يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››

ساهمت المواد البوليمرية، منذ اكتشافها في أوائل القرن العشرين، في التأثير في العديد من جوانب الحياة وقد يكون البلاستيك البوليمر الأكثر انتشارًا في حياتنا اليومية.
يتم إنتاج المواد البلاستيكية، على الرغم من قيمتها العالية، بكميات تفوق ما يتم تدويره ليشكل ذلك تحديًا بيئيًا كبيرًا. وتشير الإحصاءات إلى أنه يُعاد تدوير 9% فقط من مجموع الإمدادات العالمية للبلاستيك. ويتخلص الأفراد من المواد البلاستيكية إما بحرقها أو إلقائها في مكبات النفايات، الأمر الذي يسبب التلوث. وتوجد أيضًا كميات كبيرة من النفايات البلاستيكية في البحار والتي تشكل منظرًا مزعجًا للعين وتسبب الضرر للكائنات الحية البحرية والمنظومة المائية بشكل عام.
طور الأستاذ الدكتور شارماركي محمد، بالتعاون مع فريقه البحثي من مركز كيمياء المواد المتقدمة في جامعة خليفة، طريقة جديدة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية تعتمد على المزج ما بين القوة الميكانيكية (كجزء من الكيمياء الميكانيكية) والضوء والمحفزات.
ما يميّز هذه التكنولوجيا بشكل ملحوظ هو عدم اعتمادها على أي مواد كيميائية ضارة أو مسببة للتآكل.
– شارماركي محمد،جامعة خليفة
يُعرف عن الطرق الميكانيكية أنها وسيلة تساهم في الحد من كمية المواد البلاستيكية قبيل عملية التدوير، لكن لا يمكن تطبيق تلك الطرق في عملية تقسيم المواد البوليمرية في النفايات البلاستيكية.
لذلك، يسعى الباحثون إلى الكشف عن طرق جديدة لإعادة التدوير بتكلفة منخفضة باستخدام مجموعة من المحفزات.
وفي هذا الصدد، قال شارماركي: “قررنا تطوير الأدوات الميكانيكية الكيميائية الجديدة على الرغم من التحدي البيئي الكبير الذي تفرضه النفايات البلاستيكية، خاصة أن معظم الباحثين في العالم يسعون إلى التركيز على القوة الميكانيكية كوسيلة لتطوير مواد كيميائية جديدة، بمعنى أنهم يطوّرون أدوات معقدة من هياكل بسيطة. لذلك، قررنا الاستفادة من نفس المبادئ والقوة الميكانيكية والضوء والمحفزات لتفكيك مواد النفايات البوليمرية المعقدة إلى وحدات أصغر يمكن إعادة تدويره لاحقًا”.
وأضاف شارماركي: “تعتبر الطاقة الشمسية مسؤولة عن عملية التحلل الضوئي للمواد البلاستيكية في البيئة، خاصة في منطقة الأشعة فوق البنفسجية من الطيف الكهرومغناطيسي. وندرك كذلك أن بعض المحفزات الحيوية (مثل الإنزيمات) تتكيف مع استخدام الجزيئات العضوية الكبيرة مثل البلاستيك كمصدر للوقود. ويعني ذلك أننا نستمد الدروس من الطبيعة خلال محاولاتنا لتطوير بروتوكول على نطاق المختبر يقوم على الأساليب المجربة والمختبَرة في مجال تحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد كيميائية عالية القيمة”.
وقال: “في ظل إعلان دولة الإمارات أن عام 2023 هو عام الاستدامة، قرر فريقنا البحثي تولي هذه الجهود الكبيرة في مجال هو الأصعب من نوعه، حيث ستحفزنا هذه التحديات لحل المشكلات البيئية التي تفرضها النفايات البلاستيكية”.
ووفقًا لما قاله شارماركي في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، يتم إنتاج حوالي 380 مليون طن متري من البلاستيك كل عام ويُعاد تدوير حوالي 9% منها فقط، مضيفًا أن معالجة بعض المواد البلاستيكية تتم بالاستعانة بمواد كيميائية شديدة كالأحماض، ولكن بشكل عام يتم حرق معظم البلاستيك.
“تُطلق عملية الاحتراق ثاني أكسيد الكربون فتتسبب في زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية عالميًا، كما لا يمكن إعادة استخدام البلاستيك بعد حرقه. وفي هذا الإطار، يسعى فريقنا إلى الاستفادة من البلاستيك بعد استخدامه من قبل المستهلك بهدف الوصول إلى طرق ميكانيكية جديدة منخفضة التكلفة قادرة على تفكيك هذه البوليمرات إلى الأجزاء المكونة لها.”
ويمكن بعد ذلك إعادة استخدام هذه الأجزاء لصنع منتجات بلاستيكية وكيميائية جديدة لأغراض الاستفادة منها.
ويقوم فريق شارماركي في الوقت الحالي بمشروع بحثي يمتد لثلاث سنوات بهدف دراسة عملية تتكون من ثلاثة أجزاء لإعادة تدوير البلاستيك. ويتلقى هذا البحث الدعم من مركز كيمياء المواد المتقدمة ويُموَّل من قبل مؤسسة “أسباير””، التي تعتبر دعامة بارزة في مجال إدارة برامج التكنولوجيا في مجلس أبحاث التكنولوجية المتقدمة في أبوظبي، من خلال جائزة “أسباير” للتميز البحثي.
يتضمن الجزء الأول الكيمياء الميكانيكية والتي تعتمد على استخدام الطاقة الميكانيكية لتحفيز عملية تقسيم المادة البوليمرية إلى أجزاء في النفايات البلاستيكية.
“نستعين بالمطاحن الكروية على وجه الخصوص لتفتيت البوليمرات في وجود مواد كيميائية خاصة نطورها في مختبرنا، ويؤدي ذلك إلى تحلل البوليمر وإطلاق العناصر الأساسية المكونة له والتي تُعرف باسم المونومرات. وتشير النتائج الأولية في مختبرنا إلى إمكانية إجراء هذه العملية في ظل الظروف المحيطة في الحالة الصلبة بإنتاجية تصل إلى حوالي 70% أو أعلى من ذلك. وما يميّز هذه التكنولوجيا بشكل ملحوظ هو عدم اعتمادها على أي مواد كيميائية ضارة أو مسببة للتآكل، الأمر الذي يعد في غاية الأهمية لأنه يجعل العملية بكاملها أكثر أمانًا على البيئة مقارنة بحرق النفايات البلاستيكية أو دفنها.”
نسعى إلى البحث بصورة مبتكرة وننظر إلى المشكلة من منظور غير تقليدي باستخدام نهج التحفيز الميكانيكي
– زينب محمد سعيد،جامعة خليفة
وتتمثل الخطوة التالية في اختبار تأثير الضوء على العملية، وبعدها القيام بتجارب مع المحفزات غير العضوية (كالأملاح المعدنية) أو الإنزيمات لتقسيم المواد البلاستيكية.
“سنتمكن من تجميع هذه العمليات مع بعضها لإنشاء بروتوكول التحلل الضوئي والميكانيكي الإنزيمي في حال تمكنا من فهم كل منها على حدة، حيث سيُنفَّذ هذا البروتوكول بشكل تسلسلي كجزء من عملية تصنيع بالدفعات، تمامًا كما هو الحال في الأحزمة الناقلة في المصنع. ونهدف على المدى الطويل إلى استخدام هذه العملية في التخلص من النفايات البلاستيكية بعد الاستهلاك وإنتاج وحدات البناء الكيميائية للنفايات البلاستيكية بكفاءة.”
وفي هذا السياق، أشار شارماركي إلى أن عملية تقسيم البلاستيك إلى أجزاء بالتأثير عليه بقوة ميكانيكية قد تختلف باختلاف أنواعه، مما يزيد من صعوبة العملية ولكن أكد على أن النتائج الأولية للدراسة مبشرة
وأعربت زينب محمد سعيد، طالبة دكتوراه تركز على هذا المشروع البحثي، عن حماسها تجاه هذا النهج غير التقليدي لحل مشكلة طويلة الأمد.
وقالت زينب: “يعود مجال تحلل البوليمر إلى العديد من العقود الماضية، حيث حاول الأفراد التوصل إلى طرق مختلفة لمعالجة المشكلة باستخدام خبراتهم. وفي الوقت الحاضر، نسعى إلى البحث بصورة مبتكرة وننظر إلى المشكلة من منظور غير تقليدي باستخدام نهج التحفيز الميكانيكي. يمكن القول بأن هذا البحث صعب ولكنه في نفس الوقت يحفزنا لإيجاد الحلول وللتعرف إلى النتائج التي سنحصل عليها”.
وتشمل تحديات هذا البحث إنشاء أوعية قادرة على حمل المادة وفي نفس الوقت تتيح دخول الضوء بطول موجي معين، إضافة لارتفاع تكلفة الإنزيمات التي تقوم بتفكيك المواد البلاستيكية.
ومن جهة أخرى، يكمن هدف هذه الدراسة في رفع مستوى هذه التكنولوجيا إلى المستويات التي يتطلبها القطاع الصناعي، ويحتاج ذلك بعض الوقت ليتحقق.
وقال شارماركي: “يمكننا حاليًا إنتاج ما يصل إلى غرام أو غرامين، الأمر الذي يعتبر مناسبًا للتطبيق وتسجيل براءات الاختراع.”
يذكر أن مركز كيمياء المواد المتقدمة، والذي أنشِئ في العام 2022، يضم الخبرات من مختلف التخصصات لمواجهة المشاكل البيئية الكبرى. قال شارماركي: “تتوافق أساليب مركز كيمياء المواد المتقدمة في معالجة النفايات البلاستيكية مع طموحات دولة الإمارات الرامية إلى الانتقال للاقتصاد الدائري المستدام وتحقيق الحياد الكربوني”.