تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
تتصاعد مشكلة المخلفات الفضائية في ظل تزايد سباق استكشاف الفضاء، حيث تدور ملايين القطع من المخلفات الفضائية حول الأرض. لذلك، سارع العلماء إلى دق ناقوس الخطر للإنذار بأهمية هذه المشكلة التي تشكل خطرًا كبيرًا على مهمات استكشاف الفضاء مستقبلًا.
يعتبر مدار الأرض المنخفض، والذي يقع على بعد 2،000 كيلومتر أو أقل من سطح الأرض، موطنًا لمجموعة كبيرة من المخلفات الفضائية التي تتكون من الأقمار الصناعية المعطلة ومراحل الإطلاق الصاروخية العلوية وأجزاء من انفجارات فضائية وبقايا قطع ناتجة عن إطلاق صواريخ لإسقاط أقمارها الصناعية. ويصل حجم قطع حطام الفضاء إلى أكبر من كرة التنس ولا يمكن الاستفادة منها في أي أغراض وظيفية، لا سيما أن هناك كمية كبيرة من تلك المخلفات المتطايرة في الفضاء.
وتسير هذه المخلفات بسرعات هائلة.
لك أن تتخيل أنك تقود السيارة عائدًا إلى منزلك من العمل بسرعة 80 كيلومتر في الساعة، فيطير حجر صغير ضاربًا الزجاج الأمامي في سيارتك ليصدر عن ذلك صوت مرتفع وتلاحظ فيما بعد حدوث شق في الزجاج الأمامي. وفي هذا السياق، تساهم سرعة كل من الجسمين، السيارة والحجر، في تحديد مستوى الضرر.
الآن، تخيل أنك تسير بسرعة 25,000 كيلو متر في الساعة ويسير الحجر كذلك بنفس السرعة، سيكون التصادم مع الحجر في هذه الحالة كارثيًا، على الرغم من أن الجسم قد يكون دقيقًا جدًا إلا أنه بالإمكان أن يتسبب في حدوث خطر جسيم.
لاحظ رائد الفضاء (تم بيك) من وكالة الفضاء الأوروبية، في العام 2016 وجود تصدعات في نافذة المراقبة في محطة الفضاء الدولية. وورد في خبر صحفي أن رائد الفضاء تم بيك التقط صورة لشقوق النافذة وعلق على ذلك قائلًا: “أتعرض في معظم الأحيان للسؤال عما إذا كانت محطة الفضاء الدولية قد اصطدمت بالمخلفات الفضائية. نعم، وُجد هذا الشرخ في أحد نوافذ المحطة وأنا سعيد لأنها مزودة بأربع طبقات زجاجية”.
يعود سبب تلك التصدعات إلى قطع الطلاء العابرة في الفضاء.
الجدير بالذكر أنه يوجد حوالي 27,000 قطعة من الحطام التي يزيد حجمها عن 10 سنتيمتر يتم رصدها من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، كما يوجد أكثر من 100 مليون قطعة أصغر حجمًا تحوم في الفضاء من غير تتبع. لذلك، قد يؤدي اصطدام أي منها بالمركبات الفضائية أو الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية إلى حدوث نتائج مدمرة وبالتالي التسبب بالمزيد من الحطام الفضائي، وهكذا.
تُعرف هذه السلسلة التفاعلية باسم (متلازمة كيسلر)، حيث اقترح عالم الفيزياء الفلكية وعالم سابق في وكالة ناسا، دونالد جيه كيسلر، أنه في مرحلة ما سيكون هناك الكثير من الحطام في مدار الأرض المنخفض الذي سيواصل في الاصطدام وإنتاج المزيد من الحطام، لتصبح العملية بعد ذلك ظاهرة يصعب إيقافها وتصبح رحلات استكشاف الفضاء غير ممكنة مستقبلًا.
وعلى الرغم من أن كيسلر بالغ في نظريته، إلا أنها غير مستحيلة. وفي هذا الصدد، يرى الدكتور جون كراسيدس، الأستاذ في جامعة ولاية نيويورك وجامعة بافالو، أننا سنصل إلى هذه المرحلة في هذا الجيل.
