يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
يسعى الباحثون إلى دمج الإلكترونيات في النباتات عبر تزويدها بمستشعرات أو إدخال مكونات إلكترونية في أجزائها
توجد ظاهرة بشرية نفسية تُعرف باسم “العَمَى تجاه النبات“، وتُستَخدَم لوصف شعور بعض الأفراد في تجاهل النباتات واعتبارها خلفيات غير هامة. وتعَد هذه الظاهرة سمة تطورية مفيدة حالت دون إرباك العقل بالحجم الكبير من المسطحات الخضراء المحيطة بنا. ولكن، يتعين التغلب على إهمال النباتات في ظل توجهنا إلى الاعتماد على العالم الطبيعي لإيجاد حلول لمشاكلنا المعاصرة.
تقول آنا ماري بابا، الباحثة في جامعة خليفة أنه توجد حاجة مُلِحَّة إلى مجموعة التدابير التي تهدف إلى تحسين إنتاجية النبات ومحتواها الغذائي، كما يوجد احتياج آخر إلى فهم جوهري لتطور النبات وطريقة تأقلمه مع الضغوط البيئية:
وقالت آنا- ماريا: “تتضرر النباتات على نحو متزايد مع التغيرات المناخية التي يتسبب بها البشر”. وقد يقدم النوع التقليدي من البحوث في علوم النباتات حلولًا لهذه المشاكل لكن قد تؤثر سلبيًا على النباتات، وبالتالي قد تسبب اضطرابًا في طريقة اتصال خلايا النبات ببعضها البعض.
يعمل تركيب النبات كنموذج طبيعي، حيث تقوم فيه آلية التجاوب البيوكيميائي بدور المحفز لعملية البلمرة”. وأضافت: “النباتات آلات متجددة كبيرة الحجم وعالية الأداء تمثل مصدرًا غير مستَغَل لإنتاج المواد والإلكترونيات وتكنولوجيا الطاقة المتقدمة
– إليــنـا ستـافرينـيدو
فما هو الحل المحتمل الذي تقدمه آنا- ماريا؟ تقول آنا- ماريا: “يمكن استشعار النبات في الزمن الفعلي دون ترك أي أضرار بوضع مستشعرات إما على سطح النبات أو بداخله. ويتيح كل دمج النباتات مع المواد الإلكترونية إمكانية المزج بين الإشارات الكهربائية والعمليات الكيميائية التي تقوم بها النباتات”.
وتُطلِق آنا- ماريا على هذه الفكرة التكنولوجية المستقبلية اسم “النباتات الإلكترونية”، كما تستخدم في بحثها بوليمرات مقترنة مع بعضها، وهي نوع من أشباه الموصلات العضوية، لتطوير أجهزة إلكترونية تهدف إلى تعزيز الربط بين الحيوي وغير الحيوي.
تشير البحوث الحديثة إلى استخدام مواد إلكترونية عضوية في الاستشعار الأيوني البيولوجي والمضخات الأيونية ومحولات إشارات النشاط العصبي في البشر
تتكامل هذه المواد بشكل أكثر سلاسة مع الأنظمة البيولوجية المعقدة وتتيح تحويل الإشارات في الأنشطة البيولوجية على نحو أكثر كفاءة. وفي حالة النباتات الإلكترونية، يمكن أن تكون هذه المواد “قابلة للارتداء”، وبالتالي وضعها على أسطح أوراق وسيقان النباتات أو زرعها على سبيل المثال.
وتُعَد البوليمرات المتراصة موصلات مختلطة. وتستخدم الأنظمة الإلكترونية المحيطة بنا في حياتنا اليومية الإلكترونات باعتبارها الناقل الرئيس للشحنات، بينما تستخدم الأنظمة البيولوجية الأيونات.
ويمكن للبوليمرات المتراصة استخدام كلٍ منهما، ما يجعلها مثالية للربط المباشر مع الأنظمة البيولوجية. وتقول آنا- ماريا أن دمج البوليمرات المرنة بدلًا من المعادن الفلزية في الهياكل البيولوجية الرقيقة يتسم بالسهولة وتعددية الاستعمالات، وهما ميزتان واضحتان إلى جانب باقي المزايا الأخرى مقارنة بالأنظمة الإلكترونية التقليدية.
