يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
تبين خلال فترة جائحة كوفيد-19، أن بعض التكنولوجيات المصممة خصيصاً للأفراد في الحجر الصحي حظيت بمكانة بارزة وأهمية كبيرة.
وقد حقق تطبيق “زوم” شهرة واسعة، وكذلك تطبيق “بيلاتون” الرياضي وتطبيق “نتفلكس” الذي برز في مجال الترفيه.
تحولت الأيام الأولى الواعدة لهذه التطبيقات في النهاية إلى خيبة أمل في سوق الأسهم عندما عانت تلك الشركات من التراجع والانتكاس بعد أن انتهاء فترة الحجر في المنازل.
ولكن أدت الجائحة بالفعل إلى تنشيط بعض أشكال التكنولوجيا التي يبدو أنها ظهرت لتبقى وانتشرت على نطاق أوسع وبشكل منطقي أكثر من التكنولوجيات الاستهلاكية التي ذكرناها سابقًا، والتي يبدو أنها ستؤثر لفترة طويلة على الطريقة التي نعيش بها بدءًا من أسلوب التغذية، وصولًا إلى كيفية التحدث مع أطبائنا.
لنلقي نظرةً على التكنولوجيات الفائزة في هذا السباق التكنولوجي.

التعلم عن بُعد
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، خرج أكثر من 1.2 مليار طفل من الفصول الدراسية أثناء الوباء.
وكما هو الحال مع التقنيات الأخرى المدرجة هنا، كانت تكنولوجيا التعليم في مرحلة ازدهار قبل وقت طويل من ظهور الفيروس، حيث ذكر موقع (ماركت إنسايدر) وجود استثمارات بقيمة 18.66 مليار دولار في عام 2019 و16.34 مليار دولار في العام السابق في تكنولوجيا التعليم، لكن أزمة فيروس كورونا أدت إلى زيادة الحاجة إلى هذه التكنولوجيا خاصةً مع إغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم، ومكافحة الأُسر من أجل التكيف مع التعلم في المنزل على نطاق غير مسبوق.
ويحاول الباحثون الآن الحصول على صورة كاملة لعواقب ذلك الخلل. ففي إحدى الدراسات المنشورة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم، وجد بير إنجزيل وفريقه من جامعة أكسفورد أن الطلبة بشكل عام أحرزوا تقدماً ضئيلاً ويكاد أن يكون معدوماً نتيجة الدراسة من المنزل، وأن الطلبة في المنازل التي تفتقر إلى الخدمات تراجعت مستوياتهم بشكل كبير.
ومن جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن التعلم الإلكتروني سيواصل طريقه في اكتساب القوة داخل وخارج الفصول الدراسية.
وفي تعليقها لمجلة “نيتشر”،تقول باربرا ب. لوكي، من كلية فيرجينيا للتكنولوجيا التعليمية، إن المستقبل سيكون هجينًا يختار من خلاله المعلمون الأساليب التربوية المناسبة من ضمن مجموعة الأساليب. أما التغييرات الأخرى التي تراها مستمرة فتشمل: وجود مواعيد نهائية مرنة للواجبات والمزيد من خيارات الطلبة بشأن طرق التعلم والخبرات التي تتضمن التعرف إلى تطبيقات ذات فعالية لاكتساب مهارات جديدة، مثل المشاريع التعاونية التي تتطلب أدوات إبداعية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أعربت تشارلوت كولز، رئيسة محتوى سلسلة الجامعات الرقمية في مؤسسة التايمز والتي تجري العديد من المؤتمرات في جميع أنحاء العالم في هذا الموضوع، عن تفاؤلها بشأن مستقبل التعليم الإلكتروني في الجامعات مستقبلًا.
وقالت تشارلوت لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “أصبح التعليم الإلكتروني في ظل مواصلة التقدم التكنولوجي جزءًا أساسيًا في منهاج التعليم العالي يجمع ما بين الاتصال المباشر وغير المباشر ويساهم في دعم نقل المعرفة على نطاق واسع”.
وأضافت: “تعتبر فوائد التعلم الإلكتروني عديدة، مما سيتيح للمؤسسات بناء بيئات تعليمية تُمكّن أنماط التعلم الفردية من الازدهار بطريقة منخفضة التكلفة. ومع ذلك، هناك بعض المخاوف المتعلقة بانخفاض مستوى المهارات الرقمية عند الطلبة وأعضاء الهيئة الأكاديمية والتي تشكل عائقًا لا بد من معالجتها لضمان اعتماد هذا النمط بشكل واسع النطاق”.

