يقدم كل من الخشب والجاذبية والرمل وغيرهم حلولًا ممكنة›››
يبدو أننا قد تجاوزنا الأسوأ في أزمة الجائحة، وبدأنا للتو في الحصول على صورةٍ أفضل لكيفية تأثيرها على العالم. توجهنا بالسؤال إلى مجموعة من الخبراء في مجالات متنوعة عن وجهات نظرهم، وهذا ما قالوه:
الجائحة هي تذكير بواجباتنا تجاه بعضنا البعض
باتريشيا ديفيدسون
تعتبر الكوارث التي شهدها العالم عبر التاريخ، مثل الحروب والأوبئة، نقطة تحول وفرصة لإعادة التركيز على جميع قطاعات المجتمع. فمثلًا، على الرغم من الصعوبات التي سببتها جائحة كوفيد-19، إلا أن هناك الكثير من الدروس المستفادة من الجائحة.

باتريشيا ديفيدسون
انضمت البروفيسورة باتريشيا م. ديفيدسون إلى جامعة ولونجونج كنائب لرئيس الجامعة في مايو 2021. وقبل شغل منصبها الحالي، كانت ديفيدسون عميدة كلية جونز هوبكنز للتمريض في بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 2021، حصلت باتريشيا على جائزة القائد المتميز لاتحاد الجامعات من أجل الصحة العالمية.
أولاً، أثبتت الجائحة مدى الارتباط الوثيق الذي يجمع سكان هذا الكوكب ببعضهم البعض. ومع أن القيود التي فُرضت لها فوائد قصيرة المدى في الحد من انتشار العدوى، إلا أنها تسببت في العديد من العواقب غير المقصودة كشعور الأفراد بالوحدة والتراجع الاقتصادي.
نحتاج إلى التعاون الدولي وإلى دعم الحوكمة العالمية.
ثانياً، القيادة مهمة للغاية على المستوى العالمي والمحلي.
يمكن للأفراد أيضًا أن يساهموا بالتغيير، ويجب أن تكون رعاية الفئات الأكثر ضعفًا ضرورة مجتمعية وأن يتحمل القادة هذه المسؤولية.
لقد أصبحت المرونة والقدرة على الاستجابة للأحداث من أهم السمات التي تميز القيادة الحديثة، وهي دروس تعلمناها بشكل مؤلم في بعض الأحيان.
وقد أكدت التحديات والخسائر التي ترتبت على الجائحة على أهمية العلوم والإمكانيات التي توفرها لنا.
وفي هذا الصدد، ساهمت دراسة الحمض النووي الريبوزي (RNA) والتوصل السريع إلى اللقاحات والعلاجات المضادة للفيروسات في إنقاذ ملايين الأفراد.
وفي ظل الخطابات القومية والشعبوية، ظهرت أيضًا تعاونات ومساهمات داعمة متميزة في المجتمعات المحلية والعالمية.
وتتضمن الدروس الهامة المستفادة بالنسبة لي عند التفكير في الجائحة ما يلي: أننا أخفقنا في رعاية كوكبنا وها نحن ندفع ثمن ذلك، وأن دور كل من القيادة والشعب هام للغاية وإمكانيات العلم لا حصر لها.
ووفقًا لما قاله جويس لاو (2022) من مؤسسة التايمز للتعليم العالي، يمكن للجامعات أن تكون “منارات الأمل في الأوقات الصعبة”.
وقد تكون العلوم والبحث عن المعرفة لغة عالمية ومصدرًا لإيجاد أرضية مشتركة للتعاون، كما يمكن للاستفادة من فعالية العلوم والعناية بالكوكب وسكانه أن تعزز من الفرص الثمينة، حيث يؤدي الإخفاق في استخلاص الدروس المستفادة من هذه الجائحة لتعرضنا جميعاً للخطر.
نحن مدينون للأرواح التي فقدناها والمعاناة الهائلة التي نعانيها في السعي لجعل كوكبنا أكثر صحة وعدلًا للجميع.
