تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
انتشر الفيروس في جميع أنحاء العالم وأصاب العديد من السكان بالخوف والهلع بسبب تفشيه الكبير بشكل عشوائي.
لم تظهر على معظم الضحايا أية علامات للمرض أو كانت لديهم شكاوى خفيفة مثل الشعور بالحمى أو التعب، بينما عانى آخرون من أعراض أكثر خطورة، وأصبح البعض غير قادر على التنفس بشكل طبيعي، وأصيب عدد لا يستهان به من المرضى بمشاكل صحية طويلة الأمد، هذا فضلاً عن حالات الوفاة التي تسبب بها الفيروس.
وفي الوقت الذي كان العالم فيه ينتظر ظهور لقاحات لمواجهة هذا الوباء، استجابت الحكومات بفرض قواعد التباعد الاجتماعي في ظل انتشار المرض مراراً وتكراراً في موجات موسمية وتم إلغاء الفعاليات والمسابح وإيقاف دخول الأسر إلى الحدائق العامة.
وفي الولايات المتحدة، راقب علماء الأوبئة تفشي المرض من خلال مراقبة مياه الصرف الصحي، بما في ذلك النفايات غير المعالجة من المصارف والمراحيض المنزلية، بهدف الكشف عن دليل على المرض بشكل عام.
حفظ العينات للأجيال القادمة
يمكن أن يساعد أخذ عينات من مياه الصرف الصحي سلطات الصحة العامة في تتبع المرض ومراقبته عمليًا بشكل مباشر، لكن باحثين من جامعة بازل في سويسرا وجامعة روكفلر في الولايات المتحدة يقترحون استخدامًا آخر لهذه التقنية وهو صنع كبسولات زمنية بيولوجية. Read more›››
ففي ورقة بحثية نُشرت في مجلة “بي إم سي إنفيكشاس ديزيزس”، يقترح كل من ديفيد س. ثيلر و توماس ب. ساكمار عملية التخزين المنهجي للمواد البيولوجية المأخوذة من مياه الصرف الصحي لإنشاء أرشيف من نوع ما في حال أصبحت فيروسات اليوم مهمة في المستقبل.
وقد لاحظ الباحثون أن العينات المحفوظة “قبل” و “بعد” يمكن أن تساعد العلماء أيضًا في دراسة وصول العوامل التي تسبب الأمراض إلى مدينة ما أو على متن سفينة سياحية ما.
وفي حديثه إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، يقول ديفيد: “هناك الكثير من الجهود الكبيرة في جميع أنحاء العالم تتعلق برصد مياه الصرف الصحي للحصول على معلومات فورية. ولو كان بالإمكان العودة بالزمن إلى الوراء، لكان بإمكاننا معرفة المزيد حول أصل العدوى وانتشارها المبكر. إضافة لذلك، يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز دور دور الباحثين في فهم مدى فعالية التدابير التي تحد من انتشار المرض. وتتمثل الخطوات الحالية في إيجاد طرق بسيطة وغير مكلفة للحصول على العديد من العينات وتخزينها؛ حيث تساعد السجلات التاريخية في فهم الكثير من الأشياء”.
تشمل المستودعات والسجلات البيولوجية الأخرى مجموعات من الخلايا والأنسجة الحية والـ (دي إن إيه) البيئي والمواد المأخوذة من المتاحف والمنشآت الطبية.‹‹‹ Read less
نحن هنا لا نتحدث عن فيروس كوفيد-19، نحن نتحدث عن فيروس شلل الأطفال، المرض الذي تسبب في شلل حوالي نصف مليون شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم خلال ذروته في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. لكن نفس التقنيات الأساسية المتعلقة بمراقبة مياه الصرف الصحي التي استخدمها علماء الأوبئة في منتصف القرن في الولايات المتحدة لتتبع تفشي شلل الأطفال ستثبت أنها مفيدة مرة أخرى بعد حوالي 70 عاماً؛ عندما أدت جائحة فيروس كورونا إلى إغلاق عالم غير مستعد لهذا الإغلاق.
وبطبيعة الحال، فقد أصبحت التقنيات أكثر تعقيداً منذ الأربعينيات، لكن الأساسيات لا تزال كما هي والتي تتضمن أخذ عينات صغيرة من المواد البرازية من أنظمة الصرف الصحي وفحص المادة في المختبر وتحديد أنواع مسببات الأمراض التي ضربت بجذورها في المجتمع ، سواءً كان هذا المجتمع مدينة أو حي سكني أو حتى سجن.
عينات مباشرة
ساهم التطور الذي حصل وخاصة مع ظهور تفاعل البوليميرات المتسلسل (بي سي آر) في التسعينيات لتضخيم أجزاء من الحمض النووي المأخوذ من عينة صغيرة، في تحسين عمليات الفحص الطبي، مما مكّن هيئات الصحة العامة من تتبع المرض بطريقة قد تكون صعبة باستخدام وسائل أخرى بسبب الفاصل الزمني بين الاختبارات والنتائج أو بسبب عدم الإبلاغ عن المرض بشكل متكرر، وقد يكون هذا بسبب أن المرض غالبًا ما يكون بدون أعراض أو يكون ذا أعراض غير محددة والتي من غير المرجح أن يبلغ عنها المرضى إلى أن تصبح أعراضاً جدية، مثل الأنفلونزا أو التهاب المعدة والأمعاء أو شلل الأطفال، أو قد يختار المريض أو الطبيب ببساطة عدم إجراء الاختبار.
في هذه الحالات، يساهم اختبار مياه الصرف الصحي في إزالة تلك الحواجز من المعادلة؛ مع إمكانيات الحصول على عينة مجهولة تدل على صحة المجتمع بشكل عام ومباشر تقريبًا وبطريقة يصعب تحقيقها من خلال اختبار أفراده.
يقول سمروثي كارثكيان، الباحث الدكتور والمؤلف الرئيس لدراسة حديثة حول استخدام المراقبة الجينية للكشف عن عدوى فيروس كورونا-سارس-2 خلال 10 أشهر من الجائحة، جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في مقابلة مع مجلة الجمعية الطبية الأمريكية “جيرنال أوف ذا أميريكان ميديكال أسوسيياشن“: “يتعين عليك أخذ عدد كبير من المسحات السريرية أو المسحات الأنفية للحصول على هذا المستوى من الدقة”.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الطريقة في تزويد الهيئات الصحية بإنذار مبكر قبل أن يسيطر المرض على المجتمع، وربما ينذر بالحاجة الأولية إلى توفير المزيد من الأسرة في المستشفيات واتخاذ تدابير أخرى.
وفي الواقع، هذا ما حدث عندما تعاون مجموعة من الباحثين من جامعة ستانفورد وجامعة إيموري وشركة ألفابيت وفيريلي بتحليل مياه الصرف الصحي من 41 مجتمعاً في 10 ولايات أمريكية لتتبع جدري القردة الناشئ حديثًا في عام 2022.
ففي حديثه إلى مجلة تايم، قال برادلي وايت، عالم بحثي أول في فيريلي: “لقد اكتشفنا الآن الحمض النووي لجدري القردة في مجاري الصرف الصحي قبل الإبلاغ عن أي حالات في تلك المقاطعات”.
بيانات دون تحيزات
من المزايا الأخرى التي تختص بها هذه الطريقة أنها ليس لديها مشكلة التحيزات التي تؤثر في كثير من الأحيان على بيانات الصحة العامة التقليدية.
تقول أبارنا كيشافيا، الخبيرة في علم أوبئة مياه الصرف الصحي والباحثة الرئيسة في شركة “ماثماتيكا”، وهي مؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعتمد على البيانات والتحليلات والتكنولوجيا لمواجهة التحديات الاجتماعية: “من الفوائد الرئيسية لمراقبة مياه الصرف الصحي هي قدرتها على التقاط المؤشرات الصحية لأي شخص يعيش أو يعمل في مبنى متصل بنظام الصرف الصحي المركزي”.
وأضافت في حديثها إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يعني ذلك أن هذه الطريقة لا تتطلب الإرادة وأدوات معينة من الأفراد لحساب عدد زيارات الرعاية الصحية، وبالتالي فهي أقل تحيزاً من بيانات الصحة العامة التقليدية”.
بل ويمكن لمراقبة مياه الصرف الصحي أيضاً أن تخبر السلطات الصحية نفسها بموعد مرور العاصفة، ومتى يحين الوقت لإنهاء قيود مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والحجر الصحي.
لقد نجحت هذه الطريقة؛ حيث أظهرت العديد من الدراسات أن مراقبة مياه الصرف الصحي توفر رؤية دقيقة للأمراض في المجتمع، بل وأكدت دراسات حقبة فيروس كورونا أيضاً أن هذه التقنية كانت انعكاساً دقيقاً لدورة فيروس كورونا في المجتمع.
وعلى سبيل المثال، بدأت مجموعة هولندية فيمراقبة مياه الصرف الصحي في سبع مدن وفي أحد المطارات في فبراير 2020، لتكتشف انتشار فيروس كورونا في خمسة مواقع بعد حوالي أسبوع من الإبلاغ عن الحالة الأولى في البلاد. وتوصلت دراسة كارثيكيان في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إلى متغيرات مثيرة للقلق، وهي متغيرات تم اكتشافها قبل أسبوعين من ظهورها في الاختبارات السريرية.
طريقة مستخدمة في مختلف أنحاء العالم
تستخدم 55 دولة على الأقل في جميع أنحاء العالم مراقبة مياه الصرف الصحي لتتبع فيروس كورونا. ففي عام 2020، أطلقت الولايات المتحدة نظامها الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي، وأعلنت عن العمل مع الأنظمة الصحية في جميع أنحاء البلاد لتتبع الأمراض والاتجاهات. وفي عام 2021، طلب الاتحاد الأوروبي من جميع الدول الأعضاء مراقبة لمياه الصرف الصحي لتتبع فيروس كورونا ومتغيراته؛ حيث أخبر مفوض البيئة في الاتحاد الأوروبي فيرجينيوس سينكيفيوس موقع EURACTIV.com أن العملية “منخفضة التكلفة وسريعة وأداة تكميلية موثوق بها”.
ومن الفوائد الأخرى لاختبار مياه الصرف الصحي أنها لن تساعد فقط الباحثين الذين يتطلعون إلى تتبع المرض، ولكنها سترسل أيضاً تحذيرات فورية إلى أفراد المجتمع.
وضحت أبارنا قائلة: “في المجتمعات التي يتم فيها نشر بيانات مياه الصرف الصحي في الوقت المناسب (على سبيل المثال، عندما يتم تحديث لوحات معلومات مياه الصرف الصحي العامة أسبوعياً بمعلومات جديدة حول مستويات فيروسات مياه الصرف الصحي)، يمكن للأفراد مراقبة البيانات لقياس مخاطر تعرضهم لفيروس كورونا، واتخاذ قرارات أكثر فعالية بشأن المخاطر التي يرغبون في تحملها”.
ومع ذلك، فإن الاختبار يعتمد على وجود أنظمة قوية لمعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص منها، ولهذا تحدث معظم عمليات مراقبة مياه الصرف الصحي في الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً.
وهذا يجعل البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى غير قادرة على الاستفادة الكاملة من تلك المزايا على منظومة الصحة العامة فيها، فوفقًا لإدوارد آر. جونز من جامعة أوتريخت وفريقه في بحث نُشر في مجلة إيرث سيستم ساينس داتا، فإن معظم مياه الصرف الصحي لا يتم حتى جمعها في تلك البلدان.
التواصل هو الحل
من المشكلات الأخرى في هذا الصدد ضرورة وجود شبكة اتصال جيدة ويمكن الاعتماد عليها للاستفادة من المعلومات المتوفرة.
وأَضافت أبارنا في حديثها إلى مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا قائل: “قامت العديد من المجتمعات المحلية أو الإقليمية خلال هذه الجائحة بمراقبة مياه الصرف الصحي من أجل رصد فيروس كورونا-سارس-2 الذي يسبب كوفيد-19. ولكن استنادًا إلى نتائج المسح العالمي لمياه الصرف الصحي الذي أجريناه مؤخرًا بالشراكة مع مؤسسة روكفلر ووكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، فإنه لم تتم في جميع الحالات مشاركة البيانات التي تم الحصول عليها في الوقت المناسب مع المجتمعات المجاورة، ناهيك عن البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم”
وقالت: “أصبح السفر الدولي اليوم، في ظل هذا العالم المترابط، أكثر شيوعاً بمقدار 56 ضعفًا عما كان عليه الحال في عام 1950، وبالتالي يمكن أن يتحول تفشي الأمراض المعدية المحلية في بلد ما إلى جائحة عالمية بسرعة.
وفي حالة ما إذا كان لدينا أية فرصة للحصول على إنذار مبكر للتهديد الصحي الجديد التالي قبل أن يتحول إلى جائحة أخرى، فنحن بحاجة إلى قيادة عالمية لدمج العديد من مبادرات الصرف الصحي الفردية الموجودة الآن في شبكة موحدة ومتعددة المراحل لمراقبة الأمراض، على أن تكون هذه الشبكة متاحة دائماً”.
وفي الحقيقة، يمكن استخدام مراقبة مياه الصرف الصحي لما هو أكثر من مجرد اكتشاف المرض؛ حيث تم استخدامها للكشف عن تعاطي المواد غير المشروعة في المجتمع.
فقد استخدم المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان بيانات من دراسات أجريت منذ عام 2011 لرسم معدلات انتشار مواد مثل الكوكايين والميثامفيتامين والقنب في 80 مدينة وبلدة أوروبية، وكشف ما أُطلق عليه الأنماط الجغرافية والزمنية المتميزة.
مخاوف تتعلق بالخصوصية
يمكن للمراقبة أن تلعب المزيد من الأدوار الفعالة؛ وهذا يثير المخاوف بشأن الخصوصية والحريات المدنية.
تشير ورقة بحثية من الأكاديميين المتخصصين في القانون والبرامج الطبية في جامعة واين ستيت وجامعة ميريلاند والتي نُشرت في مجلة جيرنال أوف لو آند ذا بايوساينس إلى أن هناك آثارًا قانونية وأخلاقية يجب مراعاتها كاستعانة الحكومات بالأدلة على وجود عنصر يسبب المرض في مياه الصرف الصحي لتبرير إجراء عمليات فحص إضافية لبعض الأحياء أو لفرض عقوبات على من يرفضون التعاون.
وترى أبارنا أن هناك احتمالية لوجود بعض المخاوف المتعلقة بالتعرف إلى المجتمعات الصغيرة والأفراد من خلال رصد مياه الصرف الصحي، وعليه، فإن الحل أيضاً يكمن فيما يلي:
“عندما يتم جمع بيانات مياه الصرف الصحي في محطات معالجة مياه الصرف الصحي المركزية التي تخدم مئات أو آلاف أو ملايين الأشخاص، وهي الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لاكتشاف الأخطار الجديدة، تتضاءل فرصة إمكانية التعرف إلى البيانات. ومن جهة أخرى، يمكن أن يزداد خطر التعرف إلى الأفراد في حال حدوث الرصد على مستوى الحي السكني أو المنشأة أو أن الخطر الذي تتم مراقبته نادرا جداً، أو عندما يتم دمج بيانات مياه الصرف الصحي مع مصادر البيانات الأخرى”.
وأضافت: “وكما هو الحال مع البيانات الطبية، يمكن إخفاء بيانات مياه الصرف الصحي قبل مشاركتها، بحيث لا يتم إخبار الأفراد أو المجتمعات بالنتائج. وإذا كان الهدف من البيانات التي تم جمعها على مستوى محلي المساهمة في عملية صنع القرار، فإن مشاركتها ينبغي أن تجري بطريقة تخفي المجتمعات التي تمثلها من أجل الحفاظ على الخصوصية”.
وتواصل، في نفس الوقت، عملية رصد مياه الصرف الصحي دورها في تعزيز دور هيئات الصحة العامة على تعقب الأمراض من خلال شبكات الصرف.
في أكتوبر 2022، نشر باحثون من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها والعديد من برامج الصحة العامة مقالاً حول التحقيق في تهديد فيروسي ناشئ محتمل في مدينة نيويورك.
وقد وجدوا أن هذا التهديد الفيروسي هو شلل الأطفال.