يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
أثبتت
مقولة “قليل دائم خير من كثير منقطع” صحتها حين بدأ تحول الزراعة إلى تكنولوجيا الشبكات الكهربائية الصغيرة، والتي تعتبر محطات طاقة صغيرة النطاق تساهم في تلبية احتياجات المزارعين من الطاقة دون استخدام الوقود الأُحفوري، حيث يعتبر حجم التكنولوجيا ليس مقياسًا لفعاليتها وأن الشبكات الصغيرة يمكن أن تقدم فوائد كبيرة للقطاع الزراعي مقارنة بالشبكات الرئيسة.
تساهم قطاعات الغذاء والزراعة بحوالي 30 بالمائة من استهلاك العالم للطاقة، فيما تعتبر مسؤولة عن 22 بالمائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويمكن أن يؤدي التوقف عن استخدام الشبكات الكهربائية الكبيرة والتحول إلى شبكات أصغر حجمًا تستمد طاقتها من مصادر آمنة على البيئة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى الحد من البصمة الكربونية الزراعية وتوفير التكاليف الاقتصادية والحماية ضد المخاطر السيبرانية، إضافة لتوفير مصدر دخل إضافي.
وتُعَد الشبكات الكهربائية المصغرة موَزِّعَات للطاقة تخدم مناطق جغرافية صغيرة كحرم جامعي أو مستشفى أو مزرعة، حيث يمكن لهذه الشبكات أن تعمل بصفة مستقلة أو مهجنة، ويعني ذلك أن تنفصل عن شبكة الكهرباء الرئيسة وفي نفس الوقت تواصل أداءها بنظام “الجُزر المنعزلة” عندما تقتضي الحاجة، كأن ينقطع التيار الكهربائي بسبب عاصفة أو في حالة حدوث هجوم سيبراني. فعلى سبيل المثال، يمكن لمستشفى ما أن ينفصل عن الشبكة الرئيسة، بعد وقوع هجوم سيبراني، ويواصل العمل بعد ذلك اعتمادًا على هذه الشبكات المصغرة.
تَعِد الشبكات المصغرة المجتمعات الريفية بوسيلة آمنة مناخيًا ومستدامة ومنخفضة الكُلفة
– “الموقع الإلكتروني “رينيوابل إينرجي ورلد
وتتميز الشبكات الكهربائية المصغرة أيضًا، عند اتصالها بالشبكة الرئيسة، على تحقيق التوازن بين المعروض من الطاقة والطلب عليها، وذلك باستخدام تقنيات حسابية معقدة تعتمد على تحليلات البيانات في الزمن الفعلي. ويعني الاتصال مزدوج الاتجاه بين شبكة مصغرة والشبكة الرئيسة قدرة الأولى على استمداد الطاقة أو منحها وفقًا لكمية الطاقة الفائضة أو وجود نقص في كميتها. وتوفر هذه العلاقة التبادلية الاستقرار والتوازن لكلٍ من الشبكة المصغرة والشبكة الرئيسة.
ويمكن بيع الطاقة الزائدة إلى الشبكة الرئيسة في حال وجود فائض في الطاقة، وبالتالي يمكن الحصول على أموال إضافية وفقًا لأسعار التعرفة. إضافة لذلك، تمثل الشبكة المصغرة نظامًا ذاتي التحكم يستمد طاقته بشكل مستقل من مصادر الطاقة الآمنة على البيئة.
وفي هذه الحالة، يمكن أن تستمد الشبكة المصغرة الطاقة من الألواح الشمسية مثلًا، حيث تقوم بتخزينها ومن ثم تزويدها دون أي اعتماد على الشبكة الرئيسة.
وأصبح بمقدور قادة قطاع الزراعة والمزارعين وموردي الأغذية، اليوم، أن يتحولوا للشبكات المصغرة باعتبارها مصدرًا مستدامًا للطاقة أكثر موثوقية وغير مكلف اقتصاديًا وذلك للحفاظ على سير العمليات دون انقطاع.
الأكبر ليس الأفضل دائمًا
قد تكون الشبكات المصغرة أقل حجمًا من شبكات الكهرباء التقليدية لكنها تتميز عنها بأنها مصدر موثوق للطاقة خلال انقطاعات الكهرباء غير المتوقعة ويمكنها الحد من تأثير تلك الانقطاعات على مواصلة الأعمال.
تُعَد قدرة الشبكات المصغرة على الانفصال عن الشبكة الرئيسة والاستفادة من الطاقة المخزنة، ميزة هامة، لأنها تتيح لجميع العاملين في القطاعات الصناعية والتجارية، كالمزارعين وموردي الأطعمة، العمل في الأوقات التي لا يستطيعون فيها الوصول إلى الشبكة الرئيسة.
وتتسم الشبكات المصغرة أيضًا بمرونتها والقدرة على تعديل العمليات الخاصة بها وضمان استمرارية الطاقة حتى في حالات الانقطاع الشديد والمفاجئ.
يُقَدِّر تقرير الإحصائيات لعام 2023، الصادر عن مؤسسة بلنكيت ريسيرش البحثية، القيمة الإجمالية لقطاع الأغذية والزراعة على مستوى العالم بنحو 11,1 تريليون دولار، أي ما يعادل 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. لذلك، يعتبر أي انقطاع في شبكات الطاقة مشكلة كبيرة قد تسبب خسائر كارثية في قطاعي الغذاء والزراعة.

فعلى سبيل المثال، يحتاج مزارعو الألبان إلى الكهرباء لحلب الحيوانات ومعالجة المنتجات وتخزينها. ويعني انقطاع الكهرباء فعليًا توقف العمل وإمكانية فساد المنتجات.
وتتعرض الزراعة لضربات كبيرة في الدول التي تمر بأزمات في الطاقة.
تلجأ جنوب إفريقيا مثلًا إلى تخفيف الأحمال عن شبكتها الكهربائية الرئيسة لحمايتها. ويعني ذلك قطع التيار الكهربائي بصفة مؤقتة عندما يزداد الطلب عن مستوى قدرة الشبكة، وذلك بهدف تفادي تعطلها. ويمكن أن تستمر فترات الانقطاع حتى ثمان ساعات يوميًا.
تساهم هذه الانقطاعات، على الرغم من أنها تحمي شبكة الكهرباء الرئيسة، بإلحاق الضرر في قطاع الزراعة.
وقال كريستو فان دير ريد، الرئيس التنفيذي لمؤسسة (أغري إس إي) الزراعية بجنوب إفريقيا، في مقال كتبه بصحيفة ذا ديلي مافريك: “عانى كل قطاع في اقتصاد جنوب إفريقيا من تأثير انقطاع الكهرباء المتوالي، ولكن شهد قطاع الزراعة الجزء الأكبر من هذه المعاناة”.
ووفقًا لذلك، تبدو الشبكات المصغرة الحل الأنسب في الدول التي تشهد تعطل واسع النطاق في التيار الكهربائي.
وذكر الموقع الإلكتروني، رينيوابل إينرجي ورلد، المعني بتغطية أحدث الأخبار والاتجاهات في مجال الطاقة المتجددة: “تُعَد الشبكات المصغرة تكنولوجيا المستقبل وتتيح للمجتمعات الريفية وسيلة آمنة مناخيًا ومستدامة ومنخفضة التكلفة للاستفادة من مواردها الخاصة واستخدامها في تلبية احتياجات سكانها”.
توجد هناك مشكلة، على الرغم من أن الشبكات المصغرة توفر الأمان والتكلفة المادية مع مرور الوقت، وهي أن الانتقال للشبكات المصغرة يتطلب تمويلًا وليس الجميع يمتلك هذا النوع من التمويل.
هل يستحق الأمر؟
تتميز بعض الدول، كأستراليا، أنها أقل عُرضَة لفقدان الكهرباء مقارنة مع الدول النامية التي تعاني انقطاعات عديدة للكهرباء طوال العام، إلا أن التكلفة المتزايدة للطاقة قد تكون حافزًا كافيًا للاستثمار في إحداث تحول للطاقة.
ويعني التحول نحو الطاقة الخضراء تحقيق توفير كبير في التكاليف.
وترى تانيا تشابمان، المديرة العامة للعمليات الزراعية لدى نوترانو بروديوس جروب، والتي تُعَد واحدة من الشركات الرائدة في إنتاج الفاكهة الطازجة في أستراليا، أنه يصعب الحفاظ على الأرباح في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة والالتزام بالإرشادات الحكومية الخاصة بالاستدامة.

وقالت تانيا في مقابلة مع “إي بي سي رورال“، إحدى أقسام هيئة الإذاعة الأسترالية: “تبلغ قيمة فاتورة الكهرباء السنوية حاليًا لأحد مواقعنا حوالي 110,000 دولار وفي حال إدخال الطاقة الشمسية، ستصل التكلفة إلى 120,000 دولار وستنخفض قيمة فاتورة الكهرباء بنسبة تتراوح من 25 إلى 30 بالمئة”.
وقد يقود الدمج ما بين الشبكات المصغرة والطاقة الشمسية إلى نتائج أفضل.
ويمكن أن تؤدي التقلبات الجوية الكبيرة والشديدة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، إلى تأثيرات كارثية على الصناعات الكبيرة وأيضًا على البنى التحتية الضعيفة كتلك الموجودة في الدول النامية والنائية. ويمكن أن يكون الوصول إلى شبكة الكهرباء الرئيسة غير مستقر، ما من شأنه أيضًا أن يَحُد من التطور الاجتماعي الاقتصادي.
تعتبر الشبكات المصغرة أقل تكلفة من بناء شبكة رئيسة واسعة النطاق. لذلك، تستثمر دول عديدة في مجتمعاتها الريفية لأن الشبكات المصغرة أقل تكلفة في تمديدها، كما تتيح للحكومات فرصة الالتزام بالأهداف المتفق عليها في اتفاقية باريس. وتساهم الإعفاءات الضريبية أيضًا في تعويض تكاليف معدات الطاقة المتجددة.
قُدِّرَ عدد الشبكات الكهربائية المصغرة عالميًا في عام 2019 بنحو 4500 شبكة وتتوقع الأسواق نموًا كبيرًا في عدد هذه الشبكات خلال العقد المقبل نتيجة لما تطمح له الحكومات من تخفيف لحدة المخاطر المالية وتطوير المناطق الريفية.
إقرأ المزيد حول هذا الموضوع: تطوير اقتصاد الهيدروجين