يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
لا شك أن تغير المناخ يؤثر على الأرض، ولكن كيف ستؤثر هذه التغييرات علينا وعلى جيراننا القريبين والبعيدين؟ في هذا الصدد، قمنا بطرح السؤال التالي على بعض الخبراء وهو: ما هي الآثار المتوقعة لارتفاع درجات الحرارة على مجتمع الإنسان؟
يضع ارتفاعُ مستوى مياه المحيطات حياةَ الناس والاقتصادات، في خطر
— إليزابيث فيليبس
يمكننا أن نلاحظ التأثير السلبي لارتفاع منسوب مياه البحر على الأنظمة البيئية والمجتمعات الساحلية في يومنا هذا، الأمر الذي يؤدي إلى مجموعة من التحديات غير المسبوقة.
على مدى القرن الماضي، ارتفعت مستويات سطح البحر في جميع أنحاء العالم بمقدار 23 سم، وهذا العدد يتزايد سنويًا، حيث أظهرت البحوث المنشورة في شهر فبراير عام 2022 أن ارتفاع مستوى سطح البحر يتسارع ويُتوقع أن يرتفع بمقدار 30 سم بحلول عام 2050.
يتم التحكم في مستوى سطح البحر من خلال درجة حرارة الماء (التمدد الحراري) وذوبان القمم الجليدية والأنهار الجليدية، حيث أصبحت المحيطات والغلاف الجوي أكثر دفئًا.
كما أصبحت المحيطات أدفء بحوالي 0.1 درجة مئوية في القرن الماضي. قد لا يبدو هذا تغيرًا كبيرًا ولكن نتج عن توسع المحيطات وارتفاع درجة حرارتها، نصف مستوى ارتفاع مستوى سطح البحر في القرن الماضي، ويمكن أن يعزى النصف الآخر إلى ذوبان القمم الجليدية والأنهار الجليدية.

إليزابيث فيليبس
إليزابيث فيليبس: مستشارة بيئية في شركة (جي إتش دي جلوبال)، تمتلك خبرة صناعية في كندا وخبرة استشارية في جنوب إفريقيا وتحمل شهادة بكالوريوس العلوم من جامعة كالغاري.
تغطي المحيطات في العالم حوالي ثلاثة أرباع سطح الأرض، ويعيش حوالي 40% من سكان العالم على بعد 100 كيلومتر من السواحل، الأمر الذي يُعرّض مدنًا مكتظة بالسكان مثل شنغهاي وجاكرتا وهانوي لخطر الفيضانات حتى من ارتفاع طفيف في مستويات سطح البحر، فقد يتم تشريد السكان الأكثر قابلية للتعرض للمخاطر بشكل مؤقت أو دائم إذا كانت الفيضانات قوية.
يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى تآكل السواحل، ما يؤدي إلى فقدان الأراضي وبيئات عيش النباتات والحيوانات والبشر، كما يتسبب تآكل السواحل في حدوث خسائر في البنية التحتية التي تشمل المنازل والطرق والأراضي الزراعية والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة أو على الأقل جعلها أكثر عرضة للتلف.
إضافة لذلك، تعاني بعض الشواطئ الأكثر زيارة في العالم من تآكل السواحل، ويحدث ذلك بشكل أسرع عندما تضرب العواصف المشحونة الشواطئ بشكل متكرر وتلقي بحمولتها على الساحل وقد شهدنا على مدى السنوات الأخيرة زيادة تكرار العواصف وشدتها خلال الأعاصير والعواصف الاستوائية، ما أدى إلى حدوث فيضانات أكثر حدة في هذه المناطق الساحلية.
ستلوث المياه المالحة مصادر المياه العذبة والمياه التي نشربها بالتزامن مع ارتفاع مستويات سطح البحر، كما سيصبح قيام المزارع بعمله أصعب، وسيتعرض كل من النباتات والحيوانات إلى الخطر وسيكون لهذا الأمر تأثير اقتصادي كبير على المناطق الساحلية.
من ناحية أخرى، تشهد نسبة كبيرة من الكائنات الحية التي تعيش في المحيطات انخفاضًا ملحوظًا في عددها بسبب التلوث وارتفاع درجة حرارة البحار، كما تعاني النظم البيئية الساحلية مثل الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف هنا في أبوظبي من خطر الفيضانات التي تؤدي إلى انهيار مواطن تلك الكائنات.
