يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
يعتبر التتبع بشكل عام أمرًا هامًا
فنحن نتتبع وصول طلباتنا وأمتعتنا وهواتفنا، كما يحظى التتبع بأهمية كبيرة في مجال التعرف على مصادر الأطعمة البحرية، على الرغم من صعوبة هذا النوع من التتبع.
لا تقتصر أهمية تتبع المأكولات البحرية على الجوانب الاقتصادية فحسب، وإنما تشمل أيضًا حقوق الإنسان والصحة البيئية.
تجاوزت القيمة الإجمالية لصناعة الأغذية البحرية 236 مليار دولار أميركي في عام 2023، ما يعني أن الأثر الاقتصادي لحدوث سرقة كبيرة في الثروة السمكية يمكنه أن يضر بالدول النامية، حيث لن يؤثر ذلك على الدخل الناتج عن تصدير الأغذية البحرية، بل يمتد إلى السكان الذين يعتمدون على المحيط كمصدر غذائي كسكان الأرجنتين.

تشهد مياه الأرجنتين، وفقًا لدراسة صدرت في عام 2021 عن شركة “فاينينشيال ترانسبيرنسي كواليشن” المتخصصة في رصد الشفافية في الأنظمة المالية والضريبية، عمليات صيد غير قانونية. ويُقَدَّر عدد السفن التي تصطاد على نحو غير قانوني في مياه الأرجنتين بنحو 500 سفينة، فيما لا تمتلك حكومتها الموارد الكافية لاحتجاز تلك السفن. ويعني ذلك أن الأرجنتين تخسر سنويًا ما يعادل من 2 إلى 3 مليارات دولار سنويًا.
وتتراوح قيمة الأثر الاقتصادي لصيد الأسماك على نحو غير قانوني عالميًا بين 10 مليارات و36.4 مليار دولار سنويًا.
وتتمثل عمليات الصيد غير القانوني بالسفن التي تُبحر في مياه إقليمية تحت سيادة معينة دون تصريح قانوني، أو السفن التي ترفع علم دولة بشكل قانوني ولكن لا تقوم تطبيق قوانينها.
ولا يمثل الصيد غير المُبلغ عنه إخفاقًا في الإبلاغ فحسب، وإنما يشمل أيضًا التقارير الخاطئة عن حجم ناتج عمليات الصيد. ويُعرف الصيد غير المصرح به بأنه أي نشاط صيد يجري خارج نطاق قوانين الحفاظ على البيئة أو يجري في مكان لا تسري به قوانين، ولكن النشاط ينتهك القوانين الدولية التي تحمي الاقتصادات وسلامة المحيطات أيضًا.
ووفقًا لتقرير صادر عن مجلة “نيتشر ميدل إيست”، تتعرض الثروة السمكية المتوافرة في الساحل الشمالي لمصر، والممتد بطول 1000 كيلومتر من فلسطين إلى ليبيا، لاستغلال مفرط على نحو خطر، الأمر الذي يهدد صحة الحياة البحرية في البحر المتوسط بأكملها. وبرغم أن نسبة البحر المتوسط إلى محيطات العالم لا تتجاوز 0.8 بالمئة فقط، إلا أنه يحتوي على نسبة تتراوح من 4 إلى 18 بالمئة من أنواع الأحياء البحرية المعروفة.
وقادت مريم خلف الله دراسة مشتركة بين جامعة مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مصر، وتشدد على أهمية اتخاذ إجراء عاجل من أجل تنظيم ورصد أفضل لنشاط الصيد.
وتسلط مشكلة التلاعب بالتصنيف الضوء على الصيد غير المصرح به. وقد تحدث هذه المشكلة في أي مرحلة من مراحل سلسلة التوريد ومن الممكن أن تكون مُتَعَمَّدَة أو غير ذلك، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تتبعها. وقد تشمل المعلومات الواردة في التلاعب بالتصنيف أي شيء بدءًا من أنواع المأكولات البحرية وحتى أصل المُنتَج. وتساهم هذه المشكلة في تفاقم المخاطر الصحية التي يتعرض لها 6.6 مليون مواطن أميركي من جرًاء الحساسية للمأكولات البحرية.

يكمن الهدف من التلاعب في التصنيف في إخفاء أصل المُنتَج، وبالتالي صعوبة تتبع العمل القسري، حيث يخفي التلاعب بالتصنيف الصيد غير المصرح به.
وذكرت دراسة نشرتها مجلة “بيرج لايف أند إنفايرنمنت” العلمية في عام 2022: “يتركز ما يصل إلى 70 بالمئة من سوق صادرات المأكولات البحرية في البلدان النامية. وتنتشر مشاكل الرق وعمالة الأطفال في البلدان التي تُعَد بمثابة مراكز لصناعة الأطعمة البحرية كإندونيسيا وتايلاند وفيتنام والفلبين وبيرو. ومع التزايد الثابت في الطلب العالمي على الأطعمة البحرية، أدى الصيد غير المصرح به وغير المُبلغ عنه وغير المنظم إلى انتشار الرق وعمالة الاتجار بالبشر”.
وفي ظل المكاسب المادية الوفيرة التي تتحقق من الصيد غير المصرح به، كيف يمكننا التأكد من استدامة مصدر الأسماك ومن عدم تسمية منتجاتها بشكل مُضَلّل وصيدها بالعمل القسري؟ تتوقف أجوبة هذه الأسئلة على البيانات وعمل الأشياء الصحيحة.
تتبع مصادر
أسماكك
لا يُعَد تتبع الأطعمة البحرية لضمان اتِّبَاع القوانين فكرة جديدة. وكانت بدايات هذه الفكرة في صيغة ورقية، ثم صارت رقمية. وتتيح التكنولوجيا الآن تتبع المأكولات البحرية في كافة مراحل سلاسل التوريد وتُطمئِن المستهلكين بشأن قانونية وأخلاقية مصدر الأسماك التي يتناولونها والتزام هذا المصدر بالممارسات المستدامة.
تعلم الشركات المنظمة مسار منتجاتها بدءًا من المحيط وصولًا إلى طبق الطعام، ويمكنها مشاركة تلك المعلومات معك.
تبنت خمسة من أكبر شركات الأطعمة البحرية على مستوى العالم مبادرة في عام 2021 تدعو القوانين الدولية والأطراف المعنية بالمجال إلى المشاركة في جهود التتبع. وقامت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأميركية بتفعيل هذه المبادرة من خلال “القاعدة النهائية لقابلية التتبع”، والتي سيبدأ سريانها في يناير 2026. وتقتضي هذه القاعدة قيام المؤسسات المسؤولة عن إدارة الغذاء في أي موقع من مواقع سلسلة التوريد بتوفير معلومات إضافية عن قابلية التتبع وإضافتها للقوانين السارية بالفعل.
كيف يعمل
التتبع؟
تقوم شركة “بلو تريس” التي يقع مقرها الرئيس في الولايات المتحدة بمساعدة صناعة المأكولات البحرية في عملية التتبع، حيث توفر الشركة حلولًا بسيطة للتخلص من الأخطاء في كافة مراحل الصناعة.
يبدأ الأمر في موقع الصيد وينتهي عند المستهلك. وبين البداية والنهاية، تمر أسماكنا بمعالجين أساسيين وثانويين وتجار جملة وتجار تجزئة وموزعين وناقلين.
وتشمل المنظومة برنامجًا يمكن تشغيله من هاتف نقَّال أو جهاز لوحي متصل بطابعة لطباعة جداول البيانات والسجلات والأغلفة على ورق مقاوم للماء.
يمكن تنفيذ حلولهم في غضون أيام، حيث لا تتطلب أي استشارات وتتسم ببساطتها على نحو يتيح للموظفين استخدامها بأدنى قدر ممكن من التدريب.

وتُزَوَّد الأغلفة والبطاقات برموز للاستجابة السريعة، بحيث يستطيع المتلقون والموزعون والمشترون مسحها للاطلاع على التفاصيل. ويمكن للمستخدمين أيضًا طلب استخدام صيغة الوثائق المنقولة “بي دي إف” للمساعدة في توثيق التقارير المالية، حيث يمكن إرسالها إلى المستقبِل النهائي لشحنة الأسماك ليتمكن العملاء من معرفة مصدرها.
ميزة إضافية: تُخَزَّن كافة البيانات التي تمر خلال التطبيق في السحابة.
وقال تشيب تيري، الرئيس التنفيذي لشركة بلو تريس: “تتمثل مهمتنا في تبسيط صناعة المأكولات البحرية، والتي ستظل موجودة إلى الأبد، وتتمتع بالعديد من المميزات، إلا أنها تغرق في الأعمال المكتبية الروتينية التي لا حاجة لها. يؤدي عدم وضوح رؤية العمليات في هذه الصناعة إلى صعوبة التوسع فيها. يتراوح حجم 90 بالمئة من الشركات العاملة في هذه الصناعة بين صغير ومتوسط، ما يجعلها ببساطة تفتقد أدوات التسعير المعقولة التي تتيح لها أداء أعمالها بفاعلية”.
وعلى الرغم أن هذا البرنامج قد صُمِّمَ بالأساس لتجار المحار والأصداف، إلا أن زبائن بلو تريس الذين يتجاوز عددهم 470 عميل يستخدمونه في تتبع مخزون عدة أنواع من الأسماك التي تشمل الأسماك الكبيرة والأعشاب البحرية والأسماك القاعية والتونة المستوردة والجمبري وغيرها الكثير.
قد تنتهي الرحلة المعقدة للسمك بوجبة فطيرة السلمون “سلمون أون كروت” التي طلبتها الليلة. لذا، عندما تطلب وجبة سمك في المرة القادمة، القِ نظرة على الطاولة أو لائحة الطعام بحثًا عن رمز الإجابة السريعة، ذلك أن قصة وجبة عشائك قد تكون استهلالًا لمحادثة رائعة.
شركة تطوير تكنولوجية في دبي توفر الشفافية
تعاني صناعة المأكولات البحرية من أنشطة غير مصرح بها وغير مُبلغ عنها وغير نظامية. وترى إدارة شركة “سي فود سوق” في دبي أن التكنولوجيا يمكنها أن تساعد في هذا الشأن.
وقال فهيم القاسمي، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لتقنية المعلومات في الشركة: “نطور أدوات للصيادين ومزارع الأحياء المائية والموزعين وتجار التجزئة لضمان شفافية مُنتَجَات الأطعمة البحرية في مصدرها وتتبعها عبر سلسلة التوريد”.
تهدف “سي فود سوق” إلى رقمنة صناعة الأطعمة البحرية لضمان إجراء العمليات التجارية والتوريدات من موقع الصيد إلى المستهلك النهائي على نحو يتسم بالمسؤولية، وذلك باستخدام تكنولوجيا التتبع “إس إف إس تريس”.
وتبدأ العملية بأكملها بالبيانات المتاحة في المصدر أو موقع الصيد. ويستخدم الأشخاص المعنيون بالتتبع تطبيقات عبر الهواتف النَّقَّالة لتسجيل عملية صيد. وتتضمن بيانات التسجيل أنواع السمك التي صيدت وكمياتها وموقع وتوقيت صيدها.

تُستَخدَم أدوات مماثلة في مزارع الأسماك ولكن تقوم تكنولوجيا التتبع “إس إف إس تريس” بإدراج البيانات المتعلقة بدورة حياة الأسماك كتغذيتها وعلاجاتها الصحية وأحوالها البيئية.
ويستخدم مسؤولو التشغيل في مصايد وسفن صيد الأسماك تكنولوجيا التتبع “إس إف إس تريس” لإدارة أساطيلهم وتوثيق الامتثال للقوانين والمعايير التنظيمية ومتطلبات الاستدامة المفروضة من جانب “الحوار العالمي لتتبع الأطعمة البحرية“، وهو شراكة تنظيمية غير ربحية بين الصندوق العالمي للطبيعة ومعهد المتخصصين في تكنولوجيا الأغذية.
وتقوم تكنولوجيا “إس إف إس تريس”بتجميع وتسجيل المُنتَجَات لضمان الامتثال للقوانين، كما تقوم أيضًا بمراجعة البيانات لضمان صحة كل مرحلة عبر سلسلة التوريد، بدءًا من صيد السمك وحتى وصوله إلى المستهلك. ويمكن أداء هذه المهام بسهولة بفضل تصوير كافة مراحل عمليات المعالجة والتعبئة والنقل ثم الاحتفاظ بالصور. وتستطيع الأنظمة تبادل البيانات فيما بينها بفضل المعيار العالمي المعروف باسم “خدمات معلومات رمز المُنتَج الإلكتروني”.
وتعمل شركة “سي فود سوق” مع شركاء محليين ودوليين لتحقيق الشفافية وتحسين مستويات العمليات، بما في ذلك تطوير وتنفيذ سجل رقمي لمصايد التونة في جنوب أفريقيا
وتتعاون “سي فود سوق” في دبي مع مجموعة “فنادق جميرا” لتعريف النزلاء عبر رمز الاستجابة السريعة بمصادر الأطعمة البحرية التي يتناولونها داخل فنادق المجموعة وكيفية وصولها إلى الأطباق على طاولاتهم.
وتستخدم المتاجر وشركات الإمداد والتموين في دولة الإمارات أداة التدقيق ضمن ضمن مكونات تكنولوجيا “إس إف إس تريس” أيضًا لضمان الجودة والامتثال لأهداف الاستدامة التي تتبناها الدولة.
ما هي الخطوة التالية لشركة “سي فود سوق”؟
تناقش الشركة مع الصيادين في دولة الإمارات إمكانية تطوير أدوات تسجيل استرشادية. وقال فهيم القاسمي في ختام مقابلته مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “تعتبر شركة “سي فود سوق” فرصة للمنظمات غير الحكومية والحكومة والقطاع الخاص للإسهام في تحقيق المزيد من الشفافية وحماية أسباب عيش الصيادين. ونحتاج لمواصلة المناقشات مع الجهات التنظيمية والصيادين ومنتجي الأطعمة البحرية لضمان التنفيذ الفعال لهذا المشروع. وتفخر “سي فود سوق” بأنها الجهة المنظمة (والبنية التحتية الرقمية) وراء هذه المحادثات”.