شهدت الألعاب الأوليمبية الحديثة تغييرات عديدة، إلا أن التغييرين الأبرزَين يتمثلان في الأداء الرياضي والتطور التكنولوجيا.

تميزت دورة الألعاب الأوليمبية في عام 1896، على سبيل المثال، باستخدام ساعات الإيقاف لتسجيل بدء وانتهاء السباقات وتوقيت أداء الرياضيين، لكن تطور ذلك بعد سنوات بتغير التكنولوجيا.

ففي سباقات الركض مثلًا، يتم احتساب كل ملي ثانية وأصبحت إشارة الانطلاق اليوم إلكترونية، كما أصبحت السماعات المتصلة بها موزعة في مواقع تضمن عدم سماع أي عَدَّاء لطلقة البداية قبل زميله ولو بفارق ملي ثانية فقط.

ويُسَلَّط شعاع ليزر، عند خط نهاية السباق، على جهاز استشعار ضوئي يُسَمَّى خلية كهروضوئية أو عين كهربائية، وهو مُوجّه لاستقبال الشعاع. يتضمن النظام خليتين ضوئيتين موزعتين على ارتفاعين مختلفين لمنع القراءات الخاطئة الناجمة عن حركات الذراع. وترسل العين الكهربائية، عندما يَعبُر المتسابق خط النهاية ويقطع الشعاع، إشارة إلى لوحة التحكم بالوقت لتسجيل وقت المتسابق.

تشمل سباقات الماراثون مشاركة العديد من المنافسين، ولا يمكن لأي منهم البدء في السباق في نفس التوقيت. لذلك، يُعَد استخدام أجهزة التوقيت القابلة للارتداء والتي تُسَمَّى علامات التعريف التردد الراديوي، أمرًا في غاية الأهمية.

ويرتدي الرياضيون في بعض المسابقات أجهزة توقيت تسجل الأوقات الجزئية عند مرورهم، مما قد يوفر معلومات تساهم في تعزيز مستويات التدريب مستقبلًا.

وفي السياق، فقد شهد تدريب الرياضيين المتميزين تطورًا تكنولوجيًا أيضًا.

IMAGE: Unsplash

سجل الفائز في سباق السباحة لمسافة 100 متر للرجال بالدورة الأوليمبية عام 1932، زمنًا بلغ 85.2 ثانية، فيما فاز المتسابق في دورة عام 2016 بالوصول إلى الجدار قبل أكثر من 10 ثوان مسجلًا 47.58 ثانية.

ما الفرق؟

نعرف الكثير عن التكيف البشري والعلوم التي توضح طريقة عمل أجسادنا واستجابتها للتمارين المختلفة، حيث يتدرب الرياضيون اليوم على نحو مختلف لتحقيق أفضل أداء ممكن. ونعرف أيضًا أن العَدَّائين يحتاجون تدريبًا مختلفًا عما يحتاجه رياضيو التَّحَمُّل، وأصبح المتنافسون أسرع وأقوى لأنهم يتدربون بشكل خاص لرياضة معينة.

توجد هناك أيضًا إجراءات هندسية تساهم في تحسين العوامل الخارجية، وبالتالي قد تعزز الأداء.


وأضاف أندي: “لا يوجد رياضي طبيعي، ولتكون رياضيًا متميزًا عليك اتّباع نمط حياة غير طبيعي، ولا يمكن اعتبار ذلك أمرًا سيئًا”.

أندي مياه باحث إعلامي من جامعة سالفورد،

وتبدأ هذه الإجراءات بعلم المواد، وصولًا لأشياء كالاحتكاك والتشحيم.

ويعني الاحتكاك ملامسة الأجزاء لبعضها البعض بالفرك ويتسبب في تقرحات مؤلمة. ورغم ذلك، فيمكن للاحتكاك غير الكافي أن يقلل التوازن والسيطرة. لذا، تشتهر المواد مثل بولي رباعي فلورو الإيثيلين والمطاط السيليكوني بانخفاض مقاوماتها، ما يعني احتكاكًا أقل.

ويمكن للحرارة الناتجة عن الاحتكاك أن تسبب إصابة أيضًا. لذلك، تحتوي ملابس الرياضيين اليوم على ألياف تمتص الحرارة وتطردها وتحتفظ بدرجة الحرارة المثالية للبشرة، كما يتم تزويد بعض المواد بمشحمات لتقليل الاحتكاك والتعامل مع الرطوبة.