وتوضح آنا- ماريا بقولها: “تتيح الإلكترونيات الحيوية المدمجة في النباتات، كما يحدث في أجهزة الإلكترونيات الحيوية التقليدية، إجراء اتصالات ثنائية الاتجاه من خلال مستشعرات يمكنها ترجمة الإشارات الحيوية الصادرة من النباتات إلى أجهزة قارئة ومُشغِّلات إلكترونية قادرة على تعديل وظائفها البيولوجية”
وأضافت: “يساعد الدمج بين النواقل الأيونية والإلكترونية في تحويل الإشارات، ليس بغرض الاستشعار فقط، وإنما أيضًا لتحويل الإشارات الإلكترونية إلى مواد كيميائية محدَّدَة. ويمكن أن يكون هذا التحويل تدبيرًا رئيسًا لتحسين الزراعة المستدامة، والتي تُعَد بدورها الركن الأساسي للثورة الزراعية متسارعة النمو التي نشهدها الآن”.
طاقة الزهور
يركز البحث الذي تُجريه آنا- ماريا على تطوير مواد المحاليل الهلامية المائية من تلك البوليمرات التي يمكنها مضاعفة بَذر النبات والنمو في بيئات غير مواتية، إلا أن هذا ليس هو الطريق الوحيد المتاح أمام تكنولوجيا النباتات الإلكترونية.
وفي هذا الإطار، قام فريق من الباحثين في جامعة لينكوبينغ السويدية بالتركيز على النباتات الزراعة وتطوير جزيء يمكن امتصاصه وبلمرته داخل النبات لإنشاء خيوط طويلة توصل الكهرباء في كافة أجزاء النبات. وعلى غرار صبغ زهرة من خلال حقنها بمحلول يحتوي على مادة غذائية ملونة، حلَّلَ الباحثون جزيئًا يسمى (إي تي إي- إس) إلى محلول تم ضخه عبر الجهاز الدوري في وردة. وقد تمت بلمرة جزيء (إي تي إي- إس) في كافة أجزاء هذه الشبكة، فحولها إلى شبكة إلكترونية.

ولــم يـكــن أعــضــاء الــفــريــق الــبــحــثــي يـحــاولــون اســتــشــعــار أي شــيء عــبــر هــذه الــوردة، وإنــمــا كــانــوا يــريــدون تــحــويــلــهــا إلــى جــهــاز لــتــخــزيــن الــطــاقــة بــكــمــيــات كــبــيــرة، وهــو نــظــام ســريــع الــشــحــن يــســاهــم بــتــخــزيــن الــطــاقــة وقــد يــكــون بــطــاريــات الــمــســتــقــبــل.
وكــتــبــت إلــيــنــا ســتــافــريــنــيــدو، الــبــاحــثــة الــرئــيــســة ضــمــن الــفــريــق الــبــحــثــي، فــي مــجــلــة أبــلايــد فــيــزيــكــال ســايــنــســيــز: “يــعــمــل تــركــيــب الــنــبــات كــنــمــوذج طــبــيــعــي، حــيــث تــقــوم فــيــه آلــيــة الــتــجــاوب الــبــيــوكــيــمــيــائــي بــدور الــمــحــفِّــز لــعــمــلــيــة الــبــلــمــرة”.
وأضــافــت: “الــنــبــاتــات آلــات مــتــجــددة كــبــيــرة الــحــجــم وعــالــيــة الــأداء، تــمــثــل مــصــدرًا غــيــر مــســتَــغَــل لإنتــاج الــمــواد والــإلــكــتــرونــيــات وتــكــنــولــوجــيــا الــطــاقــة الــمــتــقــدمــة”.
يــغــطــي هــذا الــبــحــث أيــضــًا إمــكــانــيــة تــولــيــد الــكــهــربــاء مــن عــمــلــيــة الــبــنــاء الــضــوئــي.
حيث تستخدم النباتات ضوء الشمس أثناء عملية البناء الضوئي لتجزئة ذرات الماء إلى هيدروجين وأكسجين. وتُستَخدَم الإلكترونات الناتجة عن هذا الفصل في دمجها مع الكربون لإنتاج السكر، إلا أن الباحثين في جامعة جورجيا طوروا طريقة لقطع هذا المسار، باحتجاز الإلكترونات قبل أن تتحول إلى جزيئات السكر.
أشرفت راماراجا راماسامي على الفريق البحثي في مجال التحكم في البروتينات الموجودة داخل الأغشية المسؤولة عن احتجاز وتخزين الطاقة من ضوء الشمس أثناء عملية البناء الضوئي والمعروفة باسم التايلاكويدات. وتوضع التايلاكويدات بعد تعديلها في أنابيب نانوية كربونية، والتي تعمل كموصلات كهربية تنقل الإلكترونات من خلايا النبات بمحاذاة الأسلاك.
واكتشف فريق من الباحثين في جامعة كمبردج شيئًا مماثلًا يتيح، من خلال استخدام التنظير الطيفي للامتصاص العابر فائق السرعة (الليزر المتسارع)، رصد أعضاء الفريق الإلكترونات وهي تتحرك طوال عملية البناء الضوئي. واستطاع أعضاء الفريق أن يحددوا ما وصفوه بــ “المسارات التسريبية“: الإلكترونات كانت تتسرب من الخلايا التي تبدأ فيها عملية البناء الضوئي. وقد يعد تجميع هذه الإلكترونات وسيلة لتوليد الطاقة المتجددة من مصدر لإنتاج الطاقة بشكل ذاتي وفي نفس الوقت قادر على احتجاز الكربون، ليكون بذلك مصدرًا فعليًا من الطاقة المستدامة.

كنزٌ في جذع النخلة
بقلم: سوزان كاندي لامبيرت
يشكل النسغ في نخيل التمر عنصرًا هامًا في مجال الأمن الغذائي Read more›››
يُعتبر النسغ المستخرج من نخيل التمور مصدرًا غنيًا بالعناصر الغذائية لدى سكان منطقة شمال إفريقيا لاسيما في الفترة ما قبل صيامهم وبعده.
وفي هذا الإطار، تعاون الدكتور فوزي بنات وفريق من الباحثين من جامعة خليفة مع آخرين من جامعة الإمارات لجلب هذه الفوائد الغذائية للدولة ومناطق أخرى من العالم.
:لكن واجه الباحثون مجموعة من التحديات التي كان لابد من التغلب عليها قبل أن يصل نسغ نخيل التمور إلى رفوف المتاجر، وتتمثل بالتالي:
أولًا، ينتج عن عملية استخراج نسغ النخيل قتل العديد من أشجار النخيل التي تعتبر مهمة من الناحية الثقافية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
ثانيًا، يتحول نسغ نخيل التمر إلى كحول بسرعة كبيرة، ما يجعله غير مناسب للأسواق الإسلامية.
وقد تمكّن الفريق من ابتكار حل للمشكلة الثانية، وهو إضافة مادة كيميائية إلى النسغ ليمنعه من التخمّر، فيما يقوم الفريق في الوقت الحالي بإيجاد حلول للمشكلة الأولى.
يسعى الدكتور فوزي إلى ضمان عدم إضرار عملية جمع النسغ بأشجار النخيل، حيث أصبح الباحثون اليوم ملمين بالأوقات المناسبة للقيام بذلك خلال اليوم وعدد المرات اللازمة، كما يقوم الباحثون أيضًا بتحسين عملية جمع النسغ من خلال التعرف على مدى عمق الحفر في جذع النخلة والأجزاء التي يمكن حفرها.
وهنا يكمن السؤال الأهم: كيف يبدو مذاقه؟ يجيب الدكتور فوزي على هذا السؤال بأن مذاقه حلوٌ ولذيذٌ جدًا.
‹‹‹ Read less
واستطاع أعضاء الفريق أن يحددوا ما وصفوه بــ “المسارات التسريبية“: الإلكترونات كانت تتسرب من الخلايا التي تبدأ فيها عملية البناء الضوئي. وقد يعد تجميع هذه الإلكترونات وسيلة لتوليد الطاقة المتجددة من مصدر لإنتاج الطاقة بشكل ذاتي وفي نفس الوقت قادر على احتجاز الكربون، ليكون بذلك مصدرًا فعليًا من الطاقة المستدامة.
وقد تطورت عملية البناء الضوئي بتطور النبات عبر ملايين السنوات، إلا أنها من الممكن دومًا أن تتطور إلى الأفضل.
