تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
قد تعتقد أن دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة يقتصر على استكشاف الموارد، ولكن هذا ليس سوى جزءًا يسيرًا مما يمكن أن يقوم به الذكاء الاصطناعي.
قال كريس كوبر، الرئيس التنفيذي لشركة “إيه آي كيو”، وهي شركة تكنولوجية تتخذ من أبوظبي مقرًا لها وتركز على الاستدامة والكفاءة في قطاع الطاقة: “يؤثر الذكاء الاصطناعي على كل جانب من جوانب قطاع الطاقة تقريبًا ونتوقع أن يتوسع الذكاء الاصطناعي ليشمل كافّة مجالات القطاع بطريقة أو بأخرى مع بدء القطاع في طرح الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي وإدراك إمكانات هذه التكنولوجيا”.
تُعتبر “إيه آي كيو” مشروعًا مشتركًا بين شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركة “جي 42” المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي.
يتميّز الذكاء الاصطناعي بالتزامه بالتدابير الوقائية في جميع مراحل العمليات، ما يؤدي إلى أداء عالي الكفاءة في القطاع.
الذكاء الاصطناعي كمدير للمخاطر
تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في تجنب المخاطر، حيث يمنع اتباع الصيانة الدورية للآلات حدوث أعطال في المعدات.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الحالة الراهنة للمعدات واستخدام البيانات القديمة والحالية لتحديد الانحرافات عن الحالة الطبيعية، ويمكن أن يساهم ذلك في توجيه الأنظار نحو المشاكل قبل حدوثها والحد من حالات الأعطال والقضاء عليها وبالتالي توفير الملايين من الدولارات التي يتم خسارتها بسبب الأعطال التي تؤدي إلى إيقاف العمل.
لا توفر العناصر الوقائية للذكاء الاصطناعي المال فحسب حيث أنها تستطيع أيضًا إيجاد مؤشرات لاحتمالية وقوع كوارث بيئية وشيكة.
يُعتبر التسرب النفطي أحد أكثر المخاطر تأثيرًا على البيئة وخاصة المحيطات، حيث تسرب 700 طن متري من النفط في أربعة حوادث في عام 2022 فقط. ويعتُبر هذا الضرر كارثيًا للحياة الفطرية والنظم البيئية في المحيطات لأنه قد يتسبب بنفوق الحيوانات نتيجة انخفاض حرارة أجسامها عندما تُغطّى طبقات الفراء والريش الصادة للماء بالمواد البترولية، كما يمكن أن تتسمم تلك الحيوانات أثناء تنظيفها لنفسها، الأمر الذي قد يؤثر على معدلات تكاثرها.
وبعيدًا عن العوامل التي لا يمكن التحكم بها كالكوارث الطبيعية، تعد عوامل كتعطل المعدات والأخطاء البشرية أسباب رئيسة لحدوث تسربات نفطية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إدارة تلك المسببات.
ويترتب على الأخطاء التي يرتكبها الإنسان عواقب خطيرة، حيث أدى انفجار “ديب ووتر هورايزون” عام 2010 على سبيل المثال، إلى قتل 11 شخص واعتُبر التسرب النفطي وقتها الأكثر تكلفة في التاريخ، حيث كلّف ذلك شركة “بي بي” وشركائها حوالي 71 مليار دولار أمريكي على شكل رسوم قانونية وتكاليف التنظيف.
ستساهم العديد من حلول الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها لمعالجة الكفاءة والإنتاجية أيضًا في تحسين ممارسات الاستدامة الشاملة من خلال تقليل المخلفات والتخلّص من العمليات غير الضرورية وغيرها”
— كريس كوبر، الرئيس التنفيذي لشركة “إيه آي كيو”
ويُستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة الحالات البسيطة من التآكل والشقوق وما إلى ذلك في خطوط الأنابيب ليقدم معلومات مهمة وبشكل فوري، حيث تساهم عملية تحديد العيوب في دعم دور المشغلين لمعالجة المشكلات قبل حدوث التسريبات أو وقوع حوادث أو حدوث أعطال في الآلات، كما تُعزز ممارسات الصيانة التنبؤية السلامة وتوفّر المال في جميع أنحاء القطاع، ما يقلل من وقت التوقف عن العمل غير المتوقع والذي قد يمتد في العادة إلى 27 يوم بتكلفة تبلغ قيمتها 38 مليون دولار أمريكي.
وفي هذا الإطار، أطلقت أدنوك اختبارًا تجريبيًا لتشخيصات التحليلات التنبؤية المركزية عام 2017، ولا يزال هذا الاختبار يمثّل محور مسار التحول الرقمي للشركة.
وورد في موقع أدنوك الإلكتروني: “يمكن للقدرة التنبؤية للصيانة في الشركة تتبع أي تدهور ميكانيكي وأي تغيرات في الأداء بهدف تعزيز دور فرق الصيانة في التخطيط للعمل المطلوب في وقت مبكر مع الأخذ في الاعتبار أي معوقات للإنتاج”.
وقال كريس من شركة “إيه آي كيو”: “تساهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المراقبة والصيانة في العديد من المجالات المختلفة التي تشمل رؤية الكمبيوتر المستخدمة لمراقبة خطوط الأنابيب والمراقبة بالمستشعرات للكشف عن التغيرات في عمليات تشغيل الآلات والتحليل الكيميائي للكشف عن التآكل في خطوط الأنابيب ومراقبة المواقع البعيدة أو المواقع التي يصعب الوصول إليها باستخدام الطائرات بدون طيار”.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا مراقبة معدلات الضغط وتدفق النفط لتحديد المشكلات قبل أن تحدث، وأن يخفف من التسريبات ويضمن سلامة العمال أيضًا.
وتتعدد مزايا استخدام هذه التكنولوجيا لتشمل حماية كل من البيئة والعمال والأداء المالي.
وتعني قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالطلب بأنه قادر أيضًا على تقييم المخاطر للمستثمرين.
ويتضمن تحليل الاستثمار الأحداث السياسية والاقتصادية والتوجهات المتعلقة بالمنتجات النفطية عبر سلاسل القيمة الاقتصادية والبيانات السابقة والاتجاه العام وغيرهم، ويمكن للذكاء الاصطناعي جمع كافّة المعلومات التي تسهم في تقلب الأسعار لمساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مدروسة.
تحسين عمليات الاستخراج
تقوم شركات الطاقة أيضًا بالاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الدراسات الزلزالية وتحسين دقة مواقع الحفر وخطط الحفر أيضًا.
يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي ابتكار تقنيات استخراج جديدة وإنشاء نماذج مكامن لتوقع كيفية عمل الأساليب المختلفة للاستخراج في ظروف مختلفة، ما قد يُحسن أداء العمليات ويزيد أرباح عمليات الاستخراج مع خفض نسبة التدهور البيئي.
قال كريس: “يمكن أن يؤدي تطوير المكامن والتخطيط لها بشكل أفضل إلى حفر عدد أقل من الآبار لاستخراج الكمية نفسها من الموارد”.
تُعتبر النمذجة أفضل طريقة للتطوير والتخطيط، ويُعد “الخزان المتقدم 360” أحد أدوات الذكاء الاصطناعي التي تملكها “أيه آي كيو” في السوق لمساعدتها في نمذجة الخزان، حيث يسمح النموذج المجسم بمقياس 360 درجة بالقيام بمراجعة نماذج المحاكاة الحالية للمكامن وإجراء تقييم رقمي شامل لها.
أضاف كريس: “تستفيد وحدة الاستشارة لأداء المكمن من التعلم الآلي والتحليلات المتقدمة ومهام سير العمل البترولية التقنية ومنطق الأعمال، حيث يقوم النظام بتحليل البيانات التي تحدد انخفاض أداء الآبار ثم يوفر الحلول، ما يعني أن ما كان يتم القيام به يدويًا على مدار أشهر أصبح يُنجز الآن في دقائق، الأمر الذي أدى إلى تحسين الإنتاج الاستراتيجي والتخطيط لتطوير الحقول وخفض التكلفة والانبعاثات.
يضمن التحليل أقصى قدر من الكفاءة طوال الوقت فور خروج النفط من الأرض ويصبح جاهزًا لعملية التكرير، كما يساهم تحسين العمليات وتكرير النفط في الحد من الانبعاثات وبالتالي من التأثير البيئي.
قال كريس في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “ستساهم العديد من حلول الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها لمعالجة الكفاءة والإنتاجية أيضًا في تحسين ممارسات الاستدامة الشاملة من خلال تقليل المخلفات والتخلّص من العمليات غير الضرورية وغيرها”.
والآن، وبعد أن تم إنتاج النفط، حان الوقت لنقله إلى وجهته النهائية.
الذكاء الاصطناعي كمدير لسلسلة التوريد
يسهم التعلم الآلي في عملية تحسين سلاسل التوريد حول العالم، حيث يؤدي التصرف بشكل استباقي وليس تفاعلي إلى نقل البضائع من النقطة أ إلى ب بكفاءة وأمان، إضافة لموازنة العرض والطلب وتوفير المال عبر كافة خطوات عملية الإنتاج.
يتأثر التنبؤ بأسعار النفط بعدة عوامل ويعتقد البعض أن التنبؤ الدقيق للذكاء الاصطناعي يُعتبر معقدًا جدًا، ولكن هذا لا يمنع الباحثين من المحاولة.
وجد فريق من جامعة شنجن الصينية أنه بدلًا من استخدام أساليب التعلم الآلي ذات النموذج الواحد للتنبؤ بالأسعار، يُمثل الجمع بين نماذج متعددة مصحوبة بمؤشرات معينة من جوجل للبيانات المتاحة على شبكة الانترنت، خيارًا واعدًا، ويقول الفريق إن هذا الهيكل يساهم في الحصول على تنبؤات أكثر دقة لتقلبات أسعار النفط الخام.
يقوم نموذج الفريق للذكاء الاصطناعي بتحليل كميات كبيرة من البيانات السابقة ويبحث في الأنماط والتوجهات ثم يجمع كل هذا مع معلومات السوق الحالية للتنبؤ بالطلب.
ويُقصد بتحسين سلسلة التوريد أيضًا تحقيق ملاحة أفضل للسفن والمتمثلة بوجود طرق أقصر، إضافة إلى مراقبة السلامة في الطريق والحصول على توصيات لتغيير المسار إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهذه أيضًا مسألة تتعلق بالاستدامة.
قال بول ماكستاي، مدير الأداء في أسطول الغاز الطبيعي المسال التابع لشركة النفط العملاقة “شل” على موقعها على الإنترنت: “يمكن أن يساعد تحسين الكفاءة في القطاع الصناعي على تقليل انبعاثات الكربون، كما يمكننا تقليل مقدار الوقت الذي ننتظره في الميناء إذا تمكّنا من تحسين كفاءتنا، ثم يمكننا تقليل استخدامنا للوقود، ومن خلال تقليل استخدامنا للوقود، يمكننا تقليل نسبة انبعاثاتنا”.
ووفقًا للدكتور محمد عمر، الذي يرأس قسم هندسة إدارة العلوم في جامعة خليفة، لا يعتبر التخطيط للطرق وإدارة الأسطول عن طريق بحوث العمليات والرياضيات وتقنيات التحسين أمرًا جديدًا.
تُساهم الدقة والفعالية المضاعفة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في الحد من المخاطر وتوفير المال وتخفض الآثار الكربونية.
وحسب دراسة شركة برامج التحليلات “إيه آي إم إم إس”، والتي تعمل على تحسين الرياضيات لتعزيز فعالية الشركات منذ عام 1989، فإنه لم يعد بإمكان سلاسل التوريد الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي، وفي المقابل، لا يمكن للذكاء الاصطناعي الاستغناء عن مخططي سلسلة التوريد.
ماذا بعد؟
في ضوء الدراسة المسحية التي أجرتها شركة تدقيق حسابات شركات النفط والغاز “إرنست آند يونغ” عام 2023، تبلغ نسبة الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي 50% ويهدف 92% منها لبدء استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو إضافتها خلال السنوات الخمس المقبلة.
قد تؤدي هذه الإحصاءات إلى قلق العاملين في القطاع بشأن وظائفهم، ولكن أكدت العديد من المقالات وتقارير التطوير على أن الذكاء الاصطناعي سيعمل بالتعاون مع البشر ولن يحل مكانهم، حيث كشفت التقارير عن حدوث تحول في الأدوار البشرية لكن لا يوجد احتمالية لحدوث فقدان ملحوظ لوظائفهم.
وفقًا لتقرير صدر عام 2019 عن شركة “إرنست آند يونغ”، “تُعد ثورة الذكاء الاصطناعي قائمة بالفعل بالنسبة للبعض، وبالنسبة لآخرين مثل قطاع النفط والغاز، فهي قاب قوسين أو أدنى، حيث تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي المطبقة على القطاع القدرة على أخذ كميات كبيرة من البيانات المنظمة وغير المنظمة مع طاقة تشغيل أكبر بكثير من القوى العاملة في الشركة، ما يخلق تأثيرًا تحويليًا. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك تأثير الذكاء الجماعي المشترك القدرة على خلق ميزة تنافسية دائمة عندما يقترن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بقدرات القوى العاملة البشرية.”
نستطيع القول بعد خمس سنوات، بأن تركيز “إرنست آند يونغ” كان ينصب على المال.
يستخدم كريس مجموعة التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات صور البئر “ويلسايت” التابعة لشركة “إيه آي كيو” كمثال، حيث توفر التحليلات الوقت لعلماء الفيزياء البترولية وتتيح لهم القيام بوظائف أكثر تعقيدًا، كما يقدم النظام معلومات لتعزيز التخطيط لعملية الحفر.
يبدو ذلك إيجابيًا ولكن ما الفائدة منه؟
لا نزال نتعلم
لا نزال نقف على حافة فهم قدرات الذكاء الاصطناعي الكاملة في أي قطاع صناعي، و يعني ذلك أننا نحتاج إلى أشخاص مَهرَة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وفي هذا الصدد، ستشهد فترة التحول الرقمي استثمارًا كبيرًا في التدريب وإعادة تدريب أولئك الذين ستتغير أدوارهم.
إضافة لذلك، يحتاج الذكاء الاصطناعي البيانات الضخمة من أجل الأداء، حيث لن يلبي الذكاء الاصطناعي التوقعات إذا لم تكن للبيانات علاقة بالموضوع وستُهدر كل تلك الأموال.
يمكن استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة لتحسين عالمنا ورفع مستوى الأمان فيه وفتح المجال أمام الاحتمالات التي ربما كانت ضربًا من الخيال العلمي قبل بضعة سنوات فقط.”
— وائل ويليام دياب، من المنظمة الدولية للمعايير على موقع المنظمة غير الحكومية
يكمن التحدي الرئيس في الموافقة أصلًا على استخدام الذكاء الاصطناعي، لاسيما أن بعض الشركات ليست مستعدة له بعد.
من جهته، قال وائل ويليام دياب، من المنظمة الدولية للمعايير على موقع المنظمة غير الحكومية، بأن الأمر يتعلق بطريقة التفكير: “يمكننا بناء مستقبل إيجابي للذكاء الاصطناعي، لكننا بحاجة إلى متابعته بانتظام، وإذا تبنّينا نهجًا إيجابيًا في تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي وركزنا في عملية تطويره على الاحتياجات المجتمعية مثل الأخلاق والاستدامة، يمكننا حينها إطلاق العنان لإمكاناته الكاملة”.
وأضاف: “يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في الانتقال إلى عصر جديد من الابتكار والشمولية إذا طُوِّر بشكل أخلاقي ومسؤول، ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة لتحسين عالمنا ورفع مستوى الأمان فيه وفتح المجال أمام الاحتمالات التي ربما كانت ضربًا من الخيال العلمي قبل بضعة سنوات فقط.”
هل يجب أن نستخدمه أم لا؟
تعد الأخلاقيات والثقة من أبرز المخاوف المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، ولكن يمكن التخفيف من هذه المخاوف والموافقة على استخدامه في قطاع الطاقة من خلال الشفافية والتعليم.
أضاف كريس: “إذا لم يفهم المهندس كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بعملية الاستدلال، فمن غير المرجح أن يثق في النتائج التي يقدمها ولن يكون قادرًا على فهم أية أخطاء قد تحدث، لذلك، من المهم أن يكون لدى المستخدمين فهم جيد لكيفية عمله.”
يُعد فهم الذكاء الاصطناعي جانبًا واحدًا فقط، فعندما يحدث خطأ ما، سيكون السؤال الأول هو: من فعل ذلك؟ من هو المسؤول عندما يكون نظام الذكاء الاصطناعي المستقل ممسكًا بدفة القيادة؟
أكد كريس على أن الحل يكمن في إيجاد التوازن ما بين القواعد وإطار العمل وصنع القرار بالذكاء الاصطناعي والوقت المناسب لتدخل الإنسان.