تعتمد الباحثة في دولة الإمارات ليندا زو على تكنولوجيا النانو
لتطوير مواد جديدة لاستخدامها في تلقيح السحب›››
يساهم جيل من الأدوية تسمى الأجسام المضادة وحيدة المنشأ، في تغيير طبيعة علاج الأمراض من خلال استهداف العوامل المسببة للمرض وتحفيز الخلايا المناعية. وفي هذا السياق، قد يكشف إرسال بروتينات أساسية معدّلة وراثيًا إلى الفضاء لإجراء المزيد من البحوث، عن طرق لجعل الأدوية أكثر تركيزًا وأسهل في الإدارة.
تُمثّل الأجسام المضادة وحيدة المنشأ حوالي ثلث العلاجات المعتمدة على البروتين، وغالبًا ما تُستخدم لعلاج السرطان والالتهابات، وتُعرف بقدرتها على استهداف بروتين معين لمسببات الأمراض ومنعه من غزو المزيد من الخلايا. ويعني ذلك أن العلاج مصمم بشكل خاص لذلك المرض، إلّا أن المشكلة تكمن في حاجة المرضى إلى الحصول على هذه الأدوية بكميات كبيرة على مدى فترات طويلة من الزمن.
يُعتبر حجم “البروتينات” صغيرًا جدًا حيث لا يمكن دراستها تحت المجهر. لذلك، يساهم تحويلها إلى بلورات في تعزيز فهم الباحثين لبنيتها ثلاثية الأبعاد على نحو أفضل، كما يكشف تركيبها عن كيفية عمل البروتين وكيف يؤثر في سيناريوهات الأمراض، وبالتالي سنتمكن بعد فهم ذلك من تطوير أدوية تتشابك مع البروتين وتحارب المرض.
تُعتبر البروتينات في حد ذاتها أهدافًا دوائية، فضلًا عن أنها فئة مهمة من العلاجات، كما تحتاج شركات تصميم الأدوية إلى هياكل بروتينية عالية الدقة لتصميم الأدوية المناسبة.
وهنا، يأتي دور الجاذبية الصغرى.
يمكن أن تمنع جاذبية الأرض نمو البلورات ونوعيتها من خلال التأثير على كيفية وضع الجزيئات نفسها على السطح الخارجي للبلورة، وهذا يجعل الفضاء بيئة مثالية لهذا النوع من البحوث.
عملية متداخلة
قام ديفيد شيهان، وهو أستاذ الكيمياء الحيوية في قسم الكيمياء في جامعة خليفة، بعمليات بلورة البروتينات لمدة 12 عامًا. ويتوقع أن يتم نقل بروتيناته، الموجودة في اليابان حاليًا، إلى محطة الفضاء الدولية في شهر فبراير من عام 2024.

قد يبدو تحويل البروتينات إلى بلورات وكأنه خدعة سحرية، إلا أن العملية معقدة للغاية، ويمكن أن تُعزى العديد من الانتصارات في عمليات البلورة الناجحة إلى عامل الوقت والصبر والحظ.
ووفقًا لديفيد، يتم تنقية البروتين يُنقّى وفصله عن أي شيء قد يمنع التبلور كالمواد الدهنية في الخلايا، كما يتم الحفاظ على مستوى الرقم الهيدروجيني لبيئة نمو مثالية، ويمكن إضافة الملح لزيادة القوة الأيونية و تركيز المحلول.
تُضاف مرسبات أخرى مثل البولي إيثيلين غلايكول أو المذيبات العضوية، والتي تقلل من ذوبان البروتين. ومن ثم، يتم التلاعب بالظروف بعدة طرق، مثل ضبط درجة الحرارة أو التعرض للجاذبية.
يُشكل دمج المواد الكيميائية المضافة ودرجة الحموضة، مع بعضها، حالة. وتنتج البلورات عن معظم البروتينات في حالات قليلة جدًا، لذلك يُعتبر من الضروري فحص آلاف الحالات للعثور على كمية البروتين القليلة التي ستنتج بلورات قابلة للاستخدام.
– د. ديفيد شيهان، أستاذ الكيمياء الحيوية في قسم الكيمياء ،جامعة خليفة
الفكرة الرئيسة هنا تكمن في عملية في الانتظار، حيث يمكن أن تتشكل البلورات خلال أسبوع أو عام وقد لا تتشكل على الإطلاق. أضاف ديفيد أن الباحثين يقضون معظم وقتهم في المراقبة وانتظار الحصول على بلورة، إلّا أن معظمهم لن يراها: “عندما تظهر البلورة وإن ظهرت، فهذا يعني بأنك حصلت على مشروع.”
وفي دراسته، استجابت البلورات جيدًا لإضافة الجسيمات النانوية وحصل الفريق البحثي على 15 بلورة من لوحة مكونة من 16 بروتينًا تمت دراسته، علمًا بأن معظم هذه الأنواع من التجارب قد تنتهي عادةً بالحصول على بلورة واحدة أو اثنتين من بين آلاف التجارب.
وقال لمجلة جامعة خليفة: “وجدنا صيغة واحدة تتميز بفعالية أفضل من غيرها، واستعنا بتلك الجسيمات النانوية في حوالي 200 حالة.”
أكد ديفيد أن ذلك يُعد أمرًا غير مسبوق وأنه كان يتوقع هذا الإنجاز المتميز. ورأى ديفيد أن فريقه كان جديرًا بالحصول على فرصة المشاركة بالمهمة الفضائية والتي تتضمن نقل عينات البروتين إلى اليابان ليتم فحصها وإرسالها بعد ذلك إلى محطة الفضاء الدولية في العام 2024.

رحلة إلى الفضاء
يتمتع المشروع بتاريخ حافل. طوّر ديفيد أول بلورة بروتينية مشبعة بالجسيمات النانوية منذ أكثر من عقد من الزمن نتيجة لفكرة كانت قيد الدراسة وثلاجة مليئة بالبروتينات المتاحة وطالب يبحث عن مشروع وصديق قادر على الوصول إلى المسرع الدوراني التزامني أو السنكروترون، وهو آلة تستخدم الكهرباء لإنشاء حزم أشعة سينية مكثفة لدراسة الخواص الكيميائية والهيكلية للمادة.
أجرى الطالب تجربة باستخدام جسيمين نانويين، مختلفين عن اللذيْن استخدمهما في المشروع الأخير، وقال في هذا الصدد: “تطورت البلورات بسرعة كبيرة وبشكل أكبر حجمًا بوجود جسيم نانوي، حيث نجح ذلك مع كلا الجسيمين النانويين.”
تمت محاذاة النجوم (البلورات بالأحرى) في خط مستقيم ليقوم كل من ديفيد وطالبه بنقل البروتينات إلى صديق متخصص في علم البلورات في دبلن، الذي قرر نقلها إلى المسرع الدوراني التزامني (السنكروترون) في باريس.
يبلغ حجم المسرع الدوراني التزامني حجم ملعب كرة قدم تقريبًا، ويُعد وسيلة مثالية لتحديد التركيب الذري ثلاثي الأبعاد للبروتين. قال ديفيد في هذا السياق: “تشمل هذه الطريقة تبلور البروتين وإجراء تحليل شامل باستخدام طريقة تسمى البلورات بالأشعة السينية”.
هنا، يُرسَل شعاع الأشعة السينية من خلال البلورة، ويتفاعل الشعاع مع الذرات الموجودة في شبكة البلورة التي تتبعثر لتشكل نمطًا. وبعد تسجيل النمط، ينتج عن عملية تدوير البروتين صورًا متعددة من خلال جمع المزيد من الأنماط لتتكون لدينا خريطة بيانية، ثم يقوم الباحثون بتحليل البيانات وإنشاء هيكل ثلاثي الأبعاد.
التركيز على البروتينات
لكن لماذا نركز بشدة على البروتينات؟ لِمَ لا نستعيض بجزيئات أخرى؟
Proteins تضطلع البروتينات بدور أساسي في معظم الأنظمة الحيوية، كما أنها مسؤولة عن معظم الوظائف الخلوية، كشكل الخلايا وتصميمها الداخلي وإنتاجها وتنظيفها وصيانتها العامة وتواصلها أيضًا، وهذا ما يجعلها العنصر النشط في الخلية. ووفقًا لديفيد، فإن ذلك يجعلهم محط اهتمام لتطوير الأدوية المستهدفة.
يعتمد أكثر من 130 علاج على البروتين في السوق، وتهدف الخطوة التالية إلى تحسينها.
تتطلب الأدوية الحالية لأمراض كالسرطان على سبيل المثال من المرضى، تناولها لفترات طويلة. حيث يضطر المرضى إلى الجلوس في العيادة لساعات في كل مرة، للحصول على الأدوية عبر الوريد لضمان حصولهم على التركيز الصحيح من العلاج. يمكن أن تستمر هذه العلاجات لعدة أشهر أو سنوات. تخيل لو كان بإمكانهم بدلًا من كل ذلك، الحصول على حقنة بسيطة في العيادة، وهذا بالضبط ما تعمل عليه شركة الأدوية العملاقة ميرك.

يعتمد هذا النوع من تطوير الأدوية على بحوث كتلك التي قام بها ديفيد وفريقه.
يُعد بروتين الفورين مثلًا، وهو البروتين الموجود في اليابان حاليًا، هدفًا محتملًا للأدوية المضادة للفيروسات لعلاج فيروس الكوفيد-19.
قد يعني ذلك مشروعًا تجاريًا، بالإضافة إلى كونه مساهمة في العلوم ومكافحة الأمراض وتحسين رعاية المرضى.
قال ديفيد: “يمكن أن يكون هذا مشروعًا كبيرًا جدًا، يمكنني تصور خيارين للتسويق، أحدهما هو تسويق هذه الشاشة كشاشة متبلورة والآخر هو شركة ناشئة تقدم هذه الفكرة كخدمة.”
يزيد معدل النجاح الحالي للفريق عن 90%، الأمر الذي يحمل آمالًا واعدة.
جدير بالذكر أن ديفيد وسلمى سلطانة سيد، واحدة من الباحثين في فريقه، سجلا براءة اختراع لشاشتهما في الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات وبراءة اختراع لا تزال قيد الإجراء في أوروبا، كما أنهم يبحثون في إمكانية إنشاء شركة ناشئة تسمى “بروسكرينيكس”.
يُتوقع أن تصل القيمة السوقية العالمية للعلاجات البروتينية إلى 566.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، مقارنة بقيمة بلغ قدرها 283.64 مليار دولار أمريكي في عام 2020، وفقًا لشركة “ألايد ماركت ريسيرتش”.