يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››

تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 8.3 مليار طن من المواد البلاستيكية في كوكب الأرض ويشكل أكثر من 6.3 مليار من تلك المواد نفايات بلاستيكية، وتعتبر إعادة التدوير حلًا غير ممكنًا لجميع هذه المواد. وفي هذا الصدد، يبحث العلماء في مختلف أنحاء العالم في الحلول العضوية التي تتمثل في حشرة البق الجائعة والإنزيمات والبكتيريا الناتجة عنها.
أجرى الدكتور كريس رنكي وفريق من الباحثين من جامعة كوينزلاند في أستراليا دراسة في العام 2022 نُشرت في المجلة العلمية “ميكروبايل جينومكس“، وتتمحور هذه الورقة حول مشروعهم البحثي في الكشف عن نوع من أنواع الخنافس يُسمى زوفوباس موريو زوفوباس موريو
وتُعرف أيضًا هذه الحشرات باسم (الديدان الخارقة) وتتغذى على المواد المتحللة كأوراق الأشجار الميتة وجثث الحيوانات، كما يمكن أن تعيش من خلال الغذاء على البوليسترين وحده. ويمكن لمعظم هذه الديدان الخارقة أن تجتاز المرحلة الانتقالية لتصبح خنفساء بالغة من خلال نظام غذائي قائم على البوليمرات الاصطناعية المستخدمة بشكل خاص في صناعة ألواح التزلج والأكواب القابلة لإعادة الاستخدام.
وقال الدكتور كريس لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “لاحظنا أن الديدان الخارقة تقوم بتفتيت البوليسترين وابتلاعه، لتقوم بعد ذلك البكتيريا الموجودة في أمعاء الديدان بتذويب البلاستيك أكثر فأكثر، كما لاحظنا العديد من الإنزيمات المشفرة المرتبطة بتذويب البوليسترين في أمعاء البكتيريا”. إضافة لذلك، يسعى الفريق إلى البحث في عمليات تذويب مواد بلاستيكية حرارية أخرى تشمل البولي إيثيلين والبولي بروبيلين.
وقد يتبادر إلى أذهاننا قيام بعض الجهات المحلية المسؤولة عن التخلص من النفايات بإنشاء مزرعة كبيرة للديدان لتقوم بمهام تحليل البوليسترين غير المرغوب به، لكن أوضح الدكتور كريس عبر إذاعة (إن بي آر) أنه من الأسهل والأفضل من الناحية الاقتصادية إعادة إنتاج الإنزيمات التي تتيح للخنافس تحليل مواد قطع غسالات الأواني ومواد التغليف على سبيل المثال. ويمكن رش مزيج الإنزيمات المصنعة على النفايات بعد تفتيتها وإضافة بعض الميكروبات عليها للحصول على مواد بلاستيكية حيوية.

ونوَّه الدكتور كريس إلى أن توفر الإنزيمات للاستخدام الصناعي سيتطلب بعض الوقت.
وأضاف: “ستتطلب العملية تمويلًا بحثيًا كبيرًا والعديد من السنوات لتحديد خصائص الإنزيمات التي تدخل في تحليل البوليسترين، ولكن في حال وجدنا إنزيمات أكثر فاعلية يمكننا توفير حل بيولوجي لتحليل النفايات البلاستيكية”.
وفي نفس الوقت، يشجع الدكتور كريس المستهلكين على تفادي استخدام البلاستيك قدر الإمكان، خاصة العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
وصرح لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “إذا كان لابد من استخدام المواد البلاستيكية، يجب إعادة تدوير النفايات البلاستيكية. إضافة لذلك، يعتبر من الضرور ي حث المجالس المحلية على زيادة عمليات إعادة تدوير المواد البلاستيكية”.
اليرقات الجائعة
تبين أن هناك حشرات أخرى تتخذ من المواد البلاستيكية غذاءً لها غير حشرة الـزوفوباس موريو.
أجرى باحثون في بولندا دراسة على نوع من الخنافس يُسمى (تينيبريو موليتور)، حيث نشروا نتائج دراستهم البحثية في المجلة العلمية “بوليمرز“.
وقام الباحثون بتغذية الحشرة، التي تعرف باسم دودة الجريش الصفراء والتي تنتمي لفصيلة الخنافس، على رغوة البوليسترين (بي إس). ويشمل النظام الغذائي نوعين من البوليسترين هما، رغوة البولي يوريثين (بي يو 1) و(بي يو 2) التي تتضمن الإسفنج المستخدم في المطابخ والرغوة المواد العازلة التجارية، ورغوة البولي إيثيلين (بي إي) المستخدمة بشكل شائع في تغليف المواد.
وتوصل الباحثون إلى أن الاختلافات الجينية بين مجموعات ديدان الجريش الصفراء قد يتم تحديدها من خلال معدلات الاستهلاك المختلفة، حيث يمكن استهلاك كيلو غرام واحد من (بي إس) و(بي يو 1) و(بي يو 2) و(بي إي) خلال مدة 58 يومًا من قبل حشرة الزوفوباس موريو بأوزان مختلفة هي 40.5 كيلو غرام و46.0 كيلوغرام و36.5 كيلوغرام و30.9 كيلو غرام على التوالي.
من آفة إلى فرصة
وذكر الباحثون البولنديون أصنافًا أخرى من الحشرات التي تتغذى على البلاستيك تشمل حشرة جاليريا ميلونيلا، التي تعرف بدودة الشمع والتي تم اكتشاف رغبتها في تناول المواد البلاستيكية بشكل عرضي عندما قام الباحث بوضعها في كيس من البلاستيك ولاحظ لاحقًا وجود ثقوب في هذا الكيس. وقد تم تسليط الضوء على نتائج هذه الدراسة في دراسة حديثة أجريت بجامعة براندون في كندا.

وتتميز دودة الشمع، التي تهاجم خلايا النحل وتتغذى على الشمع، بقدرتها على هضم البولي إيثيلين، وهو نوع من البلاستيك موجود في أكياس التسوق، وإفراز مادة جليكول الإيثيلين التي تعتبر مادة كحولية تُستخدم كمضاد للتجميد.
وتضمنت الدراسة 60 دودة من ديدان الشمع قامت باستهلاك قطعة من البلاستيك بلغ طولها 30 سنتيمتر مربع في أقل من أسبوع، ونشر الباحثون نتائجهم البحثية في المجلة العلمية كرنت بيولوجي.
تمتلك ديدان الشمع قدرة كبيرة على استهلاك المواد البلاستيكية بمفردها، لكن قام الباحثون بإضافة بكتيريا معوية قادرة أيضًا على العيش على البولي إيثيلين لمدة عام كمصدر وحيد للغذاء. وبذلك، ساهم الجمع بين كل من ديدان الشمع والبكتيريا في تسريع التحلل الحيوي للمواد البلاستيكية، ولكن يؤكد الباحثون على أن ديدان الشمع والبكتيريا ليست الحل لمشكلة البلاستيك وأنه يجب التركيز على طرق ممكنة أخرى لإدارة النفايات البلاستيكية.
الدخول في عالم الميكروبات
ظهرت أنواع مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة، ليست الحشرات وإنما الميكروبات، كحلول ممكنة لمشكلة النفايات البلاستيكية في العالم.
وفي هذا الإطار، اكتشف باحثون في العام 2016 في مكب للنفايات في اليابان بكتيريا تطورت بشكل طبيعي من خلال أكل البلاستيك، وقاموا بدراسة الإنزيم لمراقبة آلية تطورها والتعديل عليه ليتمكن من تحليل البولي إيثيلين تيريفثالات، وهو نوع من المواد البلاستيكية المستخدمة في صناعة عبوات المشروبات الغازية.
ومؤخرًا، توصل مجموعة من الباحثين في السويد إلى حقيقة أن الميكروبات في جميع أنحاء العالم تعيش على أكل النفايات البلاستيكية الموجودة في قمم الجمال وفي أعماق المحيطات والشواطئ الاستوائية البعيدة. ونشر الباحثون نتائج دراستهم، والتي تعد الأولى من نوعها في تقييم قدرة الميكروبات التي تتغذى على المواد البلاستيكية عالميًا، في المجلة الدولية “إم بيو“.
وتوصل الباحثون، بعد أن قاموا بفحص 200 مليون جين، إلى وجود 30,000 إنزيم قادر على تحليل 10 أنواع من البلاستيك.
ولاحظوا أن عدد الإنزيمات وأنواعها مطابقة لكميات البلاستيك وأنواعه، حيث وجدوا أن كائن دقيق واحد من كل أربعة كائنات دقيقة تم فحصها تمتلك إنزيمًا قادر على تحليل المواد البلاستيكية.
وعلق الباحث جان زريمك من جامعة تشالمرز في مجلة الـ “غارديان“: “لم نتوقع وجود هذا العدد الكبير من الإنزيمات في العديد من الميكروبات والبيئات المختلفة، وهذا اكتشاف متميز يوضح حجم المشكلة”.
يقول الدكتور ديفيد شيهان من جامعة خليفة: “تساهم الميكروبات بتطوير إنزيمات قادرة على تحليل المواد البلاستيكية خلال وقت قصير من تطورها. وإذا قمنا بتحديد مجموعة من هذه الإنزيمات، يمكن أن نستفيد من منهجيات هندسة الإنزيمات لتحسين نشاطها وتوسيع نطاقها وإنتاجها على صعيد تجاري كما هو الحال في إنتاج المنظفات البيولوجية”.