تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
تصدّرت التطورات في مجال تصميم البروتين واستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بهياكله، عناوينَ الصحف بالتزامن مع الإعلان عن جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024. وفي دولة الإمارات، قام الباحثون في جامعة خليفة في أبوظبي بدورٍ ريادي فيما يتعلّق باستخدام الأساليب الحسابية للتنبؤ بالهياكل البلورية وخصائص المواد.
يمثل هذا العمل الأساسي دافعًا للتقدم في مجال تخزين الطاقة وتطوير الأدوية وإنشاء مكوّنات للأجهزة الإلكترونية البصرية المتقدمة.
قال شارماركي محمد، رئيس مختبر البلورات الكيميائية بجامعة خليفة: “تتمحور الفكرة الأساسية حول استخدام أجهزة الكمبيوتر للتنبؤ بالترتيب الذري للمواد الصلبة قبل تصنيعها في المختبر. ففي حال قمنا بذلك بشكل دقيق لجميع الجزيئات المستهدفة المهمة، سنقترب من الإجابة على السؤال المثير للاهتمام علميًّا حول الظروف التجريبية اللازمة لاستهداف بلورة مادة بهذا الهيكل المعين”.
يوفّر استخدام أجهزة الكمبيوتر الوقت والتكلفة ويقلل من الحاجة إلى القيام بتجارب غير دقيقة، ولكن ما أهمية ذلك؟
“لا يكمن التحدي اليوم في ما إذا كان بإمكاننا استخدام أجهزة الكمبيوتر للتنبؤ بالهياكل البلورية، وإنّما في كيفية استخدامنا الهياكل البلورية المتوقعة لتوجيه التجارب في إنشاء المواد الوظيفية واكتشافها.
– شارماركي محمد، رئيس مختبر البلورات الكيميائية بجامعة خليفة
تتيح بلورة البروتينات للعلماء فهم بنيتها بالتفصيل، حيث تُعدّ البروتينات جزيئات كبيرة معقدة، ويساهم شكلُها في تحديد آلية عملها في الجسم، كما يمكن للباحثين استخدام تقنيات مثل التصوير البلوري بالأشعة السينية لدراسة هيكلها ثلاثي الأبعاد من خلال إنشاء بلورات من البروتينات، ويساعد هذا في تصميم الأدوية التي تناسب البروتين بشكل تام لعلاج الأمراض، كما يعزز فهم حالات مرضية كالسرطان والزهايمر من خلال الكشف عن العيوب في بنية البروتين.
وأضاف شارماركي: “كان السؤال المتعلّق بقدرة أجهزة الكمبيوتر على التنبؤ بالبنى البلورية لا يزال مطروحًا، عندما كنتُ أدرس للحصول على شهادة الدكتوراه في علم البلوّرات الكيميائي والتنبؤ بالبنية الحوسبية، قبل خمسة عشر عامًا، وكانت المشكلة خاصّة إلى حدٍّ ما بالمجتمع الأكاديمي نظرًا للمشاركة المحدودة جدًا لباحثي القطاع الصناعي في تطوير الطريقة واختبارها، في حين أصبحت معظم شركات الأدوية في جميع أنحاء العالم اليوم تمتلك برنامجًا بحثيًّا داخليًا للتنبؤ بالبنية البلورية الحوسبية في يومنا هذا”.
وبالرغم من ذلك، فقد شهد هذا المجال تطوّرًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين بفضل وجود بعض المنافسة الإيجابية.
يُقام برنامج (التقييم النقدي للتنبؤ ببنية البروتين) مرة كل عامين، ويساهم الباحثون من خلاله بتقييم الأساليب والأدوات المستخدمة للتنبؤ ببنية البروتين، حيث يشارك العلماء من جميع أنحاء العالم في اختبار الخوارزميات التي تهدف إلى تحديد كيفية تحوّل البروتينات إلى أشكالها ثلاثية الأبعاد استنادًا إلى تسلسل أحماضها الأمينية فقط. ونظرًا لأهمية بنية البروتين في مجالات مثل تطوير الأدوية والبحوث المتعلّقة بالأمراض، يقوم البرنامج بدورٍ هامٍّ في تطوير البحوث المعنيّة بعلوم الأحياء والقائمة على الكمبيوتر وتوجيه التحسينات في أساليب التنبؤ.
جدير بالذكر أنّه قد أُجري اختبارٌ عشوائي مماثل منذ عام 1999 لتقييم التقدم المحرز في استخدام أجهزة الكمبيوتر للتنبؤ بالهياكل البلورية للجزيئات الصغيرة.
تجمع الاختبارات العشوائية للتنبؤ بالبنية البلورية للبروتين، والتي ينظمها مركز البيانات البلورية في كامبريدج، علماء من القطاعات الأكاديمية والصناعية لتقييم أساليبهم من خلال تطبيقها على أمثلة من العالم الفعلي في بيئة خاضعة للرقابة، كما تعزز هذه الاختبارات أوجه التعاون داخل المجتمع المعنيّ بالتنبؤ بالبنية البلورية.
شارك شارماركي وفريقه الذي شمل طالب الماجستير مبارك المحيربي وطالبة الدكتوراه زينب سعيد وباحثيْ الدكتوراه تماضُر الخضر وباوصاحب دوكالي، في أحدث اختبار عشوائي للتنبؤ بالبنية البلورية.
وقال شارماركي في مقابلة مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “تضمن هذا الاختبار العشوائي السابع أكثر الجزيئات المستهدفة تحديًّا حتى الآن. وأظهرت النتائج ارتفاعًا في معدّل النجاح في كلٍّ من إنشاء الهياكل وترتيبها، الأمر الذي أكد على تقدُّم المجال على نحوٍ كبيرٍ منذ أول اختبار عشوائي أُجري عام 1999. ولكن كما هو الحال في جميع التطورات في العلوم، تنشأ أسئلة وتحديات جديدة كلّما أحرزنا تقدمًا في أحد المجالات “.
وأضاف شارماركي: “لا يكمن التحدي اليوم في ما إذا كان بإمكاننا استخدام أجهزة الكمبيوتر للتنبؤ بالهياكل البلورية، وإنّما في كيفية استخدامنا الهياكل البلورية المتوقعة لتوجيه التجارب في إنشاء المواد الوظيفية واكتشافها، حيث يُعتبر هذا محور تركيز العديد من الباحثين في هذا المجال حاليًّا، بما في ذلك فريقنا في قسم الكيمياء بجامعة خليفة”.
فقد أدّى التعلم الآلي على سبيل المثال، إلى تحسين كيفية ترتيب الهياكل البلورية المتوقعة، وهو ما ساعد الباحثين على توقّع الهياكل التي يمكن أن تتشكل بنجاح في ظل ظروف درجة الحرارة والضغط العادية.
يساهم ترتيب الهياكل البلورية بتعزيز دور الباحثين في تحديد أيهما يمكن مشاهدته في ظل الظروف الفعلية، كما يوفّر الوقت والجهد من خلال التركيز على أفضل خيارات التجارب.
تقوم مجموعة شارماركي بتطوير طرق ورموز جديدة للمساعدة في تجارب استهداف مواد جديدة ذات خصائص صلبة مطلوبة، حيث طور الفريق مؤخرًا رمزًا أطلقوا عليه اسم (ميكا برِدِكت) يمكنه التنبؤ بالخصائص الميكانيكية للبلورات على أي سطح دون الحاجة إلى القيام بتجارب نانوية دقيقة.
يُستخدم هذا الرمز بالفعل من قبل الأكاديميين في جميع أنحاء العالم وقد جذب اهتمام شركات الأدوية لقدرته على إطالة العمر الافتراضي وتحسين قابلية ذوبان المنتجات الدوائية واستقرارها. إضافة إلى ذلك، يمكن تطبيق الرمز عند تصميم مواد جديدة مثل طبقات النقل عبر الثقوب للخلايا الشمسية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تصميم ألواح شمسية أكثر كفاءة وتنوعًا وأقل تكلفة وتدوم لفترة أطول.
ومع التقدم المحرز في أساليب التنبؤ بالبنية البلورية، يعتبر من الضروري إعداد مختبر متخصص بعلم البلورات ومجهز بالكامل للتحقق من دقة التنبؤات الحوسبية.
وقال شارماركي: “يُعد مختبر البلورات الكيميائية أفضل مختبر من نوعه في دولة الإمارات لاختبار تقنيات حيود الأشعة السينية أحادي البلورة، وهو المعيار المثالي لتحديد الهياكل البلورية للمواد، كما يقدم خدمات بلورية تجريبية لباحثي جامعة خليفة والمتعاونين في الدولة وحول العالم، حيث يكمن السر في تحقيق المزيد من التطورات مثل التي اعترفت بها جائزة نوبل في الكيمياء عام 2024، في تضافر الجهود المبذولة في كلٍّ من علم البلورات الكيميائي التجريبي وأساليب التنبؤ بالبنية البلورية”.