وصف مايكل سترانو نفسه أنه من الأشخاص المهتمين بتحسين إنتاج النباتات في معهد ماساتشوستس للتقنية. وفي عام 2014، نجح فريقه في إدخال ماكينات نانوية إلى هياكل الكلوروفيل في أحد النباتات. وقبل أن يتحقق هذا الفتح العلمي (الفعلي)، لم تكن ثمَّة وسيلة لاختراق جدار خلايا التركيبات التي تستخدمها النباتات لإجراء عملية البناء الضوئي. وقام أعضاء فريق مايكل بطلاء ماكيناتهم النانوية بجزيئات مشحونة كهربائيَّا، والتي امتصتها هياكل الكلوروفيل.
لم يكن أعضاء الفريق يفعلون ذلك لمجرد التأكد من قدرتهم. تستخدم هياكل الكلوروفيل صبغة الكلوروفيل التي تمتص الضوئين الأزرق والأحمر لتصنع اللون الأخضر للنبات. وإذا أمكن “إعادة توصيل الأسلاك في” هياكل الكلوروفيل لامتصاص نطاق أوسع من الأطوال الموجية للضوء، نظريَّا، يمكن أن ترتفع إنتاجيتها. وقد أنتجت النباتات النانوية الإلكترونية التي طورها فريق مايكل طاقة أعلى بنسبة 30% من ضوء الشمس بالمقارنة مع نظيراتها.
إذا تم الدمج ما بين هذه التكنولوجيا، والتقنيات الأخرى المتخصصة بتطوير النباتات في مجال جمع الإلكترونات، ستتوفر لدينا محطات طاقة فعلية لإنتاج الطاقة يمكن الوصول لتلبية كامل احتياجاتنا من الطاقة.
إطعام العالم
قد يؤدي التفاعل ما بين المناهج النانوية الإلكترونية والنباتات النشطة كهربائيَّا، والتي تُطلِق عليها آنا- ماريا وصف “النباتات المهجنة الحيوية”، إلى ظهور نتائج بالغة الأهمية في الزراعة، حيث يجعل من النباتات أنظمة متطورة تقنيَّا للتصدي للضغوط البيئية والتأقلم معها على نحو يتجاوز قدرتها الطبيعية بشكل يتجاوز قدرتها الطبيعية، إضافة إلى التكامل على نحو أفضل مع النُّظُم البيئية الحضرية المعاصرة.
وقالت آنا- ماريا: “تُعَد البحوث الراهنة في هذا المجال بداية الطريق، على الرغم من التطورات الهائلة في مجالات الأنظمة الإلكترونية الحيوية وعلوم المواد، وبصفة رئيسة لأغراض التطبيقات البشرية”. وقد ركَّزَ البحث السابق الذي أجرته آنا- ماريا على تطوير الأنظمة الإلكترونية الحيوية لغرض التطبيقات المختبرية في مجال تصميم الأدوية والأجهزة التي يُطلَق عليها وصف “رقائق الأغشية” والتي تستخدم الأقطاب الكهربية للبوليمرات الموصلة للكهرباء وأجهزة الترانزيستور للتفاعل مع أغشية الخلايا البشرية.

وأضافت آنا- ماريا: “يمكن الاستفادة من عدد قليل من النباتات، بالنظر إلى التطورات التي تحققت في الأنظمة الإلكترونية الحيوية وعلوم المواد والبيولوجيا التركيبية والأنظمة الذكية، كمؤشرات نموذجية لفهم الأُسُس وتعزيز الكفاءة وربطها بالإنتاجية على نطاق كبير”.
قالت آنا- ماريا: “يمكن أن تشكل التكنولوجيا المدمجة مع النباتات، على الرغم من أنها قد تبدو خيالًا علميًا، مستقبلًا زراعيًا واعدًا، كما قد تشكل أيضًا مستقبل النُّظُم البيئية الحضرية العصرية كبث الضوء وتوليد أو تخزين الطاقة واستشعار النباتات المهجنة الحيوية والاتصال بها”. واختتمت بقولها: “نحتاج إلى الاستفادة من إمكانيات النبات في حال أردنا تحقيق الهدف المتمثل في الأمن الغذائي المستدام بحلول عام 2030”.
إقرأ المزيد حول هذا الموضوع: حيوان برمائي يساعدنا في القضاء على العطش