تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
وفقًا لكارلو يوريو، مدير مركز الأبحاث والهندسة في تقنيات الفضاء بجامعة بروكسل: “يُعتبر استكشاف الفضاء المختص بدراسة علم المواد، ذلك أنه علم مستقل عن الإلكترونيات وتوابعها، فالمواد هي التكنولوجيا التمكينية للتحديات الموجودة في الفضاء”.
وأكثر ما يثير اهتمامه فيما يتعلق بذلك هو: الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد الأخرى. يقول يوريو في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يمكن استخدام المواد ثنائية الأبعاد ودمجها لحل (العديد) من المشاكل المختلفة”.

قد يُعتبر الغرافين أساس المواد ثنائية الأبعاد، إلّا أنه جديد نسبيًا، فقد اكتُشف في عام 2004، عندما فاز أندريه غيم وكونستانتين نوفوسيلوف بجائزة نوبل في عام 2010 لعزله.. تتكون المادة من طبقة واحدة من ذرات الكربون مرتبة في نمط سداسي، وهي قوية ومرنة وخفيفة الوزن كما توفر مقاومة عالية
وفي هذا الصدد، يقول يارجان عبد الصمد، الذي حصل على شهادة دكتوراه من جامعة خليفة ودرس خصائص المواد ثنائية الأبعاد في جامعة كامبريدج كباحث دكتوراه وعاد مؤخرًا إلى جامعة خليفة كدكتور مساعد في هندسة الفضاء: “تُعتبر خصائص الغرافين استثنائية من عدة نواح”.
ويؤكد بأن اكتشاف الغرافين قد أحدث ثورة في أبحاث المواد ثنائية الأبعاد: “يجري الآن البحث في آلاف المواد ثنائية الأبعاد الجديدة بسبب اكتشاف الغرافين، كما لو أنّه قد اكتُشف جدول دوري جديد.”
“يمكن استخدام كل خاصية من أجل أغراض لا يمكن تحقيقها باستخدام المواد التقليدية، وهذا ما يثير اهتمامي خاصة عندما أنظر إلى التحديات المتعلقة بالفضاء، سواء كانت الإدارة الحرارية أو الحماية من الإشعاع أو الرحلات الطويلة، فهناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى حلول غير تقليدية، ونظرًا لتعدد استخدامات المواد ثنائية الأبعاد فهذا يجعلها قادرة على حل العديد من المشاكل.”
فيما يلي بعض القضايا المتعلقة بالسفر إلى الفضاء واستيطانه، والتي قد تكون المواد ثنائية الأبعاد قادرة على معالجتها:
الحماية من الإشعاع
غالبًا ما يُعتبر الإشعاع الفضائي العامل المقيِّد الأكثر أهمية عند السفر إلى الفضاء لفترات طويلة، فمن المحتمل أن يواجه رواد الفضاء مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنكسية والسرطان.
وفي هذا الصدد، يتساءل عبد الصمد: “قد أكون متحيزًا في هذا الشأن، إلّا أن الحماية من الإشعاع تقع على رأس قائمة تطبيقات المواد ثنائية الأبعاد، حيث يشعر الجميع بالقلق حيال الإشعاع، كما سبق وأن وقعت العديد من الحوادث المرتبطة به، فكيف يمكننا توفير حماية منه؟”
“إنها ظاهرة معقدة للغاية، ولن تقف المواد التقليدية في وجه الإشعاع الكوني المجري، فنحن بحاجة إلى التوصل إلى نهج يمكننا من خلاله الحصول على حماية انتقائية.”
يشير عبد الصمد إلى أن الإجابة قد تكمن في حلول الغرافين والحلول الهجينة.
ويتفق يوريو مع عبد الصمد في أن الإشعاع الفضائي يأتي على رأس قائمة تطبيقات الفضاء ثنائية الأبعاد” أولًا وقبل كل شيء”.
ويقول أن الدروع الفضائية ستسمح بالاستكشاف البشري لمسافات طويلة. “إلّا أنه من الصعب جدًا الاستقرار على المريخ في الوقت الحاضر.”
عمل عبد الصمد مع مركز محمد بن راشد للفضاء في دولة الإمارات على مشروع “راشد روفر” والذي فقد عندما تحطمت مركبة الهبوط على ما يبدو في شهر أبريل من عام 2023، إلّا أن الخطط جارية لـلعمل على مشروع “راشد 2”، ويقول عبد الصمد أن دراسة تأثيرات الإشعاع على المواد ثنائية الأبعاد قيد المناقشة. ويُعتبر (هذا) أحد التحديات الأكثر إلحاحًا من وجهة نظري”.

البدلات والمساكن
ويقول يوريو “أننا بحاجة إلى المواد المتقدمة لصنع بدلات وهياكل مقاومة للحرارة لاستخدامها على المريخ أو القمر، ويضيف أن مادة ثاني كبريتيد الموليبدينوم ثنائية الأبعاد ستلعب دورًا في هذا التحدي بالتحديد”. كما يمكن أن تفيد المواد ثنائية الأبعاد في تطبيقات البناء الأخرى.
يشير يوريو إلى أن جامعة خليفة تستكشف مكونات ذات أساس مطاطي مع الغرافين ليس فقط لتحمل درجات الحرارة القصوى، بل لمساعدة البنية التحتية على تحمل الزلازل القمرية. “فإذا كان الهيكل جامدًا فسوف ينكسر، فلك أن تتخيل احتمالية سماح الشقوق للأكسجين بالخروج.”
ومع أنه صحيحٌ أن نقل المواد من الأرض إلى الفضاء يعد أمرًا مكلفًا، إلّا أن المواد ثنائية الأبعاد خفيفة، ويرى عبد الصمد إمكانية تحويل المواد الموجودة على القمر أو العوالم الأخرى إلى وحدات بناء للمستوطنات. وفي هذا الصدد يقول: “قد تكون هناك مواد مركبة أو هجينة. هناك العديد من الأساليب التي يمكن اتباعها”
وبمجرد بناء المسكن الفضائي، يُمكن أن تلعب المواد ثنائية الأبعاد دورًا أساسيًا في الحفاظ على بيئة صحية للبشر .
يقول يوريو: “يمكن أن يلعب كل من الغرافين وأكسيد الغرافين دورًا في المواد التي يمكن أن تمنع انتشار البكتيريا والعناصر الحيوية الغريبة. تخيل انتشار وباء في قاعدة بشرية مغلقة، يبدو ذلك أحد سيناريوهات أفلام الخيال العلمي.”

التنظيم الحراري
يتساءل عبد الصمد: “كيف يمكننا تحمل الليالي القمرية وما هي أنواع المواد التي يمكن أن تساعد في ذلك؟”
تبدو المواد ثنائية الأبعاد واعدة: فهي لا تستطيع مقاومة درجات الحرارة القصوى في الفضاء فحسب، بل هي مرشحة ممتازة لنقل الحرارة، من الجانب المواجه للشمس في المركبة إلى الجانب الذي لا يواجهها على سبيل المثال، حيث يمكن أن تختلف درجات الحرارة بمقدار 200 درجة مئوية، ولأن هذه المواد ثنائية الأبعاد بطبعها، فهي تتطلب مساحة صغيرة مما يوفر مساحة لمساكن أكبر
يقول يوريو: تُفقد الكثير من الحرارة في الفضاء، لذلك تُستخدم مواد (ثنائية الأبعاد) مثل “المكسين” لأنها تحتوي على بصمة حرارية تحت الحمراء منخفضة.”
أنظمة الدفع
ويُعبتر نظام الدفع الصاروخي تطبيقًا آخر، حيث يقول يوريو: “يمكن توظيف المواد ثنائية الأبعاد بسهولة.”
أحد الاحتمالات: أشرعة مصنوعة من أغشية الغرافين تعمل بضوء الشمس أو أشعة الليزر، مما يمكّن المركبة الفضائية من السفر لمسافات أبعد وأطول دون الحاجة إلى حمل وقود على متنها، كما ستكون المركبة أخف وزنًا وأكثر سرعة وسهولة في الإطلاق.
تقول وكالة الفضاء الأوروبية أن الغرافين قد اجتاز الاختبارات الأولية التي أظهرت أنه مرشح صالح للاستخدام.

التطبيقات على كوكب الأرض
يمكن أن نستفيد مما نتعلمه من محاولاتنا لاستكشاف الفضاء في موطننا أيضًا، هنا على كوكب الأرض. يقول يوريو أن المشكلات التي يحلها الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد الأخرى في الفضاء يمكن بسهولة أن تنتقل إلى المشكلات المرتبطة بالأرض.
ويقول: “ستُستخدم حلول مشكلة الندرة التي نسعى لحلها في الفضاء لمحاربة مشكلة الندرة في أي مكان”. فعلى سبيل المثال، يمكن للمرشحات والأغشية التي طُوّرت لإعادة تدوير المياه في قاعدة على سطح القمر أن تساعد في الحفاظ على الموارد على سطح الأرض.
ويضيف يوريو: “إن التكنولوجيا التي نطورها للفضاء قادرة على استغلال كل قطرة ماء، وهو الهدف نفسه المتمثل في الاقتصاد المستدام، كما أن هناك ندرة في الطاقة، مما يستدعي الحاجة إلى استخدام المفاهيم التي نطورها للفضاء قدرًا أقل من الطاقة. وبغض النظر عن مستوى التقدم الذي وصلنا إليه في الفضاء، فمن المحتمل أن يُستخدم كل ذلك على الأرض لتقليل استهلاك الطاقة.
ويرى عبد الصمد أن التقدم في مجال الحماية من الإشعاع يؤدي في نهاية المطاف إلى حماية مراكز البيانات على الأرض التي تتعرض أنظمتها للإشعاع الكوني، بالإضافة إلى أنه يمكن للإدارة الحرارية في المركبات الفضائية في نهاية المطاف أن تحسّن تكنولوجيا القطارات والنقل بشكل عام.
يقول يوريو: “تولي دولة الإمارات اهتمامًا متزايدًا بالاستدامة والحد من انبعاثات الكربون وما إلى ذلك، على الرغم من نمط الحياة المترف. لقد عشت في بلدان نامية ولكن أحد الأشياء التي تربط استكشاف الفضاء بشكل صارم بالتنمية المستدامة هو أن كلاهما يشتركان في الحاجة إلى معالجة قضية ندرة الموارد.