الصورة: Unsplash

ستظل الطاقة النووية جزءًا لا يتجزأ من مجموعة مصادر الطاقة النظيفة حتى في الدول التي توقفت سابقًا عن الاستثمار في هذه التكنولوجيا، على الرغم من قيام بعض دول العالم بمحاربة ارتفاع تكاليف الطاقة ودرجات الحرارة العالمية.

ألغت اليابان، على سبيل المثال، دعمها للطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما عام 2011، عندما ضربها تسونامي وزلزال نتج عنهما فقدان الطاقة وفشل أنظمة التبريد في ثلاثة مفاعلات، إلّا أن البلاد أعلنت في عام 2022 أنها ستعيد تشغيل محطاتها القديمة وإطالة عمر المحطات إلى أكثر من ستين عامًا وبناء مفاعلات الجيل التالي.

يجب علينا إنتاج المزيد من الكهرباء، فنحن بحاجة إلى كهرباء نظيفة ونظام طاقة مستقر.

إليزابيث سفانتيسونوزيرة المالية في البرلمان السويدي

ومن جهة أخرى، تعيد دول أخرى الاستثمار في الطاقة النووية، حيث تستثمر العديد من الولايات الأمريكية التي تملك أهدافًا مناخية أكثر فعالية، ملايين الدولارات في قطاع الطاقة النووية.

يقول جو فيورداليسو، رئيس مجلس إدارة المرافق العامة في نيوجيرسي، في مقال بموقع “بيوتراستس: “على الرغم من أننا ننتقل بسرعة إلى استخدام الطاقة النظيفة، إلّا أن هذا سيستغرق بعض الوقت، فلا يمكننا بناء مصادر الطاقة المتجددة بالسرعة الكافية، ولا يزال الناس بحاجة إلى الطاقة، كما تُعتبر الأسلحة النووية جزءًا مؤقتًا مهمًا من هذا المزيج.”

يُذكر أن الولايات المتحدة شغّلت أول مفاعل جديد لها خلال 40 عامًا في جورجيا عام 2023.

وأعطى البرلمان السويدي الضوء الأخضر في يونيو الماضي لخطط بناء مفاعلات نووية جديدة، كما تخطط البلاد لبناء 10 محطات نووية في العشرين عامًا القادمة كجزء من هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2045، وقد صوتت البلاد قبل 40 عامًا لصالح التخلص التدريجي من الطاقة النووية.

من جانبها، قالت وزيرة المالية إليزابيث سفانتيسون في البرلمان لوكالة رويترز: “يساهم ذلك في إيجاد الظروف الملائمة للطاقة النووية، كما يجب علينا إنتاج المزيد من الكهرباء، فنحن بحاجة إلى كهرباء نظيفة ونظام طاقة مستقر.”

ووصل عدد المحطات النووية التي تعمل في حوالي 30 دولة 439، منذ شهر مايو من عام 2022، وحصلت الولايات المتحدة على أكبر عدد من الأصوات، والذي يُقَدَّر بـ92 صوتًا.

وتعتبر محطة براكة في دولة الإمارات واحدة من أحدث المحطات في العالم، والتي افتُتحت في عام 2020 وبدأت العمل عام 2021. وتحتوي محطة براكة على ثلاثة مفاعلات في المحطة قيد التشغيل، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المفاعل الرابع عام 2024.

وقال سعيد العامري، دكتور في قسم الهندسة الميكانيكية والنووية في جامعة خليفة: “تُعتبر الطاقة النووية مهمة جدًا في محفظة الطاقة، كما يعد شروع دولة الإمارات بالخطوة الأولى في البرنامج النووي أمرًا هامًا أيضًا في مجال أمن الطاقة في البلاد والحد من انبعاثات الكربون.”

يُعتبر من الضروري استخدام حلول مضمونة وذات تكلفة منخفضة لتحقيق الوصول الآمن إلى الكهرباء منخفضة الكربون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجميع

هنري بريستون، عضو في الجمعية النووية العالمية


وأعرب محمد إبراهيم الحمادي، رئيس المنظمة الدولية للمشغلين النوويين، عن حرصه على مستقبل التكنولوجيا في دولة الإمارات في افتتاح المفاعل الثالث في العام 2022 في محطة براكة، حيث قال: “تقوم محطة براكة بدور ريادي في قطاع الطاقة من خلال الحد من انبعاثات الكربون، كما تساهم في الإنتاج المستدام لكميات وفيرة من الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة”.

وعلق سعيد مضيفًا أن دولًا أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كالسعودية ومصر تستثمر في مجال الطاقة النووية، حيث بدأت مصر أعمال البناء في موقع الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في عام 2022.

وفي السياق، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2022 عن ستة مفاعلات جديدة سيتم تشغيلها بحلول العام 2050.

وأكد هنري بريستون، العضو في الجمعية النووية العالمية، أهمية العام 2050.

وقال لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: “يتوقع أن يزيد الطلب على الكهرباء بنسبة 50% على الأقل بحلول عام 2050 في ظل تزايد عدد سكان العالم وبالتالي زيادة الحاجة لاستهلاك الكهرباء وسهولة الوصول إليها، لذلك يُعتبر من الضروري استخدام حلول مضمونة وذات تكلفة منخفضة لتحقيق الوصول الآمن إلى الكهرباء منخفضة الكربون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجميع.”

الاعتماد على الطاقة منخفضة الكربون

ووصفت وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة حكومية دولية مقرها باريس، في تقريرها الصادر في العام 2019، الطاقة النووية والطاقة المائية بأنها “العمود الفقري لإنتاج الطاقة منخفضة الكربون”، حيث تساهم في توفير 75% من الطاقة منخفضة الكربون في العالم.

وقال هنري أن ذلك أدى إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 70 غيغا طن على مدار 50 عامًا، حيث يعادل الغيغا طن الواحد حوالي ضعف كتلة جميع السكان على وجه الأرض، كما تعادل السبعون غيغا طن كمية الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة لمدة عامين تقريبًا.

ندرك أن الطاقة النووية بحد ذاتها طاقة نظيفة، كما أن تكلفة التشغيل ليست مرتفعة وتساهم بشكل متواصل في رفد الشبكات بالطاقة

سعيد العامري، جامعة خليفة

وأشار مكتب الطاقة النووية الأمريكي إلى أن المفاعلات لها آثار مادية ضئيلة وتحتاج إلى ما يقارب من ميل مربع لتشغيلها. وعلى صعيد آخر، أكد معهد الطاقة النووية أن مزرعة الرياح التي تنتج الكمية نفسها من الكهرباء تحتاج إلى مساحة أرض أكبر بمقدار 360 مرة، حيث تُعرف مزارع الطاقة الشمسية بأنها أصغر حجمًا، لذلك فهي تحتاج إلى مساحة أكبر بحوالي 75 مرة لإنتاج الكمية نفسها من الكهرباء.

ويعد استخدام الأراضي إحدى القضايا التي تناولتها الورقة البحثية “الفلسفة والتكنولوجيا” التي نشرها كل من سيمون فريدريش ومارتن بودري في العام 2022 والتي ركزت على أخلاقيات الطاقة النووية في حالات تغير المناخ. وخلص الباحثون إلى أنه وإن تم التركيز على قضايا مثل التخلص من النفايات واستنفاد احتياطيات اليورانيوم، لا تزال الحاجة إلى الاستثمارات في الطاقة النووية قائمة كجزء من تحقيق محفظة واسعة النطاق في مجال الطاقة، مما يساهم في الحد من مخاطر الفشل في إزالة الكربون”.

التطلع إلى المستقبل

تنبأ تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2019 مخاطر الانخفاض الحاد في استخدام الطاقة النووية في الاقتصادات المتقدمة، وهناك بعض العيوب في هذه التكنولوجيا تتمثل بارتفاع تكلفة البناء وحاجتها للوقت الطويل لتنفيذ العمليات، كما تُعتبر الطاقة التي تنتجها مرتفعة التكلفة الاقتصادية بشكل كبير، حيث ارتفعت أسعارها بنسبة 40% لكل كيلوواط منذ عام 2011، في حين تواصل الطاقة الشمسية انخفاض أسعارها. وفي ظل وجود مشكلة التخلص من النفايات التي لا تزال عالقة، أكد هنري بريستون، من الجمعية النووية العالمية، تفاؤله في هذا الصدد.

قال هنري: “يتوقع أن تعمل المفاعلات المتوفرة في يومنا هذا لمدة تتراوح ما بين 60 إلى 80 عامًا، حيث ساهم بناء هذه المحطات وعمليات التشغيل القائمة فيها في إيجاد آلاف فرص العمل ذات الجودة العالية طويلة الأمد، إلى جانب توفير مجموعة كبيرة من المزايا الاجتماعية والاقتصادية التي تعزز الاقتصادات المحلية والإقليمية”.

وقال سعيد العامري في جامعة خليفة: “ندرك أن الطاقة النووية بحد ذاتها طاقة نظيفة، كما أن تكلفة التشغيل ليست مرتفعة وتساهم بشكل متواصل في رفد الشبكات بالطاقة”.

انضم لقائمتنا البريدية

احصل على آخر المقالات والأخبار والتحديثات الأخرى من مجلة
مراجعة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا