الصورة : Shutterstock

عندما نسمع كلمة “بوتوكس” أو نراها في إعلان، فهي تقترن عادةً بالتخلص من تجاعيد الوجه أو الوقاية منها. وبينما يُعَد الجمال هو المحرك الأكبر لسوق “البوتوكس”، إلا أن ذلك يمثل جزءًا صغيرًا من القصة الكاملة، حيث تعتمد مجموعة كبيرة من العلاجات الطبية الهامة على “البوتوكس” أيضًا، وليس لها أي علاقة باستعادة الشباب.

شهد عام 2024 وحده إجراء أكثر من 9 ملايين جلسة علاجية حول العالم، بزيادة تجاوزت 26% منذ عام 2021، وكان نحو 85% من المستخدمين من النساء بمتوسط عمر 43 عامًا. وارتفع عدد الرجال الذين يستخدمون البوتوكس، ويتوقع أن يصل إلى 17% في عام 2025، مقارنة بـ 12.3% في عام 2018.

استخدم طبيب العيون الأميركي، آلان سكوت، بروتين “بوتيولينيوم توكسين إي”، وهو سُم عصبي تفرزه بكتيريا تسمى “كلوستريديوم بوتولينيوم” (الاسم التجاري للبوتوكس) لأول مرة كبديل للجراحة لتخفيف نشاط العضلات المفرطة في العين عن طريق شل العضلات وقطع إشارات أعصاب محددة.

وعندما باع آلان حقوق استخدام الدواء، والذي كان يسمى آنذاك “أوكيولينيم”، إلى شركة “أليرغان” للأدوية مقابل 4.5 مليون دولار في عام 1991، لم يكن يدرك مدى تعدد استخدامات هذا الدواء. وكان الدواء يُستَخدَم آنذاك لعلاج الرمش غير قابل للسيطرة والعيون غير المتوازية. واليوم، بعد أن أصبحت قيمته مليارات الدولارات، يواصل البوتوكس إثبات فعاليته من خلال قائمة متزايدة من التطبيقات الطبية.

لدينا مثلًا الصداع النصفي الذي يوقف حركة الناس ويمنعهم من استكمال حتى أبسط أعمالهم اليومية. يصيب هذا النوع من الصداع أكثر من مليار شخص على مستوى العالم سنويًا.

ولقد اعتمدت “إدارة الغذاء والدواء” الأميركية استخدام “البوتوكس” كعلاج للصداع النصفي في عام 2010.

يتم حقن البوتوكس بشكل استراتيجي حول مناطق الرأس والعنق لإيقاف مسار الألم المتصل بالجهاز العصبي المركزي داخل أعصاب الدماغ والحبل الشوكي. ويعمل سُم “بوتيولينيوم” على تعطيل الناقلات العصبية والجزيئات التي تُفرَز أثناء الصداع النصفي عند نقطة اتصال الأعصاب بالعضلات.

لقد ثبت أن هذا العلاج فعّال للأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي المزمن، أي من لديهم أكثر من 15 نوبة صداع شهريًا لمدة ثلاثة أشهر على الأقل. ومع ذلك، فهو ليس مناسبًا للجميع؛ إذ يجب أن يكون المستخدمون بعمر 18 عامًا فأكثر، كما أنه لا يقضي على الصداع تمامًا، بل يقلل من تكراره بنحو 50% تقريبًا.

يُستخدم البوتوكس أيضًا لعلاج المرضى الذين يعانون من حالات تشنج العضلات، والذي قد يكون نتيجة اضطرابات عصبية مثل السكتة الدماغية أو الشلل الدماغي، التي تسبب تلفًا في الدماغ أو الحبل الشوكي أو الأعصاب المسؤولة عن حركة العضلات، حيث يؤدي تلف الجهاز العصبي إلى تصلب العضلات أو تحركها بشكل لا إرادي نتيجة إرسال أوامر خاطئة.


بالنسبة لأولئك الذين يعيشون مع تيبّس العضلات، يعني ارتخاء العضلات تقليل التصلب وتحسين مدى الحركة
– فرانسوا بيثوكس، أخصائي إعادة التأهيل في مستشفى “كليفلاند كلينيك


وإذا كنت شخصًا يعاني من التعرق المفرط، حتى في أوقات لا يفترض فيها التعرق، فقد يصبح البوتوكس صديقك الجديد.

تؤدي الغدد العرقية مفرطة النشاط، وهي حالة تُعرف باسم فرط التعرق، إلى التعرق الشديد، مما يخلق مواقف غير مريحة وغالبًا محرجة.

يوجد خيار جراحي لهذه الحالة، شأنها شأن العديد من الحالات الأخرى المذكورة أعلاه، ويتمثل في إزالة الغدد العرقية المفرطة، فالجسم يحتاج للعرق لتنظيم درجة الحرارة، لكن ليس بكميات مفرطة.

