يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
في مجرة بعيدة جدًا،
تلتقط يد خضراء قرصًا من تحت الأنقاض المشتعلة لمركبة فضائية مجهولة سقطت بعد فشل محاولات الاتصال بها.
في الوقت الذي يعرف فيه البشر لوحة تحمل رسائل وصور تمثل الحياة البشرية تسمى “لوحة فوياجر الذهبية”، يصعب على كائن فضائي افتراضي يدعى “كاريكس” تحديد ماهية ما وجد، حيث يقوم بمسح بيانات القرص الذي وجده باستخدام الكمبيوتر الخاص بمركبته لتظهر أمامه على الشاشة صورة لرجال بشريين يركضون في مضمار للسباق، وصوت سيمفونية باخ براندنبورغ رقم 2 تملأ الأرجاء. ما هو شعور “كاريكس” حيال هذا الأمر يا تُرى؟
لا يهتم جون ترابهاغن، الأستاذ الفخري في جامعة تكساس في أوستن بالموسيقى المختارة لـلوحة الذهبية بقدر اهتمامه بالصور المختارة.
فقد كتب في مقال نُشر عام 2021 في مجلة “سياسة الفضاء”: “تنحاز سجلات “فوياجر” بشكل استثنائي إلى تقديم صورة للحياة على الأرض على أنها سلمية ومكرسة للفنون الرفيعة (كما حددتها النخب المثقفة الأمريكية) ومنخرطة في أنشطة نبيلة مثل استكشاف الفضاء، إنهم يعبرون سرًا عما أسميه “خيال ستار تريك” أو إطار أفكار مسافر محتمل بين النجوم على متن مركبة فضائية، فيما يتعلق باستكشاف الفضاء.” لا تمثل سجلات “فوياجر” البشرية أو الأرض بشكل صادق تمامًا، فالكذب بالإغفال هو شكل من أشكال الخداع.”
تحتوي سجلات فوياجر الذهبية، التي أُرسلت إلى الفضاء عام 1977 على أمل التواصل مع الحياة خارج كوكب الأرض، على مجموعة واسعة من المعلومات حول الحضارة الإنسانية والثقافة، بما في ذلك الموسيقى والصور والتحيات المنطوقة بعدة لغات.
يقول ترابهاغن أن هذا الأمر مشكوك فيه أخلاقيًا، فتعمدُنا نقل معلومات كاذبة عن أنفسنا أو عن كوكبنا، سيضلل الكائنات الفضائية المحتملة، ويمكن اعتبار ذلك انتهاكًا لمبدأ الصدق والنزاهة، كما يمكن أن يؤدي إلى عواقب سلبية على البشرية إذا اكتشفت الكائنات الفضائية الحقيقة وراء ما نظهره.
“ترسم الأقراص صورة وردية بشكل صريح (من منظور إنساني على الأقل) للحياة على الأرض – وهي صورة متحيزة بشكل كبير، فتكون المحتويات في أحسن الأحوال مضللة تمامًا، ويمكن تفسيرها في أسوأ الأحوال على أنها خادعة بشكل متعمد. هذا هو المكان الذي تصبح فيه مشكلة النهج الذي اتبعه الفريق الذي أنشأ السجلات كبيرة، حيث بإمكاني أن أتخيل ثلاثة سيناريوهات محتملة على الأقل: الجيد والسيئ والأسوأ.
السيناريو الجيد من وجهة نظر ترابهاغن، هو اللامبالاة: حيث يقول أنه من الممكن أن يستكشف “كاريكس” محتويات السجلات في مكان ما، ويبتسم ويكمل طريقه. “قد لا تجد المخلوقات الفضائية ذلك مهمًا بشكل خاص، فإذا كانت لديهم التكنولوجيا اللازمة للتنقل بين الأنظمة النجمية، قد ينظرون إلى فوياجر بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى سد القندس – وهي تكنولوجيا مثيرة للاهتمام إلى حد ما، وإن كانت بسيطة لكن طورها كائن ذكي إلى حد ما ذو قدرات ذهنية وهندسية محدودة٫
إن أي إشارة نرسلها ستحتوي على معلومتين على الأقل في غاية الأهمية: أ- هؤلاء الأشخاص متخلفون من الناحية التكنولوجية، وب- يعيشون في ذلك المكان بالتحديد
– كيلي سميث
“ربما سينظرون قليلًا إلى المركبة الفضائية، ثم يهزون أكتافهم (أو أي شيء يملكونه) بعدها ويكملون طريقهم، كما أنه من الغرور الإنساني أن نظن بأن أفراد الحضارات غير البشرية مهتمون بالضرورة بالتحدث إلينا.
ومع ذلك، إذا عارضت المجتمعات الفضائية الإمبريالية أو العدوانية، فإن ترابهاغن يخشى أن ترسل السجلات رسالة واضحة للغاية: “هناك فريسة سهلة على ذلك الكوكب الموجود هنا بالمقارنة مع هذه النجوم النابضة الأربعة عشر”. ويذكرنا بأنه لا يوجد أي شيء في السجلات يشير إلى وجود قدرة عسكرية على كوكبنا، ناهيك عن القنابل النووية الحرارية.
وهنا يأتي الفارق الدقيق في مسألة ما إذا كان ينبغي لنا أن نكذب على الكائنات الفضائية أم لا، فهناك حجة مفادها هو أنه نظرًا لعدم وجود أي شيء في السجلات يشير إلى أننا نستطيع أو حتى ننوي الدفاع عن أنفسنا، فإن ذلك يمهد الطريق أمام استغلال الكائنات الفضائية، ولكن حتى التهديد بالغزو الفضائي لا يُقارن بنتيجة ترابهاغن “الأسوأ”.
“فلنفترض أن محتويات السجل أثارت اهتمام مسافرينا الفضائيين وقرروا زيارة هذا الكوكب الجميل الذي يستمع فيه الناس إلى الموسيقى الجيدة ويحيون بعضهم البعض بطرق سعيدة ويعيشون في سلام ووئام. ما الذي سيجدونه عند وصولهم؟ سيجدون بكل بساطة كل ما لم يُذكر في السجل: المعاناة والحرب والمرض والتلوث والاستغلال التي تتميز بها الحياة في مناطق مختلفة من كوكبنا.
ستجعل رسالة السجل الذهبي تبدو وكأنها كذبة كبيرة، ومن السهل إلى حد ما تخيل الصدمة الجماعية التي سيتعرض لها أولئك الفضائيون وهم يفكرون في نوايا المجتمع الذي من شأنه أن يرسل رسائل خادعة بشكل لا يُصدق عن نفسه.”

هل كان يجب علينا إرسال السجلات الذهبية في المقام الأول؟ من المؤكد أن ترابهاغن يعتقد أننا أنشأنا وأطلقنا إلى الفضاء رسالة خاطئة ومضللة حول الأشخاص الذين يرسلونها. السؤال هو كالتالي: إذا كنا نعتقد أننا يجب أن نتواصل مع الكائنات الفضائية، فمن الذي يجب أن يرسل الرسالة؟
لا تمثل سجلات ”فوياجر“ الأرض أو سكانها بشكل دقيق
– جون ترابهاغن
جمع كتاب كيلي سميث، الدكتور المشارك في جامعة كليمسون لعام 2020، بعنوان “القضايا الاجتماعية والمفاهيمية في علم الأحياء الفلكي”، مقالات تستكشف الأسئلة الأوسع في علم الأحياء الفلكي”.”
يقول سميث في الفصل الخاص به أن الجدل حول المحتوى الذي يجب أن تتضمنه الرسالة على وجه التحديد ليس مهمًا على الإطلاق بقدر ما تهم المخاطر التي قد تحملها أي رسالة تكشف موقع الأرض والحالة النسبية لتكنولوجيتنا.”
يقول سميث: “إن أي إشارة نرسلها ستحتوي على معلومتين على الأقل في غاية الأهمية: أ- هؤلاء الأشخاص متخلفون من الناحية التكنولوجية، وب- يعيشون في ذلك المكان بالتحديد”.
ربما لا ينبغي أن تقود محاولات التواصل مع الكائنات الفضائية علماء فلك أو مهندسين، بل علماء اجتماع متخصصون في التواصل بين الثقافات، أو لربما نحن بحاجة إلى دبلوماسيين فضائيين.
يقول سميث: “بما أننا لا نعرف شيئًا عن الكائنات الفضائية، فإن الأطراف على جانبي النقاش مجبرون على الاعتماد على تكهنات بشكل أو بآخر. وعلى الرغم من كل ما نعرفه، قد يكون لدى الكائنات الفضائية دوافع لم نواجهها من قبل. لا أزعم بأن مراسلة الكائنات الفضائية هي فكرة سيئة بشكل عام – فأنا شخصيًا أحب الضغط على زر الإرسال وإرسال إشارة إلى كل نظام قريب – ولكننا لم نفكر في الأمر بعناية بعد، وإلى أن نفعل ذلك يجب أن نتوخى الحيطة والحذر.”