تُعتبر العواقب الاقتصادية والآثار العالمية كبيرة، وقد يعاني اقتصاد المناطق الساحلية، لا سيما تلك التي تعتمد على السياحة والثروات السمكية، من حدوث خسائر في البنية التحتية وانخفاض الموارد الطبيعية.
كما يمكن أن يكون للنازحين والخلل الاقتصادي آثار عالمية كالتأثير على التجارة وسلاسل الإمدادات الغذائية والعلاقات الدولية.
يتطلب التصدي للآثار متعددة الجوانب لارتفاع منسوب مياه البحر استجابة عالمية شاملة. ويعد التطوير المستدام للسواحل وتدابير التكيف والجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ، أمرًا ضروريًا في مجال تعزيز المجتمعات الساحلية بشكل خاص وكوكب الأرض بشكل عام.
هكذا يواجه القطاع الزراعي التحديات الجديدة
— طارق قابيل
يترتب على ارتفاع درجات الحرارة عدد من الآثار المتوقعة على المجتمعات البشرية، ولكن أحد أكثرها أهمية بالنسبة لدولة الإمارات ودول عربية أخرى هو تأثيرها على الأمن الغذائي.
تتعرض الأنظمة الزراعية في بعض الدول العربية ذات المناخات الجافة وشبه الجافة إلى اختلالات في العديد من الطرق.
التغيرات في أنماط هطول الأمطار: يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيير أنماط هطول الأمطار، وقد يؤدي ذلك في بعض المناطق إلى حالات جفاف أكثر تكرارًا وشدة، ما يؤثر سلبًا على مستويات رطوبة التربة ونمو المحاصيل. ومن جهة أخرى، يمكن أن يتسبب هطول الأمطار الغزيرة في تآكل التربة وتشبّعها بالمياه، الأمر الذي يؤثر بشكل أكبر على الإنتاجية الزراعية.

طارق قابيل
د. طارق قابيل هو أستاذ مساعد في التكنولوجيا الحيوية النباتية وعلم النبات وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة القاهرة.
الجفاف: يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تفاقم ظروف الجفاف عن طريق زيادة معدلات التبخر وتقليل نسبة رطوبة التربة وتفاقم أزمة شح المياه، كما يمكن أن يؤدي الجفاف إلى انخفاض إنتاجية كل من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وزيادة المنافسة على الموارد المائية ويمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات في الإنتاج الزراعي إلى نقص الغذاء وزيادة الأسعار وعدم الاستقرار الاقتصادي، إضافة لما لآثار محتملة تتمثل في حدوث اضطراب اجتماعي.
زيادة نشاط الآفات الزراعية: تزداد نسبة نمو كلّ من الحشرات والفطريات والآفات الأخرى مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدي إلى زيادة نسبة إصابة المحاصيل وتلفها ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خفض إنتاجية المحاصيل الزراعية والحاجة إلى استخدام المزيد من المبيدات الحشرية التي قد يكون لها عواقب بيئية وصحية.
تتفاوت آثار ارتفاع درجات الحرارة على الأمن الغذائي في جميع أنحاء دولة الإمارات والدول العربية الأخرى نتيجة الاختلافات في المناخ والجغرافيا والممارسات الزراعية
حيث تشكل ندرة المياه تحديًا كبيرًا بالفعل في المناطق القاحلة مثل شبه الجزيرة العربية، ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم هذه المشكلة، كما تواجه المناطق الساحلية مخاطر إضافية بسبب احتمال ارتفاع مستوى سطح البحر وتسرب المياه المالحة إلى الأراضي الزراعية
لكن توجد هناك مجموعة من الحلول الممكنة: والتي تشمل:
- تحسين ممارسات إدارة المياه ويشمل ذلك زيادة كفاءة استخدام المياه وتحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي.
- تشجيع الممارسات الزراعية المستدامة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة العضوية وزراعة الغابات لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
- الاستثمار في البحث والتطوير لتطوير أصناف المحاصيل المقاوِمة للجفاف والحرارة والمناسبة للمناخ المحلي.
- تعزيز البنية التحتية الزراعية التي تشمل شبكات الري ومرافق التخزين وشبكات النقل للحد من الخسائر التي تلي الحصاد وتحسين إمكانية الوصول إلى الأسواق.
وقد ساهمت في الوقت الراهن آثار ارتفاع درجات الحرارة في الأمن الغذائي في ظهور مناقشات سياسية متواصلة في دولة الإمارات والدول العربية الأخرى
حيث تدور هذه المناقشات حول قضايا مثل تحقيق التوازن بين التنمية الزراعية والاستدامة البيئية وتعزيز تدابير التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره وتشجيع التعاون الدولي وتبادل المعارف لمواجهة التحديات المشتركة ودمج المعارف التقليدية والممارسات المحلية مع التكنولوجيات والابتكارات الحديثة.
يُعتبر فهم الاختلافات الإقليمية واستكشاف الحلول المحتملة والمشاركة في المناقشات السياسية الجارية أمرًا هامًا للتخفيف من الآثار الضارة لتغير المناخ.
ويمكن لدولة الإمارات والدول العربية الأخرى تعزيز قدرتها على التكيف وضمان الأمن الغذائي لسكانها في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة من خلال اتّباع الممارسات المستدامة والاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز التعاون الدولي.
هناك تكلفة بشرية للاحتباس الحراري
— مريم سعد
على امتداد تاريخ الكرة الأرضية، نجت المخلوقات القادرة على التكيف مع التحولات البيئية فقط، ويمثل هذا المبدأ تحديًا صعبًا في الوقت الذي نواجه فيه التهديد المتصاعد للاحتباس الحراري.
حيث يتوجب علينا مواجهة الآثار العديدة لاستمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب على صحة الإنسان.
بذل العلماء جهودًا كبيرة لدراسة هذه التعقيدات وكشفوا عن مجموعة من المخاطر الصحية المحتملة التي تشمل الأمراض المرتبطة بالحرارة وسوء نوعية المياه والهواء وارتفاع معدلات الأمراض المنقولة بالجراثيم والحشرات والمخاطر التي تهدد سلامة الأغذية والتغذية.

مريم سعد
.مريم سعد حاصلة على شهادة الماجستير في الكيمياء الحيوية من جامعة الإسكندرية في مصر
جددت الأطراف المشاركة في مؤتمر الأطراف 27 التزامها بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة حرارة مئوية ضمن الإجراءات المتعلقة بالمناخ العالمي، حيث قام تقرير اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ بتقييم آثار زيادة 1.5 – 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بالإضافة إلى العواقب المحتملة
ويتمثل أحد المخاطر المباشرة في زيادة الأمراض والأمراض المرتبطة بالحرارة، لا سيما السكان الأكثر قابلية للتأثر بالمخاطر مثل كبار السن والحوامل والأطفال وسكان المناطق الحضرية.
تصدر أمراض القلب والأوعية الدموية قائمة أسباب الوفيات المرتبطة بموجات الحريليها الجفاف وارتفاع ضغط الدم ومشاكل الجهاز التنفسي والأوعية الدموية الدماغية. وتشير تقديرات مخيفة إلى أنه قد ينتج عن زيادة بمقدار 2 درجة مئوية، موجات حر تشبه تلك التي ضربت باكستان عام 2015.
ويوجد تهديد آخر يتمثل في تسارع وتيرة الإصابة بالأمراض المحمولة بواسطة النواقل، لا سيما في المناطق الاستوائية مثل إفريقيا، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة أعداد البعوض، ما يزيد من خطر الإصابة بالملاريا وحمى الضنك وغيرها من الأمراض المنقولة.
قد يتسبب ارتفاع درجات الحرارة أيضًا في حدوث تغيرات في وقت ظهور حبوب اللقاح في فترة إزهار النباتات المسببة للحساسية، ويمكن أن يؤدي التعرض المستمر لها إلى تفاقم استجابات الحساسية لدى الأفراد الذي يُعانون منها وستؤدي هذه المخاطر الصحية إلى زيادة الضغط على نظام الرعاية الصحية.
يعد اتّباع استراتيجيات التخفيف من حدة المناخ والتكيف معه أمرًا بالغ الأهمية لحماية صحة الإنسان. ويمثل الانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون فرصة للاستدامة والنمو الاقتصادي، حيث يساهم تحديد المخاطر واتخاذ إجراءات حاسمة لحلها في بناء مستقبل أكثر صحة وأمنًا للجميع.
إقرأ المزيد حول هذا الموضوع: طعام الغد