قال جون في حواره مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “أرى أننا سنواجه مأزقًا كبيرًا خلال فترة الخمسين عامًا المقبلة أو أقل إذا واصلنا وضع الأجسام في الفضاء كما نقوم به في الوقت الحاضر”.
ويوجد المزيد من المخاطر وشيكة الحدوث والتي تهدد الأقمار الصناعية وغيرها من المركبات الفضائية في مدار كوكب الأرض المنخفض، خاصة أن الخمسين عامًا ليست بعيدة.
وأضاف جون، الذي يعمل في وكالة ناسا وسلاح الجو الأمريكي بهدف رصد الحطام الفضائي: “يعتبر الخطر الأكبر هنا الذي يهدد حياة الإنسان خاصة الأفراد الموكلين بالمهمات خارج المركبات، حيث يسير الحطام بسرعة 17,000 ميل في الساعة، ما يتيح له اختراق بدلة رواد الفضاء حتى وإن كانت قطعًا في غاية الدقة”.

ومن الأخطار الأخرى الناتجة عن الحطام تلك التي تؤثر في الأقمار الصناعية الفعالة في مدار كوكب الأرض المنخفض. قد لا يبدو ذلك مثيرًا للقلق، لكن تساهم هذه الأقمار الصناعية في تمكين سكان كوكب الأرض من إجراء المكالمات على أجهزة الآيفون ومشاهدة الفيديوهات على تطبيق تيك توك والمشاركة في الاجتماعات على تطبيق زوم وكسب الملايين كمدونين على منصة يوتيوب. وإذا ضُربت هذه الأقمار بقطع الحطام الفضائي الذي يسير بسرعة تزيد عن 25,000 كيلومتر في الساعة، قد يذهب جيل إكس وجيل الألفية وجميع سكان الأرض في رحلة، لا إلى الفضاء، بل إلى الماضي.
وهناك أيضًا بعض المخاوف الأخرى التي تتمثل بوجود 10 أفراد في محطات فضائية فعالة، كما توجد محطتين فضائيتين في مدار كوكب الأرض المنخفض مأهولتين وهما، محطة الفضاء الدولية ومحطة الفضاء تيانغونغ الصينية. وتتم حماية محطات الفضاء من قطع الحطام التي يصل قطرها إلى 1.5 سنتيمتر من خلال هياكلها الخارجية، وبخلاف ذلك يجب مغادرتها وإخلائها. وقد أثبت الحلان نجاحهما إلى الآن.
وفي هذا الصدد، فقد أطلقت روسيا في العام 2021 صاروخًا إلى أقمارها الصناعية كاختبار نتج عنه أكثر من 3,500 قطعة من الحطام شكلت خطرًا يهدد جميع القاطنين في محطة الفضاء الدولية واضطر رواد الفضاء للانتقال إلى الكبسولات الفضائية التي ترسو في المحطة لحاجتهم للهروب السريع. وقد تم في أكتوبر من العام 2022 نقل محطة الفضاء الدولية إلى أعلى بمقدار 0.2 ميل لتفادي المزيد من قطع الحطام الناتج عن هذا الاختبار.
تعد هذه الخطوة الوقائية التي وصلت تكلفتها إلى مليون دولار أمريكي في غاية الفعالية، خاصة أنه قد ينجم عن تصادم قطعة من الحطام يتراوح قطرها ما بين 1 و 10 سنتيمتر أضرار بقيمة مليوني دولار أمريكي لإصلاحها. ووفقًا لما قاله جون، أن هذه الخطوة هي واحدة فقط من أكثر من 20 خطوة دفاعية تم تنفيذها لتجنب قطع الحطام في الفضاء.
وعلى الرغم من التكاليف الباهظة لنقل محطة الفضاء، إلا أنه يعتبر حلًا فعالًا في الوقت الراهن، حيث يشير الخبراء إلى أن زيادة حجم الحطام الفضائي في كل عام ستحد من وجود بيئة فضائية آمنة.
إضافة لذلك، اكتشف الباحثون أن الاصطدامات ليست العامل الوحيد الذي يشكل خطرًا على البيئة.
توصلت دراسة، أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في العام 2023، إلى وجود جسيمات معدنية مصاحبة للمواد المستخدمة في بناء المركبات الفضائية في طبقات الغلاف الجوي العليا، ويحدث ذلك نتيجة تبخر فتات الصواريخ والأقمار الصناعية المتعطلة حال عودتها إلى الغلاف الجوي في الكرة الأرضية.
ولكن، ما الحل؟
وضعت منظمة الأمم المتحدة بعض المبادئ الإرشادية للحد من حطام الفضاء، لكن لا يوجد هناك أي تشريعات تُحمل مستكشفي الفضاء مسؤولية الفوضى التي يتسببون بها. لذلك، يعود الموضوع في هذا الإطار إلى الابتكار واتباع السلوكيات الصحيحة.
وقال جون: “لا يمكننا أن نفرض على الدول اتباع مبدأ الأمم المتحدة رقم (4) والذي ينص على تجنب التخريب العمد وغيرها من الأنشطة المسببة للضرر، ويجب على قادة الدول التشاور بينهم في هذا الشأن وهذه هي الخطوة الأولى، في الوقت الذي لا تقوم جميع الدول بذلك. من جهة أخرى، يتبع كل من الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم من الدول عددًا من التعليمات الإرشادية”.
وتقوم بعض الحكومات في العديد من الدول بما يمكن فعله لتنظيف مخلفاتهم الفضائية، حيث ظهرت شركات تجارية ناشئة تساهم في التقاط قطع الحطام المتطاير في الفضاء كالشركة اليابانية “آستروسكيل” على سبيل المثال.

توفر شركة آستروسكيل خدمات إزالة حطام الفضاء، حيث يمكن لبرامج الفضاء والشركات الخاصة في جميع أنحاء العالم توظيفها لجمع الحطام وسحبه إلى الغلاف الجوي في كوكب الأرض ليحترق. وتخطط أستروسكيل لأول مهمة إزالة حطام لها في العام 2025، حيث تسعى الشركة لأن تلهم الحراك العالمي لإزالة حطام الفضاء.
وفي نفس الوقت، تعاونت وكالة الفضاء الأوروبية مع شركة ناشئة تدعى “كليرسبيس” بهدف إطلاق قابض يساهم في التقاط مخلفات الفضاء ونقله إلى الغلاف الجوي ليحترق. ويتوقع أن يقوم هذا القابض بإزالة القطعة الأولى من الحطام الفضائي في 2025.
وقد يتسبب ذلك بالعديد من المشكلات، حيث توصلت الدراسة التي أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في العام 2023 أن ذلك الحل سيساهم في استنزاف طبقة الأوزون.
وركز بحث جون بشكل رئيس على إجراءات الوقاية حيث قال: “يمكن أن نحقق الوقاية من التصادمات الفضائية من خلال تحديد خصائص الحطام باستخدام الصور، حيث يمكن الاستفادة من هذه النماذج لتحديد أماكن الحطام بشكل أفضل، وبالتالي يمكننا تحديد مدى إمكانية حدوث الاصطدام بالأقمار الصناعية الفعالة”.
ويعمل كل من جون وزملائه على مشروع يهدف إلى إعادة تدوير حطام الفضاء، ولكن يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا عمليًا خلال فترة تتراوح من 15 و20 عامًا.
وأكد جون على أنه عملي يومًا سيكون هناك حل عملي بكلفة اقتصادية معقولة للتصدي لمشكلة حطام الفضاء.
وفي تصريحاته لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، أشار جون إلى أن: “الخيال العلمي اليوم هو حقائق المستقبل، ومن أهم الأمور التي يمكن أن نفعلها هي اتباع مبادئ الأمم المتحدة والحد من إنتاج حطام الفضاء، ومن ثم تطوير التكنولوجيات التي تساهم في التقاط الحطام لتنظيف الفضاء من المخلفات”.