توصيل المواد الغذائية
كان توصيل الطعام متاحاً قبل انتشار الوباء، ولكن أصبح اليوم من الصعب العثور على مطاعم غير مدرجة في تطبيقات التوصيل لأن عددًا كبيرًا من الأفراد بدأوا ينظرون إلى توصيل الوجبات على أنه ضرورة من ضرورات الحياة أكثر من كونه رفاهية. ووفقًا لموقع Newfoodmagazine.com إن التطبيقات قد تعيد تعريف معنى “المطعم”، لا سيما مع انتشار عربات الطعام ومطاعم الوجبات الجاهزة للتوصيل فقط.
وفي ورقة بحثية نشرتها المجلة الأوروبية للإدارة واقتصاديات الأعمال، يرى الباحثون أن الزيادة في الأجهزة الذكية منخفضة التكلفة والتحسين السريع في البنية التحتية للاتصالات اللاسلكية وضيق الوقت بالنسبة للأفراد وارتفاع القوة الشرائية، ساهمت في إيجاد الظروف المناسبة للتقدم في مجال توصيل المواد الغذائية.
وتقول شركة التسويق الألمانية “ستاتيستا” إن دولة الإمارات هي ثاني أكبر سوق لتوصيل الطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يبلغ حجم السوق السنوي 834 مليون دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، تستعين شركة “نتوورك إنترناشيونال” لإدارة خدمات تكنولوجيا المعلومات بتقارير تفيد بأن مطاعم دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في استخدام المطابخ السحابية، وهي مطابخ تجارية تساهم في إعداد الطعام لأغراض التوصيل وتحضير الوجبات الجاهزة، – ومنصات الإلكترونية لإطلاق علامات تجارية جديدة.
لكن يعتبر توصيل الطعام من المطاعم جزءًا من الصورة الأكبر، فقد ارتفع كذلك توصيل منتجات البقالة بشكل كبير خلال الجائحة؛ وشهدت أرباح أمازون وحدها نمواً بنسبة 200% تقريباً، ويرجع ذلك في الغالب إلى شراء المواد الغذائية.
وتشمل ورقة بحثية نُشرت عام 2021 في مجلة (كرنت ديفيلوبمنتس إن نيوترشن) دراسة استقصائية تؤكد أن نسبة 60% من الذين اعتمدوا على توصيل مواد البقالة أثناء الوباء يسعون لمواصلة التسوق بهذه الطريقة.

التسوق عبر الإنترنت
يريد الناس أن يتم توصيل العشاء وكل شيء آخر بمجرد بضع ضغطات على المفاتيح.
وقد نظرت دراسة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بعنوان “كوفيد-19 والتجارة الإلكترونية” في عادات الشراء لتسع دول أثناء الوباء، وخلصت إلى أنه من المرجح أن تستمر التغيرات لبعض الوقت.
شملت الدراسة البرازيل والصين وألمانيا وإيطاليا وجمهورية كوريا والاتحاد الروسي وجنوب إفريقيا وسويسرا وتركيا، ووجدت أن أكثر من نصف المشاركين يتسوقون بشكل أكبر عبر الإنترنت، وأنهم يبحثون في كثير من الأحيان على الإنترنت عن الأخبار والترفيه والمعلومات الصحية التي يتطلعون إليه
يقول موخيسا كيتوي، الأمين العام للأونكتاد، “لقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تسريع التحول نحو عالم يتميز بأنه أكثر رقمية، وسيكون للتغييرات التي نجريها آثار دائمة مع بدء تعافي الاقتصاد العالمي”.
وفي دولة الإمارات، أفاد استطلاع أجرته شركة ستاتستا في عام 2022 أن 48% من المشاركين حافظوا على عادات التسوق عبر الإنترنت قبل انتشار فيروس كورونا، بينما قال 32% إنهم تسوقوا بصورة أكبر عبر الإنترنت بعد الجائحة.

خدمة العملاء
مع تحول العالم إلى التسوق عبر الإنترنت، تحول المستهلكون أيضاً إلى قنوات الإنترنت لإجراء أعمالهم اليومية.
وتقول شركة الاستشارات الإدارية العالمية ماكنزي آند كو إن أزمة كوفيد-19 قد ساهمت في تسريع رقمنة خدمات العملاء لعدة سنوات: ثلاث سنوات في أمريكا الشمالية وأوروبا، وأربع سنوات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتستشهد ماكنزي أيضاً باستطلاع يرى أنه من المرجح الآن أن يقول المشاركون الذين تضاعف عددهم ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال قبل الوباء أن 80% من تفاعلات العملاء تحدث في الفضاء الرقمي.
وتقول شركة الأبحاث والاستشارات “فوريستر” إن مواقف المستهلكين تجاه القنوات الرقمية تتغير، حيث يفضل بعض العملاء التواصل مع فرق الدعم عبر الرسائل النصية.
وفي سياق متصل، تقول شركة “كلابريو” التي تنتج برمجيات لأماكن العمل، إن المكالمات الصوتية زادت أيضاً أثناء الوباء، حيث يتلقى وكلاء خدمة العملاء 7.2 مكالمة صوتية يومياً، الأمر الذي يؤثر سلباً عليهم. وتشير دراسة كورنيل أن 87% من العاملين في مراكز الاتصال أكدوا تعرضهم لمستويات عالية جداً من الضغوط أثناء العمل.
ولكن، قد يساهم تقدم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الأشخاص الذين يشهدون الكثير من التحديات والصعوبات في أعمالهم.
تقول شركة البرمجيات الهندية (مانترا لابس) إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً للغاية في تقديم خدمات مثل الإجابة على الأسئلة الشائعة وتقديم دعم العملاء الأساسي. وعلى عكس أنظمة الاستجابة الصوتية التفاعلية القديمة، فإنك سوف تشعر عند الحديث مع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة وكأنك تتحدث إلى إنسان.
وتتضمن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدخل حلقة خدمة العملاء روبوتات الدردشة؛ حيث يساعد الوكيل في تفسير ما يريده العميل ويقوم بالبحث في المقالات ذات الصلة وعرض المعلومات على شاشة الوكيل البشري؛ كما تتضمن وظائف الخدمة الذاتية التي تمنح العملاء الأدوات اللازمة لحل مشكلاتهم، بالإضافة إلى أتمتة العمليات الروبوتية من أجل أتمتة المهام البسيطة للموظفين؛ فضلاً عن التعلم الآلي لدعم الموظفين بالتحليلات التنبؤية.

المدفوعات الرقمية
يتزايد عدد الأشخاص الذين يقومون بالشراء عبر الإنترنت والذين يبحثون عن خيارات لا تتطلب التلامس كما في المتاجر التقليدية، لذلك من المنطقي أن يحظى الدفع الرقمي بوضع متميز أيضاً.
من جهته، يقول البنك الدولي أن جائحة كوفيد-19 ساهمت بتحفيز ظهور موجة من الإدماج المالي، ومن الأسباب المؤدية لذلك أن 40% من الأفراد الذين قاموا بعمليات الشراء سواء من داخل المحل التجاري أو إلكترونيًا عبر بطاقة دفع أو من خلال الهاتف أو الإنترنت في الدول ذات الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل (باستثناء الصين)، لم يقوموا بذلك قبل الجائحة.
ويضيف البنك الدولي أن ثلثي سكان العالم اليوم يقومون بالاعتماد على المدفوعات الرقمية.
وينبغي أن نشير إلى أن التحول الرقمي كان قادماً قبل وقت طويل من الإغلاق الذي تسبب به الفيروس في مختلف أنحاء العالم، لكن عمليات الإغلاق سرّعت هذه العملية.
وقد لجأ العملاء لاستخدام هذه الخدمة من أجل الحماية الصحية، ولكن يبدو أنهم سيواصلون الاعتماد عليها من أجل راحتهم.
من ناحيته، قال راجات تانيجا، رئيس التكنولوجيا في شركة فيزا لشبكة (سي إن بي سي): “تواصل الدول في جميع أنحاء العالم توسيع نطاق المعاملات بالدفع الإلكتروني، حيث ظهرت خدمات الدفع بدون تلامس لتبقى وسوف يتم تبنيها والاعتماد عليها بشكل متسارع”.
وتجدر الإشارة إلى أن المعاملات الرقمية بدون لمس كانت تتطلب في البداية أن تمرير العميل على بطاقته، بدلاً من تمريرها عبر قارئ، لكن العديد من العملاء الآن يستخدمون المحافظ الرقمية على هواتفهم أو التطبيقات الرقمية مثل (آبل باي).

الحوسبة السحابية
تعتمد الحوسبة السحابية على استخدام شبكة من الخوادم البعيدة التي يستضيفها الإنترنت لتخزين البيانات وإدارتها ومعالجتها بدلاً من استخدام خادم محلي أو كمبيوتر شخصي.
وفقًا لتقارير صادرة عن “الإيكونوميست”، استثمرت كلٌ من ألفابيت وأمازون ومايكروسوفت معاً ما يقرب من 120 مليار دولار أمريكي مؤخراً في الحوسبة السحابية؛ حيث تم إنفاق معظمها على مراكز البيانات والخوادم.
وحسب شركة الأبحاث جارتنر، كان من المتوقع أن تتجاوز المبيعات العالمية لصناعة الحوسبة السحابية 495 مليار دولار أمريكي في عام 2022.
وعلى الرغم من أن العديد من الصناعات تتبنى الحوسبة السحابية، فإن الصناعات الأكثر استثماراً في هذه التكنولوجيا هي التصنيع وتجارة التجزئة والجهات الحكومية والرعاية الصحية والزراعة، وذلك وفق التقارير الصادرة عن مزود الخدمات والبرمجيات البرازيلي ستيفانيني.

الرعاية الصحية
في العام 2019، وبلغ عدد استشارات المرضى الافتراضية للأطباء عن بُعد والتي يغطيها برنامج (ميديكير الجزء بي) في الولايات المتحدة 840,000 استشارة، وقد شملت اتصالات من المرضى عبر مزودي الخدمة وتتضمن مكالمات فيديو ومكالمات هاتفية وروبوتات دردشة ورسائل عن طريق المنصات، وقد قفز هذا الرقم إلى 52.7 مليون زيارة في عام 2020، وذلك وفقاً للباحثين في مكتب مساعد وزير التخطيط والتقييم التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية. ومن بين هذه الزيارات، جاءت 92% منها في منازل المرضى، والتي لم يكن مسموحاً بها بشكل عام قبل الوباء.
ويعمل نظام الرعاية الصحية الفيدرالي الأمريكي على تشديد القواعد الخاصة بسداد تكاليف الخدمات الصحية عن بُعد، لكن قالت الدكتورة جوليا شيفر في ورقة بحثية نشرتها في مجلة “بريم هيلث” أنه على الرغم من ضرورة إجراء دراسات لتحديد أفضل استخدام للتكنولوجيا مستقبلًا، إلا أنها ستظل جزءاً لا يتجزأ من الرعاية الطبية.
وعلى غرار خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، شهدت الأجهزة القابلة للارتداء أيضاً زيادة في الاهتمام خلال فترة الجائحة.
وقد أكد الباحثون الذين يدرسون هذه المسألة في ورقة بحثية ضمن مجلة “سينسورز” أن الأجهزة الطبية القابلة للارتداء تُستخدم في الرصد السلبي والعملي وقادرة على مراقبة المرضى باستمرار مع القليل من المدخلات من المستخدمين أو بدونها، كما يمكن استخدامها عن بُعد أو مع المرضى الداخليين؛ كما أنها توفر قياسات موضوعية توفر قراءات في الوقت الفعلي للمرضى والأطباء
وتشمل الأجهزة القابلة للارتداء تقنيات مثل أجهزة تتبع اللياقة البدنية وأجهزة الاستشعار الحيوية التي تأتي على شكل لاصقات. ومن بين المشاريع الخاصة بفيروس كورونا، تم الاستفادة من الأجهزة القابلة للارتداء لتحديد علامات العدوى عندما كان هناك نقص في مجموعات الاختبار.
وتتوقع شركة (جلوبال داتا)، وهي شركة استشارات وتحليلات بيانات مقرها لندن، أن تزدهر هذه الصناعة وأن يزيد حجم الاستثمار فيها من 59 مليار دولار أمريكي في عام 2020 إلى 156 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024.