يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
تسرد لنا الكاتبة، في بداية هذا المقال، تجربتها بعد حضورها الشهر الماضي لحفل فرقة الروك البريطانية “كولدبلاي”، مشيرةً إلى استغرابها من أن وجود التكنولوجيا في الحفل لم يكن مجرد عنصر ترفيهي، فقد كانت تجربتها خلال الحفل الذي شهد حضور 45 ألف معجب مختلفة تمامًا كما لم تشاهد مثلها من قبل، حيث لم تكن التكنولوجيا في هذا الحفل عنصرًا كماليًا، وإنّما كانت جزءًا لا يتجزّأ من عرض مستدام.
تنتُج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالحفلات الموسيقية عن مجموعة واسعة من المصادر تشمل السفر وحجز التذاكر وإلكترونيات الجمهور واستهلاك الطاقة لإعداد المسرح والإضاءة والصوت والتهوية وإقامة الحاضرين في الفنادق وأعضاء الفرقة وطاقم العمل، إضافة للنفايات الناتجة عن التعبئة والتغليف والبلاستيك.
صرّحت فرقة “كولدبلاي” في مقابلتها مع هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) بعد إطلاق ألبوم “إيفريداي لايف” عامَ 2019، بأنها ستتوقف عن القيام بجولاتها الموسيقية إلى أن تتمكن من ضمان إمكانية القيام بذلك على نحوٍ مستدام.
وقال قائد الفرقة كريس مارتِن: “سنستفيد من بعض الوقت خلال العام أو العامين المقبلين لمعرفة الطريقة التي من خلالها يمكن لجولتنا أن تكون مستدامة وفعالة”.
وبعد عامين، تعهّدت الفرقة بالتزامن مع إعلانهم عن جولتهم الموسيقية “ميوزيك أوف ذا سفيرز” في عام 2021، بخفض الانبعاثات الكربونية المباشرة بنسبة 50%، بما يشمل كافّة جوانب الإنتاج والسفر.
تشمل الابتكارات المستخدَمة لخفض انبعاثات الكربون، مراكز الطاقة حول كل منطقة والتي تتكون كلُّ واحدة منها من 44 بلاطة مستدامة ليرقص عليها الجمهور، إضافةً لـ 15 دراجة هوائية ثابتة تولّد الطاقة لتسهم في تشغيل العرض، حيث يتم تسجيل البيانات التي تُجمع من هذه المراكز والتي تشمل كميةَ الطاقة المنتَجة أثناء الأغاني والعروض وخلال الجولات الغنائية.
“تشمل مظاهر ذلك جمعُ كميات غير مسبوقة من البيانات واتخاذ إجراءات محدّدة مبنيّة على تحليل دقيق، حيث تقوم “كولدبلاي” بنمذجة مسارٍ نحو مستقبل تنخفض فيه الانبعاثات الكربونية ويتميّز بالتنوّع الحيوي والعدالة أيضًا”.
”
جون إي فيرن إرمنديز، مدير مبادرة الحلول البيئية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
يبلغ معدّل الطاقة التي تنتجها هذه الأنظمة، إلى جانب الألواح الشمسية الموضوعة حول الملعب، حوالي 17 كيلو واط لكل ساعة كلَّ ليلة، وهو ما يكفي لتشغيل المسرح الرئيس.
تشجع الفرقة أيضًا حضورَ الحفلِ باستخدام وسائل النقل العام وحافلات النقل الجماعي المنظمة لهذا الحدث واستخدام محطات المياه الموزّعة حول المكان، كما تطلب من الجمهور إحضار عبوات قابلة لإعادة التعبئة.
تستخدم كل رحلة، بما في ذلك رحلات نقل البضائع ورحلات الطيران الخاصة، وقود الطائرات المستدام، كما يُبنى المسرح بمواد خفيفة الوزن معادٌ تدويرها وقابلة لإعادة الاستخدام.
صرحت الفرقة، في عام 2023، عن استخدام نظام بطارية محمول مصنوع من بطاريات سيارات من طراز بي إم دبليو آي 3، والمعاد تدويرها، في تشغيل 18 عرضًا موسيقيًا، كما تمكّنت من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 59% خلال الفترة 2022-2023، مقارنة بجولتهم في عام 2016.
لكن لا ينصبّ تركيز الفرقة على الانبعاثات المباشرة واستهلاك الطاقة فحسب.
تركز فرقة “كولدبلاي” أيضًا على إدارة الغذاء والنفايات، حيث أرسلت 72% من نفايات الجولة الفنية ليُعاد استخدامها أو تدويرها أو تحويلها لسماد، كما تبرعت بما يقارب الـ 10,000 وجبة من الوجبات المُقدّمة خلال الجولة للمشردين، في نفس الفترة الزمنية الممتدة لعامين.
تمت زراعة شجرة عن كل تذكرة تم بيعها، وتعاونت الفرقة مع العديد من المنظّمات التي تركز على الاستدامة، بما في ذلك “كلاينت إيرث” و”وان تري بلانتِد”. إضافةً لذلك، صُنعت بضائع جولة “كولدبلاي” من مواد عضوية ومعاد تدويرها.
يبدو أنهم قد غطوا جميع الجوانب، لكن هل هذا كافٍ؟
تُشيد المؤسسة البحثية “كاربُن ماركِت ووتش” بجهود الفرقة، لكنها تشير إلى أن بعض المعلومات مفقودة من بياناتها مثل الانبعاثات الناتجة عن سفر المعجبين، كما ترى أنه يمكن للفرقة أن تساهم في الحد من هذه الأرقام من خلال إقامة عدد أقل من الحفلات الموسيقية.
راجعت مبادرةُ الحلول البيئية لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، البيانات وادّعاءات الاستدامة وتحقّقت منها.
قال جون إي فيرن إرمنديز، مدير مبادرة الحلول البيئية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في هذا الصدد: ” تعتبر “كولدبلاي” فرقة رائدة في مجال اهتمامها بمختلف التحديات البيئية والاجتماعية المترابطة التي تواجه البشرية والتصدّي لها أيضًا، وتشمل تلك التحدّيات تغيّر المناخ وفقدان التنوع الحيوي وتلوث الهواء والماء والظلم البيئي وغير ذلك المزيد”.
“أثبتت فرقة “كولدبلاي”، عامًا بعد عامٍ، رؤيتها المتطورة والتزامها المتزايد لدفع صناعة الموسيقى بالكامل نحو الاستدامة الإنسانية الحقيقية ومرونة كوكب الأرض. وتشمل مظاهر ذلك جمعُ كميات غير مسبوقة من البيانات واتخاذ إجراءات محدّدة مبنيّة على تحليل دقيق، حيث تقوم “كولدبلاي” بنمذجة مسارٍ نحو مستقبل تنخفض فيه الانبعاثات الكربونية ويتميّز بالتنوّع الحيوي والعدالة أيضًا”.
على الرغم من ذلك، تعتبر فرقة “كولد بلاي” من القلائل الذين يتخذون تدابير جادة ومهمة لتحقيق الاستدامة البيئية على الصعيد الفني.
يُجري معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أبحاثه الخاصة بقيادة جون وعالمة بحثيّة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نورهان بيومي من المجموعة البحثية “ذا كلايمِت ماشين”، التابعة لمبادرة الحلول البيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نظرًا لندرة البيانات الشاملة على مستوى المجال.
يقول جون: “يضع هذا التحليل الأخير لتأثير “كولدبلاي” على البيئة من الجولات مرة أخرى معيارًا جديدًا لمجال الموسيقى بأكمله، حيث تشهد البيانات وطرق التحليل على التقدّم الكبير الذي أحرزته الفرقة لتقليل الانبعاثات الناتجة عن الجولات الفنية”.