كن مواطنًا عالمًا في شهر أبريل

قد يخطر على بالنا في بعض الأحيان أن العلوم هي مجال يقتصر على الباحثين الذين يعتبرونها عملهم الرئيس في الحياة، لكن هناك فرصة للأشخاص العاديين أيضًا أن ينضموا لهذا المجال لا سيما في شهر أبريل الذي يصادف الشهر العالمي للمواطنين العلماء.

يمكن القول أن المواطنين العلماء تعني تمامًا ما تبدو عليه، فهي فرصة لأفراد المجتمع للانخراط في مجال العلوم في أي مستوى يختارونه سواء كان مراقبة الطيور  أو رصد الحالة الجوية أو قياس نسبة السطوع في السماء ليلًا، كما تعتبر مصدرًا يغطي العديد من المجالات العلمية.

يعد تطبيق “ساهم” مثالًا واحدًا  على مبادرة المواطنين العلماء التي تم إطلاقها في فبراير، حيث يتيح التطبيق للمشاركين بتسجيل البيانات المتعلق بالمواد البلاستيكية المهملة ذات الاستخدام الواحد وتحميلها لتنتقل بعد ذلك بشكل مباشر  إلى هيئة البيئة في أبوظبي بهدف تعزيز دور الباحثين والخبراء وصناع السياسات في وضع التشريعات والأنظمة مستقبلًا.

ويعرف الشهر العالمي للمواطنين العلماء  أنه تعاون بين كل من جامعة أريزونا في الولايات  المتحدة ومؤسسة سيستارتر ومكتبة الطب. وقد بدأت سيستارتر، التي أسسها دارلين كافالير من جامعة ولاية أريزونا، بإطلاق شهر المواطنين العلماء في العام 2016.

وتسعى مبادرة علوم المواطنة إلى تشجيع السكان في جميع أنحاء العالم وتحفيزهم على المشاركة في عملية الارتقاء بالعلوم من خلال ما تتضمنه المبادرة من مجموعة البرامج والفعاليات التي ينظمها المشرفون والباحثون لدعوة الأفراد من مختلف مجالات الحياة إلى المشاركة في البحوث العلمية في مجتمعاتهم وعلى نطاق عالمي.

مصدر الصورة:  Unsplash

قال فريق من الباحثين في الورقة البحثية التي نشرها في المجلة العلمية سبرينغر لينك في العام 2021: “تتفاوت طبيعة المشاركة في المشروع من شخص لملايين الأشخاص، حيث يشارك الأفراد في تطوير الأسئلة البحثية والفرضيات وجمع البيانات وتحليلها ووضع النتائج ونشر البيانات”. ومن ناحية ثانية، تعتبر  مبادرة المواطنين العلماء في غاية الأهمية لتحقيق التطور العلمي لأنه يمكّن من جمع البيانات على نطاق جماعي لا يمكن جمعها من قبل عالم بحثي واحد بمفرده.

يُذكر أن سيستارتر هي مؤسسة تساهم في تعيين المواطنين العلماء وتدريبهم ورفدهم بالمعدات والأدوات اللازمة عالميًا، وتحظى المؤسسة حاليًا بأكثر من 3000 مشروع فعال للمواطنين العلماء وأكثر من 100,000 مشارك يديرون البحوث ويتطلعون إلى المشاركة في مختلف المشاريع.

المحيطات الملوثة:
فلندع النفايات تنظّف نفسها بنفسها

يصل حجم النفايات في محيطات العالم إلى 12.7 مليون طن سنويًا لتشكل “جزرًا بلاستيكية” تؤثر على الطيور والحياة البحرية.

وتشير التقديرات إلى أنه في الوقت الحالي تتم عملية تنظيف وجمع المواد البلاستيكية من البحر ثم تخزينها وشحنها إلى الشاطئ للتخلص منها، وتمتد تلك العملية من 50 إلى 130 عاماً وقد تصل تكلفتها السنوية إلى ما يقارب 37 مليون دولار، حيث تتحلل النفايات بشكل أسرع من عملية جمعها وتتفكك إلى جسيمات ضارة دقيقة جدًا يصعب الحد من أثرها.

وفي هذا الصدد، يقترح فريق بحثي من ماساتشوستس في الولايات المتحدة منهجية جديدة تتمثل باستخدام سفن للتنظيف ذاتية التشغيل تساهم في تحويل النفايات التي تجمعها من البحار إلى وقود تستخدمه لإتمام تلك المهمة.

ذات صلة: المواد البلاستيكية الدقيقة: الخطر الخفي

ويمكن للسفن التي تعمل بالديزل الأزرق أن تساهم في خفض كمية الوقود وعدد الرحلات اللازمة لإزالة النفايات من المحيطات، حيث نشر الباحثون نتائج تلك الدراسة في ورقة بحثية نشرتها المجلة الدولية ” وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة”.

ويقترح الباحثون من جامعة هارفارد ومعهد ذا وودز هول لعلوم المحيطات ومعهد وورشيستر بوليتكنيك استخدام حرارة عالية وضغط مرتفع ضمن عملية تسمى التميع الحراري المائي بهدف تفكيك بوليمرات البلاستيك وتحويلها إلى طاقة يمكن الاستفادة منها، الأمر الذي يساهم في الحصول على عملية تنظيف ذاتية التشغيل تخفف من الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود أو تفريغ النفايات البلاستيكية، وبالتالي تخفيض مجموع أوقات عمليات التنظيف.

ووفقًا لما أشار إليه الباحثون أنه لا يكفي تنظيف المحيطات بشكل أسرع وأقل هدرًا للوقود، وإنما يحتاج العالم قبل ذلك إلى معالجة كمية النفايات التي تصل إلى المحيطات، وأضافوا: “يعد تقليل كمية النفايات البلاستيكية أو التخلص منها بشكل تام أمرًا في غاية الأهمية، خاصة مع احتمالية امتداد كميات التحميل الحالية لسنوات أو حتى عقود”.

 أثر كوفيد على المحيطات 

في سياق متصل، يقول باحثون من كلية علوم الغلاف الجوي في جامعة نانجينغ الصينية ومعهد سكريبس لعلوم المحيطات في جامعة كاليفورنيا الواقعة في مدينة سان دييغو أن جائحة كوفيد-19 ساهمت في زيادة الأوضاع سوءًا في المحيطات.

ويقول الباحثون في الورقة البحثية التي نشروها في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية هي ناجمة عن التصدي للفيروس ومواجهته، حيث بلغ مجموع النفايات الطبية الناجمة عن المستشفيات والتي وصلت إلى المحيطات 25,000 ويُتوقع وصول المزيد أيضًا للمحيطات لتشكل خطرًا على الكائنات الحية البحرية وتزيد من نسبة انتشار الملوثات في المحيطات والتي من بينها فيروس كوفيد-19.

وأوضح الباحثون أن كميات النفايات الناجمة عن المستشفيات تطغى على كمية النفايات الناتجة عن التخلص من معدات الحماية الشخصية والمغلفات البلاستيكية الناتجة عن زيادة التسوق عبر الإنترنت بسبب ظروف الجائحة، كما يشير الباحثون في ورقتهم البحثية إلى دراسة أخرى تقدّر مجموع عدد الكمامات التي تم إلقاؤها في المحيطات في العام 2020 بـ 1.56 مليون كمامة.

تشكل المواد البلاستيكية التي يتم إلقاؤها في المحيطات خطرًا كبيرًا على الحياة البرية. صورة: Shutterstock

تقع خمسة أنهار من بين اسوأ ستة أنهار ترتبط بعمليات التخلص من النفايات الطبية في قارة آسيا في شط العرب ونهر السند ونهر اليانغتسي ونهر الغانج براهمابوترا ونهر آمور، بينما يقع النهر السادس في قارة أوروبا وهو نهر الدانوب.

ودعا الباحثون إلى تعزيز مستويات الوعي العام بالآثار البيئية السلبية للبلاستيك وتحسين عمليات جمع النفايات البلاستيكية ومعالجتها وإعادة تدويرها وتحسين ممارسات إدارة النفايات في مناطق انتشار الجائحة، خاصة في الدول النامية.

 هل تساهم الروبوتات الدقيقة في إنقاذنا؟ 

قد يكون حل مشكلة الجسيمات البلاستيكية في المياه في ابتكار يعادل حجمها يتمثل في تطوير روبوتات مصغرة.

فعندما تضاف الروبوتات الدقيقة، والتي يوازي حجمها حجم البكتيريا، إلى المياه مع القليل من بيروكسيد الهيدروجين تلتصق هذه الروبوتات بجسيمات مجهرية من البلاستيك وتبدأ بتفكيكها. وتم نُشر هذا البحث مؤخرًا في المجلة الدولية المرموقة“إيه سي إس أبلايد ماتيريالز آند إنترفيسز”.

ويقول مارتن بوميرا، المؤلف المشارك في الدراسة والباحث لدى جامعة الكيمياء والتكنولوجيا في براغ: “يمكن لتلك الروبوتات الدقيقة القيام بمسح منطقة أكبر بكثير من التي يمكن تصل إليها التكنولوجيات الأخرى التقليدية”.

ويرى مارت أن هناك إمكانية لنشر الروبوتات الدقيقة في المحيطات لجمع الجسيمات البلاستيكية. وعلى صعيد آخر، يؤكد وين كاوغر، خبير التلوث البلاستيكي في جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفرسايد والذي لم يشارك في الدراسة، لمجلة ساينتفك أمريكان أن الأنظمة المغلقة التي تشمل أنظمة معالجة مياه الشرب ومياه الصرف الصحي قد تشكل أهدافًا أخرى محتملة في مجال الاستفادة من تلك التكنولوجيا.

تطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي يساهم في تشخيص
أمراض النباتات ويقترح العلاجات

يُقدر حجم الأموال التي تتم خسارتها عالميًا في كل عام، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، حوالي 300 مليار دولار أمريكي، وقد يكمن الحل لذلك في تطبيق ذكاء اصطناعي يمكن تحميله على هاتفك الذكي.

أطلق المركز الدولي للزراعة الملحية العام الماضي في دبي، بالتعاون مع جامعة برشلونة، تطبيقًا يقوم على الذكاء الاصطناعي للمزارعين أصحاب المزارع الصغيرة ويتميز بقدرته على كشف أية مشكلات تحدث للمحاصيل.

يُطلق على التطبيق اسم “الدكتور نبات” ويهدف إلى الحد من خسارة المحاصيل في تونس ومصر ودولة الإمارات، حيث يمكن للتطبيق تشخيص 18 مرضًا من الأمراض الشائعة في نباتات الخيار والطماطم والفلفل الحلو. من جهة أخرى، قرر مطورو التطبيق نشره في دول أخرى وأن يشمل تشخيصه محاصيل أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كنبات الكينوا

ويتميز التطبيق، وفقًا لما قاله المطورون، بقدرته على حل المشكلات المعقدة التي يعاني منها أصحاب المزارع  وسهولة استخدامه، حيث يقوم المزارع بتوجيه كاميرا هاتفه الأندرويد على المحصول ويلتقط الصورة ليحصل في وقت فوري على تشخيص النبات ويحصل على توصيات بطريقة علاجه.

جاء إطلاق التطبيق بعد عامين من التجارب والاختبارات التي اشتملت على 414 مزارع ومتخصص في الإرشاد الزراعي الذين قدموا ملاحظاتهم كبيانات للتطبيق.

من جانبها، قالت سعادة الدكتورة طريفة الزعابي، المديرة العامة للمركز الدولي للزراعة الملحية: “يعتبر تزويد المزارعين بهذا النوع من المعلومات أمرًا في غاية الأهمية في سياق المحافظة على الأمن الغذائي العالمي، حيث يمثل المزارعون العمود الفقري للعديد من الاقتصادات الزراعية لكنهم يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالآفات والأمراض النباتية. لذلك، طورنا تطبيقًا للهواتف الذكية يساهم في جَسر الهوة في المعلومات بين المزارعين ووضع المعرفة بين أيديهم”.

يذكر أن أصحاب المزارع الصغيرة مسؤولون عن إنتاج ثلث كمية الغذاء العالمية، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

اسأل الخبراء: ما مستقبل الهيدروكربونات
في عالم البيئة المستدامة؟

يجب تغيير السلوكيات الآن

مايكل جيفرسون


تواجهنا بعض المشكلات، من ناحية العرض، في سعينا لتحقيق عالم البيئة المستدامة. فعلى سبيل المثال، تعتبر المملكة المتحدة أكثر الدول الأوروبية التي تشهد تشكل الرياح فيها ولكن في نفس الوقت لم تنجح طاقة الرياح خلال أول 11 شهرًا من عام 2021 بتوفير الطاقة الكهربائية لمدة 85 يومًا لم تستطيع تحقيق حتى 10% من الطاقة الكهربائية الكلية، الأمر الذي فرض الحاجة لاستخدام الغاز والفحم لسد الحاجة

ونتيجة لذلك، طُلب من منتجي طاقة الرياح الذين يساهمون في إنتاج الكهرباء عند عدم الحاجة إليها بإغلاق محطاتهم بشكل مؤقت. أما من ناحية الطلب، توجد أيضًا مشكلات تتمحور حول طريقة تكيف المجتمعات مع ارتفاع الطلب على الكهرباء بالتزامن مع الضغط على تقليل الاعتماد على المواد الهيدروكربونية، واحدة من تلك المشكلات هي إعادة شحن المركبات الكهربائية.

مايكل جيفرسون

مايكل جفرسون هو أستاذ في الجامعة الأوروبية لإدارة الأعمال في لندن Read more›››

وشغل سابقًا منصب رئيس الخبراء الاقتصاديين في شركة “شل إنترناشيونال” من العام 1974 حتى العام 1979، إضافة للعديد من المناصب في مجال التخطيط والتجارة والإمدادات النفطية. وشغل أيضًا مايكل جفرسون منصب نائب الأمين العام في مجلس الطاقة العالمي في الفترة ما بين 1990-1999 وكاتب رئيس وكاتب مساهم في التقارير الصادرة عن الفريق الحكومي الدولي المعني بشؤون تغير المناخ وحاصل على شهادة من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ لإنجازاته في جائزة مسابقة نوبل للسلام 2007

تولى أيضًا منصب رئيس مجلس إدارة لجنة السياسات في الشبكة العالمية للطاقة المتجددة في الفترة 1991-2007 ومحرر أول في المجلة الدولية “إنيرجي بوليسي” من عام 2013 للعام 2019. ‹‹‹ Read less

ويوجد أيضًا اعتراض متزايد على استخدام البلاستيك، وتقدر نسبة المنتجات البلاستيكية بـ 9,000 مادة جميعها تعتمد على في تصنيعها على الهيدروكربون أو (المواد البتروكيميائية).

وبناءً على ذلك، لا نزال في الوقت الحالي في بداية مرحلة التحقق من التحديات الكبيرة في سعينا للتقدم نحو العالم الأخضر.

وفي هذا الإطار، يجب القيام بجهود أكبر في مجال استخدام الطاقة الشمسية وأبراج الرياح والتعلم من التصاميم المعمارية التقليدية طريقة الحد من الاعتماد على الهيدروكربون. ونحتاج جميعًا إلى الوعي بالعديد من الحاجات الأساسية التي توفرها البتروكيماويات والوقت الفعلي اللازم للتحول عن النفط في قطاع المواصلات والدور الرئيس الذي يلعبه الغاز في الانتقال للطاقة اللازمة.

وفي العديد من الدول يركز السكان بشكل عام على سلامة الطاقة النووية، وقليل منهم من لديه الوعي الكافي في مجالات سلامة الطاقة النووية والقيود والتحديات المتعلقة بطاقة الرياح أو طاقة الأمواج والمواد الحيوية ككل.

قد يعتقد القارئ بأنّي متشائم بلا مبرر، لكن أشير إلى أن الأنشطة التي يقوم بها الإنسان ساهمت برفع درجة الحرارة عالميًا إلى أكثر من درجة سلسيوسية واحدة خلال الـ 140 عام الماضية وقد ترتفع 3 درجات سلسيوسية في أواخر هذا القرن.

لقد عملت مع باحثين في مجال المناخ لمدة 40 عامًا ومع الفريق الدولي الحكومي المعني بتغير المناخ من العام 1991 إلى العام 2015 في العديد من المهام وأرى أن هناك حاجة ماسة لسياسات احترازية سليمة وتغيرات سلوكية للتصدي لمشكلة تغير المناخ.

 

تواصل الهيدروكربونات دورها الكبير

مي بوي


ساهمت الهيدروكربونات بتلبية كم كبير من حاجات العالم للطاقة لقرون، فهمي مستخدمة في العديد من مجالات الحياة ولعبت دورًا محوريًا في قطاع الطاقة والصناعة والنقل والقطاعات التجارية والسكنية، حيث تبلغ نسبة الاستهلاك العالمي من الوقود الأحفوري في الوقت الحالي 84%. وعلى نطاق عالمي وصل مجموع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون 36.4 في العام 2019 والتي انخفضت لنسبة 34.7 في العام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19.

مي بوي

مي بوي هي باحثة مشاركة في مركز السياسة البيئية في جامعة إمبريال كوليدج لندن

أدركت عدد من الدول والشركات حاجتهم لتحقيق هدف الوصول لمجموع انبعاثات يساوي صفرًا بحلول العام 2050، والعام 2060 بالنسبة للصين

وعلى نطاق محلي، يعتبر الوصول لنسبة انبعاثات تساوي صفرًا تحديًا كبيرًا، فهو يتطلب مستويات غير مسبوقة لخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وإزالتها من الغلاف الجوي.

ويقوم التحول للصافي الصفري على مجموعة متنوعة من الخيارات التكنولوجية التي تشمل الطاقة المتجددة والهيدروجين وتحسين كفاءة الطاقة.

وتلعب تكنولوجيات التقاط الكربون وحفظه دورًا هامًا في الحد من الانبعاثات المرتبطة بالهيدروكربون في قطاع الطاقة والقطاع الصناعي، إضافة لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون المستخرج من الغاز الطبيعي والمواد الحيوية للاستفادة منه في مجال النقل أو تدفئة الأماكن السكنية. ويمكن الاستفادة من تكنولوجيا التقاط الكربون وحفظه في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للتخلص من بقاياه التي لم يتم التقاطها.

وقد تواصل الهيدروكربونات دورها الكبير في العقود القادمة خاصة في الدول والقطاعات التي تعتمد في الوقت الحالي على الوقود الكربوني. وقد يبدو العام 2050 بعيدًا جدًا، إلا أن الحد من انبعاث الغازات يتطلب تغييرات رئيسة في البنية التحتية على نطاق كبير وتنفيذ التكنولوجيات منخفضة الكربون بشكل واسع

قد يكون التقاط الكربون وحفظه الحل الأفضل لمواجهة الاحتباس الحراري. الصورة : Shutterstock

إضافة لذلك، تحظى الدول بدور بارز في تطوير سياسة قادرة على دعم وتسهيل الانتقال للصافي الصفري، وبالرغم من الحاجة الملحة لإجراء عاجل لابد من تحقيق التحول لمستقبل أخضر بطريقة غير مكلفة اقتصاديًا ومتوازنة اجتماعيًا.

نحن نهدف إلى تحقيق التوازن الصحيح بين التكلفة وأمن الطاقة واستيفاء أهداف الحد من الانبعاثات مع تفادي أية آثار سلبية على المجتمع والبيئة.

 

ثلاث طرق للوصول لمستقبل يتحقق فيه الصافي الصفري

مارتن هاي


نحتاج للتخلص من مشكلة الاحتباس الحراري العالمي وارتفاع درجات الحرارة بشكل متزايد إلى تحقيق الصافي الصفري لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على المدى البعيد

ويعني ذلك أنه يجب علينا اتباع طريق معين للحد من اعتمادنا على الهيدروكربون الأحفوري يمكن أن نختصرها بالخيارات الثلاثة التالية:

  • عدم حرق الهيدروكربون الأحفوري والاستفادة منه بدلًا من ذلك في صنع المنتجات البلاستيكية التي يمكن إعادة تدويرها أو التخلص منها بطريقة مسؤولة.
  • حرق الهيدروكربون الأحفوري والتقاط الغازات المنبعثة.
  • حرق الهيدروكربون الأحفوري وموازنة الانبعاثات بانبعاثات أخرى في مكان آخر.

وهنا، يتمحور النقاش حول آلية تحقيق ذلك. نظرًا للاستخدام الواسع للهيدروكربون في مختلف الاقتصادات ومختلف جوانب الحياة، فإن الآثار المترتبة على ذلك جذرية تتمثل بالعدالة والمساواة. ما هي الاستخدامات التي تعتبر قانونية؟ كم من الوقت تحتاج الدول النامية للتخلص من الكربون؟ هل يمكن لنسب انبعاث الغازات في الدول النامية أن ترتفع لفترة ما لاستيفاء أهداف التطور؟

  • الطلب أو العرض في مجال الهيدروكربون الأحفوري، هل يمكنك إجراء التغييرات من خلال الحد من إنتاج الهيدروكربون الأحفوري أم هل ستعالج مشكلة الطلب بإيجاد تغيير دائم؟
  • الاقتصادات والنواحي العملية. ما حجم التغيير الذي سيتحقق بحلول العام 2030؟ ما هي الآثار المترتبة على التغيرات؟ ما هي السياسات الأكثر تأثيرًا على حركة التغيير؟
مارتن هاي

يركز مارتن هاي على نمذجة الطاقة طويلة الأمد من خلال السيناريوهات المعروضة

تعتبر هذه الأمثلة قليلة، لكنها تدخل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والمجتمعية. قمنا بالكشف عن مجموعة من البدائل في السيناريوهات التي طرحناها، الأمواج والجزر والسماء 1.5 التي يمكن التعرف إليها من خلال هذا الرابط الذي يبين محركات التغيير والآثار المترتبة على نظام الطاقة والهيدروكربون والمواد غير الهيدروكربونية.

ففي سيناريو السماء 1.5، الذي يمثل عالم سريع من التغيير في نظام الطاقة، نركز على الوسيلة العملية لضمان زيادة في درجة الحرارة تصل إلى 1.5 درجة سلسيوسية تفوق معدلات ما قبل الصناعة بحلول العام 2100، ويشمل ذلك جميع الخيارات المتاحة التي تتضمن انبعاث الغازات الضارة والحلول التكنولوجية المتمثلة بالطاقة الحيوية المرتبطة بالتقاط الكربون وحفظه والحلول الطبيعية التي ترتكز على الطبيعة.

وفي مجال الأمواج، تمثل المطالبة والرغبة واسعة النطاق في تعزيز تحول الطاقة من خلال التركيز على الحد من الاعتماد على المواد الهيدروكربونية الأحفورية لأنها تشكل السبب الرئيس لمشكلة تغير المناخ. ويشترك سيناريو الأمواج مع سيناريو سماء 1.5 بالتطور الكبير في مجال مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين، لكن في سيناريو الأمواج ليس هناك دور أساسي لتقنية التقاط الكربون وحفظه وإنما تأخذ الانبعاثات وقتًا أطول لتصل للذروة وتنخفض.

التحول إلى الطاقة النظيفة يتعدى حدود انخفاض معدل استهلاك الطاقة. الصورة: Shutterstock

ليس هناك، في سيناريو الأمواج، دور أساسي لتقنية التقاط الكربون وحفظه وإنما تأخذ الانبعاثات وقتًا أطول لتصل للذروة وتنخفض. وفي سيناريو الجزر، ينخفض الطلب على طاقة الهيدروكربون بشكل تدريجي بطيء نظرًا لتركيز الدول على تحفيز الاقتصادات الراكدة ومواجهة القضايا المحلية.

ويكمن الوجه الآخر للعوامل المؤدية للنمو البطيء في انخفاض الطلب على الهيدروكربون في وتيرة الانتقال البطيئة والمشابهة للمعايير السابقة.وفيما يلي توقعاتنا حول مستقبل العرض والطلب على النفط، مقتبسة من صفحة 68 في كتيبنا.

وعلى المدى البعيد، سينتهي الطلب على النفط ولكن يختلف توقيت الوصول لذروة ذلك ويحتمل أن يكون في هذا العقد (سماء 1.5). وبناءً على ما تقدم، هناك العديد من الاتجاهات الإقليمية وراء ذلك واتجاهات في مختلف أشكال القطاعات. وتواصل بعض الاستخدامات خارج نطاق الطاقة (كاستخدام مواد البلاستيك) فعاليتها خلال القرن، إلا أنها تبتعد بشكل سريع عن بعض القطاعات كقطاع السيارات. وتوفر مجموعة البيانات التي نقدمها أرقامًا ضمن الرسم البياني إلى جانب توقعاتنا ومصادر الطاقة وطريقة الاستفادة من مختلف أشكال الطاقة المتقدمة.

 

تحتاج دول الخليج لأن تتصدر هذا المجال

عدنان شهاب الدين


مع زيادة الرغبة في التحول العالمي لمصادر الطاقة النظيفة أو ما يعرف بـ (الصافي الصفري للانبعاثات) بحلول العام 2050، اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب-26) في نوفمبر مجموعة من القرارات التي تضمنها “ميثاق غلاسكو للمناخ” والذي يهدف إلى تحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ المتمثل بالحفاظ على الارتفاع المتوقع في معدل درجة الحرارة العالمي إلى ما دون 1.5 درجة سلسيوسية.

تأتي تكنولوجيات الطاقة المتجددة، وبالتحديد طاقة الرياح والطاقة الشمسية، في مقدمة مصادر الطاقة النظيفة. وقد تكون الطاقة النووية وطاقة الوقود الأحفوري النظيف محايد الكربون أيضًا جزءًا من مجموعة مصادر الطاقة النظيفة، إلا أن أدوارها غير مضمونة نتيجة مجموعة من الأسباب التي تشمل الطريقة المثالية للتحول وتكنولوجياتها المكونة لها والتكاليف الاستثمارية التي تُقدر بـ 5 تريليون دولار سنويًا بحلول العام 2030 وفقًا لسيناريو وكالة الطاقة الدولية للعام 2050.

ولا تزال هناك بعض الفروقات الملحوظة في الدول الصناعية والتي تتمحور حول آلية متابعة إجراءات الحد من الانبعاثات، حيث تعارض بعض الدول وبشدة التوسع في مجال الطاقة النووية وتكنولوجيات الوقود الأحفوري النظيف وتعارض بعض الدول الأوروبية إدراج هذه التكنولوجيات في قائمة مصادر الطاقة النظيفة وفي المنتجات الخاصة بالتجارة العالمية، الأمر الذي يشكل عائقًا أمام التخطيط لتصدير واستيراد الهيدروجين الأحفوري النظيف (الهيدروجين الأزرق) والأمونيا

عدنان شهاب الدين

الدكتور عدنان شهاب الدين باحث أول زائر في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة وعضو مجلس في معهد كيرني للتحول في الطاقة في أمستردام وعضو مجلس بنك الخليج في الكويت

وتراهن هذه الدول ونشطاء البيئة على إمكانية الطاقة المتجددة في توفير جميع إمدادات الطاقة النظيفة اللازمة بالرغم من العراقيل التقنية والاقتصادية التي تحول دون زيادة مساهمتها في شبكات الكهرباء عن معدل 30%. ويتنبأ عدد من سيناريوهات تحول الطاقة بحدوث انخفاض حاد بمساهمة الطاقة الأحفورية في مجموع الطلب من 80% إلى 20% بحلول العام 2050 وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية للعام 2050، وتعتبر هذه السيناريوهات غير واقعية ومكلفة اقتصاديًا ومن الصعب تحققها

ومن مجموعة السيناريوهات الأخرى واسعة النطاق، سيناريو منظمة الدول المصدرة للنفط في تقريرها السنوي الأخير لتوقعات النفط العالمية الذي يتوقع زيادة الطلب على النفط والغاز حتى العام 2045 حتى وإن كانت الزيادة بطيئة نظرًا لانخفاض حصة المصادر الأحفورية إلى نسبة 70%

وبغض النظر عن درجة التشاؤم أو التفاؤل في هذه السيناريوهات، يعتبر الهدف والمسار في هذا الصدد واضحًا وقطعيًا وهو التحول السريع لمصادر الطاقة النظيفة وما تشمله من تكنولوجيات متنوعة. ومن ناحية أخرى، يُحاط الاهتمام المتزايد بحماية البيئة بنظرة سلبية تجاه مصادرة الطاقة الأحفورية

وهو ما يساهم في تسريع التغيير في السياسات في حال لم تقم الدول التي تحظى بمخزون ضخم من مصادر الطاقة الأحفورية، كدول الخليج، بتشكيل استثمارات استراتيجية لتطوير تكنولوجيات التقاط ثاني أكسيد الكربون والاستفادة منه وحفظه، والتي تشمل الالتقاط المباشر لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

تعتبر هذه الاستثمارات كبيرة جدًا إلا أن نتيجتها مجدية جدًا، خاصة وأنها تحافظ على الدور الفعال لمصادر الطاقة الأحفورية. ويتم في الوقت الحالي تنفيذ العديد من المشاريع التي تعتمد على تكنولوجيات التقاط الكربون وحفظه من قبل الدول المنتجة للنفط والغاز، لكن لا تزال قدرات معظم تلك الدول صغيرة الحجم وعددها يرتفع ببطء نتيجة التكاليف المرتفعة

وانسجامًا مع دعوة وكالة الخليج التجارية للدول الأعضاء لوضع أهداف الحد من انبعاثات الكربون، يتعين على دول الخليج الإعلان عن مبادرة طموحة وهادفة يتعهدون من خلالها بتزويد جميع محطات الطاقة الأحفورية بمعدات أنظمة التقاط الكربون وحفظه بحلول العام 2035، حيث تمثل هذه المبادرة موضع ترحيب بالنسبة للعالم، كما أنها ستساهم في الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون في دول الخليج بنسبة تقريبية تصل إلى 25% أي نسبة 1% من مجموع انبعاثات الغاز عالميًا، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بحجم اقتصادات تلك الدول الذي تبلغ نسبتها 1.8 من الاقتصاد العالمي.

تحظى بعض الدول بوجهات نظر خاصة فيما يتعلق بآلية التحول إلى الطاقة النظيفة في مستقبل ما بعد الكربون. الصورة: Shutterstock

إضافة لذلك، سيساهم تنفيذ هذه المبادرة بشكل ملحوظ في خفض كلفة تكنولوجيات التقاط الكربون وحفظه وزيادة قبولها واعتمادها عالميًا وضمان استمرارية الدور الفعال للنفط والغاز للنصف الثاني من هذا القرن، إلى جانب توفير مصادر الطاقة النظيفة (الكهرباء والوقود) للدول الفقيرة في العالم.

ومؤخرًا، قامت دول الخليج باتخاذ خطوات مشجعة في هذا الاتجاه، حيث اعتمدت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات استراتيجيات واضحة ودقيقة في مجال تحول الطاقة.

وكجزء من رؤيتها للعام 2030، نفذت السعودية مبادرات بيئية رئيسة وبرامج للحد من الانبعاث اشتملت على مبادرة “السسعودية الخضراء” التي أعلنت السعودية من خلالها عن التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060 وإنتاج 50% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030

وعلى نهج مشابه، أطلقت دولة الإمارات منذ 15 عامًا مبادرات رائدة وأنشأت مدينة مصدر للطاقة النظيفة وأربع محطات للطاقة النووية والعديد من محطات الطاقة الشمسية الكبيرة بقدرة تفوق 2 غيغا واط. ولنتمكن من جعل تكنولوجيات التقاط الكربون وحفظه والوقود الأحفوري النظيف جزءًا مهمًا من مستقبل مصادر الطاقة النظيفة عالميًا، نحتاج المزيد من الاستثمارات والابتكارات في هذا الإطار

وتعد دول الخليج والدول النفطية الأخرى المستفيد الأكبر في حال تنفيذ المزيد من الابتكارات والاستثمارات، وهم الخاسر الأكبر في حال عدم تنفيذ أية حلول.

عِبَر مُستفادة من خنفساء الصحراء

هل يمكن أن تساهم خنفساء الصحراء في الحصول على المياه من الغلاف الجوي؟

قد يدين سكان المناطق القاحلة والأكثر جفافاً في العالم يومًا ما للفضل الكبير لخنفساء صحراء ناميبيا، والتي أطلعتنا على أسرار استخراج المياه من الهواء.

يعود أصل معظم سلالات خنافس الصحراء الناميبية إلى صحراء ناميبيا الواقعة في جنوب غرب أفريقيا التي لا تتوفر المياه على أراضيها وتشهد هطول أمطار بمعدل يتراوح ما بين 1.3 إلى 5 سم سنويًا. وتعرف الخنافس بأنها محبة للضباب، حيث تتجه له مرات عديدة حال ظهوره خلال الأسبوع لتجمع المياه اللازم لإبقائها على قيد الحياة، حيث تقوم بتجميعه في بطنها لينتقل بعد ذلك لفمها. قام الباحثون بدراسة الخنافس لعقود عديدة وكشف العديد منهم عن وجود المزيد من الأسرار فيها خلال السنوات الأخيرة.

استوحى الباحثون آلية جمع المياه من خنفساء الصحراء، حيث توصلوا إلى أن الأسطح الخشنة ذات النتوءات أكثر فعالية في جميع المياه من الأسطح الملساء. صورة: أنس البني, مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا

قام العالم الفيزيائي في جامعة أكرون في ولاية أوهايو الأمريكية، هنتر كنغ، وفريقه البحثي بالحصول على بعض الإشارات من النتوءات الموجودة على ظهر الخنفساء وتوصلوا إلى أن شكل وتركيبة تلك النتوءات قد تؤدي دور “مغناطيس الضباب”، لا سيما وأن 1 مليمتر من النتوءات قادرة على التقاط المياه بفعالية تتجاوز نسبة 2.5 لسطح أملس بنفس المساحة.

قال هنتر: “تكمن أهمية هذا الاكتشاف في الحصول على تنقية معززة لجسيمات المياه التي يصعب التقاطها ولكنها في نفس الوقت تتميز بقصور ذاتي متدني”.

وفي العام 2021، أعلن باحثون من جامعة فوجو وجامعة سوشاو في الصين وجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة عن آلية محاكاة الهيكل الخارجي للخنفساء مع الدمج بين المواد المائية والمواد غير المائية وجسيمات النحاس بهدف زيادة معدل جمع المياه من الضباب، حيث توصل الباحثون بعد ذلك إلى أن المواد الحيوية التي استعانوا بها خلال عملية المحاكاة مناسبة بشكل فعال لإنتاج المياه على نطاق واسع.