تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
تمحور سباق الفضاء في الستينيات حول من ستطأ قدمه القمر أولًا، وعلى الرغم من عدم تغير الفائزين في ذلك السباق، إلّا أن سباق الفضاء يختلف تمامًا في يومنا هذا: فالسباق اليوم يتعلق بمن سيتمكن من البناء على القمر أولًا.
بعد مرور أكثر من 50 عامًا على هبوط الإنسان على سطح القمر، تعمل اليوم الصين والولايات المتحدة على تشييد منشآت سكنية طويلة الأمد.
لكن لماذا نريد البناء على القمر؟
تنطبق هنا قاعدة الأولوية لمن يسبق، فلا أحد يملك القمر – حيث لا يوجد تقسيم حدودي ولا نزاع على ملكية الأراضي ولا يقطن فيه سكان أصليون من الفضائيين لنضطر إلى التفاوض معهم (حسبما نعرفه) – وبالطبع يُمكن أن يتطلع الجميع إلى استغلال الفرص والموارد المتاحة فيه دون الحاجة إلى التفاوض مع كيان آخر.
وعلى الرغم من أن معاهدة الفضاء الخارجي تنص على أنه لا أحد يملك القمر ولا يمكن لأحد أن يمتلك أجزاءً منه، إلا أن قواعد الشركات الخاصة غامضة، ففي عام 2020، أصدرت إدارة ترامب الأمريكية أمرًا تنفيذيًا يسمح للشركات الخاصة بالتعدين على القمر.

رحلة عبر التاريخ لاكتشاف المياه على سطح القمر
وضع العلماء نظريات حول وجود الماء على القمر لعدة قرون، ابتداءً من المحيطات القمرية الوفيرة وصولًا إلى الحطام الصخري القاحل، لطالما كانت نظريات وجود الماء على سطح القمر متطرفة، إلّا أنه لم يعد هناك حاجة للنظرية، إذ يقدم سطح القمر أجوبة على سؤال: هل يمكنني الحصول على شربة ماء على القمر؟
اتبع العلم لأنه يكشف كيف قادتنا النظريات المبكرة إلى ما نعرفه اليوم Read more›››
1645: رسم عالم الفلك الهولندي مايكل فان لانغرين، أول خريطة للقمر، والتي أشارت إلى أن الثقوب المظلمة الموجودة على القمر والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة هي محيطات.
1892: اقترح عالم الفلك الأمريكي ويليام بيكرينغ أنه نظرًا لعدم وجود غلاف جوي للقمر، فإن أي ماء سوف يتبخر.
1960: افترض العلماء أن البرودة الشديدة لأجزاء من القمر والتي لا ترى الشمس أبدًا يمكن أن تكون موطنًا للمياه المتجمدة.
1969 – 1972: يكتشف العلماء بأن الحطام الصخري الذي جمعته بعثة أبولو خالٍ من الماء.
2008: إعادة فحص عينات التربة القمرية تكشف عن جزيئات ماء.
2018: أكد فريق من العلماء وجود جليد داخل الحفر في قطبَي القمر، حيث لا ترتفع درجة الحرارة هنا عن -250 درجة فهرنهايت أبدًا.
2020: ناسا تؤكد وجود الماء على الأسطح المضاءة بنور الشمس أيضًا.
2023: تكتشف البعثة الصينية خرزات زجاجية صغيرة تحتوي على الماء في التربة القمرية وتحديدًا في المواقع التي تصطدم فيها النيازك بالقمر، حيث توجد مليارات وربما تريليونات منها على السطح، ولا يتجاوز حجم كل واحد منها عرض شعرتين‹‹‹ Read less
والآن بعد أن علمنا أن القمر ليس مصنوعًا من الجبن، يبذل اللاعبون قصارى جهدهم ليحصلوا على عينات منه ويتعرفوا على مكوناته.
ولأنهم يريدون ذلك بشدة، يجب أن تفوق النتيجة توقعاتهم أليس كذلك؟
نأسف لتخييب آمالكم ولكن الأمر لا يختلف كثيرًا عما يوجد هنا على الأرض، باستثناء حفنة من المعادن الجديدة.
يقول إيان كروفورد، أستاذ علوم الكواكب وعلم الأحياء الفلكي في جامعة بيربيك في لندن: “الأرض والقمر مصنوعان من المادة نفسها، لأن النظام الشمسي مصنوع من نفس المادة”.

المشكلة هي أن الأشياء الموجودة هنا على الأرض لا تساعدنا في بناء المنشآت في الفضاء، وهذه هي الخطة طويلة المدى: البناء على القمر دون نقل المواد من الأرض أو حرمان الأرض من مواردها.
“يجب ألّا ننسَ التكلفة”، كما يقول شون سواي، مدير مركز تكنولوجيا الفضاء والابتكار في جامعة خليفة. “حيث تُقاس التكلفة هنا على الأرجح بمقدار الطاقة اللازمة لإجراء التعدين والتحويل. على سبيل المثال، يكلف إرسال لتر واحد من الماء إلى القمر حوالي 1.2 مليون دولار أمريكي، فإذا تمكنا من التوصل إلى مركبة إطلاق أكثر فعالية، فقد تنخفض التكلفة إلى 10 آلاف دولار أمريكي. وبالتالي، قد يظل نقل حمولة كبيرة إلى القمر أمرًا معقولًا على الرغم من أننا لا نزال نرغب في تمكين استخدام الموارد في الموقع الأصلي من أجل الاستدامة.”

أعلنت وكالة ناسا في عام 2022 أنها استأجرت أربع شركات خاصة للتعدين على سطح القمر. أول واحدة هي “لونار أوت بوست” وهي شركة مهمتها توطين البشر على القمر، حيث كلف “لونار أوت بوست” وكالة ناسا دولارًا أمريكيًا واحدًا مقابل قيام المركبة الجوالة التابعة للشركة الخاصة بالحصول على جزء من التربة القمرية والتقاط صورة لها ونقل الملكية إلى وكالة ناسا.
شهد هذا بداية الاستغلال التجاري للمعادن القمرية، كما أنه يمثل الإجراء الأول في خطة ناسا لبناء مسكن طويل الأمد للبشر على سطح القمر بحلول عام 2030، حيث أطلق برنامج “أرتيمس” التابع لناسا مرحلته الأولى لاختبار مركبته الفضائية غير المأهولة بالبشر الضخمة الجديدة في عام 2022، وعادت بنجاح إلى الأرض مع جميع دمى عرض الملابس والألعاب المحشوة على هيئة “شون ذا شيب” دون أن يصاب أي واحد منها بأذى. ستأخذ “أرتميس 2” رواد فضاء في رحلة حول القمر، وستختم “أرتميس 3” المشروع بهدف نهائي ألا وهو تشييد منشآت سكنية.

لا شك بأن تلك القواعد ستكون بحاجة إلى مواد بناء يتم إنتاجها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وهنا يأتي دور تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
سبق أن استخدمت وكالة ناسا تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في الماضي على محطة الفضاء الدولية، وذلك باستخدام الحطام الصخري للقمر لأغراض بحثية، ولكنها أعلنت في عام 2022 منحها عقدًا بقيمة 60 مليون دولار أمريكي لشركة أوليمبوس للبناء التكنولوجي لبناء طابعة ليزر ثلاثية الأبعاد على كل من القمر والمريخ.
انضمت الصين أيضًا إلى سباق الطباعة ثلاثية الأبعاد، فوفقًا لتقرير رويترز لعام 2023، تأمل الصين أن تستخدم التكنولوجيا لطباعة محطة قمرية ثلاثية الأبعاد، وتشمل مهمتها لعام 2028 تصميم روبوت تتمثل مهمته في بناء لَبِنة باستخدام معادن القمر.
وفي الوقت نفسه، تعمل جامعة خليفة على التجميع الذاتي/الروبوتي للبنى التحتية الكبيرة للمساكن على القمر.
ويحتدم السباق.
يهدف برنامج الفضاء الصيني أيضًا إلى تعدين القمر لأغراض الاستكشاف، وفي حين أن بناء مأوى آمن ومستدام على القمر يعد أمرًا بالغ الأهمية لجميع اللاعبين، فإن اكتشاف مصادر الطاقة المحتملة لا يقل أهمية.

وفي هذا الصدد، فقد اكتشفت الولايات المتحدة وروسيا خمسة معادن جديدة على القمر، إلّا أن بعثة الصين إلى القمر في عام 2020 أسفرت عن اكتشاف معدن سادس، ألا وهو معدن فوسفوري يحمل اسم: “تشانغ سايت-واي”. وعلى الأرض، حيث يلعب الفوسفات دورًا أساسيًا في نمو النبات، وعلى الرغم من أننا لا نعرف بعد ما سيكشفه الفوسفات عن بلورات القمر أسطوانية الشكل، إلا أنه يمكن أن يكون مصدرًا محتملًا للطاقة في تلك الزيارات طويلة المدى إلى القمر.
يحلل العلماء في الصين بلورة “تشانغ سايت-واي” على أنها تحتوي على نظير الهيليوم 3، الذي يُعرف بندرته على الأرض.

يقول جيرالد كولسينسكي، المدير الفخري لمعهد تكنولوجيا الاندماج بجامعة ويسكونسن ماديسون، يمكن أن يغير هذا الاكتشاف قواعد اللعبة في مجال الطاقة.

ويضيف: “يمكن أن تنتج كمية الطاقة الموجودة في الهيليوم 3 على القمر، كل الكهرباء اللازمة على الأرض لمدة 1000 عام تقريبًا”.
يقول كولسينسكي بأن رواد الفضاء من برنامج أبولو الأمريكي اكتشفوا في عام 1970 أن الهيليوم 3 موجود في كل عينة تقريبًا تؤخذ من القمر.
ينفث الهيليوم-3 بواسطة الشمس وينتقل عبر النظام الشمسي بواسطة الرياح الشمسية. إلّا أن المجال المغناطيسي للأرض يصد الهيليوم-3، فلا يخترق غلافها الجوي إلّا كمية صغيرة منه.
ومع ذلك، يحتوي القمر على حوالي مليون طن متري من المادة، كما يقول كولسينسكي لمجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا.
يمكن أن تكون موارد القمر بمثابة منجم ذهب للطاقة النووية، ويقول الخبراء أن 40 غرامًا (ثماني ملاعق صغيرة) من الهيليوم-3 يمكن أن توفر طاقة تعادل 5000 طن من الفحم.
ونظرًا لأن الهيليوم-3 ليس مشعًا في حد ذاته، فيمكنه نتيجة لذلك أن يوفر طاقة نووية أكثر أمانًا ونظافة.
يقول كولسينسكي: “يُعد الهيليوم-3 أحد أنواع الوقود الاندماجي المتقدم الذي يمكنه إطلاق كميات هائلة من الطاقة مع تفادي عيوب الغازات الدفيئة الناتجة عن الوقود الأحفوري أو الكميات الكبيرة من النفايات المشعة الناتجة عن مفاعلات الانشطار”.

نظرًا لوفرة موارد الطاقة على القمر، لابد وأنك تعتقد أن القمر يحتوي على المزيد من الأصول الأخرى التي لم تُستغل بعد.
يقول كروفورد من جامعة بيربيك: للأسف، قد تكون مخطئًا.
يعتقد كروفورد بأنه على الرغم من أننا لم نستكشف بعد جزءًا كبيرًا من القمر، إلّا أنه لن يكون هناك أي اكتشافات مستقبلية مهمة تفيدنا على الأرض، كما يؤكد أن هذا السباق يدور حول ما يمكننا استخدامه أثناء وجودنا في الفضاء – سواء كان ذلك محطة قمرية أو فندق جيف بيزوس في المدار الأرضي المنخفض – وما يدفع الصخب الإعلامي حول الموضوع هو عامل السياسة الجغرافية.
“إنه لأمر مثير للاهتمام ومهم من وجهة نظر علمية، وعلى الرغم من أن عدد المواقع التي جمعنا وحللنا عينات منها لا يتجاوز 10 على سطح القمر، إلا أنني أشك في أن نشهد أية مفاجآت كبيرة ذات أهمية”، كما يقول في حديثه مع مجلة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا”.