يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
يحظى قطاع الطيران، من بين مختلف القطاعات الهامة، باهتمام كبير في مجال إنتاج الكربون. ولكن سنركز هنا على ما هو تحت الطائرات من أبنية وجسور وشوارع وسدود والطرق المصنوعة جميعها من المواد الخرسانية.
تشكل نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن مواد البناء 8% من مجموع الانبعاثات الكربونية في العالم، في حين وصلت نسبة انبعاثات الكربون الناتجة عن قطاع الطيران 2.5%، وقد تتفاوت التقديرات٫.
تحدث انبعاثات المواد الخرسانية عند تسخين الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) مع الطين لدرجة حرارة 1,400 سلسيوسية في أفران متخصصة لإنتاج الإسمنت، وهو المكون الأساسي في مواد البناء. وتساهم عملية التسخين في دمج كربونات الكالسيوم مع سيليكات الكالسيوم والذي يعرف في القطاع الصناعي باسم الحصى.
الحصى هي المادة الرابطة التي تمنح الخرسانة خصائصها الهيكلية، ولكن تساهم هذه العملية بإنتاج ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة، حيث تتراوح كميات ثاني أكسيد الكربون الناتجة ما بين 650 كيلوغرام و900 كيلوغرام يتم إطلاقها إلى الغلاف الجوي عند إنتاج طن واحد من الإسمنت.

حفظ الكربون في الخرسانة
قد تكون الطريقة الأفضل لحفظ الكربون على بعد خطوات من رصيفك. Read more›››
قامت شركتان وهما، هيرلوم كاربون تكنولوجيز وكاربونكيور ، في بداية العام 2023 باختبار يهدف إلى دمج ثاني أكسيد الكربون مع الخرسانة المصبوبة حديثًا. وقد وكان هذا الاختبار بسيطًا، حيث اعتمد على الاستعانة بما يقارب 37 كيلوغرام من الكربون، إلا أن هذه العملية أكدت إمكانية مساهمة قطاع صناعة الخرسانة في الحد من الآثار الكربونية الناتجة عنه.
وقالت أنو خان من المؤسسة البيئية (كاربون 180) في حديث لها مع صحيفة واشنطن بوست: “تعتبر تلك العملية فعالة في إطار منظومة إزالة الكربون واسعة النطاق، لا سيما أن إيجاد طريقة لحفظ الكربون بشكل دائم يشكل تحديًا كبيرًا”.‹‹‹ Read less

قد يصبح الخشب الخرسانة الجديدة
في سباق المواد الإنشائية الأكثر استدامة، تعود الأخشاب إلى الظهور من جديد. Read more›››
لا نقصد هنا الخشب التقليدي، وإنما الخشب الضخم المصمم بأسلوب هندسي من طبقات الخشب المرتبطة ببعضها، والتي أصبحت تعتبر أكثر أمنًا على البيئة وبديل للفولاذ والخرسانة.
يشير أنصار هذه التكنولوجيا إلى جماليتها ومتانتها الهيكلية وسهولة بنائها، إضافة إلى أنها منخفضة الأثر الكربوني.
وقال أنتوني وود، مدير الأبنية المرتفعة والعمران العمودي في معهد إلينوي للتكنولوجيا ورئيس مجلس الأبنية المرتفعة والمساكن الحضرية، لموقع BBC.com: “تشكل كمية الطاقة اللازمة لإنتاج الخشب الضخم جزءًا بسيطًا من حجم الطاقة اللازمة لإنتاج نفس المواد من الفولاذ والخرسانة.
هناك فائدة أخرى أيضًا.
وأضاف أنتوني: “تساهم هذه الأخشاب خلال عملية نموها بامتصاص الكربون من الغلاف الجوي”.‹‹‹ Read less
ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، ارتفعت معدلات إنتاج الإسمنت بنسبة تقارب 1.5% في السنة من العام 2015 لغاية 2021 ويُتوقع أن يشهد إنتاج الإسمنت ارتفاعًا عالميًا في الطلب عليه. ولتحقيق أهداف الحياد الكربوني، ترى الوكالة الدولية للطاقة ضرورة انخفاض إنتاج الإسمنت بنسبة سنوية تساوي 3% بحلول العام 2030.

توجد مجموعة من الاستراتيجيات التي تساهم في الحد من تلك الانبعاثات تتضمن تحسين كفاءة الطاقة والاعتماد على وقود منخفض الكربون وزيادة فعالية العمليات لإنتاج كميات أقل من النفايات والتحول إلى تقنيات البناء التي تشمل الوحدات الإسمنتية مسبقة الصنع التي تقلل الاعتماد على الخرسانة.
وهناك استراتيجية أكثر فعالية هي، استخدام مواد مبتكرة لصناعة خرسانة أفضل.
ومن المواد المبتكرة التي تبشر بمستقبل واعد في صناعة المواد الخرسانية هي الغرافين. تتكون مادة الغرافين من طبقة واحدة من ذرات الكربون التي تشكل شبكة سداسية الشكل، وتتميز بمرونتها وخفة وزنها وصلابتها ومقاومتها العالية، حيث أنها تحظى بفعالية بمقدار 200 ضعف فعالية الفولاذ ووزن أخف من الألومنيوم بمقدار 5 مرات.
يقوم الغرافين بنقل هذه الخصائص إلى المواد الخرسانية عند إضافته إليها، ويساهم في التقليل من كمية الحصى المُنتِج لثاني أكسيد الكربون دون التأثير على أدائه.
وفي هذا الصدد، توصل فريق من جامعة إكستر في المملكة المتحدة من خلال ورقة بحثية نشرها في العام 2018 إلى أن المادة الخرسانية المصممة بهندسة نانوية أظهرت مجموعة من الخصائص المعززة مقارنة بالخرسانة التقليدية، وتشمل هذه الخصائص زيادة وصلت إلى 146% في القوة الضاغطة ونسبة 79.5% في قوة الانثناء.
وأشار الباحثون أيضًا إلى وجود انخفاض في نفاذية المياه بنسبة 400%، الأمر الذي يدل على أن هذه المادة المركبة قد تكون الأمثل في مجال إنشاء الهياكل في المناطق المعرضة للفيضانات.
ولايزال هناك المزيد!
ذكرت مونيكا كراسيون، وهي واحدة من المشاركين في كتابة الورقة البحثية في 2018: “يمكننا من خلال الاستعانة بمادة الغرافين الحد من كميات المواد اللازمة لصناعة الخرسانة بنسبة 50%، مما سيؤدي إلى انخفاض ملحوظ بانبعاثات الكربون بمقدار 446 كيلوغرام لكل طن”.
ومؤخرًا، خلص فريق يضم باحثين من جامعات فرنسية وبولندية في عام 2021، إلى حقيقة أن دمج المواد الغرافينية في المواد الخرسانية يضفي عليها خصائص ووظائف جديدة تتيح إمكانية بناء المنشآت الذكية ومتعددة المهام. ويمكن للغرافين، إذا تم الاستفادة منه كمادة استشعارية، أن يعزز عمليات رصد الأبنية لحمايتها من أي أضرار.

وعلى الرغم من أن فريق جامعة إكستر كان متفائلًا بشأن قدرات مادة الغرافين، إلا أنه واجه بعض العقبات التي حالت دون تحقيق عمليات التنفيذ على نطاق واسع ولاحظ أن إضافة المادة إلى الإسمنت الجاف أمر مكلف ومعقد وصعب التنفيذ على نطاق واسع.
وتقوم “فيرست غرافين”، الشركة التي أنشئت بدعم من جامعة أديلايد في أستراليا، بإيجاد الحلول لهذه التحديات المحددة في بحث العام 2018.
وقال مايكل بيل، المدير الإداري والرئيس التنفيذي لشركة غرافين فيرست، لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “نقوم في الوقت الحالي بتطوير التجارب على نطاق تجاري لتحسين الإسمنت والخرسانة وفي نفس الوقت نساهم في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
ويُتوقع أن تُظهر هذه التجارب نسبة الانخفاض في كميات الحصى ومقدار الزيادة في الفعالية التي قد تساهم في الحصول على ألواح من الإسمنت أقل سمكًا، إضافة لتوفير معلومات حول حجم الانخفاض في كميات ثاني أكسيد الكربون.

وتعاونت فيرست غرافين أيضًا مع جامعة ولونغونغ في أستراليا وسلطة المياه الأسترالية بهدف بحث تأثير استخدام المواد الغرافينية المعززة على إطالة عمر أنابيب مياه الصرف، حيث نشروا نتائج هذه الدراسة في العام 2022.
وأضاف مايكل: “أثبتت التجارب فعالية الغرافين وإمكاناته المتميزة ومقاومته المحسَّنة للتآكل الناتج عن الكبريتات والكلوريد”.

تسعى جامعة خليفة في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات، إلى البحث عن طرق جديدة لتحسين أداء الخرسانة بواسطة مادة الغرافين التي أثبتت فعاليتها في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من الظروف الجوية القاسية المتمثلة بالرطوبة العالية وارتفاع درجات الحرارة والملوحة، وفقًا لما قاله حسان عرفات، مدير أول لمركز البحوث والابتكارات في الغرافين والمواد ثنائية الأبعاد في جامعة خليفة.

الرومان قاموا بذلك بشكل أفضل
قد تتعرض الخرسانة الحديثة للانهيار خلال 50 عامًا أو أقل، في حين أن البناء بالخرسانة الرومانية دام لآلاف السنين في مناطق مناخية وزلزالية متنوعة. Read more›››
وتوجد بعض الأمثلة على الأبنية الرومانية التي لا تزال صامدة على الرغم من اتصالها المباشر بمياه البحر المسببة للتآكل.
وفي هذا الصدد، قام فريق بحثي ضم أعضاءً من الولايات المتحدة وإيطاليا وسويسرا، بأخذ عينات من الموقع الأثري الإيطالي (بريفيرنوم) وتوصلوا إلى أن القطع بيضاء التي تمثل أحجارًا جيرية، والتي تم استبعادها في السابق نتيجة الخلط السيئ أو استخدام مواد بناء غير جيدة، تمنح مواد البناء القدرة إصلاح الشقوق والتصدعات.
وتشير النتائج إلى أن استخدام الجير الحي، بدلًا من الجير المطفأ المستخدم بشكل شائع اليوم، مع عملية ذات درجات حرارة مرتفعة تسمى “الخلط الساخن”، يساهم في إنتاج القطع الجيرية ومادة خرسانية أكثر ديمومة.
ولاختبار نظرياتهم، صنع الباحثون عينتين من مادة الخرسانة، تتكون الأولى من الخلطة الرومانية وتتكون الثانية من الخلطة المستخدمة في الوقت الحاضر، حيث أحدث الفريق بعض التصدعات والشقوق في العينتين بشكل متعمد ليلاحظوا بعد مرور أسبوعين مرور المياه عبر الخرسانة الحديثة وعدم قدرتها على المرور من خلال الخرسانة الرومانية.
ولاحظ الباحثون تفكك قطع الجير عند تعرضها للمياه مسببة الشقوق، لكنها تتبلور من جديد لتحافظ على هياكل البناء مع مرور الوقت، كما توصلوا أيضًا إلى أن اعتماد الطريقة الرومانية في الإنشاءات الحديثة قد ينتج عنه الحصول على أبنية مرنة ومستدامة تساهم في الحد من الآثار الكربونية الناتجة عن صناعة الخرسانة في جميع أنحاء العالم.”‹‹‹ Read less
وقال الدكتور حسان في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يعرف عن مادة الغرافين أنها مادة مضادة للماء بشكل كبير، أي أنها طاردة للمياه ولا تتأثر بالبيئات عالية الرطوبة. وتساهم هذه الخاصية في جعل الغرافين مادة واعدة تحسن من قدرة الخرسانة على التحمل في البيئات عالية الرطوبة، حيث أثبتت البحوث أن الخرسانة المعززة بالغرافين تتميز بارتفاع مستوى مقاومة امتصاص المياه، الأمر الذي يحد من احتمالية تآكل الفولاذ في الخرسانة”.
وتعتبر درجات الحرارة عاملًا هامًا في هذا السياق، حيث يمكن للخرسانة التي تُصب بالأيام الحارة أن تتقلص وتتصدع. ويشير الدكتور حسان عرفات إلى دراسات نُشرت في مجلة “كونستراكشن آند بيلدنغ متيريالز” التي صدرت في العام 2019 ومجلة “كومبوزيتس بارت بي: إنجنييرنغ” الصادرة عام 2020، والتي تؤكد قدرة الغرافين على تحسين أداء الخرسانة في درجات الحرارة المرتفعة.
وأضاف الدكتور حسان: “توجد فوائد محتملة عديدة لاستخدام الغرافين في الخرسانة وهو ما يؤثر بشكل كبير على العديد من القطاعات الصناعية. ونواصل علميات التطوير البحثي في هذا المجال ونتطلع لمعرفة أي الصناعات التي ستعتمد هذه التكنولوجيا للاستفادة من خصائصها الفريدة من نوعها”.
ويرى الدكتور حسان وجود احتمالية للاستفادة من هذه التكنولوجيا في القطاعات الصناعية التالية:
قطاع الطيران: “يمكن استخدام الخرسانة المعززة بالغرافين لإنشاء هياكل خفيفة الوزن ومستدامة للمركبات الفضائية والأقمار الصناعية وغيرها من تطبيقات الطيران والفضاء”.
قطاع الطاقة: “يتيح استخدام الغرافين في هذا المجال تطوير بنية تحتية أكثر فعالية ومستدامة قادرة على تحمل الظروف البيئية القاسية”.
البنية التحتية: “يساهم استخدام الغرافين في هذا المجال في تحسين فعالية الطرق والجسور والأنفاق وتعزيز استدامتها وعمرها الافتراضي”.
وأكد على ضرورة الحاجة إلى المزيد من البحوث في هذا الجانب، حيث قال: “لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب التصدي لها في مجال استخدام الغرافين كمادة إضافية معززة، وتشمل هذه التحديات كلفة الإنتاج ومدى سمية الغرافين والحاجة لضبط كمية الغرافين المستخدمة في الخليط للحصول على الأداء المطلوب. وتعتمد هذه الجوانب على المنطقة وظروفها المحلية وطبيعة الخلطات الخرسانية المستخدمة”.
وأضاف: “يقوم مركزنا البحثي حاليًا بالبحث في القدرات الكاملة لهذه المواد وتطوير تطبيقات جديدة ذات أثر فعال داخل دولة الإمارات وخارجها”.