تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››

كان الفضاء يومًا ما مجالًا مرتبطًا إلى حد كبير بالإجراءات الحكومية، فكانت الدول ذات السيادة وحدها المسؤولة عن إرسال المسابر والأقمار الصناعية والبعثات المأهولة إلى مدار الأرض والقمر وما وراءهما، وكانت التكنولوجيا منفصلة على نحو مماثل: فقد كانت الأنظمة الأرضية والفضائية معزولة عن بعضها البعض، الأمر الذي أدى إلى خلق نوع من”الأمن الذي يكتنفه الغموض”.
ولكن في السنوات الأخيرة، انطلق القطاع الخاص إلى الفضاء، فقدم للأرض خدمات الأقمار الصناعية للاتصالات السلكية واللاسلكية والتي من المتوقع أن تصبح سوقًا تبلع قيمته 1.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030. تتحد هذه الأنظمة الموجودة في الفضاء مع الأنظمة الموجودة على الأرض، ويستمر هذا القطاع في النمو، فقد يتمكن مستخدمو الهواتف المحمولة في المستقبل من الاستفادة من الأقمار الصناعية لإرسال الرسائل بسلاسة عند فقد الاتصال الأرضي، ويعد “ستارلينك” الخاص بإيلون ماسك مثالًا حيًا على ذلك.
يشير المنتدى الاقتصادي العالمي أيضًا إلى أن الأنظمة الحديثة تنشئ واجهات عبر “حدود الثقة التقليدية”، مثل الشركاء والعملاء. كما أن الأنظمة الأكثر تعقيدًا تُعرف بأسطح هجوم تمتلك قابلية أكبر للاستغلال.
مع هذا النمو والترابط بين شبكات الأرض والفضاء وسط قطاعات أخرى كالجيش والطيران وخدمات الطوارئ والمرافق العامة، تأتي المخاطر من أولئك الذين قد يستخدمون تلك الاتصالات للسرقة أو الابتزاز أو زرع الفوضى أو شن الحرب.
أمثلة من الواقع
على سبيل المثال، استهدفت سلسلة من الهجمات الإلكترونية في عام 2022 ثلاث مزارع لتوليد الطاقة بالرياح تديرها شركات ألمانية، حيث صرحت عصابة برامج الفدية الداعمة للحكومة الروسية أنها مسؤولة عن إحدى تلك الهجمات.
ويرى كريستوف زيف، المتحدث باسم “ويند يوروب” وهي مجموعة صناعية تتخذ من بروكسل مقرًا لها، أن هناك علاقة بين تلك الهجمات والغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول ماتياس براندت، مدير شركة “دويتشه ويند تكنيك” التي تقوم بصيانة توربينات الرياح وكانت واحدة من الشركات التي اختُرِقت، في حديثه مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن قطاع الطاقة المتجددة سيصبح هدفًا أكثر جاذبية، ويقول في هذا الصدد: “نحن بحاجة إلى معايير عالية لأمن تكنولوجيا المعلومات”.
وفي وقت سابق من العام نفسه الذي بدأ فيه الصراع، استهدف هجوم آخر مرتبط بالاعتداءات في المنطقة أجهزة مودم الأقمار الصناعية، مما أدى إلى انقطاع خدمة الإنترنت لعشرات الآلاف من المستخدمين في أوكرانيا وأجزاء أخرى من أوروبا.
ووصف المسؤول السيبراني الأوكراني فيكتور زورا الاختراق بأنه “خسارة فادحة في الاتصالات مع بداية الحرب”، كما ذكرت شبكة “سي إن إن”.
وردًا على ذلك، شحنت شركة “سبيس أكس” التي أنشأت شبكة “ستارلينك” المكونة من 3335 قمرًا صناعيًا نشطًا شاحنات محملة بمحطات “ستارلينك” إلى أوكرانيا في أبريل 2022، مما مكّن المستشفيات والبنوك والأسر من الوصول إلى الإنترنت، كما استخدم الجيش الشبكة مما دفع “ستارلينك” إلى الحد من استخدام أوكرانيا للأقمار الصناعية للطائرات بدون طيار العدائية.
نشرت صحيفة واشنطن بوست بحلول أبريل 2023، تقارير عن معلومات استخباراتية أمريكية سرية خلصت إلى أن روسيا كانت أكثر تقدمًا في خططها لاستهداف شبكة “ستارلينك” مما كان يُعتقد سابقًا.
بالإضافة إلى ذلك: تقول كريستينا بوبر، دكتورة علوم الكمبيوتر في جامعة نيويورك-أبوظبي والتي تركز على أمن المعلومات والاتصالات: “لقد ارتبط استخدام “ستارلينك” في أوكرانيا بحقيقة أن عمليات إرسال الوصلات الصاعدة لمستخدمي ستارلينك أصبحت مؤشرًا على الغارات الجوية”.
ويبدو أن الفضاء قد أصبح لاعبًا مؤثرًا على صراعات الأرض، حيث يمكن أن تكون الهجمات السيبرانية في هذا الصراع نذيرًا للعديد من الهجمات المشابهة في المستقبل.
وحتى الدول غير المشاركة في الحرب تملك سببًا للقلق من الهجمات السيبرانية في الفضاء، كما تقول بوبر لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا. “يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى، كأن تؤثر على جوانب مختلفة من حياة الناس اليومية بدءًا من الاتصالات والملاحة وصولًا إلى خصوصية الأفراد والسلامة والاستقرار الاقتصادي والأمن القومي”.
3 أنواع من الهجمات
يمكن للحكومات أو العناصر المتمردة استهداف أنظمة الأقمار الصناعية بعدة طرق.
يمكنهم استهداف الخدمات وليس الأقمار الصناعية نفسها عن طريق قرصنة وانتحال نظام تحديد المواقع العالمي، كما رأينا في الصراع الأوكراني، مما يحرم الملايين من الوصول إلى الخدمات الأساسية.
يمكنهم أيضًا استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لاستهداف الأقمار الصناعية في المدار.
يمكنهم أيضًا استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لاستهداف الأقمار الصناعية في المدار.
وفي هذا الصدد، قالت جوليانا سوس، محللة أبحاث ورئيسة سياسات أمن الفضاء في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في مجال الدفاع والأمن يقع مقره الرئيس في لندن لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا:
تتراوح عواقب هجوم الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من مؤقتة وقابلة للعكس إلى دائمة وغير قابلة للعكس.
كما أن العواقب المحتملة عديدة، فيجب أخذ حقيقة أن النظام الفضائي يتكون من ثلاثة عناصر أساسية – القمر الصناعي في الفضاء والمحطة الأرضية على الأرض والروابط بينهما، في عين الاعتبار، فمن المحتمل أن يكون كل واحد منها عرضة للهجوم
تضيف سوس: “قد يسيطر الخصم على سبيل المثال، (بشكل دائم أو مؤقت) على قمر صناعي من خلال القرصنة وقد يقوم أيضًا بتعطيل (تشويش) أو تزييف الإشارة التي يبعثها القمر الصناعي بشكل مؤقت. قد يكون الإجراء الفضائي المضاد أيضًا هو منع القمر الصناعي من جمع المعلومات – على سبيل المثال عن طريق إعاقة رؤية أجهزة الاستشعار الموجودة على متن القمر الصناعي لمراقبة الأرض.

تعرضت الصين والهند وروسيا لانتقادات بسبب اختبارها أسلحة مضادة للأقمار الصناعية مدمرة على أقمارها الصناعية، فتكتيكات كهذه تُعتبر باهظة الثمن ولا تضمن النجاح، كما يمكن أن تزيد من مشكلة المخلفات الفضائية المتنامية.
وقد وافقت الأمم المتحدة على قرار غير ملزم يدعو إلى وقف اختبار نوع واحد من هذه الأسلحة، وهو الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي تولد المخلفات والتي تعمل على الصعود المباشر. وأشار إلى القضايا البيئية والرغبة في منع سباق التسلح في الفضاء، وبحلول شهر أبريل من عام 2023، تعهدت 13 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وألمانيا بحظر الاختبارات.
“الفضاء معقد”، كما يقول باحثون من جامعة أكسفورد في بحث نُشر في المجلة الأكاديمية لجمعية مهندسي الكمبيوتر والإلكترونيات . “إن برنامج الإطلاق وحده لا يضمن الموارد والدقة المطلوبة لتشغيل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على أكمل وجه.”
ثم هناك الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية.
ويقول باحثو أكسفورد أن هذه الأسلحة “تهدد أسس الاستقرار طويل الأمد للفضاء بسبب سهولة الوصول إليها وصعوبة تحميل المسؤولية عند حدوث خطأ يتعلق بها وانخفاض مخاطر الأضرار الجانبية”.
بمعنى آخر: إنها سهلة الاستخدام ومن الصعب تحديد الجاني عندما يتعلق الأمر بها ولربما لن تلحق الضرر بالأقمار الصناعية القريبة.
ويقول الباحثون أنه يمكن للأطراف المتحاربة تغيير توقعات اصطدام الحطام لإحداث ضرر مباشر للأنظمة الفضائية بدون إطلاق صاروخ.
“إن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية ليست مجرد تهديد نظري بعيد، ولكنها خطر حقيقي على توازن القوى في الفضاء.”
محاور التهديد المتعددة
ومع كل ما سبق، فإنه من الممكن أن تكون التهديدات مختلطة، كما تحذر بوبر من جامعة نيويورك. وقالت في حديثها مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “في الواقع، غالبًا ما تُجمع نواقل التهديد المتعددة. تُعتبر القرصنة والانتحال جزءًا من الأسلحة السيبرانية المضادة للأقمار الصناعية، ونظرًا لأننا نتعامل مع بنى تحتية كاملة، في حين أن الإشارات المزيفة للأقمار الصناعية (نظام تحديد المواقع العالمي أو غيره) تحدث عادةً أثناء الاتصال، فإن القرصنة تستهدف الأقمار الصناعية وبرامج تشغيلها، كما تشمل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية السيبرانية أيضًا هجمات (كاستغلال نقاط الضعف على سبيل المثال) على أنظمة التحكم الأرضية.”
وتضيف: “يمكن أن تؤدي الهجمات الناجحة إلى تعطيل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأنظمة التحكم والتلاعب بالبيانات وحتى تعطيل الأقمار الصناعية، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة والانتقاص من كفاءة البعثات وأعطال كبيرة في مختلف القطاعات التي تعتمد على خدمات الأقمار الصناعية.”
دفاع جيد
ما الذي تفعله الحكومات والشركات بشأن هذا التهديد إذن؟
تقول خبيرة أمن الفضاء سوس: “هناك عدد قليل من الدفاعات التي يمكنها حماية الأقمار الصناعية – بدءًا من الأقمار الصناعية الحارسة (حاليًا في مرحلة التخطيط) التي يمكن أن تصاحب الأصول الحساسة، وصولًا إلى تدابير أبسط كالدفاعات السيبرانية ضد القرصنة”.

وفي الوقت الحالي، تشير بوبر إلى ثلاثة مسارات مثيرة للاهتمام:
تطوير ونشر أنظمة فضائية آمنة: تقول بوبر: “من المهم إدراك أن أمن الفضاء يمثل مشكلة حقيقية، وبالتالي دعم تطوير ونشر البنية التحتية الفضائية الآمنة وقنوات الاتصال الآمنة وسلامة البرامج الثابتة والبرمجيات الخاصة بالأقمار الصناعية، وتعزيز أنظمة الأقمار الصناعية، حيث ما تزال العديد من الأسئلة البحثية مفتوحة في هذا المجال”.
التعاون وتبادل المعلومات: “مشاركة المعلومات المتعلقة بالتهديدات وأفضل الممارسات والدروس المستفادة من الحوادث السيبرانية السابقة لتعزيز الأمن العام لأنظمة الأقمار الصناعية.”
التعاون الدولي واللوائح التنظيمية: “ينبغي للحكومات أن تتعاون على المستوى الدولي لوضع معايير ولوائح مشتركة للأمن السيبراني لأنظمة الفضاء، وتعزيز الممارسات الأمنية المستمرة وتمكين الاستجابة المنسقة للتهديدات السيبرانية. وأنا أدرك أن هذا قد يكون طلبًا صعبًا يتجاوز الحدود الوطنية، إلّا أن قطاع الفضاء بشكل عام يمتلك تاريخًا عريقًا في التعاون متعدد الجنسيات.
كما يرى معالي الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات أنه من الضروري أن تعمل الحكومات مع الشركات والجهات المعنية الأخرى، وقال في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يُعتبر الأمن السيبراني عملًا جماعيًا، وعلينا إشراك الجميع بما في ذلك الهيئات الحكومية والشركاء الصناعيين والأوساط الأكاديمية والمجتمع على المستويين الوطني والدولي”.