سلاسل التوريد يجب أن تكون ذكية ومحمية
راي جونسون
تجسد مدى هشاشة سلاسل التوريد العالمية واحدة من الدروس البارزة التي تعلمناها من العامين الماضيين،حيث يمثل العالم اليوم منظومة مترابطة ومتداخلة وشبكة من الشركاء والعلاقات التي تتوزع في جميع أنحاء العالم؛ وتعتمد هذه الشبكة الواسعة على العديد من المتغيرات التي تعرضت لضغط هائل خلال مواجهة جائحة كوفيد-19.

راي جونسون
د. راي جونسون الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي وأسباير في أبو ظبي.
لقد اضطرت الحكومات والشركات والمنظمات في كل مكان على التكيف بين عشية وضحاها مع “الوضع الطبيعي الجديد” والمتغير بشكل دائم؛ حيث استمر الفيروس في التحور وواصل العلماء والمتخصصون في الشؤون الصحية سعيهم للحفاظ على سلامتنا.
وفي ضوء هذه الخلفية، يتبادر إلى الأذهان تفكير عالم الطبيعة الشهير تشارلز داروين، فقد توصلت أبحاثه إلى نتيجة مفادها أنه “ليس أقوى أفراد النوع هو الذي يبقى ولا أكثرهم ذكاء بل أكثرهم قدرةً على التأقلم مع التغيرات”. إن القدرة على التأقلم والتكيف في مواجهة الشدائد هي السمة ذاتها التي مكنت سلسلة التوريد الخاصة باللقاحات وغيرها من المستلزمات الضرورية من التدفق حول العالم.
وتجدر الإشارة إلى التقرير الصادر عن موانئ دبي العالمية، الشركة العالمية الرائدة في سلاسل التوريد، والذي سلط الضوء على أن 83٪ من الشركات تعمل على إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بها. ومع ذلك، فإن النقطة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن عمليات إعادة التشكيل هذه كانت من أجل تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، وزيادة عدد البلدان التي تتاجر معها، وإضافة المزيد من التحسينات إلى النظام، بدلاً من عكس اتجاه العولمة لصالح النزعة الوطنية والمحلية.
وفي حين أنه من المهم أن تحتفظ البلدان بالقدرات السيادية، لا سيما في القطاعات الحيوية والبنية التحتية الوطنية، إلا أنه يمكن اعتبار رغبة المنظمات في زيادة عدد شركائها التجاريين من الأمور الإيجابية.
وللوصول لهذا الفكر الإيجابي وتحقيق الازدهار، ينبغي علينا العمل الجاد ومواصلة تطوير التكنولوجيات والأنظمة لرقمنة سلاسل التوريد عالميًا وحمايتها وضمان ترابط وفعالية الشبكة العالمية.
زيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال على الشاشات يعيق نموهم
بينو جورج
مع انتشار الوباء، برزت مزايا التكنولوجيا، فبداية من الترفيه إلى تطبيقات توصيل الطعام وحتى التعليم المستمر للأطفال الذي مكّن عملية التعلم عن بعد، وقد ساعدتنا التكنولوجيا على تحمل صعوبة الحجر الصحي والعزلة التي سببها الوباء، ومع ذلك، فقد أجبرتنا في الوقت ذاته أيضًا على اتخاذ بعض خيارات التربية التي يتم الإشارة إليها الآن بشكل متزايد على أنها تسببت في ضرر أكبر من نفعها.

بينو جورج
د. بينو جورج طبيب أطفال متخصص في نمو الأطفال، ويرأس قسم نمو الطفل في مستشفى إن إم سي رويال في أبوظبي، كما أنه مستشار في مجال أنشطة نماء الطفل في هيئة الطفولة المبكرة ودائرة الصحة في أبوظبي.
لنتحدث عن الوقت الكبير الذي أمضاه الأطفال على الشاشات خلال هذه الفترة؛ فنظرًا للفرص المحدودة للغاية للتواصل الاجتماعي والاستجمام وأنشطة اللعب المتاحة، اضطرت العائلات أكثر فأكثر للترفيه عن أطفالهم وإشغالهم من خلال منصات الترفيه الرقمية، وكان لهذا آثاره المنهكة على جميع الأطفال، خاصةً الأطفال في سن ما قبل المدرسة.
الجدير بالذكر أن نمو الدماغ وتطوره يكون في ذروته لدى الأطفال من عمر 0 إلى 4 سنوات. وفي يومنا هذا، تساعد التجارب الاجتماعية وتجارب اللعب على تشكيل مهاراتنا وسلوكياتنا، والتي تظهر بشكل واضح خلال مراحل النمو ويمكن مراقبتها.
لاحظ أطباء الأطفال في جميع أنحاء العالم زيادة مقلقة في نسبة القصور في مهارات الاتصال واللغة والانتباه والتفاعل لدى الأطفال الذين كانوا في هذه المرحلة العمرية أثناء الجائحة؛ حيث كانت هناك نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال يقضون ساعات كثيرة على مدار اليوم أمام القنوات الترفيهية، خاصة عبر تطبيقات البث والتطبيقات الأخرى مثل اليوتيوب.
وقد أدى ذلك إلى أن هؤلاء الأطفال لم يضيعوا فقط الفرص الضئيلة أصلًا للتواصل الاجتماعي والتفاعل، وبالتالي تطوير مهارات التواصل الاجتماعي، ولكنهم بدأوا أيضاً في تجاهلها بشكل كبير لقضاء المزيد من الوقت على الشاشات. وفي الواقع. يمكن ملاحظة هذا الإدمان على الشاشة بشكل واضح في جميع مجتمعات العالم، وما يترتب عليه من تزايد في معدلات الإصابة بأمراض التأخر في النمو.
وقد أصبح من الضروري تثقيف الآباء حول الاستخدام غير المقيد للأجهزة من أجل الترفيه عن أطفالهم في سن ما قبل المدرسة، والانخراط في مزيد من المشاركات التفاعلية لتعزيز النمو.
لا يمكننا أن نلقي باللوم على الوباء في مشاكل سلاسل التوريد
دوغ مونرو
لم يسمع بمصطلح سلسلة التوريد سوى القليل ممن يتعامل معها في صناعته قبل انتشار جائحة كوفيد-19. أما الآن فيبدو أن سلسلة التوريد قد أصبحت كبش الفداء لجميع المشاكل الاقتصادية في عالم مضطرب.

دوغ مونرو
دوغ مونرو أكاديمي متقاعد ومسؤول تنفيذي في صناعة السيارات، حيث عمل في 10 دول خلال مسيرته المهنية، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ولاية أوهايو.
أدت جائحة كوفيد-19 إلى ظهور العديد من التحديات منها عمليات الإغلاق والحظر وإغلاق المصانع والمكاتب ومشكلات النقل. وقد تطلبت هذه الأحداث من المنتجين وتجار الجملة وتجار التجزئة والنظم التي تنقل هذه المنتجات بين تلك البيئات ضرورة البحث عن مخرج للتكيف مع بيئة سريعة التغير.
ونظرًا لمواصلة عمليات الإغلاق تأثيرها على النشاط الاقتصادي، لا سيما في الصين، فإن الآثار المترتبة على جائحة فيروس كورونا استمرت حتى عام 2022.
لكن هذه ليست العوامل الوحيدة التي أثرت على سلاسل التوريد.
تلعب الأعمال التي هي من صنع الإنسان مثل فرض الرسوم الجمركية، والحرب في أوكرانيا وإغلاق خطوط أنابيب الغاز وقرارات إنتاج أوبك والتوترات السياسية المتزايدة التي تؤدي إلى فرض القيود التجارية، دورًا رئيسًا في هذا الصدد. إضافة إلى ذلك، فإن شيخوخة السكان في البلدان المتقدمة وانخفاض القوة العاملة لديها قد أفضى إلى حدوث نقص في العمالة، وغالباً ما تتفاقم تلك المشاكل بسبب المعارضة السياسية للهجرة. وبشكل عام، قد تكون الجائحة ساهمت بالتأثير على سلاسل التوريد إلا أنها ليست الوحيدة المسببة لتلك المشاكل.
ويعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خير مثال على اضطراب سلسلة التوريد التي هي من صنع الإنسان، بغض النظر عن فيروس كورونا المستجد.
لقد وافق الناخبون البريطانيون على هذا الإجراء السياسي في عام 2016 وتم تنفيذه في نهاية عام 2020؛ حيث ساهمت هذه الإجراءات السياسية في تعطل النشاط الاقتصادي البريطاني بشكل كبير.
وكان شعار أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو “استعادة السيطرة”. وللأسف، تجاهل هؤلاء تعقيدات هذا العالم المترابط الذي نعيش فيه.
ويمكن أن نأخذ صناعة السيارات في بريطانيا كدراسة حالة جيدة في هذا السياق؛ فالسيارات هي أكبر الصادرات من المملكة المتحدة من حيث القيمة، وأكثر من نصفها يذهب إلى الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعرض ذلك كله للخطر.

Tلكن أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحتجون بأن الحرية الجديدة للمملكة المتحدة ستتيح للبلاد التوسع عالمياً. ومع ذلك ونظراً لأن جميع مصانع السيارات الرئيسة في المملكة المتحدة مملوكة للأجانب، ولديها جميعًا توزيع عالمي راسخ، فمن غير المرجح أن يُسمح للصادرات البريطانية بالسير في طريقها الخاص.
إضافة لهذا الاضطراب، فإنه يتم استيراد أكثر من 50% من محتوى السيارات المصنعة في المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وستكون النتيجة أن عمليات سلسلة التوريد المتطورة التي تحدد عمليات التجميع في الوقت المناسب لمصانع السيارات الكبيرة سوف تتعطل بفعل عمليات التفتيش على الحدود، كما أنه من المرجح أن تخضع الصادرات لرسوم مستمرة، وكل هذه الإجراءات لن تكون في صالح المملكة المتحدة.
ووفقًا لجمعية مصنعي وتجار السيارات في المملكة المتحدة، تعتبر السيارات أحد أكثر القطاعات تضررًا بسبب جائحة كوفيد التي تسببت في اضطراب كبير في سلسلة التوريد. وتتمثل الحقيقة في أن جائحة كوفيد شكلت مشكلة، ولكن الضربة الأكبر هي نتاج ما فعله الناس بأيديهم.
في عام 2015، توقعت مجموعة تجارة السيارات في المملكة المتحدة أن يصل إنتاج السيارات في المملكة المتحدة في عام 2020 إلى 2 مليون سيارة؛ وقد كان الإجمالي الفعلي في هذا التوقيت أقل من نصف هذا العدد. وبين عامي 2019 و2021، انخفض الإنتاج العالمي من السيارات بنسبة 13٪ تقريباً؛ وانخفض إنتاج السيارات في المملكة المتحدة بنسبة 32%، ومن الصعب إلقاء اللوم على الجائحة في صناعة هذا الفارق.
ليس هناك شك في أن جائحة كوفيد-19 قد فرضت العديد من التحديات في جميع أنحاء العالم، لكن من غير العدل إلقاء اللوم على الوباء في كل ما حدث من أخطاء، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و”الحرية” التي جاؤوا بها تُؤكد أننا تعلمنا طرقًا لإلقاء اللوم على الفيروس في الكثير من الأخطاء التي حدثت. وكما ذكرت جانيس جوبلين في أغنيتها “الحرية مجرد كلمة أخرى تشير إلى أنه ليس لدي ما أخسره”. قد يكون هذا هو الدرس الأبرز للمملكة المتحدة في عالم ما بعد كوفيد-19.