يمكن لحُقَن البوتوكس في موقع محدد أن تمنع الإشارات التي تنشط تلك الغدد العرقية المفرط، ويعني ذلك أن الغدد العرقية داخل جسمك يمكنها مواصلة العمل لتبريد الجسم دون إفراط، حيث يستغرق هذا العلاج حوالي أسبوعين لتحقيق أقصى تأثير ويمكنه تقليل إفراز العرق تحت الإبطين بنسبة تصل إلى 90%.

ويمكن استخدام هذا العلاج أيضًا مع المرضى الذين يعانون فرط نشاط المثانة. ولا يعني ذلك تسرب القليل من البول عند العطس، فتلك تُعتَبَر حالة أخرى تسمى “سلس البول الإجهادي”. أما فرط نشاط المثانة فيتسبب في شعور مفاجئ بالرغبة في التبول مع صعوبة في التحكم بها، أو في تكرار التبول بشكل متواصل خلال النهار والليل.

الخبر السار من مايو كلينيك هو: “يمكن لطبيب الجهاز البولي أن يحقن مثانتك بالبوتوكس لعلاج نشاطها المُفرِط أو السلس البولي، وهو ما يساعد على استرخاء العضلات، وبالتالي يمنحك مزيدًا من الوقت للذهاب إلى الحمام عند شعورك برغبة التبول”، حيث يُرخِي “البوتوكس” عضلات المثانة ليحد من الانقباضات.

يستطيع هذا العلاج أن يساعد 17% من السيدات وما يتراوح بين 3 و11% من الرجال الذين يعانون من سلس البول.

حازت هذه العلاجات على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، لكن استخدامات أخرى غير مدرجة في التعليمات قد يتم الموافقة عليها أحيانًا على أساس كل حالة على حدة من قبل الجهة المنظمة.

ويعتبر الألم المزمن واحدًا من تلك الاستخدامات غير التقليدية.

كان يُعتقَد سابقًا أنّ هذه الحقن تقتصر على تعطيل الإشارات التي ترسلها الأعصاب إلى العضلات، غير أنّ البحوث الحديثة تكشف وظيفة أوسع، حيث تؤثّر هذه الحق أيضًا في النشاط الكهربائي داخل الأعصاب من خلال تهدئة الأعصاب مفرطة النشاط.

توضح الدراسات أن “البوتوكس” يقلل بعض الآلام المقترنة بالأعصاب، إذ تَنتُج حُقَن قليلة من “البوتوكس” عن تقليل حساسية الأعصاب في حالات كالألم الوهمي والألم الناتج عن تلف الأعصاب والألم المخالف (عندما يشعر الإنسان بالألم بسبب منبه عصبي غير مؤلم). وبالتالي، تتوقف تلك المنبهات العصبية المفترض أنها غير مؤلمة عن إثارة الشعور بالألم أو تسبب ألمًا طفيفًا، ويحتاج تهييج الألم لدى المرضى في هذه الحالة إلى مزيدًا من تلك المنبهات.


تستعرض دراسة نُشرت عام 2024 في مجلة “توكسينز” المتخصصة في دراسات السموم التطبيقات المحتملة للبوتوكس مستقبلًا، ويبدو أن البوتوكس قد قطع شوطًا كبيرًا، إلا أن الطريق لايزال طويلًا أمامه.

تتم في الوقت الحالي إعادة تصميم البوتوكس عبر مزج مكوناته وتعديل بعض أجزائه لإنتاج نماذج تعمل بشكل أسرع وتدوم لفترات أطول دون التسبب في شلل عضلي، بحيث تستهدف الأعصاب المسؤولة عن الألم فقط . ويدرس الباحثون أيضًا طرقًا جديدة لإعطاء البوتوكس بأشكال أخرى غير الحُقَن.

وسيظهر قريبًا البوتوكس الذكي مع منتجات تشمل لاصقات الإبر المجهرية وهلامات بطيئة الإطلاق وجسيمات نانوية تُفعَّل بالضوء ولا تعمل إلا عند الحاجة، إضافة لتقنيات نقل جيني تجعل الخلايا تُنتج كميات صغيرة من الجزء الفعّال من البوتوكس على مدى فترة زمنية.

لا تزال هذه التطبيقات في مراحلها الأولى ونأمل أن تتوفّر قبل أن تزداد التجاعيد لدينا لكن على نطاق أوسع، حيث أصبح البوتوكس التقليدي (بوتيولينيوم توكسين إي/ بوتيولينيوم توكسين بي) في طور أن يصبح أكثر دقّة وموثوقية في نتائجه وأطول وأسرع مفعولًا وأقلّ تسببًا بالشلل، وقد يخلو من الإبر أيضًا.

مواضيع ذات صلة: الأوزمبيك يعالج حالات إدمان الكحول

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا