يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››

لنتمكن من فهم آلية احتفاظ الإبل بالماء بشكل أفضل، قام فريق بحثي ضم باحثين من جامعة بريستول وجامعة الإمارات وجامعة خليفة بفحص جينات كلى الإبل بعد أن تعرضت لجفاف حاد بهدف التعرف إلى آلية تعايشها لفترات طويلة في ظروف مناخية قاسية دون شرب الماء والدروس التي يمكن للإنسان أن يتعلمها من ذلك.
وقام الفريق البحثي بنشر نتائج بحثهم في المجلة العلمية الدولية “كوميونيكيشنز بيولوجي” المتخصصة في بحوث علوم الأحياء Communications Biology.
قال الدكتور عبده آدم، الأستاذ الدكتور في علم الأدوية في جامعة خليفة: “تؤكد عمليات التكيف السلوكية والنفسية أن الماء لا يذهب هباء، حيث تأكل الإبل أوراق النباتات وتتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس بقدر الإمكان وتتكاثر في فصل الشتاء وتشرب كميات كبيرة من الماء عندما يتوفر لتقوم بتعويض نقص السوائل الناتج عن التجوال في الصحراء”.

وتُعرف الإبل بقدرتها على شرب 30 غالونًا من الماء في 13 دقيقة فقط، كما تحظى بقدرة على التكيف في تجنب الصدمة الإسموزية من خلال شرب الماء ببطء.
يساهم الممر الأنفي الذي يتميز بتعقيده في منع فقدان الماء خلال عملية الزفير ليتبخر على سطح فتحتي الأنف ويرطب الهواء الجاف خلال عمليات التنفس، وبالتالي تنخفض درجة حرارة الدم في أوردة الأنف.
يقوم الدم المبرد في الأوردة بفضل جدران الأوعية الدموية الرقيقة بتبريد الدم في الشرايين المؤدية إلى الدماغ، ما يعني أن دماغ الجمل له درجة حرارة منخفضة مقارنة بدرجة حرارته جسده ككل.
وفقًا لدراستنا التحليلية، تتأثر الجينات التي تلعب دورًا محوريًا في عمليات الاحتفاظ بالماء في الإبل بالتغيرات الحاصلة في مستويات الكوليسترول، حيث يساهم الحد من إنتاج الكوليسترول في حفظ الماء في الكلية.
– عبده آدم ، أستاذ دكتور في الصيدلة، جامعة خليفة
وتحظى خلايا الدم الحمراء أيضًا بشكلها الخاص الذي يعزز دور الإبل في تحمل الجفاف. إضافة لذلك، قلما تقوم الإبل بعملية التعرق حتى في أشد درجات الحرارة وبذلك فإنها تحتفظ بالماء لأطول فترة ممكنة.
نعم، فعلى الرغم من جميع هذه المزايا، يعود الدور الأكبر للاحتفاظ بالمياه في الإبل إلى الكلى.
وأضاف الدكتور عبده: “في سياق تغير المناخ، يوجد توجه جديد في فهم الآليات التي تمكن الإبل من التعايش في الظروف الصحراوية، حيث قمنا بفحص الكلى عند الإبل للتعرف إلى طريقة تأثر الجينات بالجفاف الحاد وعملية تعويض السوائل السريعة.
وفي هذا الإطار، توصلنا لتحليل مفاده أن الجينات المسؤولة عن الاحتفاظ بالماء تتأثر بمستويات الكوليسترول الذي يساهم الحد من إنتاجه في تعزيز دور الكلى على الاحتفاظ بالماء”.
يتميز البول الذي تخرجه الإبل بأنه عالي التركيز للاحتفاظ بأكبر نسبة ممكنة من الماء، الأمر الذي يتطلب توفر خصائص تشريحية معينة في الكلى لتتمكن من القيام بذلك. وأثبتت البحوث السابقة في هذا المجال أن الكلى لدى الإبل الصغيرة في العمر تختلف في تركيبها عن تلك البالغة والذي يفسر النقص الكبير في الماء عند الإبل البالغة الذي ينتج عنه جفاف حاد يؤثر على دور الجينات ويعزز آلية الاحتفاظ بالماء بشكل أفضل.
ولاحظ الفريق البحثي وجود دور فعال لنسبة الكوليسترول في الكلى خلال عملية الاحتفاظ بالماء، حيث تقل كميات الكوليسترول في أغشية الكلى عند الإبل التي تعاني من الجفاف وينخفض نشاط الجينات التي تتحكم في إنتاج الكوليسترول.
وقال الدكتور عبده: “لاحظنا تغيرات كبيرة في كميات بعض الجينات والبروتينات في كلى أحد الإبل العربية خلال فترة تعرضه للجفاف الحاد وتليها عملية سريعة لتعويض السوائل، حيث خرجنا بنتائج تشير إلى أن الجينات في التركيب الحيوي للكوليسترول وما نجم عنه من انخفاض بنسب الكوليسترول في أغشية الكلى هو ردة فعل الكلى للجفاف”.
يتم تنظيم العديد من الناقلات والقنوات الأيونية عن طريق تغير مستويات الكوليسترول في الخلية، حيث تساهم حالة الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة في حدوث عدم توازن في الشحنات الكهربائية في الجسم، كما تعد الكلى أحد العوامل التي تحافظ على توازن مستويات الشحنات الكهربائية.
وتتوقف الحركة داخل القنوات الأيونية وتُغلق عند زيادة كميات الكوليسترول، وفي حال انخفاض مستوياتها تتحرك جزيئات الماء والشحنات الكهربائية في جميع أجزاء الكلى، وبالتالي يتم امتصاصه في مجرى الدم، ما يسبب زيادة في تركيز البول.
وتوصل الباحثون أيضًا إلى أن الجينات التي تنظم عملية إنتاج بروتينات “أكوابورين-2” خلال فصل الصيف تكون أكثر فاعلية بهدف الاستعداد للظروف المناخية الصعبة خلال الفصل.
لاحظنا تغيرات هامة في كميات بعض الجينات والبروتينات المحددة في الكلى في سنام أحد الجمال العربية خلال حالات الجفاف الحادة وحالة تعويض السوائل المفرطة.
– عبده آدم
تساهم تلك البروتينات في تشكيل قناة داخل الأغشية الخلوية تتيح لجزيئات الماء المرور من خلالها. وفي حالات الجفاف، تندمج قنوات بروتينات “أكوابورين-2” في الأغشية الخلوية للكلية لتتيح إعادة امتصاص الماء في مجرى الدم، الأمر الذي يسبب زيادة في تركيز البول.
وتوصل الباحثون كذلك إلى أن انخفاض معدلات الكوليسترول تؤدي إلى ارتفاع مستويات بروتينات “أكوابورين-2”. عندما تقوم الإبل بشرب الماء، يقل نشاط التعبيرات الجينية لديها وتُغلق القنوات وتعود جينات تكوين الكوليسترول إلى مستوياتها الطبيعية.
يساهم هذا البحث في تعزيز فهمنا لمزايا التطور التي يقوم بها الجمل العربي للتعايش في الصحراء وتحقيق التطور الأفضل في مجال التصحر في ظل تغير المناخ، كما يساهم فهم آليات ضبط نسب الماء في حالات الجفاف في تطبيق العديد من المفاهيم التي من شأنها دعم مفهوم الحفاظ على الماء في نطاق واسع من التخصصات.