ويجب أن تتوفر العديد من المزايا في هذه المواد كالاستدامة والمرونة.

تساهم المواد الأخرى بتحسين قدرة الرياضيين من خلال إجراء تغييرات دقيقة على جوانب من أجسامهم.

تم تزويد بعض الأدوات، على سبيل المثال، بتكنولوجيا الضغط، والتي طُوِّرَت بالأساس للتحفيف من حدة المشاكل المتعلقة بالدورة الدموية لدى المرضى، لتساهم في رفع مستويات تدفق الدم، وبالتالي تحد من مستوى تعب العضلات. وقد تُصنَع الأدوات أيضًا من مواد ذات أغلفة تطرد المياه باستخدام تكنولوجيا النانو.

ويساهم الحذاء المزود بطبقات كربونية بتعزيز مستويات الطاقة لدى العدّاء.

ويرى البعض أن هذه الأنواع من المواد المعززة للأداء تتضمن مزايا غير عادلة، حيث يطلقون عليها “المنشطات التكنولوجية”.

فقد الدَّرّاج المرموق، لانس أرمسترونغ، سبعة انتصارات حققها في “دورة فرنسا الدولية” والميدالية البرونزية التي فاز بها في أولمبياد عام 2012، نتيجةً لتناوله الأدوية المحسنة للأداء.

لا تزال التكنولوجيا تؤثر على قدرة الرياضيين البدنية من خلال التحسينات التي تضيفها، على الرغم من عدم استخدامها لتحسين الأداء بشكل مباشر. وفي هذا الصدد، تتم مراقبة الرياضيين الأولمبيين من جانب وكالة عالمية للتأكد من عدم استخدامهم للأدوية المحسنة للأداء، لكن تعود الموافقة والرفض بشأن استخدام المعدات الرياضية إلى الهيئة التنظيمية الخاصة بكل رياضة. فعلى سبيل المثال، حظر الاتحاد الدولي للرياضات المائية ارتداء بدلات السباحة الكاملة بعد أن سجل السباحون الذين ارتدوا بدلات السباحة “إل زد آر ريسر-93” أرقامًا قياسية عالمية. ويرجع سبب الحظر إلى أن هذه النوعية من ملابس السباحة تقلل اهتزاز العضلات وتحس من ملمس الجلد.

تشمل دورة الألعاب الأولمبية الحالية في باريس استخدام عدد كبير من من الأدوات المحسنة لأداء الرياضيين، مثل حذاء الركض فائق الأداء من “نايكي” والذي يقال أنه حسّن الأداء أثناء الجري بنسبة 1.5 بالمئة.


الصورة: Unsplash

وقال أندي مياه، وهو باحث إعلامي من جامعة سالفورد: “يتميز أداء الرياضيين المتميزين بالدمج ما بين القدرة البيولوجية وتدريب تلك القدرة من خلال الوسائل التكنولوجية”.

ونشر أندي كتابًا حول هذا الموضوع في عام 2018، ويقوم بمساعدة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات والحكومة البريطانية في الكشف عن تكنولوجيا المنشطات، حيث يعتبر أندي خبيرًا في هذا المجال وتتم استشارته في التكنولوجيات الجديدة. إضافًة لذلك، يعمل أندي كمستشار أكاديمي للاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية.

وأضاف أندي: “لا يوجد رياضي طبيعي، ولتكون رياضيًا متميزًا عليك اتّباع نمط حياة غير طبيعي، ولا يمكن اعتبار ذلك أمرًا سيئًا”.

قد يكون هذا الأمر صحيحًا، لكن هذا لا يجعله بالضرورة عادلًا. فإذا حظي كل فرد بإمكانية الوصول لكل شيء، يساهم ذلك في إيجاد منافسة عادلة لكن الحذاء الرياضي فائق الأداء من “نايك”، على سبيل المثال، لا يمكن ارتداؤه إلا من قبل الرياضيين الحاصلين على رعاية من شركة “نايك”.

تعتمد مسألة استخدام التكنولوجيا في الرياضة الأمر، كما هو الحال في معظم المجالات، على اتخاذ قرارات صحيحة وعادلة.

يتمثل شعار مكافحة المنشطات في عالم الرياضة بـ “اللعب النزيه”، لكن السؤال هنا يكمن في إمكانية تطبيق نفس ذلك الشعار في ظل هذه التطورات التكنولوجية.

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا