الصورة : Shutterstock

تتمايل الأمواج الهادئة عبر المسبح الذي يبلغ طوله 25 مترًا، في وقتٍ مبكرٍ من المساء في مسبح حرم مدرسة الراحة الدولية في مدينة خليفة، وكأنها تستعد لاستقبال حصة يوم الإثنين الخاصة بتدريب طلبة السباحة من أكاديمية السباحة العربية وبرنامج أهداف الإمارات.

تختلف هذه الحصة عن التدريبات السريعة التي جرت في وقت سابق هذا اليوم.

العنوان: Courtesy of UAE Year of Community website

حيث يغوص المشاركون هنا في أكثر من مجرد مسبح لأنهم يواجهون تحدياتٍ جسدية و تأخر معرفي واضطرابات عصبية. لذلك، فإنهم يكتسبون من خلال هذه السباحة الثقة ويساهمون في تطوير التنسيق الحركي ويبنون مساراتٍ جديدة في الدماغ.

تعمل أكاديمية السباحة العربية في حرميّ مدرسة الراحة منذ 12 عامًا وتعمل جنبًا إلى جنب مع أكاديمية وولفي لركوب الدراجات وأكاديمية ألعاب القوى وباس أبوظبي لتعزيز الرياضة والشمولية في المجتمع من خلال ارتباطها ببرنامج أهداف الإمارات لتمكين أصحاب الهمم.

يتراوح عمر السبّاحين في المسبح في حصة اليوم من 7 إلى 37 عامًا، حيث صُمِّم البرنامج ليستمتعوا بالمياه ويتعلّموا أيضًا السباحة وحماية أنفسهم وإنقاذها.

أنايا هي فتاة صغيرة مصابة بالشلل الدماغي وجديدة في البرنامج، وتقوم اليوم بحصتها التدريبية الثالثة، وهي قادرة على الركل في الماء بقدمها اليمنى، ما يمثّل أمرًا لم تكن قادرة على القيام به قبل بضعة أسابيع فقط.

يمثّل الشلل الدماغي حالةً عصبية تؤثر على حركة الشخص، وهو ناتج عن تلف أجزاء مسؤولة عن الحركة في الدماغ، قبل الولادة عادةً. ويُعتبر التحدي الرئيس الذي يواجهه الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، هو التحكم في حركة العضلات.

تستطيع أنايا المشي بالاستعانة بشخصٍ آخر، ويُعتبر التحرّك في الماء طريقة مثاليةً لها لاكتساب القوة وتطوير قدرتها على التحكم في العضلات. حيث يقلل الماء وزن الجسم بنسبة 90%، ما يلغي التأثير على مفاصلها حتى تتمكن من الحصول على هذه الفوائد دون الضغط على جسدها.

توفّر زيادة معدل ضربات القلب لياقة بدنية ودوران وقدرة على التحمل بشكل عام، كما هو الحال مع معظم الألعاب الرياضية، كما يعزّز مرونة أطفالٍ مثل أنايا.

يتمتع السباحون الآخرون في البرنامج بفوائد مماثلة، ثم تتفاوت استفادة البعض بناءً على ظروفهم.

مدربوا برنامج أهداف الإمارات لتمكين أصحاب الهمم في حرم مدرسة الراحة الدولية في مدينة خليفة

من اليسار إلى اليمين في الخلف: داني ديلا تور وداميكا كوندارامغي وهيلين ويلسون من اليسار إلى اليمين في الوسط: هاشينتارا شاميني محمد ومالشي واتودورا ودونابيل ماكوسي ومارييكريس بوردالي وروزاريو أورتيغا من اليسار إلى اليمين في الأمام: إبراهيم عكاني وويليام ويلسون وكيلي دونغمو ونينيا مانلابيغ

يعاني العديد من الطلبة في تجمّع اليوم من اضطراب طيف التوحد الذي يُعتبر جزءٌ كبير منه حسيًّا، ويعني هذا أن أولئك الموجودين على الطيف يعانون من مضاعفات في المعالجة الحسية، فقد تبدو لهم الضوضاء أعلى ويشعروا بأن القوام أكثر شدة أو خشونة، كما أنّها تمثّل عبئًا كبيرًا على أدمغتهم التي ستعالجها، ويمكن أن تؤدي إلى شعورهم بعدم الراحة. ويُعتبر الطيف واسعًا، ما يعني أنّ انزعاج بعضهم قد يكون خفيفًا، لكن قد يشعر آخرون بأن الإزعاج لا يطاق.

وفقًا لهيلين ويلسون، مالكة أكاديمية السباحة العربية وعضوة في برنامج الأهداف الإماراتية، يمكن أن يكون المسبح مكانًا مهدّئًا للغاية لتهدئة الحمل الزائد الحسي. حيث يسهم تموّج الماء الخفيف والطريقة الناعمة التي يحيط بها بالجسم والصمت الذي يوفره عندما يغمر الماء الأذنين، في أن يجعل الماء مكانًا مثاليًا ومريحًا للشخص المصاب بالتوحد.

تبدو العملية مهدّئة، لكن يرتبط الماء بمخاطر أيضًا.

يُعتبر الغرق السبب الرئيس لوفاة الأطفال المصابين بالتوحد، وفقًا لجمعية التوحد في فلوريدا. ذلك أنّهم غالبًا ما يتجوّلون ويتهربون من مقدمي الرعاية، ولا يدركون الخطر في معظم الأحيان، ما يجعل الأطفال المصابين بالتوحد أكثر عرضة للغرق بـ 160 مرة، من أولئك الذين ليسوا في الطيف، لذلك من الضروري أن يتعلموا السباحة.

وهذا هو بالضبط ما يقدّمه لهم هذا البرنامج.

يبلغ مالك من العمر 22 عامًا، ولديه اضطراب طيف التوحد ويتعلم من خلال تكرار تعليمات المدرب لفظيًا. يمكنه السباحة ويعمل اليوم على تطوير أسلوبه بالتعاون مع مدربه رايان، وهو طالب من الصف العاشر، والذي يسبح مع فريق الراحة كوبرا الأساسي، حيث يوضح ريان التقنية ويشجع مالك على إكمال السباحة.

تقول والدة مالك في حديثها مع فريق مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، إنه سجّل أهدافًا منذ عام 2018. “تعلم السباحة وتنافس في الترياتلون والدوثلون، كما أنّهم فازوا بالميدالية البرونزية والفضية والذهبية وهو يتحرّق شوقًا لحصته التدريبية، فهو يحب التنشئة الاجتماعية كما أنّ المدربين مذهلون”.

يبلغ رافائيل 37 عامًا ولديه أيضًا اضطراب طيف التوحد، ويتميّز بموهبته في السباحة وهو هنا من أجل الفوائد الصحية، حيث يسبح مدربه بجانبه فقط لتشجيعه على الاستمرار.

مدربوا برنامج أهداف الإمارات في حرم مدرسة الراحة الدولية في مدينة خليفة

من اليسار إلى اليمين:تيجيست وآنا ليه وتشاندريكا وهيلين وديبي وبيريرا وإيفو (طلبة حرم الراحة غاردنز) وسيلوس

قد يمثّل التواصل تحديًا لآدم، المصاب بالتوحد والتي تُعتبر لغته محدودة، لذلك يساعده شخصان بجانبه على التقدم. ويقول المدرب داني ديلا توري وهايدن، وهو طالب متطوع آخر في فريق الراحة كوبرا، إنه غالبًا ما يفهم طريقة تفكير آدم ويستجيب لسلوكه ولغة جسده، ما يمكّن هايدن من إرشاده بطريقة يتعلّم من خلالها في كثير من الأحيان، والتي تميل إلى أن تكون جسدية أكثر من لفظية.

تقول غريس، المعلمة المرافقة لآدم، إن هذا البرنامج مثاليٌ له.

وتضيف في السياق: “أرى أن أنشطة السباحة مفيدة جدًا لآدم، فضلًا عن تمكينها له من التواصل والتفاعل مع الآخرين”. وهي تشعر أن البرنامج يمنح عقله النشط قسطًا من الراحة.

هيليودور، صبي يبلغ من العمر 10 سنوات مصاب بمتلازمة داون، ويعمل على تحسين حركات ذراعه وركلاته. كيان، مصاب أيضًا بالتوحد، لكن يهدّئه الماء ويعمل مع عصي المسابح لدعم جسده عندما يتعلم الركل. أما محمد، فهو على أتم الاستعداد لإظهار مهاراته كلّما رأى كاميرا أمامه.

يتطلّب كل شخص من أصحاب الهمم احتياجاتٍ مختلفة، حيث يُعتبر طيف التوحد واسعًا، لذلك يحتاج البعض إلى الحد الأدنى من المساعدة، في حين يمتلك البعض الآخر قدراتٍ لغوية بسيطة مثل آدم الذي يستجيب بصورة أفضل عندما يستعرض شخصٌ الفعل بدلًا من إعطائه توجيهات لفظية.

هذا ما تقدمه برامج مثل هذه، تدريبٌ متخصص لمساعدة كل سبّاحٍ على النجاح، مهما كان معنى النجاح في نظره.


عندما أسمع عن النجاحات أو أقرأ رسالة من أحد الوالدين أو مراجعةً شاركوها، يذكّرني ذلك بمدى تقدير الناس لعملنا هذا

،هيلين ويلسون – مالكة أكاديمية السباحة العربية


تشمل الفوائد الأخرى لأعضاء البرنامج زيادة القوة الأساسية وتحسين المهارات الحركية والحركية الدقيقة وتقوية العضلات بسبب مقاومة الماء، لكن ويلسون يقول إن الجانب الاجتماعي والمتعلّق بتعزيز الثقة لا يقل أهمية.

“أُعدّ البرنامج على مراحل، حيث يبدؤون في المرحلة الأولى، وهي تدريب كلّ واحدٍ من قِبل مدربٍ خاصٍّ به، ثم ينتقلون بعد تجاوز هذه المرحلة، إلى حصّة تدريبية مزدوج يشارك فيها معهم شخصٌ آخر، وبمجرد أن تزيد ثقتهم، يشاركون في حصة جماعية، ما يجعل الرحلة تشمل جزءًا كبيرًا من التطوّر الاجتماعي والمهام القابلة للتحقيق”.

بمجرد أن يتجاوز السبّاحون هذه المراحل، سيملكون خيار الانتقال إلى برامج سباقات الأكواثون والترياثلون في حرم الراحة غاردنز الذي تديره ديبي شريبر، إذا كان هذا جزءًا من خططهم وخطط عائلاتهم المستقبلية.

تحضر آن، والدة رافائيل، الحصص التدريبية مع ابنها الذي يتمتع بهدوء المسبح، وتقول إن الفوائد التي يحصل عليها كثيرة.

“يُعتبر المسبح مهدّئًا له، كما تتعدّد فوائده لتشمل الجانب المتعلّق بالجهاز التنفسي وصحته”.

ينظر الآباء والأمهات بنظرةٍ إيجابية وداعمة للبرنامج، ويدركون فوائده العديدة لأطفالهم.

CAPTION: جائزة صناعة الرياضة

فاز برنامج أهداف الإمارات لتمكين أصحاب الهمم في عام 2025، بالميدالية الذهبية لأفضل مبادرة شاملة في حفل توزيع جوائز صناعة الرياضة في الشرق الأوسط.

ويقول ويلسون في حديثه مع فريق مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في هذا الصدد: “عندما أسمع عن النجاحات أو أقرأ رسالة من أحد الوالدين أو مراجعةً شاركوها، يذكّرني ذلك بمدى تقدير الناس لعملنا هذا، حيث من المدهش أن ترى كيف يمكن أن تُحدِث 45 دقيقة فقط من وقتك أثرًا فعًالًا يشمل فرحة الأطفال وعائلاتهم، ما يجعل الأمر يستحق العناء.

إقرأ المزيد حول هذا الموضوع: التمارين الرياضية ومسألة طول العمر

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا