تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
تشهد حياة القبائل البدوية تحولات كبيرة وانتقال نوعي من أفراد رحل إلى سكان يتمتعون بحياة مدنية مريحة ذات تكنولوجيا حديثة، لكن قد يحمل هذا التحول معه نسيان العادات القديمة بأكملها.
إذا لم يحرص السكان على ممارسة تلك العادات، فلا بد من الحفاظ عليها بأساليب أخرى.
يحرص الأرشيف والمكتبة الوطنية في دولة الإمارات على جمع السجلات المتعلقة بالحياة في المنطقة منذ العام 1968. واليوم، تحتفظ هذه المؤسسة بأكثر من 5 ملايين وثيقة تاريخية من بينها 800 تسجيل صوتي ومرئي لرواة القصص الإماراتيين وكبار السن تتضمن اللهجات والأغاني والحكايات الشعبية، إضافة لمجموعة من الصور الفوتوغرافية والمخطوطات والتاريخ المدون.
ويكمن التحدي في الوقت الحاضر في رقمنة جميع السجلات والوثائق للحفاظ عليها لأطول وقت ممكن، حيث توفر الرقمنة عملية تخزين آمنة لجميع المحتوى الثقافي، كما توفرها على نطاق أوسع. وفي هذا الإطار، ينبغي على نظام الحفظ بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أن يكون أكثر من مجرد مستودع للوثائق، فهو يتطلب القيام بوظائف بحثية متكاملة ذات أنظمة بيانات تعريفية منظمة بشكل كبير قابلة للتشغيل مع الأنظمة الأخرى بهدف تحديث البيانات مستقبلًا وتسهيل عملية وصول أمناء الأرشيف والأشخاص المهتمين لتلك المصادر.
تعتبر عملية الرقمنة أمرًا أساسيًا في الإدارة الحديثة للمقتنيات التراثية، حيث يمكن أن تكون العملية بسيطة كالتصوير الفوتوغرافي أو المسح الضوئي لوثيقة يتم حفظها فيما بعد كصورة رقمية، إلا أن الجزء الصعب هو الهيكلية المعلوماتية،
حيث تظهر الحاجة إلى التخطيط الدقيق في عملية تطوير البيانات التعريفية التي ستوجه تلك الهيكلية، وإذا لم يتم تصنيف الأصول بالشكل المناسب، لن تتمكن أذكى عمليات البحث في العالم من إعادتها.
التحقق من التحيز في الذكاء الاصطناعي
قد يخدم الذكاء الاصطناعي كأداة فعالة في تحديد الأصول التراثية الرقمية وتصنيفها، لكن يجب أولًا معرفة مدى التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يؤثر في البيانات التي تم جمعها. ويعتبر الفهم الدقيق لمصطلح “الذكاء الثقافي” أمرًا في غاية الأهمية في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي بهدف تفادي التحيز في تحديد الصور لبعض الخصائص الديموغرافية وضمان وضع التصنيفات والمسميات المناسبة والمعقولة.
وفي هذا الصدد، يستعين أثول ياتيس، الأستاذ في العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة، بأمثلة من أرشفة الحرب العالمية الثانية، حيث يقول:
“”خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك طائرة أمريكية ومنشأة تقع في الشارقة في دولة الإمارات لكن هذه الحقيقة غير معروفة من قبل، حيث كان التأكيد على التحيز موجودًا في الأرشيف الذي وجدت فيه صورة لطائرة في الشارقة عليها ملصق تصنيفي بأنها طائرة في مصر وقد تم إيجاد ذلك في النصب التذكاري للحرب الأسترالية الذي كان يحظى بنظام يساهم في إخبار أمين الأرشيف بالقضية، كما توجد أمثلة أخرى لصور تم تصنيفها لأماكن عربية في منطقة الشرق الأوسط في حين أنها لإمارة الشارقة”.
الجدير بالذكر أن جميع هذه الأرشفة والتصنيفات هي قابلة للتطوير، وتتطلب أنظمة المكتبات الرقمية أن تتسع لتشمل أصولًا إضافية. فبعيدًا عن حجم الأصول، يجب أن يكون النظام قادرًا على التعامل مع مختلف أشكال المحتوى وعدد المستخدمين للنظام في وقت معين والطرق المتنوعة التي يمكن من خلالها الحصول على المحتوى. لذلك، يجب أن يكون النظام مرنًا وسهل التحكم.
وعند السؤال عن مدى صعوبة إنشاء نظام معلوماتي قادر على حفظ البيانات وأرشفتها وتسهيل البحث عن مئات الآلاف من الصور والحصول عليها، أجاب الدكتور إبراهيم الفضل بثلاث كلمات: “استخدم تقنية السحب”.
ويعتبر الدكتور إبراهيم الفضل أستاذًا في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر، وقد عمل سابقًا في شركة (آي بي إم) كعالم بحثي أول قبل أن يتوجه للعمل في القطاع الأكاديمي.
قال الدكتور إبراهيم: “تعد البحوث في مجال حفظ الإعلام الرقمي والأرشفة والفهرسة والبحث عنه أمرًا ليس جديدًا، لكن أصبح العمل البحثي اليوم اتجاهًا سائدًا بعد ظهور خدمات شبكة الإنترنت وأصبح الذكاء الاصطناعي يقوم بدور كبير في استرجاع الإعلام الرقمي وفقًا لاستفسارات المستخدم المعقدة”.
تعد البحوث في مجال حفظ الإعلام الرقمي والأرشفة والفهرسة والبحث عنه أمرًا ليس جديدًا، لكن أصبح العمل البحثي اليوم اتجاهًا سائدًا بعد ظهور خدمات شبكة الإنترنت.
– إبراهيم الفضل
على سبيل المثال، عندما نخزّن صور هواتفنا الذكية على السحب، يتم تخزينها وفهرستها واسترجاعها وفقًا لأساليب تعتمد على تلك الأبحاث المبتكرة. ويلعب الذكاء الاصطناعي الآن دورًا أكبر في استرجاع الوسائط الرقمية بناءً على استفسارات المستخدم المعقدة.
تطور المكتبات في المنطقة
ارتقت المكتبات في مختلف أنحاء المنطقة إلى مستوى التحدي المتمثل برقمنة الموروثات الثقافية لتلك الدول.
احتوت مكتبة قطر الرقمية في العام 2021 على مليوني صفحة تضم ثقافة الدولة وإرثها التاريخي، حيث تشتمل كل صفحة على تقرير تاريخي ورسالة تاريخية وخريطة وصور فوتوغرافية أو تسجيل صوتي وشرحه باللغتين العربية والإنجليزية.
ويعتبر “فن جميل” مشروعًا لحفظ الإرث الثقافي ولدعم الشركات المبدعة التي تركز على التراث المحلي في منطقة العلا في السعودية، كما يساهم المشروع في تدريب المصورين على التصوير المتقدم، وهو تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، وريادة الجهود في مجال تسجيل التراث الأثري الغني في المنطقة والاحتفاظ به، خاصة الفن الصخري.
وامتدت جهود مشروع فن جميل إلى خارج نطاق السعودية، حيث استعانت بتقنيات التوثيق الرقمي لتسجيل ما يثبت التراث الثقافي اليزيدي في العراق، فيما اعتمد فريق المشروع خلال عمله في مدينة سنجار على تقنيتي التصوير الجوي والتصوير الجوي المتقدم ثلاثي الأبعاد بهدف إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمواقع التي دمرتها الصراعات.
وعلى صعيد آخر، يسعى برنامج تدريب إلكتروني في عُمان إلى إيجاد جيل عُماني شاب هاوٍ للاحتفاظ بالتراث الرقمي ورفد الطلبة والخريجين الجدد في جميع التخصصات بالمهارات والأدوات الرقمية اللازمة للمحافظة على تاريخهم.
تسلمت المكتبة الوطنية في إسرائيل منحة بوثائق للمجتمع البدوي في شبه جزيرة سيناء يتجاوز عمرها 50 عامًا، وتمثل هذه المنحة مشروع الدكتور كلينتون بيلي، الكاتب والباحث في منطقة الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي، الذي أمضى حياته في تسجيل وتوثيق المواد وجمعها منذ آخر جيل القبائل البدوية إلى أن وصل الجيل المعاصر لما قبل الحداثة بهدف الحصول على التراث القديم بطريقة النقل الشفوي. إضافة لذلك، قام الدكتور كلينتون بالبحث في جميع أنحاء صحراء سيناء والنقب للتحدث إلى أفراد القبائل البدوية هناك وجمع المعلومات عنهم والقصص التاريخية.
التعاون مع دولة الإمارات
يتعاون الأشخاص المسؤولون عن الأرشفة، والذين انضموا لفريق عمل الدكتور كلينتون بيلي في أرشفة الثقافة البدوية، مع العاملين في الأرشيف في دولة الإمارات في تدوين أكثر من 350 ساعة من المقابلات متنوعة اللهجات العربية المحكية من قبل السكان البدو.
وأوضح الدكتور صموئيل ثروب، المتخصص بأرشفة المجموعة المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط في المكتبة الوطنية في إسرائيل، أنه على الرغم من التحديات التقنية التي واجهته خلال حفظ التسجيلات وفهرستها إلا أنها كانت بسيطة مقارنة بالنسخ الدقيق للمحتوى، حيث قال: “قمنا برقمنة جميع التسجيلات وفهرستها لتصبح قابلة للبحث بشكل كامل مع وصف غني للعناوين والأسماء الكاملة للأشخاص الذين تمت مقابلتهم وروابطهم القبلية”.
وأضاف: “تمثل الخطوة القادمة مرحلة التدوين والفهرسة الفعالة والتي لا تعتبر تحديًا لأن التحدي يكمن في طريقة توفير المدونات وجعلها قابلة للبحث. وبما أن تدوين جميع هذه اللهجات وترجمتها هو أمر في غاية الصعوبة، ساهم التعاون مع متخصصين في الأرشيف والمكتبة الوطنية في دولة الإمارات في حل ذلك، كما يمكننا التعلم من خبراتهم الواضحة في العمل الذي قاموا به في أرشفة تسجيلات نادرة وقيّمة للغة العربية”.
قمنا برقمنة جميع التسجيلات وفهرستها لتصبح قابلة للبحث بشكل كامل مع وصف غني للعناوين والأسماء الكاملة للأشخاص الذين تمت مقابلتهم وروابطهم القبلية
– صموئيل ثروب
أما الجانب الآخر من عملية الأرشفة فيكمن في إمكانية الوصول للمعرفة ونشرها، وفقًا لما قاله صموئيل: “المكتبة هي تفكير متطلع إلى المستقبل”.
وقال: “تعتبر مجموعة مقتنياتنا الواسعة متوفرة وسهلة الوصول من قبل الجميع في مختلف أنحاء العالم، وقد لا ندرك الأسباب التي تستدعي الأشخاص الحصول على المعلومات لكن ذلك ليس ضروريًا لأننا لا نجمع المعلومات للوقت الحاضر فقط وإنما نجمعها للمستقبل، فمن واجبنا الاحتفاظ بالثقافة وحمايتها وتسجيلها”.
استعادة حالة الصور القديمة وتحسينها
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة تصنيف الصور وأرشفتها وطريقة استعادتها للحالة الأصلية وتنظيفها من خلال الاستفادة من خوارزميات متطورة تتيح تحليل الصور القديمة وتحسين جودتها حتى لو كانت مهترئة منذ عقود.
ويمكن الاستفادة من تقنيات تعلم الآلة من خلال نماذج التدريب لقواعد بيانات كبيرة لصور ذات جودة عالية بهدف تعلم الأنماط والخصائص التي يمكن استخدامها في استعادة حالة الصور القديمة وتحسينها. ويمكن أيضًا الاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي، من خلال تحليل الفروقات بين الصور القديمة والحديثة، تحديد الطريقة الأفضل لاستعادة الصور القديمة لحالتها الأصلية.
تعتبر الشبكات العصبية واحدة من هذه التقنيات، حيث تم تصميم هذه الشبكات بطريقة تحاكي نظام عقل الإنسان ووظائفه وتتيح التعلم والتكيف مع مختلف أشكال الصور. ويمكن لهذه الشبكات أن تتعلم آلية تحديد الأنماط والخصائص الخاصة بالصور عالية الجودة كموازنة حدة الصورة وإضاءتها وتطبيق هذه الخصائص على الصور القديمة والتالفة.
وبهذه الطريقة، يتمكن الذكاء الاصطناعي من تحسين الصور وتنظيفها عبر التخلص من العيوب. ومن ناحية أخرى، يمكن لمحرري الصور الاستفادة من هذه التقنيات وخبراتهم في تحسين الجودة العامة للصور القديمة ودرجة الوضوح للحفاظ عليها مستقبلًا.