الصورة : Shutterstock

تستخدم العديد من الحيوانات عروضًا متقنة لجذب الشركاء مثل طيور الطاووس التي تتباهى بريشها والغزلان التي تربي قرونًا كبيرة، لكن تتّخذ إناث الذباب الراقص نهجًا مختلفًا قليلًا، فعلى الرغم من أنها تكبّر أجسادها وتُغمّق أجنحتها وينمو لها شعر إضافي لتبدو أكثر خصوبة مما هي عليه في الواقع، إلا أن كل ذلك مجرد وهم.

ويتطور الذكور من خلال تطوير القدرة على الرؤية بصورة أوضح لرؤية تلك الخدع على حقيقتها.

تشتهر الذبابة الراقصة، ويعبّر هذا الاسم عن سلوكها بشكل دقيق لما تقوم به من حركات مميزة تشبه الرقص، بأدائها لطقوس التزاوج المُتقنة. وقد تبدو حركة مجموعة كبيرة من هذه الحشرات الصغيرة عشوائية للعين المجردة، لكن تتبع عروضها الجوية نمطًا منظمًا، حيث تقوم الإناث بمناورات معقدة لجذب الشريك، في الوقت الذي يراقب فيه الذكر سماتها عن كثب لتقييم مدى لياقتهن للتكاثر.

ينجذب الذكور بشكل خاص إلى الإناث ذوات الأرجل السميكة والشعر الكثيف والبطن المنتفخ، مما يدل على وجود عدد كبير من البيض وفرص خصوبة أفضل، لكن تستعين الإناث بتكتيكات ذكية للمبالغة في مظهرهن، خاصة أنهن ماهرات في تلك الخدع.

يوضح أكسل ويبرغ، الباحث في جامعة ستوكهولم والمؤلف الرئيس في دراسة أُجريت عام 2024 حول العلاقة بين السمات الجسدية المتطوّرة لذكور وإناث الذباب الراقص، قائلًا: “تبتلع الإناث الهواء ليكبّرن حجم بطونهن ويبدين أكبر عندما يتجمعن، كما طوّرن خاصّية إنماء الشعر على أرجلهن وأجنحة أكبر وداكنة أكثر لتعزيز الوهم”.

تشمل عملية إيجاد الشريك، إلى جانب الخداع البصري، عنصرًا أساسيًا آخرًا وهو “الهدايا”، حيث يصطاد الذكور الفريسة ويلفونها في شرنقة حريرية ويقدمونها إلى الأنثى المختارة، وقد تكون هذه الهدية هي الطعام الوحيد الذي ستأكله في حياتها في أغلب الحالات، حيث لا تستطيع الإناث إطعام أنفسهن. تحدث طقوس التزاوج هذه مع العديد من الذكور، ويصبح بإمكان الأنثى أن تبيض بمجرد أن تأكل ما يكفي من “الهدايا” الغنية بالبروتين.

ومع ذلك، يبدو أن الخدع تأتي من الطرفين.

CAPTION: الذباب الراقص IMAGE: Shutterstock

يأكل بعض الذكور جزءًا من الهدية قبل لفها أو يقدّمون كرة من الحرير فارغة تخلو من الهدية، وفي هذه الحالة يتم رفضهم.
لكن قد تفقد حيلة الإناث فعاليتها على الرغم من قيام كلا الجنسين بالخدع.

وجد الباحثون في جامعة غوتنبرغ وجامعة ستوكهولم أن ذكور الذباب الراقص يطوّرون بصرهم، ما يسمح لهم بالتفريق بين الإناث الأكثر خصوبة واللواتي يقدّمن عرضًا للحصول على وجبة خفيفة.

يوجد ارتباطٌ بين الإناث ذوات البطون الكبيرة والسيقان السميكة ذات الشعر الكثيف، وبين الوحدات البصرية الأكبر في العين المركبة للذكور في بعض أنواع الذباب الرّاقص، حيث يشير هذا إلى أن الذكور قد تطوّروا بمرور الوقت لاكتشاف الإناث الأكثر خصوبة.


يمكن أن تطوّر الأنثى سمات جديدة تُصعّب من خلالها على الذكر تقدير حجمها، وقد تطوّر استراتيجيات جديدة تمامًا لاكتساب ميزة تطورية
أكسل ويبرغ، جامعة ستوكهولم


وفي هذا الصدد، يقول لوك بوسيير، عالم الأحياء التطوري بجامعة غوتنبرغ والمؤلف المشارك في الدراسة: “تم تفضيل ذكور الذباب من ذوي الوحدات البصرية الأكبر على مدى أجيالٍ في التزاوج، كما أن جيناتها تُوَّرث، ونعتبر هذا نظامًا تطوريًّا يتناوب فيه تطوّر السمات المختلفة بين ذكور الذباب وإناثها”.

كيف تواصل هذه الطقوس تأثيرها على تطور النوع؟

CAPTION: لوك بوسيير IMAGE: جامعة غوتنبرغ

يقول البحث الذي نشرته جامعة غوتنبرغ أنّه يُحتمل أن تكون الإناث قد طوّرت ميزاتٍ بمرور الوقت الذي أصبح الذكور خلاله أفضل في اكتشاف الحيل. وبالتالي، ما الذي سيحدث بعد ذلك مع استمرار تطوّر كل جنس ليتغلّب على الآخر؟

“يمكن أن تطوّر الأنثى سمات جديدة تُصعّب من خلالها على الذكر تقدير حجمها، وقد تطوّر استراتيجيات جديدة تمامًا لاكتساب ميزة تطورية، حيث نرى مثلًا أن أنواع الذباب التي يتميّز ذكورها بالوحدات البصرية الأكبر على الإطلاق، تُعرَف إناثها أيضًا بوحدات بصرية أكبر بعض الشيء، ولكن في الجانب السفلي من العين، وصحيحٌ أننّا لم نتمكّن بعدُ من تفسير هذه الظاهرة، لكننا نتوقع أنها قد تساعد الأنثى على رؤية الذكر وهو يقترب بسرعة أكبر ما يمكّنها من الاختيار بصورة أفضل، كما قال أكسل في حديثه مع فريق مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا.

نُشرت الورقة البحثية في المجلة العلمية الدولية “أورغانِك إيفوليوشن”، المعنيّة بالظواهر التطورية.

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا