة فيزا لشبكة (سي إن بي سي): “تواصل الدول في جميع أنحاء العالم توسيع نطاق المعاملات بالدفع الإلكتروني، حيث ظهرت خدمات الدفع بدون تلامس لتبقى وسوف يتم تبنيها والاعتماد عليها بشكل متسارع”.

وتجدر الإشارة إلى أن المعاملات الرقمية بدون لمس كانت تتطلب في البداية أن تمرير العميل على بطاقته، بدلاً من تمريرها عبر قارئ، لكن العديد من العملاء الآن يستخدمون المحافظ الرقمية على هواتفهم أو التطبيقات الرقمية مثل (آبل باي).

 Unsplash

الحوسبة السحابية
تعتمد الحوسبة السحابية على استخدام شبكة من الخوادم البعيدة التي يستضيفها الإنترنت لتخزين البيانات وإدارتها ومعالجتها بدلاً من استخدام خادم محلي أو كمبيوتر شخصي.

وفقًا لتقارير صادرة عن “الإيكونوميست”، استثمرت كلٌ من ألفابيت وأمازون ومايكروسوفت معاً ما يقرب من 120 مليار دولار أمريكي مؤخراً في الحوسبة السحابية؛ حيث تم إنفاق معظمها على مراكز البيانات والخوادم.

وحسب شركة الأبحاث جارتنر، كان من المتوقع أن تتجاوز المبيعات العالمية لصناعة الحوسبة السحابية 495 مليار دولار أمريكي في عام 2022.

وعلى الرغم من أن العديد من الصناعات تتبنى الحوسبة السحابية، فإن الصناعات الأكثر استثماراً في هذه التكنولوجيا هي التصنيع وتجارة التجزئة والجهات الحكومية والرعاية الصحية والزراعة، وذلك وفق التقارير الصادرة عن مزود الخدمات والبرمجيات البرازيلي ستيفانيني.

 Unsplash

الرعاية الصحية
في العام 2019، وبلغ عدد استشارات المرضى الافتراضية للأطباء عن بُعد والتي يغطيها برنامج (ميديكير الجزء بي) في الولايات المتحدة 840,000 استشارة، وقد شملت اتصالات من المرضى عبر مزودي الخدمة وتتضمن مكالمات فيديو ومكالمات هاتفية وروبوتات دردشة ورسائل عن طريق المنصات، وقد قفز هذا الرقم إلى 52.7 مليون زيارة في عام 2020، وذلك وفقاً للباحثين في مكتب مساعد وزير التخطيط والتقييم التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية. ومن بين هذه الزيارات، جاءت 92% منها في منازل المرضى، والتي لم يكن مسموحاً بها بشكل عام قبل الوباء.

ويعمل نظام الرعاية الصحية الفيدرالي الأمريكي على تشديد القواعد الخاصة بسداد تكاليف الخدمات الصحية عن بُعد، لكن قالت الدكتورة جوليا شيفر في ورقة بحثية نشرتها في مجلة “بريم هيلث” أنه على الرغم من ضرورة إجراء دراسات لتحديد أفضل استخدام للتكنولوجيا مستقبلًا، إلا أنها ستظل جزءاً لا يتجزأ من الرعاية الطبية.

وعلى غرار خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، شهدت الأجهزة القابلة للارتداء أيضاً زيادة في الاهتمام خلال فترة الجائحة.

وقد أكد الباحثون الذين يدرسون هذه المسألة في ورقة بحثية ضمن مجلة “سينسورز” أن الأجهزة الطبية القابلة للارتداء تُستخدم في الرصد السلبي والعملي وقادرة على مراقبة المرضى باستمرار مع القليل من المدخلات من المستخدمين أو بدونها، كما يمكن استخدامها عن بُعد أو مع المرضى الداخليين؛ كما أنها توفر قياسات موضوعية توفر قراءات في الوقت الفعلي للمرضى والأطباء

وتشمل الأجهزة القابلة للارتداء تقنيات مثل أجهزة تتبع اللياقة البدنية وأجهزة الاستشعار الحيوية التي تأتي على شكل لاصقات. ومن بين المشاريع الخاصة بفيروس كورونا، تم الاستفادة من الأجهزة القابلة للارتداء لتحديد علامات العدوى عندما كان هناك نقص في مجموعات الاختبار.

وتتوقع شركة (جلوبال داتا)، وهي شركة استشارات وتحليلات بيانات مقرها لندن، أن تزدهر هذه الصناعة وأن يزيد حجم الاستثمار فيها من 59 مليار دولار أمريكي في عام 2020 إلى 156 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024.

غزو الروبوت لغرف العمليات

تطورت خدمات الرعاية الصحية عن بعد بشكل سريع خلال جائحة كوفيد-19، حيث أصبحت مصطلحات التشخيص عن بعد والاستشارة عن بعد كلمات دارجة بين الناس ومستخدمة بشكل كبير، لا سيما بعد أن قامت الحكومات في العديد من الدول باتّباع سياسات خاصة لإدارة الحالات الصحية الطارئة من خلال تشجيع الخدمات الطبية عن بعد. وفي نفس الوقت، أدى وقف معظم العمليات الجراحية غير الطارئة في مختلف أنحاء العالم إلى استدعاء الحاجة للنهوض بالعمليات الجراحية الروبوتية.

واليوم، ومع التقدم في مجال تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس ومعدات الجراحة الروبوتية أصبح بإمكان الأطباء الجراحين إجراء العمليات الجراحية للمرضى سواء داخل غرف العمليات أو في أي مكان آخر حول العالم.


وكما هو الحال مع العديد من التكنولوجيات الحديثة، لا تزال هناك بعض العقبات التي لا بد من التصدي لها. فمنذ العام 2001 عندما تم إجراء أول عملية جراحية عن بعد، لكن لاحقًا حالت عوامل متعددة تشمل التشكيك وقضايا الشبكات والفروقات التشريعية بين الدول وارتفاع تكلفة المعدات الروبوتية، دون تحقيق التقدم في مجال الجراحة عن بعد. وفي السياق، قام فريق بحثي من الصين في العام 2019 بعد تطوير شبكات الجيل الخامس، بإجراء عمليات جراحية روبوتية عن بعد للعمود الفقري أثبتت نجاحها على 12 مريضًا من ست مدن مختلفة.

تتميز الجراحة الروبوتية والجراحة عن بعد بالدقة والفعالية والاستشفاء في وقت قصر. إضافة لذلك، تساهم الجراحة عن بعد بالحد من المشكلات اللوجستية كالمخاطر الصحية الناجمة عن التنقل وتكلفة التنقل، كما تتيح الوصول للمزيد من العمليات الجراحية اللازمة في الدول التي تعاني نقصًا في خدمات الرعاية الصحية.

 جراح أعصاب يجري عملية لمريض عن بعد IMAGE: Shutterstock

ونشرت مجلة “لانسيت” في العام 2015 دراسة يقدّر الباحثون فيها نسبة الأفراد الذين يفتقرون إمكانية الوصول إلى الرعاية الجراحية الضروري بـ 5 ملايين شخص، حيث تكمن المشكلة الرئيسة في هذا الإطار في تكلفة الأنظمة الروبوتية والوصول إلى شبكة إنترنت عالية السرعة.

ووفقًا لما قاله غاري غوثرات، الرئيس التنفيذي لشركة “إنتويتيف”، الشركة التي أنشأت نظام الجراحة الروبوتي (دا فنشي) الحائز على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، أن الشركة بصدد تطوير استراتيجيات مبتكرة لزيادة عدد الأطباء المدرَّبين جراحيًا في الدول الفقيرة.

وقال: “يعد هذا الموضوع مشكلة طارئة بسبب نقص الأطباء الجراحين بشكل كبير عالميًا، خاصة في الدول قليلة الموارد، حيث يموت في كل عام حوالي 16.9 مليون فرد كان من المحتمل علاجهم”.


وبوجود الحاجة للتقدم في مجال الجراحة عن بعد قبل كل شيء والتطور في تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس، يُتوقع أن يرتفع السوق لمعدل نمو سنوي مركب يُقدّر بـ 11.9% ما بين العامين 2022 و2029. ويمكن أن يُعزى النمو إلى عوامل تشمل الرغبة في الحد من العمليات الجراحية الفعلية وتحقيق الدقة وعرض بصري جراحي ثلاثي الأبعاد وارتفاع حجم العمليات الجراحية في العالم. وقد نشرت رائدة النشر العملي “إلزيفير” ورقة بحثية في العام 2020 تقدَّر فيها مجموع العمليات الجراحية الهامة بـ 310 مليون عملية جراحية في كل عام.

وتشمل أيضًا فوائد الجراحة عن بعد القدرة على مشاركة البيانات بين المؤسسات والاستشارات الطبية عن بعد وتدريب الجراحين عن بعد أيضًا.

ومن جهة أخرى، يرى أنتوني فيرناندو، رئيس والمدير التنفيذي لشركة “أسنساس سيرجيكال”، شركة الأجهزة الطبية التي تركز على رقمنة العلاقة التي تربط ما بين الجراح والمريض، أن استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وإدخال قدرات التعلم العميق إلى الروبوتات “سيساهم في تحقيق أفضل النتائج الممكنة للمريض بغض النظر مستوى مهارات الجراح وتدريبه وخبراته. وتعتبر هذه النقلة في التفكير والابتكار السبب الأهم الذي سيقود التحول الرقمي واسع النطاق اللازم لتمكين المستقبل في مجال الجراحة عن بعد وغيرها من التطورات في مجال الطب الجراحي مستقبلًا لم نتصورها بعد”.

يذكر أن العلميات الجراحية التي تُجرى بمساعدة الروبوت موجودة منذ حوالي أربعة عقود، حيث جرت العلمية الأولى في العام 1985 وكانت عملية استئصال خزعة دماغية والتي فسحت المجال فيما بعد لعملية إزالة المرارة في العام 1997. ولم يكن الروبوت آنذاك يحظى بكاميرات، لذلك كان لا بد من تدخل بشري ساهم في حمل المنظار الداخلي. ويذكر أيضًا أن أول عملية جراحية عن بعد جرت بعد أربع سنوات وتمثلت باستئصال المرارة.

تعزيز قطاع الأمن الغذائي المتطور في دولة الإمارات
بإضافة حديقة السياحة الزراعية

تُعرَف دولة الإمارات في جميع أنحاء العالم بامتلاكها لأكبر الأشياء وأفضلها كأسرع قطار ترفيهي في العالم وأطول برج في العالم، واليوم تسعى الدولة لأن يكون بها أكبر وأفضل حديقة للسياحة الزراعية.

أعلنت دولة الإمارات في عام 2022 عن خطتها لبناء أكبر حديقة للسياحة الزراعية في العالم، ومن المقرر أن يبدأ العمل عليها في عام 2025 على أن تُفتتح في عام 2030. ويُتوَّقع أيضًا أن توظف الحديقة حوالي 10,000 شخص وأن تضم نظام عبور مستدام بالكامل وزراعة ملحية حيوية.

ظهرت السياحة الزراعية في المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان سكان المدن يسافرون في الصيف لزيارة مزارع عائلاتهم. وقد شهد الأمر إقبالًا متزايدًا اليوم لارتباطه بالاستدامة ولأنه الخيار المفضل للعائلات لقضاء إجازاتهم.

وتشمل أنشطة السياحة الزراعية تذوق الطعام وتجربة الحياة الزراعية الحقيقية من خلال إقامة الأسرة في مزرعة والمشاركة في الأنشطة اليومية. الجدير بالذكر أن العديد من الأشخاص قد حظوا بتجربة السياحة الزراعية دون حتى أن يدركوا ذلك، سواءً عند زيارة حديقة الحيوانات أو عند تناول الطعام في مطعم زراعي أو عند قطف التوت.

يفتح معظم المزارعين أبوابهم للزوار من أجل التعليم والترفيه وللحصول أيضًا على دخل إضافي، إلا أن الأمر يتعلق بالنسبة للبعض بالأمن الغذائي.

ففي دولة تُعرَف بمناخها المعقد وبعد الجائحة التي سلطت الضوء على صعوبة الاعتماد على سلاسل الإمدادات، يُعد الأمن الغذائي محورًا رئيسًا تركز عليه دولة الإمارات التي تستورد نحو 90 % من المواد الغذائية المستهلكة.

IMAGE: URB

يساهم تطوير التكنولوجيات، في المناطق الجافة كمنطقة الشرق الأوسط، والتي تشمل تكنولوجيات المزارع العمودية ومزرعة القمح التي تبلغ مساحتها 400 هكتار المروية بمياه معالجة بالتحلية في الصحراء وإنشاء أكبر حديقة سياحة زراعية في العالم، في إيجاد الفرص التي تحد من الاعتماد على الواردات.

وفي السياق، أعرب قادة دولة الإمارات عن اهتمامهم بتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال زيادة الإنتاج المحلي للغذاء وتحفيز الاستثمار الأجنبي والحد وتسهيل العمليات

وصرّحت وزيرة التغير المناخي والبيئة ووزيرة الدولة للأمن الغذائي والمائي، مريم المهيري، في صحيفة “ذا ناشيونال” حول منتدى الأغذية والزراعة في إكسبو 2021، قائلة: “نتشارك جميعًا رؤية جعل نظامنا الغذائي مبتكرًا ومرنًا ومستدامًا من خلال زيادة الاستثمار في القطاع الزراعي للبحث والتطوير”.

يذكر أنه في العام 2021 قُدِّرت قيمة سوق السياحة الزراعية العالمي بقيمة تقارب 45,395 مليون دولار أمريكي ومن المتوقع أن تصل إلى 141 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.

طائرات بدون طيار تعزز دور المزارعين في الإنتاج الزراعي

يشكل الطلب المتزايد على الغذاء ضغطًا كبيرًا على البيئة يتمثل بالاستخدام المفرط للأسمدة والبخاخات الكيميائية، حيث استُخدمت المبيدات الحشرية بنسبة 2.66 مليار طن متري في جميع أنحاء العالم. لذلك، قد تكون الطائرات بدون طيار هي الحل لتحويل الطريقة التي نزرع بها وتحسين إنتاجية المحاصيل والحد من الآثار البيئية.


وتعد سلامة التربة واحدة من الجوانب الهامة التي يتم رصدها عن قرب من قبل المزارعين، حيث تتم عملية الرصد من خلال جهاز استشعار البيانات في الطائرة بدون طيار وتتيح المعلومات التي تلتقطها هذه الطائرات للمزارعين تحليل مكونات التربة وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة للمكملات الغذائية التي من شأنها زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية.

وفي هذا الصدد، قال راندي برايس، المتخصص في الزراعة الدقيقة في المركز الزراعي التابع لجامعة ولاية لويزيانا: “تتيح تكنولوجيا الطائرات بدون طيار للمزارعين واستشاريي الزراعة الحصول على صور جوية للمزارع والأراضي بتكلفة اقتصادية مناسبة عبر الأقمار الصناعية وغيرها من الأساليب”. ويمكن تزويد الطائرات بدون طيار بأجهزة استشعار وتكنولوجيات خاصة بالتصوير لجمع البيانات التي تلعب دورًا محوريًا في عملية الزراعة النشطة. وتكمن أهمية البيانات في مجال مساعدة المزارعين في تحديد المشكلات الصحية التي تصيب المحاصيل كالملوثات الفطرية وانتشار الآفات الزراعية وتحديد المناطق التي تعاني من ازدحامات في النمو الزراعي، حيث يساهم تحديد هذه المشكلات في الحد من الحاجة لرش المحاصيل بالمبيدات الحشرية بشكل كامل، الأمر الذي يقلل من نسبة السموم في الهواء والتربة وموارد الغذاء.

راندي برايس من المركز الزراعي في جامعة ولاية لويزيانا

الجدير بالذكر أن استخدامات الطائرات بدون طيار في المجال الزراعي تتعدى حدود جمع البيانات وتحديد المشكلات، فهي تساهم في تزويد الحلول أيضًا.

وأضاف راندي: “يتم تطوير خرائط التنوع المكاني عند الحصول على الصور وتحميلها في الطائرات بدون طيار البخاخة لتقوم بعملية الرش الآلي لبعض المناطق المختارة. من جهة أخرى، تشهد هذه التكنولوجيا تطورًا سريعًا ربما تصل لمرحلة يتم فيها رش المحاصيل الزراعية دون جهد وبشكل دقيق فوق مساحات شاسعة من الأراضي بطريقة يتم التحكم بها من خلال الكمبيوتر”.


يصاحب التكنولوجيا الحديثة باختلاف أنواعها مجموعة من العقبات التي تستدعي إيجاد الحلول، حيث تحظى الطائرات بدون طيار بتكنولوجيا الجيل الخامس وتقوم بإرسال البيانات للتحليل، لكن قد تحول مشاكل الاتصال دون جمع البيانات ونقلها، وقد تؤثر الرياح والأمطار على طيران الطائرة بدون طيار وقد تتطلب الحكومات إذنًا رسميًا لإتاحة استخدام الطائرات بدون طيار كما تزداد التكلفة بإضافة المزيد من التكنولوجيا.

يُتوقع أن يتقلص حجم تلك التحديات بشكل متسارع، خاصة مع وجود احتمالية نمو سوق الطائرات بدون طيار سوق الطائرات بدون طيار الزراعية من 1.3 مليار دولار في العام 2020 إلى 10.8 مليار دولار بحلول العام 2028.